صرخات وعويل اختلطت ببكاء اطفال انطلقت من داخل منزل المحامي صلاح العبيدي الذي قتل بيد مجهولين الاسبوع الماضي بعد ترشحه لخوض انتخابات مجلس محافظة بغداد، فيما جلس الرجال في صمت خيم عليه حزن عميق,
والمرشح الراحل، محام وعضو في المكتب السياسي للقائمة العراقية التي يمثلها في هذه الانتخابات، ويتزعمها رئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي. واغتيل منذ العاشر من اذار/مارس الحالي 12 مرشحا لانتخابات مجالس المحافظات، جميعهم من السنة وسبعة منهم من مرشحي القائمة العراقية. وجرت عمليات القتل السابقة في محافظات نينوى وصلاح الدين، وكلاهما شمال بغداد، وفي الانبار (غرب).
وتحدث تحسين محمد (37 عاما) ابن شقيقة العبيدي وهو يجلس في غرفة الضيوف في منزل الراحل يتقبل العزاء مع اهله، “احد اصدقاء المرحوم وجده مقتولا بالرصاص داخل مكتبه” حيث يسكن في السيدية، في غرب بغداد.
واضاف وهو يجلس بمواجهة صورة للمرشح الراحل، ويدخن سيجارة “لم يكن له اعداء .. الجهات الامنية هي المسؤول عن مقتله لانها مسؤولة عن حمايته كما هي حال باقي العراقيين الذين يقتلون كل يوم”.
كان صلاح العبيدي الذي توفي عن 48 عاما ابا لسبعة اطفال، وكان تسلسله 23 في القائمة العراقية. وهو الرابع بين اربعة اشقاء قتل اثنان منهم في الحرب العراقية الايرانية (1980-1988) واعدم الثالث على يد نظام صدام حسين.
ويرى حميد ابن عم العبيدي، احد الحضور في الجلسة، والمعروف بابو سيف، ان “الدافع سياسي وراء الجريمة على الاغلب، لانه قتل بعد ان رشح نفسه للانتخابات”.
فيما يعتقد طه ابو محمد، الموظف في البنك المركزي العراقي، الحاضر في مجلس العزاء، ان ”استهداف عدد كبير من مرشحي القائمة العراقية، اشارة واضحة بانه استهداف للقائمة للوقوف في طريق نجاح عملها ولمنع فوزها في الانتخابات”. واعتبرت القائمة العراقية في بيان لها الاسبوع الماضي، الاستهداف المتكرر لمرشحيها “عملا ليس اعتياديا وانما مقصود ومبرمج”.
واكد عبد الكريم عبطان الجبوري القيادي في القائمة العراقية، متحدثا لفرانس برس في مجلس العزاء الذي اقامته قبيلة العبيد في المسيب، جنوب بغداد، ان العبيدي كان عضوا في المكتب السياسي للعراقية.
ويرى الجبوري وهو محام ان “هناك بصمات لدول الجوار ولقوى ظلام داخل البلد تسعى لاستهداف الرموز الوطنية وبينهم المرحوم” العبيدي.
واعتبر الجبوري فقدان المرشحين “كارثة”. وتابع متسائلا “كيف وصل هؤلاء (المسلحون) ومعهم اسلحة بينها كاتمات للصوت وبدم بارد تحت انظار قوات الامن؟”
وتخضع منطقة السيدية التي تسكنها غالبية سنية، الى اجراءات امنية مشددة ولايمكن الدخول اليها الا عبر نقاط تفتيش وتقديم بطاقة تعريف تؤكد السكن فيها احيانا.
وعن تحرك القائمة العراقية اثر استهداف مرشحيها، قال الجبوري “خاطبنا الامم المتحدة والجامعة العربية ورئيس الجمهورية (جلال طالباني) و (رئيس المحكمة الاتحادية) مدحت المحمود، وقلنا ان +هذا الاستهداف مستمر ويجب ايقافه+”.
واقتصرت الهجمات التي استهدفت الممرشحين للانتخابات على مناطق سنية، رغم مشاركة خمسين ائتلافا ممثلين ب87 كيانا سياسا، ابرزها الائتلاف الوطني العراقي والقائمة العراقية.
وقال الحاج ابو سرمد وهو في نهاية السبعينات، ومن وجهاء عشيرة العبيد، بحسرة شديدة “كنا نتوقع ان يصبح المرحوم صلاح رئيسا للوزراء يوما، اذا واصل عمله السياسي”.
فيما وصف فيصل الشاوي، احد وجهاء قبيلة العبيد والضابط برتبة عميد طيار في الجيش العراقي السابق في مطلع السبعينات، الامر ب”هجمة صفراء من دول اقليمية تهدف لافراغ العراق من رموزه وشق صفوف شعبه”.
من جانبه، قال رئيس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات سربت مصطفى رشيد ان “اسبابا سياسية تقف وراء هذه الهجمات”. واضاف ان “هذه الهجمات هي السبب وراء تأجيل الانتخابات في محافظتي نينوى والانبار”. ولكنه اكد في الوقت نفسه ان “المفوضية مستعدة من جانبها لاجراء الانتخابات في جميع المحافظات”.
وقررت الحكومة العراقية في 19 اذار/مارس تاجيل انتخابات مجالس محافظتي الانبار ونينوى بسبب الظروف الامنية لكن مفوضيالانتخابات ووزارة الداخلية اتقرحتا اليوم الثلاثاء اجراءها في 18 الشهر المقبل..
وقال وزير الخارجية الاميركي جون كيري خلال زيارته بغداد الاسبوع الماضي، ان بلاده “تعتقد بقوة ان جميع المحافظات يجب ان تصوت في نفس الوقت في الانتخابات المحلية، ونأمل ان يتمكن رئيس الوزراء (نوري المالكي) من العمل على اعادة النظر في هذه القضية”. واضاف “اكدت على قلقنا من تأخر اجراء الانتخابات المحلية في المحافظتين، ودعوت مجلس الوزراء الى اعادة النظر في هذا القرار”. واضاف كيري “الحقيقة، بالرغم من التطرق الى عدم توفر الامن كسبب منطقي لهذا التأجيل، فان العراق من اكثر البلدان خبرة في التصويت في ظل الظروف الصعبة”.
وقال رئيس الدائرة الانتخابية في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ان “هذه الهجمات لن تعرقل اجراء الانتخابات”.
وشهدت الايام التي اجريت فيها العمليات الانتخابية السابقة في العراق اعمال عنف على مستوى محدود، لكنها لم تعرقل او توقف العملية الانتخابية بشكل كامل.
ومن المقرر ان اجراء انتخابات المحافظات في العشرين من نيسان/ابريل، وهي الثالثة منذ اجتياح العراق وسقوط نظام صدام حسين في اذار/مارس 2003.