في ظل نظام عالمي متعدد الأقطاب .. فشل العقوبات الأميركية بمواجهة “طهران” !

في ظل نظام عالمي متعدد الأقطاب .. فشل العقوبات الأميركية بمواجهة “طهران” !

وكالات – كتابات :

بمرور الوقت أصبح النظام الإسلامي في “إيران” بارعًا جدًا في التهرب من “العقوبات الأميركية”، إما بمفرده أو بمساعدة: “الصين” و”روسيا”، كما تدعي تقارير غربية وأميركية. وقد يُفسر هذا التحالف؛ الذي ينجح دومًا في التحايل على العقوبات؛ سبب عدم تعجل “إيران” في إعادة التفاوض بشأن “الاتفاق النووي”، أو ما يُعرف: بـ”خطة العمل الشاملة المشتركة”؛ (JCPOA).

هل فشلت “أميركا” في عقاب “إيران” أو ردعها ؟

في آيار/مايو 2018، أنهى الرئيس الأميركي السابق؛ “دونالد ترامب”، المشاركة الأميركية في “الاتفاق النووي” الإيراني، بسبب ما وصفه: بـ”الانتهاكات المتصورة، والتوسع في تصنيع الصواريخ، وزيادة النشاط الإرهابي”. وفرضت “واشنطن” عقوبات ساحقة على “طهران”، لكن النظام الإيراني رد بالمُضي قدمًا في تخصيب (اليورانيوم). وسارعت عملية التخصيب باستخدام أجهزة طرد مركزي أكثر كفاءة من طراز (IR-6)، حيث جُمعت: 43.1 كيلوغرام من (اليورانيوم) المُخّصب بنسبة: 60%، بحلول آيار/مايو 2022، وفقًا لـ”الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.

بالإضافة إلى ذلك، أزالت “طهران”: 27 كاميرا مراقبة من مواقعها النووية. ووفقًا لـ”الوكالة الدولية للطاقة الذرية”؛ فإن هذا يُمثل: “تحديًا خطيرًا” للجهود المبذولة للحفاظ على: “استمرارية المعرفة” حول البرنامج، ولضمان بقاء البرنامج سلميًا بشكل حصري.

وفي ضربة أخرى للفرص الضئيلة بالفعل لإحياء الاتفاقية، في 09 تموز/يوليو 2022، أعلنت “إيران” أنها بدأت في تخصيب (اليورانيوم) بنسبة تصل إلى: 20% باستخدام أجهزة طرد مركزي متطورة في محطة (فوردو) النووية تحت الأرض.

ويقول الباحث؛ “فرهاد رضائي” – وهو كندي من أصل إيراني – في مقالة بمجلة (National Interest) الأميركية، إنه ليس هناك ما يُشير إلى أن “العقوبات الأميركية” على “إيران” قد حققت الهدف المنشود، وأصبحت “طهران” أقرب من أي وقتٍ مضى إلى أن تُصبح قوة نووية في الشرق الأوسط. والأهم من ذلك، على الرغم من التوقعات السيئة بإنهيار وشيك للاقتصاد الإيراني، تمكن النظام من البقاء في السلطة وعزز قوته وسطوته.

بحسب الكاتب؛ “رضائي”، الذي يُعارض سياسات النظام الإيراني، هناك أسباب متعددة لفشل إستراتيجية “العقوبات الأميركية” على “إيران”:

أولاً، قرر الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، الذي كان يائسًا لإعادة العمل لـ”الاتفاق النووي”، تخفيف العقوبات التي كانت قائمة في عهد “ترامب”. ونتيجة لذلك، فقد سُمح ضمنيًا لـ”إيران” ببيع أكثر من: 780 ألف برميل يوميًا من “النفط” إلى “الصين”. في مناورة مخادعة، اختارت الإدارة الأميركية عدم فرض عقوبات على الشركات والأفراد الصينيين الذين اشتروا “النفط” من “إيران”.

ثانيًا، أصبحت “إيران” بارعة جدًا في التهرب من العقوبات بمفردها وبمساعدة: “الصين وروسيا”. لقد أنشأت “طهران” محاور وشبكات متعددة من الأفراد والشركات في جميع أنحاء “شرق آسيا”، بما في ذلك: “هونغ كونغ والإمارات العربية المتحدة وفيتنام وسنغافورة”؛ ودول أخرى تُساعد في توصيل المنتجات البترولية والبتروكيماوية إلى “الصين”؛ (بحسب مزاعم رضائي).

بالإضافة إلى ذلك؛ طورت “إيران” نظام تمويل سري للتحايل على العقوبات، مكّنها من التعامل مع مليارات الدولارات؛ (80 مليار دولار) – وفقًا لبعض التقديرات – لتجنب استخدام نظام (سويفت-SWIFT). وأظهرت وثائق شركات مصرفية نشرتها صحيفة (وول ستريت جورنال)؛ أن البنوك الصينية والشرق أوسطية، وحتى الغربية، قدمت خدمات مصرفية لقطاعي الطاقة والصناعة الخاضعين للعقوبات في “إيران”، كجزء من جهود “طهران” لتوجيه رأس المال نحو اقتصادها المحاصر وتحدي الضغط الأميركي لتقييد برنامجها النووي.

ثالثًا: استمرار بيع “النفط الإيراني” دون مشاكل، حيث استخدمت “إيران” عدة أساليب لخرق العقوبات لبيع نفطها، وتتضمن إحدى الطرق الشائعة إخفاء ملايين براميل “النفط” في موانيء غير معروفة في “آسيا”.

