قبل القمة بأيام .. تركيا تتراجع خطوة في شرق المتوسط فهل يستجيب “الاتحاد الأوروبي” ؟

قبل القمة بأيام .. تركيا تتراجع خطوة في شرق المتوسط فهل يستجيب “الاتحاد الأوروبي” ؟

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

بدأ الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، إجراءات فعلية نحو التراجع عن سياسته نحو “الاتحاد الأوروبي” قبيل قمة الاتحاد الأوروبي المقبلة، خلال الشهر الجاري، حيث عادت سفينة التنقيب التركية، “أوروتش رئيس”، إلى ميناء “أنطاليا”، أمس الإثنين، قادمة من المنطقة المتنازع عليها بـ”شرق البحر المتوسط”.

وقالت “وزارة الطاقة” التركية إن السفينة أكملت مهمة بدأت، في العاشر من آب/أغسطس 2020، وأضافت في تغريدة على (تويتر): “سفينتنا التي جمعت 10995 كيلومترًا من البيانات السيزمية ثنائية الأبعاد؛ عادت إلى ميناء أنطاليا”.

انسحاب مسبق..

ولم تكن هذه المرة الأولى، حيث سبق وسحبت تركيا السفينة من المياه المتنازع عليها قبل قمة سابقة لـ”الاتحاد الأوروبي”، في تشرين أول/أكتوبر الماضي، لإعطاء فرصة للجهود الدبلوماسية، لكنها أعادت إرسالها لاحقًا بعدما وصفته بنتائج غير مرضية من القمة، وفي وقت سابق من شهر تشرين ثان/نوفمبر المنصرم، قالت تركيا إن السفينة ستعمل في المنطقة، حتى 29  تشرين ثان/نوفمبر.

وتتضارب مطالب “تركيا” و”اليونان”، العضوين في حلف شمال الأطلسي، (الناتو)، بشأن نطاق “الجرف القاري” لكل منهما والحقوق في موارد الطاقة المحتملة في شرق البحر المتوسط.

تراجع حدة التصريحات..

وسبق هذه الخطوة ما أظهره “إردوغان”، خلال آخر لقاء له مع أعضاء “حزب العدالة والتنمية” الحاكم، الذي يتزعمه، تراجعًا في نبرة تصريحاته ضد الدول الأوروبية، إذ قال إنه يرى بلاده جزءًا من أوروبا، وإن أي مشكلة مع دول أو مؤسسات ما لا يمكن حلها إلا بـ”الحوار والمفاوضات”.

ويبدو أن تصريح “إردوغان”، يظهر تراجعًا وتغييرًا في نهجه خلال المستقبل المنظور، بحيث تعود تركيا إلى موقعها التقليدي كحليف ضمن منظومة حلف شمال الأطلسي، (ناتو)، عسكريًا، ومؤسسات “الاتحاد الأوروبي” اقتصاديًا وسياسيًا.

وتحاول تركيا، منذ عام 1987، الإنضمام رسميًا إلى التكتل الأوروبي، وخاضت مفاوضات ماراثونية لنيل العضوية؛ لكنها دائمًا ما كانت تفشل، لأن الأحزاب والقادة السياسيين الأتراك كانوا يرفضون قبول “معايير كوبنهاغن السبعة عشرة”، التي تتعلق بحزمة من الإصلاحات الواجب إتباعها، حتى تكون دولة مخولة لعضوية الاتحاد.

الاتحاد سينظر في فرض عقوبات..

ويبدو أن هذه المرة أدرك “إردوغان” أن “الاتحاد الأوروبي” لن يتهاون في إمكانية فرض عقوبات قاسية ضده، بسبب سياساته العدائية ومن ناحية أخرى، فالرئيس الأميركي المنتخب، “جو بايدن”، سيكون أول من يقف ضد سياسات “إردوغان” الاستعمارية.

ويأتي ذلك قبل أقل من أسبوعين من موعد عقد قمة للاتحاد الأوروبي، التي سينظر التكتل خلالها في العقوبات المحتمل فرضها على “أنقرة” من جراء نشاطاتها التنقيبية في “شرق البحر المتوسط”.

فيما يعتزم القادة الأوروبيون مناقشة خيار فرض عقوبات على “تركيا” بسبب إنتهاكها حظر التسليح في “ليبيا”؛ وعملياتها الاستكشافية في “شرق المتوسط” وفي “فاروشا” بقبرص، لاسيما وأن البرلمان الأوروبي كان قد صوّت قبل يومين على قرار يدعو الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات على تركيا بسبب “فاروشا”.

كما تطالب اليونان كذلك، “الاتحاد الأوروبي”، بأن يكون له ردًا حاسمًا إلى تركيا مفاده أن تصرفاتها قد تجاوزت الحدود، وباتت مرفوضة بشكل قاطع، مشددّة على ضرورة التوصل إلى الاتفاق بفرض عقوبات على تركيا، بينما لا تزال دول الاتحاد منقسمة بهذا الخصوص.

يُذكر أن موقع (دير شبيغل)؛ كان قد أشار إلى أن الأقمار الصناعية التقت صورًا تظهر تفريغ مدرعات عسكرية في “ميناء مصراتة”، كما التقطت صورًا للسفينة في ميناء “أمبرلي” التركي، في تشرين ثان/نوفمبر 2020، تُظهر تحميل “آليات مشبوهة” على متنها، مما اضطر مهمة “إيريني” الأوروبية، المخصصة لمراقبة حظر السلاح إلى “ليبيا”، إلى اتخاذ قرار بحتمية تفتيش السفينة.

مجرد وعود استهدفت تصفية الخصوم..

وذكر تقرير لموقع (سكاي نيوز عربية) أن “إردوغان” أوحي في سنوات حكمه الأولى، ومن خلفه “حزب العدالة والتنمية”، بأن مشروع “أنقرة” الإستراتيجي يتوخى نيل عضوية “الاتحاد الأوروبي”، وتم في سبيل ذلك إجراء جملة من التغييرات الاقتصادية والسياسية.

إلا أن المراقبين لاحظوا أن تلك التغيرات والوعود كانت الغاية الخفية منها تصفية المؤسسة العسكرية والخصوم السياسيين فحسب، فيما عمل “إردوغان” على تكريس حكم الرجل الواحد، وأنتهج سياسات تتناقض تمامًا مع قيم ومعايير المنظومة الأوروبية، بالذات في مجال الحريات السياسية وحقوق الإنسان.

ورد ممثل الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، “غوزيب بوريل”، بطريقة غير مباشرة على الرئيس التركي، مذكرًا أن عضوية الاتحاد: “ليست مجرد دعوات أو أمنيات”، وقال: “تركيا يجب أن تفهم أن سلوكها هو الذي يوسع انفصالها عن الاتحاد، وأن إعادة العلاقات إلى مسارها سيتطلب تغيرًا جذريًا في مواقف أنقرة”.

ثلاث ملفات قد تدفعها لتغيير استراتيجيتها..

وتضيف (سكاي نيوز عربية)؛ أنه توجد ثلاثة ملفات ضاغطة قد تدفع “أنقرة” لتغيير مسارها الإستراتيجي الحالي ليكون أقرب للمنظومة الأوروبية، إذ أنها تواجه ظرفًا اقتصاديًا حرجًا تنحدر فيه قيمة “الليرة” التركية بشكل يومي، وتنفر رؤوس الأموال الاستثمارية من البلاد من جراء الظروف السياسية.

وتترقب تركيا ضغوطًا سياسية واقتصادية من الإدارة الأميركية المنتخبة، وفوق ذلك فإن الطريقة التي حسمت بها “روسيا”، حرب أذربيجان، في “ناغورني كراباخ”؛ عبر إخراج “أنقرة” تمامًا من الملف، أثبتت أن المنظومة الأوروبية وحدها قد تستطيع انتشال “أنقرة” من أوضاعها الحالية.

تفصلها عنها ملفات معقدة..

مقابل ذلك، ترى المنظومة الأوروبية أن ملفات معقدة تفصلها عن تركيا راهنًا، لا سيما سياسة الإبتزاز التي تدير بها “أنقرة” ملف ملايين المهاجريين على أراضيها، حيث تهدد بهم أوروبا بين مناسبة وأخرى، وتحولهم إلى أداة للحصول على المساعدات المالية من “الاتحاد الأوروبي”.

وما يزيد من حجم الهوة الواسعة بين الطرفين، سلوك “أنقرة” في إثارة القلاقل الأمنية في العديد من الأقاليم، بما في ذلك دعم الجماعات المتطرفة داخل الدول الأوروبية، والسياسة التركية الداخلية التي يتبعها “إردوغان”، لا سيما تكريس الشمولية والقمع الواسع لحقوق الإنسان.

لا تغيير على أرض الواقع..

ويرى الأوروبيون، بحسب موقع (ون نيوز) الإخباري، أن خطاب “إردوغان” المتعلق بالدعوة للحوار والمفاوضات لم يترافق مع أي تغيير على أرض الواقع، فالسفن الاستكشافية التركية ما تزال تخترق المياه القارية اليونانية، التي هي جزء من الاتحاد الأوروبي، وفوق ذلك، زار “إردوغان” جزيرة قبرص ودعا إلى حل الدولتين، في تعارض واضح مع التوجهات الأوروبية.

دعاية شعبوية..

ونشرت صحيفة (جورناليزم بوست) مقالاً تحليليًا مطولاً للكاتب، “سلام الخطيبي”، شرح فيها المرامي العميقة لـ”إردوغان” من وراء مثل تلك الدعوة للتحاور، وقال: “لطالما كان يقصف المصالح الإستراتيجية الأوروبية، منذ فقد كل ثقة في محاولة تركيا الإنضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ووصل استفزازه إلى درجة دعوته لمقاطعة المنتجات الفرنسية في تركيا والعالم الإسلامي”.

وأضاف: “كان يفعل ذلك بروح الدعاية الشعبوية المنفصلة عن دوره الذي يستحقه كقائد سياسي يسعى لإدخال بلاده إلى المنظومة الأوروبية. فيأمل إردوغان راهنًا فقط في الحصول على دعم شعبي لتعويض تراجع شعبيته في الداخل وصرف الإنتباه عن الليرة التركية المتراجعة”.

لن يمكن التسامح مع إبتزاز تركيا..

فيما يرى الكاتب والباحث، “شارلي وايميرس”، في مقال نشره في موقع (نيو يوروب)، أنه: “لم يُعد بإمكان الاتحاد الأوروبي أن يتسامح مع إبتزاز تركيا وخطابها المهين للقيم والدول والشخصيات الأوروبية”.

مضيفًا: “لذلك، يجب على الاتحاد الأوروبي ألا يلقي بالاً لدعوات إردوغان اللفظية، بل عوضًا عن ذلك أن يدعم الدعوات الفرنسية واليونانية لتعليق الاتحاد الجمركي بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، وإظهار أن أي عمل تجاري تشاركي، أو بالأحرى، وجود أي عمل آخر أيًا كان، لن يحدث بين الطرفين حتى تغير تركيا لهجتها وسلوكها العدواني”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة