خاص : كتبت – هانم التمساح :
في فضيحة مدوية أستأجر “العراق” مساحة 80 متر مربع، بقيمة تبلغ 70 مليون دينار عراقي، في “معرض دمشق الدولي”، ولم يُعرض به سوى “علب من التمر وسجادة وقنينة من الدبس” !.. كل ذلك لصالح من ؟ .. ومجاملة لمن ؟.. ومن يقف خلف تلك الفضيحة المدوية التي تقلل من اسم “العراق” في محافل الاقتصاد الدولية.
مشاركة مهينة..
لا يفضح مقطع الفيديو المنتشر على جميع شبكات التواصل الاجتماعي، مشاركة “العراق”، “المتدنية”، في “معرض دمشق الدولي” الـ 61 لسنة 2019، وإنهيار الصناعة الوطنية فحسب؛ بل فضح مستوى عقلية الإدارة التي ساهمت وسمحت بمشاركة “العراق” بهذه الطريقة المُهينة، في المعرض، ما يبعث السؤال عن المبررات التي سمحت لـ”غرقة التجارة” بالمشاركة، بطريقة فجة، ليس لها مبرر.
ولم يكن مناسبًا مشاركة “العراق” في هذه الفعالية الدولية، إذا لم يتوفر المُنتج المناسب للعرض، فعلى الأقل يُبعد “العراق” نفسه عن المقارنة مع دول، لارتزال تخوض حروبًا في نفس ظروف “العراق”، مثل “سوريا”؛ التي أظهرت مشاركتها عن إنتاج وطني واضح.
مجاملة النظام السوري بقوت الشعب العراقي..
وجاءت مشاركة “العراق” كنوع من مجاملة “العراق” للنظام السوري، الذي لم يلقى معرضه إقبالًا دوليًا، رغم كلّ ما روج له الإعلام الموالي للنظام السوري؛ إلا أنّ زيف أقواله بدأ يظهر مع أول أيام المعرض، وحمل المعرض بنسخته الجديدة دفاعًا إستباقيًا لفشل مضامينه الاقتصادية في ظلّ التحذيرات الأميركية من المشاركة.
واستعاض النظام السوري، هذا العام، عن انخفاض عدد الدول المشاركة في المعرض، 38 دولة، بحملة إعلامية ركّزت على وصول المساحات المشغولة في المعرض إلى 100 ألف متر مربع، وهي المساحة الأكبر في تاريخ المعرض، بحسب الإعلام الرسمي.
وهذا الرقم يشمل المساحات الخارجية والداخلية على حدٍ سواء، علمًا بأن المساحات الطابقية الداخلية القابلة للعرض لا تزيد عن 63 ألف متر مربع، وقد شغلت الشركات المحلية ووزارات النظام معظمها، فيما غلب على المساحات الخارجية الطابع الترفيهي والاستهلاكي والخدمي، موزعًا بين ألعاب أطفال ومقاهي الهواء الطلق، وأكشاك للبيع.
تحذيرات أميركية من المشاركة !
وكانت “الولايات المتحدة الأميركية” قد حذرت، في بيانٍ نشرته، عبر حسابها الرسمي على الـ (فيس بوك)، الشركات التجارية والأفراد؛ من المشاركة في “معرض دمشق الدولي”، منوهة عن إتخاذها قرارًا جديدًا ضد النظام السوري، يقضي بعرقلة “معرض دمشق الدولي” وثني الشركات والأفراد عن المشاركة فيه، كون النظام السوري يستغل الموارد المالية لتمويل العمليات العسكرية والهجمات ضد المدنيين.
وهدد البيان، الشركات التي ستشارك في المعرض؛ بفرض عقوبات مشددة عليها، لكونها تساهم بتمكين النظام من مواصلة حملته العسكرية وقتل وقمع الشعب السوري، قائلًا: “يجب أن يكون الجميع على دراية بأنه من خلال تعاملهم مع نظام الأسد، الخاضع للعقوبات، أو ما يرتبط به، يمكن أن يكونوا أيضًا عرضة للجزاءات الأميركية”.
فساد تجار وحكومة ضعيفة..
الفضيحة الكبرى أيضًا تكشف أننا نمر بأزمة ضمير بين التجار العراقيين وإدارة حكومية تبدو ساذجة للغاية، فقد أظهر الفيديو أيضًا إنكشاف خداع التجار العراقيين الذين يستوردون من شركة “الحافظ” السورية من ثلاجات ومبردات، ويقولون إنها كورية؛ في عملية تضليل واضحة، ثم كيف تفسّر هذه المشاركة، وسط كومة من فساد، ومبالغ إيفادات، كلفت “العراق” بكل تأكيد مبالع طائلة، لأنها سوف تُحسب إضعافًا مضاعفة برسم الفساد الذي لم يعد يخشى شيئًا وبات يتمدد طالما أن الحكومة ضعيفة غير قادرة على السيطرة عليه ووقفه.
تراجع الصناعة مع سقوط النظام السابق..
“العراق” الذي أعتمد سكانه، إبان سنوات الحصار الدولي في تسعينيات القرن الماضي، على الصناعة والزراعة المحلية، باتت أسواقه مكتظة بالمنتجات الأجنبية إلى حد التخمة.
بات العراقيون يستهلكون كل ما هو مستورد في السنوات الأخيرة، إذ أضحى البحث عن المنتجات العراقية في أسواق البلاد كالباحث عن الإبرة في كومة قش، والحقيقة التى لا يمكن إنكارها أنه مع سقوط النظام العراقي السابق، في عام 2003، تراجعت الصناعة في “العراق” إلى حد لم تشهده البلاد في تاريخها الحديث، واضطر أصحاب المصانع إلى إغلاق مصانعهم، بعد أن باتت كلفة الاستيراد أقل بكثير من كلفة الإنتاج.
الميزان التجاري يشهد ارتفاعًا مستمرًا في قيمة الاستيراد منذ عام 2003..
الوضع الصناعي في البلاد دُمّر عن سابق إصرار، مع عدم حماية الدولة للمنتج المحلي وفتح باب الاستيراد على مصراعيه دون أي رقابة أو سيطرة نوعية أو جمارك، حيث ما زال الميزان التجاري في “العراق” يشهد ارتفاعًا مستمرًا في قيمة الاستيراد، منذ عام 2003، فـ”العراق” الذي يعتمد في موازنته المالية العامة على بيع “النفط”، بما يزيد على 90%، من مجمل الموازنة، تجاوز حجم التبادل التجاري بينه وبين “الصين”، 21 مليار دولار، عام 2018، وفق بيانات عراقية رسمية، إذ إن “العراق” يصدر لـ”الصين” ما قيمته 15 مليار دولار من “النفط”، مقابل استيراد سلع تفوق قيمتها 7 مليارات دولار، ومرشحة للزيادة في العام الحاليّ.
العراق المستورد الأول للسلع الإيرانية..
وما يكشف استمرار الحكومات العراقية فى سياسة المجاملة والتبعية لحلفٍ بعينه، فإن “العراق”، عام 2018، تبوأ المرتبة الأولى في استيراد السلع الإيرانية بتكلفة تقارب الـ 11 مليار دولار، ويشمل هذا الرقم تكلفة السلع الإيرانية والطاقة المستوردة من “الجمهورية الإيرانية”.
أما “تركيا”، التي تُعد أكثر الدول المجاورة تصديرًا إلى “العراق”، وبحسب السفير التركي لدى العراق، “فاتح يلدز”، فإن بلاده تهدف إلى رفع حجم التجارة مع “العراق” إلى 20 مليار دولار، عام 2019، بزيادة 3 مليارات دولار؛ تطمح “تركيا” إلى إضافتها إلى مجمل صادراتها لـ”العراق”، في عام 2018.
وكان “الجهاز المركزي للإحصاء” في “العراق”، التابع لـ”وزارة التخطيط”، قد أعلن، عبر موقعه الرسمي؛ أن إجمالي الاستيرادات السلعية، غير النفطية، لعام 2016؛ بلغت 50 مليار دولار.
الاحتلال دمر الصناعة العراقية عمدًا..
قرار الحاكم المدني في “العراق”، إبان الغزو الأميركي، “بول بريمر”، الذي خفض من قيمة الرسوم الجمركية على جميع السلع المستوردة إلى 5% فقط، عام 2004، ساهم بشكل كبير وأساس في تدهور الصناعة العراقية، كما أن غالبية من تسلموا زمام السلطة في البلاد، بعد عام 2003، يعمل جلهم في التجارة، ومن مصلحتهم عدم نمو القطاع الصناعي في البلاد.
ليست الصناعة وحدها ما تراجعت في “العراق”، إذ بات جل ما يأكله العراقيون من فواكه وخضراوات مستوردًا، بعد أن كان “العراق”، في العقود الماضية، مكتفيًا ذاتيًا ويصدر منتجاته الزراعية الفائضة إلى بلدان عدة، وباتت عبارة “صنع في العراق” جملة عابرة من الماضي؛ خاصة في ظل السياسات الحكومية المعمول بها حاليًا، ويبدو أن الصناعة والزراعة في “العراق” لن يشهدا نموًا في المدى القريب.