وأحد الأساليب المستخدمة هو ما يُسمى: بـ”Ghost armada”، حيث تقوم السفن بإيقاف تشغيل أنظمة تحديد الهوية الأوتوماتيكية الخاصة بها، لأنها تنقل البضائع من سفينة إلى أخرى، ومعظمها في المناطق النائية؛ مثل المياه الإقليمية الماليزية.

ويُعتبر مزج “النفط الإيراني” أو: “إعادة تسميته”، تقنية شائعة أيضًا، فهي تتضمن “النفط الإيراني” المُباع كمُنتج غير إيراني يتم نقله على ناقلات ترفع علمًا أجنبيًا آخر.

رابعًا: فقد أسهمت الحرب في “أوكرانيا” في تسريع شراكة “إيران” الوثيقة مع: “الصين وروسيا”، وكان لهذه الأطراف دور أساس في تكتيكات خرق العقوبات، حيث وقعت الدول الثلاث بالفعل اتفاقيات اقتصادية طويلة الأجل. وقامت “إيران” و”روسيا” بدمج اقتصاداتهما لإنشاء شبكة قادرة على التهرب من “العقوبات الأميركية”، بحسب إدعاء (National Interest).

دور الصين وروسيا في كسر “العقوبات الأميركية” عن إيران..

وبلغ حجم التجارة بين “طهران” و”موسكو”: 4.5 مليار دولار سنويًا. وتعهدت الاتفاقية الأخيرة التي وقعتها “موسكو” و”طهران” بتصدير: 10 ملايين طن من البضائع من “روسيا” إلى “إيران” عبر الممر البري بين الشمال والجنوب.

وبالمثل، كانت “الصين” حريصة على شراء الخام الإيراني بسعر أقل من سعر السوق، باستخدام “الشبكة الصينية لمصافي البتروكيماويات”؛ المعروفة باسم: “أباريق الشاي”، وربحت “إيران” أكثر من: 22 مليار دولار من العائدات منذ أن تولى “بايدن” منصبه.

بصرف النظر عن التجارة الثنائية، قطعت “إيران” خطوات كبيرة نحو الاندماج في البنية التحتية الاقتصادية التي تقودها “الصين” و”روسيا”، والتي تم إنشاؤها لمنافسة الغرب. في عام 2021، تم قبول “إيران” كعضو كامل في “منظمة شنغهاي للتعاون”؛ (SCO)، أضخم تحالف سياسي إقليمي في العالم، والتي تُغطي: 60% من (أوراسيا)، ويُشكل أعضاؤها ما يقرب من نصف سكان العالم.

واستخدمت “إيران” أيضًا نظام الدفع عبر الحدود بين البنوك؛ التي تُديرها “الصين”؛ (CIPS)، وهو بديل يعتمد على “اليوان الصيني” لنظام (SWIFT) الدولي، نظام الرسائل المصرفية المقوم بـ”الدولار”.

واجتذبت البراعة الإيرانية في التهرب من العقوبات الانتباه، واعترف وزير النقل الروسي؛ “فيتالي سافيليف”، مؤخرًا بذلك، مُشيرًا إلى أن بلاده: “تدرس التعلم من إيران في التعامل”، وذلك لتجنب تخفيف آثار “العقوبات الغربية” على “موسكو”.

الخيارات الأميركية المتبقية..

يقول “رضائي”؛ إن حالة “إيران” جنبًا إلى جنب مع “روسيا” و”الصين”، تُظهر: “الفرسان السود”، في إشارة إلى الحلفاء المخالفين للعقوبات، حيث تعمل العقوبات بشكلٍ أفضل عندما يتم تنفيذها بقوة مع دعم متعدد الأطراف واسع النطاق. حتى في أفضل الظروف، فإن الحصول على دعم مستدام للعقوبات الاقتصادية ليس بالأمر السهل، إذ إن إعادة تشكيل النظام الدولي؛ بسبب الحرب في “أوكرانيا”، تجعل توليد دعم واسع لهذه العقوبات أكثر صعوبة.

ومع ذلك، يرى “رضائي” أنه لا يوجد خيار أمام “الولايات المتحدة” إلا الاستمرار في معاقبة النظام الإيراني، وتوسيع معاقبة الشركات الصينية والروسية التي تتعامل مع “إيران”. مشيرًا إلى خيار عمليات الاعتراض البحري لضمان التدفق الحر للتجارة المشروعة وتعطيل نقل شحنات “النفط” غير المشروعة.

مضيفًا أنه يجب على “البحرية الأميركية” اعتراض السفن التي تقوم بتهريب “النفط الإيراني”، وإجراء عمليات التحقق من العلم. نفذت القوات البحرية الأميركية مثل هذه العمليات وصادرت “النفط الإيراني” على متن سفن ترفع أعلامًا أجنبية متجهة إلى “فنزويلا”. يقول “رضائي” إنه يجب توسيع هذه العمليات لتشمل الأساطيل الشبحية ومناطق المزج وإعادة تسمية العلامة التجارية.

يقول “رضائي”؛ إنه يجب أن تترجم المواقف العسكرية الأميركية على الأرض، مثل دعم حلفائها بالمنطقة بمواجهة تهديدات الصواريخ (الباليستية) والطائرات بدون طيار الإيرانية، ومع إعادة تركيز “الولايات المتحدة” على “الصين” والشرق الأقصى، يجب البحث عن طريقة لسد الفجوة الأمنية في الشرق الأوسط.

ويرى الباحث أنه من المستحيل تحديد ما إذا كانت “إيران” ستستخدم في أي وقت سلاحًا نوويًا ضد “إسرائيل”، على الرغم من دعواتها المتكررة: “لمسح الدولة اليهودية من الخريطة”، لكن من الواضح أن امتلاك ترسانة نووية من شأنه أن يحمي النظام من أي اعتداء خارجي، وهو وسيلة قوية للردع.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة