قبل تفرق دمها بين الحكومات .. “من الجاني” صرخة انتفاضة تشرين !

قبل تفرق دمها بين الحكومات .. “من الجاني” صرخة انتفاضة تشرين !

خاص : كتب – محمد البسفي :

ماذا بعد عامًا كامل انصرم على انتفاضة تشرين الملحمية ؟.. ماذا حققت وما تبقى من استحقاقاتها ؟.. الكثير من الأسئلة تعتمل جمرًا في صدور شباب ونساء ورجال انتفضوا في تشرين 2019؛ أملاً في تغيير عراق مزقته الطائفية وفوضى الميليشيات المسلحة والفساد والقتل على الهوية السياسية والدينية.. واليوم يتحفزون للانتفاض ثانية إحياء لذكرى انتفاضة لم تحقق بعد استحقاقاتها، وعلى رأسها ملفي مقتل المتظاهرين وخطفهم أو اختفائهم قسريًا.. وقد قتل أكثر من 550 عراقيًا، أغلبهم من الشبان العزل، وأصيب آلاف آخرون منذ اندلع الاحتجاجات، نتيجة استخدام قوات الأمن قنابل الغاز والرصاص الحي ضد المحتجين. كما أكدت عدة تقارير أن ميليشيات موالية لطهران شاركت في عمليات قمع المحتجين، الذي طالبوا بإنهاء النفوذ الإيراني والقضاء على الفساد وتغيير الطبقة الحاكمة في البلاد.

جرائم تبحث عن جاني !

منذ أيام ذكر “نجاح الشمري”، وزير الدفاع في حكومة “عادل عبدالمهدي” المستقيلة وأحد أبرز المسؤولين الذين شملهم التحقيق في قضية قتل وإصابة المتظاهرين، في تصريح صحافي ما قاله في شهر تموز/يوليو الماضي، بأن: “ملف قتل المتظاهرين انكشف لحكومة عبدالمهدي وتمت إحالته إلى القضاء”.

ما دفع مجلس القضاء الأعلى العراقي إلى إصدار بيان رسمي، الأحد الماضي، ردًا على “الشمري” مؤكدًا أنه: “تسلم ملف قتل وخطف المتظاهرين بلا متهمين”، مجلس القضاء الأعلى وصف هذه التصريحات بـ”الشائعات”، وقال إنها “غير صحيحة”، مبينًا أن الملف الذي تسلمه المجلس من الحكومة السابقة هو “ملف تحقيق إداري ليس فيه متهمون محددون، كما ورد في تصريح وزير الدفاع السابق”، موضحًا أن: “الملف لم يتضمن تقصير أية جهة سواء كانت مؤسساتية أو شخصية”.

ويعني هذا أن الحكومة السابقة لم تحدد أي مقصرين في القضية التي شغلت الرأي العام العراقي، وكانت أبرز مطالب المحتجين العراقيين.

وأعلنت السلطة القضائية في العراق، الشهر الماضي، استدعاء وزيري الدفاع والداخلية السابقين في حكومة رئيس الوزراء المستقيل، “عادل عبدالمهدي”، في قضايا تتعلق بعمليات قتل طالت محتجين، فيما ذكرت أن اجتماعًا جرى مع مسؤولين أمنيين بارزين لمتابعة هذه القضايا.

وأصدرت الهيئات التحقيقية العراقية مذكرات قبض بحق عدد من منتسبي وزارتي الدفاع والداخلية، إلا أنها كانت تحتاج إلى موافقة رئيس الوزراء، “مصطفى الكاظمي”، ووزير الداخلية، “عثمان الغانمي”، بحسب رئيس مجلس القضاء الأعلى.

وقال وزير الدفاع، “نجاح الشمري”، في تصريحات متلفزة إن الملف “يضم أسماء جميع المتهمين”، مضيفًا أن: “أول من أطلق النار على المتظاهرين في الأول من تشرين أول، هم عناصر في الجيش العراقي، لكن في اليوم الثاني أطلق النار من طرف ثالث نحو المتظاهرين والجيش”.

وبيّن أن: “رئيس الوزراء السابق، عادل عبدالمهدي، شكل اللجنة التحقيقية بملف قتل المتظاهرين وطلب تحقيقًا عادلاً وشفافًا، وتم إكمال الملف وإدراج أسماء المتهمين حيث أطلع عليها عبدالمهدي، وتمت إحالته إلى القضاء، كما تم اتخاذ عدد من الإجراءات بحق ضباط”.

وكشف “الشمري” عن خطة لإجراء “إنزال جوي” على بناية “المطعم التركي”، التي كان المتظاهرون يتحصنون فيها، مؤكدًا أن أحد الضباط الكبار حاول تمرير تلك الخطة، لكنها ألغيت بعد أن بيّن “الشمري”، “مخاطرها”.

وقال الشمري في اللقاء إن: “الضابط أعطى أمرًا بالإنزال”، لكن “الشمري” تمكن من إلغائه، مضيفًا أن “عادل عبدالمهدي لم يحاسب الضابط الذي كان يجب أن يجرد من رتبته العسكرية ويحال للقضاء”.

مختطفين لا يعلم مصيرهم وتهديدات للعائدين..

في السياق ذاته، ومع مداومة كثير من العراقيين على استخدام هاشتاغ (#وينهم) في محاولة للبحث عن ذويهم المختطفين منذ احتجاجات انتفاضة تشرين 2019، وتزامنًا مع إحياء ذكراها الأولى، أصدر “المرصد العراقي لحقوق الإنسان” بيانًا قال فيه إن 55 شخصًا لا يزالون مختطفين منذ الأول من تشرين أول/أكتوبر الماضي.

وفي أحدث تقرير له، وثق “مكتب حقوق الإنسان” في بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، (يونامي)، اختفاء 123 شخصًا في الفترة ما بين الأول من تشرين أول/أكتوبر 2019 و21 آذار/مارس الماضي. وذكرت “الأمم المتحدة”، في التقرير الصادر في أيار/مايو الماضي، أنه تم العثور على 98 شخصًا، بينما لا يزال 25 آخرين في عداد المفقودين.

ورغم تحفظ الكثير من أهالي الناشطين العائدين؛ عن ذكر الجهة التي اختطفت ذويهم في ظل تهديد علني وصريح من قبل ميليشيات موالية لإيران.. أكد الناشط، “محمد الكندي”، لموقع (الحرة) الأميركي، تعرضه لـ”أشد أنواع التهديد”، ونجاته من محاولات اغتيالات، كانت إحداها بسلاح كاتم للصوت.

وقال “الكندي” إنه تلقى تهديدات عبر “عشرات المكالمات، وكان من بينها مكالمات تحمل رمز الهاتف الدولي لسوريا، وتستخدمها عادة (كتائب حزب الله). كما وصل أحد أفراد هذه الميليشيا إلى منزلي وسلم ظرفًا يحمل ورقة تهديد وبها عدة رصاصات”.

كما شهدت “ساحة الخلاني”، وسط بغداد، إحدى محاولات اغتيال “الكندي” الذي تعرض لإطلاق نار من مسافة بعيدة. كما تحدث عن صعوبة توجه المتظاهرين المصابين بالقنابل الحارقة، التي أطلقتها قوات الأمن طيلة فترة الاحتجاجات، إلى المستشفيات، حيث كانت بعض الميليشيات تلاحق المصابين هناك وتختطفهم.

وكانت “منظمة العفو الدولية” قد أشارت، في تقريرها عن العراق، في 2019، إلى اختطاف “محتجين جرحى من المستشفيات في “بغداد وكربلاء”، وهو ما دفع كثيرين غيرهم “ممن جُرحوا إلى تفادي طلب المساعدة الطبية”.

ويقول “الكندي” إنه بعد إفراج الميليشيات عن النشطاء، يصل تهديدًا بالقتل لأهاليهم مفاده: “إذا تكلمتم عنا سنقتلكم”.

وأضاف “الكندي”، الذي شارك في احتجاجات تشرين أول/أكتوبر الماضية، أن: “غالبية النشطاء الذين تعرضوا للاختطاف هاجروا خارج العراق أو فروا إلى إقليم كُردستان شمالاً”.

ما خفي أعظم !

أما الناشطات، فإن الوحشية التي يتعرضن لها والإبتزاز لا تسمح لهن بالإفصاح عن الجهات الخاطفة. وقال “الكندي”: “نحن مجتمع عشائري لا نقبل بالحديث عن ذلك، وإذا تحدثنا يمكن أن نعرض حياتهن للخطر”.

وبحسب التقرير الحديث للأمم المتحدة، فإن النشطاء الذين تم اختطافهم واستجوابهم لا يعرفون هوية المسؤولين عن اختطافهم، على الرغم من أن معظمهم تكهن بتورط “الميليشيات”.  كما أنهم لا يعتقدون بأن قوات الأمن العراقية مسؤولة بشكل مباشر عما حدث لهم.

لكن “الكندي”، الذي يعمل محاميًا في العاصمة، بغداد، يقول إن الميليشيات اخترقت جميع الأجهزة الأمنية، عدا جهازي المخابرات الوطني ومكافحة الإرهاب، بسبب “ضباط الدمج”.

سر ضباط الدمج..

و”ضباط الدمج” هو مصطلح يطلق على الضباط الذين تم تعيينهم ودمجهم مع القوات الأمنية، إلا أنهم لم يلتحقوا بكليات شرطية أو عسكرية. وأشار “الكندي” إلى التحاق أفراد محسوبين على ميليشيات (بدر) و(عصائب أهل الحق) و(كتائب حزب الله) بالأجهزة الأمنية كـ”ضباط دمج”.

ويعد اختفاء الناشط، “أحمد الحلو”، من النجف، جنوب العاصمة، بغداد، مثالاً على هذا الاختراق. ويعلق “الكندي”، بقوله: “البعض يقول إنه اُعتقل بمذكرة رسمية، والآخر يقول إن ميليشيا اختطفته. حتى الآن لا نعرف مصيره”.

وكذلك تسلط قضية الناشط المختطف، “عبدالمسيح روميو سركيس”، الضوء على هذا الاختراق، حيث قال “الكندي”، الذي يعمل على هذه القضية، إن “سركيس” متواجد الآن بداخل أحد السجون بعد أن سلمته ميليشيا لجهة حكومية.

ويساعد غياب المساءلة عن هذه الأفعال في تفشي عمليات الاختطاف والاختفاء وما يصاحبها من انتهاكات وأعتداءات استهدفت النشطاء والمتظاهرين، بما في ذلك عمليات القتل المتعمد، وإطلاق النار، والتهديد والترهيب، والاستخدام المفرط وغير القانوني للقوة في مواقع المظاهرات.

وفي 10 تشرين أول/أكتوبر 2019، ذكرت “المفوضية العراقية العليا لحقوق الإنسان” أن 257 شخصًا من المحتجين في عداد المفقودين؛ بعد أن أطلقت الحكومة سراح المحتجزين.

وبحسب تحليل لـ”معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى”، يُعتقد أن العديد من المفقودين في “جرف الصخر” وغيرها من السجون السرية، التي تديرها ميليشيات تدعمها إيران، تعمل ضمن “قوات الحشد الشعبي” المدعومة من إيران.

وفي الثالث من تشرين أول/أكتوبر 2019، انضمت مجموعة من الميليشيات العراقية وقادة الأمن العراقيين إلى ضباط في (الحرس الثوري) الإسلامي الإيراني لتشكيل خلية أزمة في بغداد، وفقًا لوكالة (رويترز).

وكان تقرير لـ”منظمة العفو الدولية” أفاد، نقلاً عن نشطاء في بغداد، بأن رجالاً يرتدون ثيابًا مدنية قدّموا أنفسهم على أنهم من أفراد الاستخبارات المحلية حضروا إلى منازلهم واستجوبوهم بشأن أنشطتهم خلال الاحتجاجات. ولم تُقدَّم للنشطاء في أي وقت مذكرة قبض أو تفتيش.

كما ذكر التقرير تعرض عشرات من المحتجين والناشطين في عدة محافظات، بما فيها “بغداد والعمارة وكربلاء” للاختطاف والاختفاء القسري على أيدي قوات الأمن في الفترة الواقعة ما بين أوائل تشرين أول/أكتوبر وكانون أول/ديسمبر 2019، وأُطلق سراح بعضهم بعد أيام أو أسابيع.

وآخر هؤلاء الناشطين كان، “سجاد العراقي”، الذي لم يستطع جهاز مكافحة الإرهاب تحريره حتى الآن.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة