يكشف مؤرخ واعلامي عراقي اسرارا غير معروفة من تاريخ العراق تحت قيادة حزب البعث شهدت مؤامرات وتنافس على السلطة انتهت بأعدام مجموعة من قياديي الحزب استطاع الرئيس العراقي الاسبق صدام حسين من تصفيتهم والتخلص منهم لينفرد بالسلطة على مدى 34 عاما شهدت احداثا جساما ومآس وحروب افضت الى الاوضاع الراهنة التي يعيشها العراق .
فقد صدر عن الدار العربية للموسوعات مؤخرا كتاب يحمل عنوان ( اللغز في إعدام ناظم كزار مدير الامن العام وعبد الخالق السامرائي عضو القيادتين القومية والقطرية واربعة آخرين اعضاء مجلس قيادة الثورة) للمؤرخ والاعلامي العراقي سيف الدين الدوري المقيم في لندن .
لغز محير
ويقول المؤلف ان مؤامرة ناظم كزار عام ظلت لغزاً محيراً فالبعض قال انها مؤامرة صدام حسين ضد الرئيس أحمد حسن البكر نفذها ناظم كزار ليتخلص منه ومن عبد الخالق السامرائي الذي إمتلك شعبية واسعة داخل صفوف الحزب من خلال إبتعاده عن أي مسؤولية في الدولة مكتفياً وفي الفترة التي كان عبد الخالق مسؤولا عن شؤون الثقافة والاعلام، شهدت صحافة التمويل والتبشير أعمق أزماتها، فلم يوزع على أحد منها شيئاً، ورفض مشروع إستئجار الكتّاب والمثقفين بمسؤولية المكتب الثقافي في الحزب، وبعضهم قال أنها مؤامرة ناظم كزار للتخلص من الرئيس البكر و نائبه صدام حسين.
يتضمن الكتاب الذي يحتوي على 376 صفحة معلومات عن حياة عبد الخالق السامرائي الذي امتلك شعبية واسعة بين صفوف البعثيين لما تميز به من سلوك تواضعي وإبتعاده عن أي مسؤولية في الدولة مكتفياً بمسؤولية المكتب الثقافي في الحزب رافضاً باصرار أن يحمل حقيبة وزارية متفرغاً لشؤون التنظيم الثقافي فجمع حوله مثقفين وشعراء ورجال سياسة فنال ثقتهم .
عبد الخالق السامرائي قيادي زاهد
وعبد الخالق السامرائي كما يقول الكاتب والمفكر العراقي حسن العلوي مسؤولاً عن حياكة شبكة إعلامية وثقافية تستهدف عن طريق الحوار الهادىء والشعار الجميل إستمالة المثقفين العراقيين أو على الأقل تحييد رؤيتهم إلى حزب البعث في محاولة لغسل ثيابه من بقع الدم القديمة وطموحه أن يبني تحالفات صميمية مع أجنحة الحركة الوطنية العراقية بفرعيها العربي والكردي. فقد كان عبد الخالق السامرائي من أكثر البعثيين فهماً للحقوق الكردية المشروعة وتمكن من إيجاد علاقات مميزة مع الاكراد. وكان مرتضى الحديثي عضو القيادة القطرية لحزب البعث من أشد المتأثرين بطروحات زميله عبد الخالق السامرائي فيما يتعلق بالقضية الكردية ضمن قيادات البعث كما شكّل مع القياديين الاخرين في البعث غانم عبد الجليل وشكري الحديثي وخالد عبد الحليم مجموعة عمل متكاملة سعت للحل السياسي للقضية الكردية.
وفي عام 1973 كان عبد الخالق السامرائي مازال مشغولاً بمشروعه الفكري لاعادة النظر بفكر الحزب وهو ما كان سيطرحه في مؤتمر منتظر لقيادة البعث.
ويوضح الكاتب الدوري ان السامرائي كان نموذجاً أخلاقياً باهراً لكن كثيرين لم يكن بامكانهم تحملّه، فأمام إغراءات السلطة كان السامرائي يشّكل حاجزاً أمام هؤلاء وحتى أنه كان أقسى مما يجب، لأنه بسلوكه كان يشكّل عنصر ردع لكل طامع بامتيازات السلطة، أما رقابته فقد كانت صارمة و توجيهاته حاسمة، أنه يكنى بـ (أبو دحام ) وليس له دحام فلم يتزوج. لقد كان السامرائي يريد للحزب أن يكون داراً للفقراء وخيمة ًثوريةً للعرب وربما لهذا السبب سمي درويش الحزب أو لأن نمط حياته الخاصة يوحي بالدروشة. بدءا من لباسه البسيط.
ويتطرق الكتاب الى دورعبد الخالق السامرائي في مسيرة حزب البعث وافكاره وتطلعاته المستقبلية فقد كان يشدد على ضرورة قيام جبهة تستند إلى ميثاق وطني يتضمن القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتكون الجبهة هي القيادة العليا في العراق وليس مجلس قيادة الثورة. وكان ناظم كزار مؤيداً ومتعاطفاً مع طروحات وأفكار عبد الخالق السامرائي.
.ويتحدّر عبد الخالق السامرائي من اصول ريفية غير ميسورة مع ان في عشيرة السامرائي الكثير من الملاكين الكبار والاغنياء واصحاب الاعمال الخاصة في الصناعة والمقاولات. وميزته ليست انه مناضل صلب محترف ومتفان فحسب فهذه صفات تكاد تكون نقطة الالتقاء بين كثير من البعثيين العراقيين ولكن السمة الابرز لديه كانت انه زاهد ومتقشف لدرجة تجعله في مصاف النساك.. انه مبدئي وزاهدا بالسلطة ويعتبرها وسيلة وليست هدفاً وكان يخرج من القصر الجمهوري ويسير على قدميه ليستقل الباص العمومي الذي كان يمر من امام القصر لانه كان يرفض حيازة سيارة خاصة به وكانت غرفة الاستقبال في بيته مفروشه بمقاعد الجلوس الخشبية التي تستخدم في المقاهي العامة وارضيتها بطابوق بسيط . وقد انتخب السامرائي عضوا في القيادة القومية للحزب في المؤتمر التاسع الذي عقد في لبنان عام 1968 بالرغم من انه لم يحضر هذا المؤتمر.
ناظم كزار
ويتحدث الدوري في كتابه عن مدير الامن العام السابق ناظم كزار فيقول: بَرَزَإسم ناظم كزار عام 1959 كبعثي بدرجة نصير في ( حي بيوت الامة) في منطقة الشيخ عمر بجانب الرصافة من بغداد في دار يسكنها منحت لوالده الذي كان عسكرياً بدرجة نائب ضابط أو أقل من ذلك عام 1962 .. وعمل ضمن تنظيمات الاتحاد الوطني لطلبة العراق التابع للبعث في عام 1963 عقب قيام حركة 14 رمضان 1963 التي قادها حزب البعث ضد الزعيم عبد الكريم قاسم حيث تشكلت هيئة تحقيقية لتتولى التحقيق مع الشيوعيين وغيرهم من القوى المعادية لحزب البعث وكان ناظم كزار عضواً في هذه الهيئة التي إتخذت من أحد الدور المجاورة لمحكمة الشعب بالقرب من وزارة الدفاع وسط بغداد مقراً لها .
وعقب حركة 17 تموز عام 1968 التي استولى فيها البعثيون على السلطة في العراق عمل كزار في المكتب الطلابي عندما كان طالبا في معهد الهندسة التكنولوجية فلفت أنظار رؤسائه المباشرين فاختاروه ليكون مديرا للامن العام اي رئيسا لجميع اجهزة الامن والمخابرات ومنح رتبة لواء في الجيش العراقي لكن هذا التعيين لاقى رفضاً وإحتجاجا من غالبية قادة الحزب .
ويوقل المؤلف ” كان ناظم كزار يتمتع بعقلية واسعة وذاكرة قوية حادة يتذكر دقائق وتفاصيل الأمور لاحداث وقعت قبل عشرات السنين بالاسماء والاشخاص كما كان شجاعا ومخلصا للحزب ومضحيا في سبيله، و من خلال وجوده في مديرية الامن العامة كان يطلع على تفاصيل دقيقة لحركة التعيينات في الحزب والدولة.
مؤامرات اغتيال دبرها كزار
وفي 29/9/1971 فشلت محاولة دبرها مدير الأمن العام ناظم كزار لاغتيال القائد الكردي الملا مصطفى البارزاني وذلك بعد عام ونصف على توقيع بيان آذار السلمي بين الاكراد والحكومة في بغداد وذلك حين توجه عشرة رجال دين بأمر من قيادة الحزب الحاكم في بغداد في زيارة للقائد البارزاني غرضها التحدث اليه عن السلم بين المسلمين. وكان الوفد يضم كلا من الشيخ عبد الجبار الأعظمي وشقيه عبد الوهاب والشيخ عبد الحسين الدخيل والسيد نوري الحسني والشيخ احمد الهيتي والشيخ غاوي الدليمي والشيخ باقر حسن المظفر والشيخ ابراهيم الخزاعي واثنان أو ثلاثة آخرين.
وقد زود كزار أحد أعضاء الوفد بجهاز تسجيل وضع بصورة سرية تحت ثيابه وابلغه أن قيادة الثورة ترغب بتسجيل حديث البارزاني وأوصاهم بالجلوس أمامه وقيل له حينما يتحدث البارزاني تضغط على الزر بشكل لا يلفت الانتباه، وبالفعل حينما اقبل البارزاني بصحبة حراسه بعد أن ترك مقعده المألوف واتخذ صاحب جهاز التسجيل أو في الحقيقة صاحب القنبلة مقعده مقابله وبينهما طاولة ذات قوائم قصيرة وضعت فوقها أقداح الشاي فلم يكون بينهما والحال هذه اكثر من مترين.
وافتتح الحديث الشيخ عبد الحسين الدخيل ثم تلاه الشيخ عبد الجبار الأعظمي بمقدمة بعد تقديمه هدية الوفد للبارزاني وهي نسخ من المصحف الشريف كانت واحدة منها مفخخة ولم ينطق حامل القنبلة بكلمة.
ويقول البارزاني عن محاولة اغتياله هذه ( ما أن فتحت فمي ونطقت بكلمة نحن حتى دوى صوت انفجار هائل وبعض الدخان وتطايرت شظايا النوافذ فمددت يدي إلى حزام مسدسي ونطقت باسم الله ولم اشعر بغير صدمة هوائية وانطلقت خارجا).
وفي شهر شباط من عام 1972 ظهرت فضيحة جديدة حينما اعلنت المصادر الأمنية في القاهرة انها القت القبض على مجموعة من العناصر التي تنتمي إلى جهاز الامن العراقي قامت بمحاولات لاغتيال اللاجئين السياسيين العراقيين في مصر واكدت ان مدير الامن العام العراقي اللواء ناظم كزار هو المخطط والمحرض لهذه العمليات.
فقد اقدمت مجموعة من عناصر الامن العراقي على محاولة اغتيال بعض اللاجئين السياسيين العراقيين في القاهرة في مقدمتهم اللواء الطيار عارف عبد الرزاق رئيس الوزراء الاسبق والعقيد صبحي عبد الحميد وزير الخارجية الاسبق والعقيد عرفان عبد القادر وجدي آمر الكلية العسكرية الاسبق. وكشف التحقيقات التي اجرتها النيابة مع المتهمين الثلاثة الاول عن وجود الشبكة المسلحة التي جاءت من العراق بقصد القيام بمجموعة اغتيالات وان ذلك قد تم بتكليف من اللواء ناظم كزار مدير الامن العام العراقي.
مؤامرة جديدة لكزار .. ولكن ضد النظام هذه المرة .. ثم اعدامه!
وفي الأول من تموز/يوليو 1973 اصدر مجلس قيادة الثورة في العراق بيانا أعلن فيه فشل مؤامرة دبرها اللواء ناظم كزار مدير الأمن العام وعضو المكتب العسكري لحزب البعث العربي الاشتراكي أسفرت عن مقتل وزير الدفاع الفريق أول حماد شهاب وأصابة وزير الداخلية سعدون غيدان بجروح طفيفة.
وقال المجلس أن المحاولة استهدفت تصفية كل من الرئيس احمد حسن البكر ونائبه صدام حسين، الا أن المحاولة قد أحبطت .
وتم تشكيل هيئة تحقيقية خاصة تتكون من قادة في الحزب :
سعدون شاكر رئيسا
كاظم مسلم عضوا
عبد الصمد عبد الحميد عضوا
كما تم تشكيل محكمة خاصة على النحو التالي
1- عزة الدوري عضو مجلس قيادة الثورة – رئيسا
2- طاهر احمد امين – عضوا
3- خليل ابراهيم العزاوي – عضوا
واعلن بعد ظهر يوم السابع من تموز 1973 انه جرى تنفيذ حكم الاعدام بحق ناظم كزار مدير الأمن العام و22 عنصرا آخرين من جماعته بعد أن أدانتهم المحكمة الخاصة التي شكلها مجلس قيادة الثورة بالتآمر والخيانة، وهؤلاء يشكلون الدفعة الأولى من المتآمرين.
وفي يوم الاثنين التاسع من تموز 1973 أعلن في بغداد عن اعدام 13 شخصا اخرين بعد ادانتهم بالاشتراك في مؤامرة ناظم كزار التي كانت تستهدف اغتيال الرئيس احمد حسن البكر وصدام حسين نائب رئيس مجلس قيادة الثورة كما جاء في البيان. وأضاف البيان انه قد تم تخفيض حكم الأعدام بحق عبد الخالق السامرائي إلى الأشغال الشاقة المؤبدة وادرج البيان أسماء العناصر التي نفذ فيها حكم الأعدام وفي مقدمتهم عضو القيادة القطرية نائب مسؤول المكتب العسكري محمد فاضل عضو القيادة القطرية
الميثاق الوحدوي بين العراق وسوريا واعلان صدام رئيسا
كما يتطرق الكتاب الى ظروف إعلان الميثاق القومي الوحدوي بين العراق وسوريا عام 1978 واسباب فشله وكذلك استقالة الرئيس البكر في تموز 1979 واعلان صدام حسين رئيسا للجمهورية ولمجلس قيادة الثورة والاعلان في الوقت نفسه عن اكتشاف مؤامرة متورط فيها عدد من اعضاء قيادة الحزب وكوادره عسكريون ومدنيون بالتعاون مع النظام السوري وذلك في يوم 22 تموز 1979 أثناء انعقاد المؤتمر القطري الاستثناي للحزب بقاعة الخلد في بغداد والذي استمع الى اعترافات احد اعضاء قيادة الحزب واحد المتهمين بالمؤامرة محيي عبد الحسين الشمري بحضور صدام حسين الذي ترأس المؤتمر وكشف مخطط المؤامرة والعناصر المتورطة فيها ومن ضمنهم عبد الخالق السامرائي الذي نفذ فيه حكم الاعدام وهو داخل سجنه مع عدد من المتهمين بالمؤامرة الجديدة.