خاص : ترجمة – لميس السيد :
تزعم “واشنطن” أن الضغط الأقصى على “إيران”، من خلال فرض العقوبات، لن يتوقف عن توفير الأدوية وغيرها من الضروريات الإنسانية، لكن “العقوبات المصرفية” تزيد من أسعار الواردات، وتعرقل سلاسل الإمداد، وتؤدي إلى نقص مميت في الأدوية والعقاقير.
في الشهر الماضي، أصدرت “وزارة الخارجية الأميركية” شريط فيديو موجهًا إلى الشعب الإيراني. في شريط الفيديو، يدعي المسؤول في إدارة “ترامب”، “براين هوك”، أن استهداف العقوبات لحصول “إيران” على الدواء هو مجرد “أسطورة”.
ليست أساطير !
يقول “عباس كيبري زاده”، أستاذ علوم الصيدلة بجامعة “طهران” للعلوم الطبية، ونائب رئيس نقابة الصناعات الدوائية الإيرانية ورئيس مجلس إدارة شركة “باران” للكيماويات والأدوية، أن جماعة الأطباء في إيران “تناضل من أجل حماية المرضى من تداعيات العقوبات الأميركية”. ويضيف: “لقد درسنا آثار العقوبات على قطاع الرعاية الصحية في إيران؛ ودعونا إلى ردود أفضل من حكومتنا. وتوضح نتائجنا أن الأضرار التي لحقت بالمرضى الإيرانيين ليست أساطير، كما يقول المسؤول الأميركي”.
وفي مقاله، أمس الأربعاء، بمجلة (فورين بوليسي)، قال “كيبري زاده” أن عالم اليوم يعتمد على الأنظمة المصرفية والشبكات التجارية التي تهيمن عليها “الولايات المتحدة”. وبالتالي، فإن الحكومة الأميركية قادرة على استخدام العقوبات الاقتصادية لإلحاق الضرر بالعلاقات الاقتصادية والسياسية وحتى الاجتماعية في البلدان المستهدفة بسهولة نسبية.
على الرغم من أن “العقوبات الأميركية” مصممة بطريقة لا يبدو أنها تستهدف وصول المساعدات الإنسانية إلى الغذاء والدواء، إلا أن “العقوبات الأميركية” تعمل في الواقع كأداة للحرب الاقتصادية.
كما يواصل المسؤولون في “واشنطن” الإصرار على الحفاظ على “إعفاءات” من عقوباتهم لحماية التجارة الإنسانية، حتى بعد أن قضت “محكمة العدل الدولية” بأن هذه الإعفاءات غير كافية، مما يترك “احتمال ضئيل للتحسين” في “التأثير الضار الخطير على صحة وحياة” الإيرانيين الأفراد.
“ترامب” وسياسة “خنق” إيران..
في ظل رئاسة الأميركي، “دونالد ترامب”، إزداد الوضع سوءًا. وفقًا للكاتب؛ تُظهر بيانات مكتب الإحصاء أن “الولايات المتحدة” تصدر ما معدله 26 مليون دولار من المنتجات الصيدلانية إلى “إيران” سنويًا، خلال العقوبات التي فرضها، “باراك أوباما”. وبلغ متوسط الصادرات 8.6 مليون دولار فقط، في العامين الماضيين، في ظل سياسات العقوبات الأكثر قسوة التي تتبعها إدارة “ترامب”.
كما جعلت إدارة “ترامب” من الصعب على الدول الأوروبية تصدير الأدوية إلى “إيران”، حيث انخفضت صادرات الأدوية السويسرية إلى “إيران” بنسبة 30 في المئة، من 235 مليون فرانك سويسري، (240 مليون دولار)، في عام 2017، إلى 163 مليون فرانك، (167 مليون دولار)، في العام الماضي، وفقًا لبيانات الجمارك السويسرية. على الرغم من إعادة فرض العقوبات بالكامل، في تشرين ثان/نوفمبر 2018، فقد انخفضت الصادرات السويسرية في ذلك العام إلى ما دون المتوسط السنوي، البالغ 173 مليون فرانك، (178 مليون دولار)، الذي لوحظ في الفترة من 2008 إلى 2015.
وبالمثل، انخفضت صادرات الأدوية الفرنسية إلى “إيران” بنسبة 25 في المئة، من 194 مليون يورو، (218 مليون دولار)، إلى 146 مليون يورو، (164 مليون دولار)، العام الماضي، وتراجع أقل من متوسط 2008 إلى 2015، البالغ 150 مليون يورو، (168 مليون دولار)، وفقًا لبيانات (منيورو ستات).
محاولة للإكتفاء الذاتي..
إستجابة لمثل هذه الضغوط، وكجزء من سياساتها الخاصة بالإكتفاء الذاتي بعد “الثورة الإسلامية”، قطعت “إيران” خطوات مهمة في حماية وصول شعبها إلى الأدوية.
تُعتبر “إيران” رائدة على مستوى العالم في إنتاج الأدوية الجنيسة، حيث تساعد في خفض تكلفة الرعاية الصحية بشكل كبير. وفقًا لـ”أكبر باران ديغي”، المديرالعام لإدارة الغذاء والدواء الإيرانية، فإن حوالي 100 في المئة من جرعات الأدوية التي تحتاجها البلاد يتم توفيرها من قِبل حوالي 100 شركة أدوية محلية، معظمها من القطاع الخاص. ويتم تلبية 3 في المئة فقط من الطلب الواردات التي تم شراؤها من العديد من أكبر شركات الأدوية في العالم.
قد لا تشكل هذه المشتريات سوى نسبة صغيرة فقط من إجمالي الطلب، ولكنها تتعلق بأدوية محددة حيوية لرعاية العديد من المرضى، وخاصة أولئك الذين يعانون من أمراض متقدمة أو مزمنة.
في العام الماضي، نشر العديد من الأطباء الذين يعملون في مجال علاج الأورام لدى الأطفال مذكرة في مجلة (لانسيت) تُظهر أن أدوية العلاج الكيميائي مثل “الأسبارا غيناز”، و”مركاب ابتوريين”؛ لعلاج سرطان الدم، وحتى مسكن الألم الأساس “بارا سيتامول”؛ قد نفد مخزونه، مما يهدد علاج آلاف من الأطفال. كما تم تعطيل الوصول إلى هذه الأدوية بشكل كبير نتيجة لـ”العقوبات الأميركية” ضد “إيران”.
عواقب غير متوقعة..
يأخذ هذا الاضطراب ثلاثة أشكال أساسية: أولاً؛ تؤثر “العقوبات” على توافر الواردات. في حين أن الواردات لا تمثل سوى 3 في المئة من إجمالي الطلب الإيراني حسب الوحدة، فإنها تمثل 39 في المئة من احتياجات البلاد من حيث القيمة، مما يعكس حقيقة أن الأدوية المستوردة عادة ما تكون أكثر بخمس مرات من المكافيء المحلي الصنع؛ وحقيقة أن “إيران” تميل إلى استيراد الأدوية المتخصصة، والتي عادة ما تكون أكثر تكلفة.
مثلما هو الحال مع المواد الخام، فإن القيود المصرفية جعلت من الصعب على المستوردين الإيرانيين دفع تكاليف الموردين الأوروبيين والآسيويين مقابل الأدوية. إن النقص في الأدوية المستوردة وتكاليف الارتفاع الشديد؛ تُعرض المرضى الأكثر عُرضة للخطر – المصابين بأمراض نادرة أو متقدمة – إلى خطر أكبر.
ويوضح الكاتب أن هناك قلق خاص بشأن الخطر المحدق بمرضى السرطان من الأطفال. في مواجهة هذه الاضطرابات في الاستيراد، بدأ الإنتهازيون في تهريب الأدوية المزيفة وذات الجودة المنخفضة إلى “إيران” عبر طرق من “باكستان” و”تركيا” و”الإمارات العربية المتحدة”. إذا إزدادت الاضطرابات سوءًا، فقد يؤدي ذلك أيضًا إلى إدخال مكونات مزيفة أو غير نقية للأدوية المصنعة محليًا، مما يؤدي ليس فقط إلى الأدوية منخفضة الجودة، ولكن أيضًا إلى مخاطر جديدة للصحة العامة.
ثانيًا؛ تقطع “العقوبات” الإنتاج المحلي؛ عن طريق مقاطعة سلاسل الإمداد. يستخدم مصنعو الأدوية الإيرانيون أكثر من 10 آلاف مُركب مختلف في عمليات الإنتاج الخاصة بهم. ويؤدي غياب مادة واحدة إلى توقف إنتاج هذا الدواء.
وأخيرًا؛ إن تأثير “العقوبات” على الاقتصاد الإيراني يؤذي مقدمي الرعاية الصحية والمستهلكين على حدًا سواء من خلال الحد من القوة الشرائية. وانخفاض إيرادات الحكومة وتقليص فرص الحصول على العُملات الأجنبية يضع عبئًا على الإنفاق على الرعاية الصحية، مما يجعل الأدوية المستوردة أكثر صعوبة في تحمُّل المرضى حتى عندما يكون لدى المستشفيات مخزونهم. وفقًا للبيانات الصادرة عن “البنك المركزي الإيراني”، ارتفعت تكلفة الرعاية الصحية في “إيران” بحوالي 20 بالمئة، بين تشرين ثان/نوفمبر 2017 وتشرين ثان/نوفمبر 2018.
على جانب آخر؛ انخفاض الإنتاج سيخلق أيضًا البطالة. تقدر “نقابة الصناعات الصيدلانية” الإيرانية أن مصنعي الأدوية يوظفون حوالي 25 ألف موظف، بينما يعمل 100 ألف عامل آخر في شركات التوزيع، والصيدليات، ودعم ما بعد البيع. هؤلاء العمال هم من أفضل وألمع عمالة “إيران”، وحوالي 20 في المئة من العاملين هم من خريجي الجامعات. مستقبلهم على المحك.
ويدرك القادة المسؤولون في “الولايات المتحدة” أنه لا يوجد مكاسب من وراء خنق التجارة الإنسانية؛ وهو ما دفع الحكومات الأوروبية إلى التصدي لتلك الأزمة بشأن التجارة الإنسانية، لكي يتم رفضها. وقد أجبر هذا، “فرنسا” و”ألمانيا” و”المملكة المتحدة”، على إنشاء مركبة ذات أغراض خاصة، تسمى (إنستيكس)، لمحاولة تسهيل التجارة الإنسانية. كما تتفاوض الحكومة السويسرية مباشرة مع إدارة “ترامب” على قناة مصرفية للتجارة الإنسانية، لكن جهودها حتى الآن يتم عرقلتها من قِبل المسؤولين الذين يسعون إلى تفسير أكثر تطرفًا “لأقصى قدر من الضغط”. يدرك الموردون “الإيرانيون-الأوروبيون” أن هذا الوضع خطير، ولكن إدارة “ترامب” لاتزال غير مريحة.