منذ ساعات الفجر الأولى تجدهم مجتمعين في مكب للنفايات ببغداد ينتظرون وصول سيارات القمامة، ويسابقون بعضهم البعض للظفر بكمية أكبر مما تحتويه الحاويات يبيعونها مقابل ثمن زهيد يغطي قوتهم وقوت عائلاتهم.
أنعام واحدة من عشرات العراقيين الذين دفعهم الجوع والحرمان إلى النبش في النفايات كما يطلق عليهم إسم “النبّاشة”… ففي أطراف العاصمة بغداد، حيث توجد أماكن الطمر الصحي، ثمة عالم منسي مسكون بالويلات والحزن، إذ تخرج يومياً عائلات من أحياء قصديرية تسكنها في رحلة بحثٍ عن قنينة ماء فارغة، وأجهزة كهربائية عاطلة، وبقايا نحاس ومعادن أخرى وغير ذلك، حيث يقوم أصحاب الورش الصناعية بتشغيلهم لجمع تلك النفايات وتحويلها إلى مواد أولية لإعادة تصنيعها ومن ثم تصديرها إلى خارج البلاد.
جميع من يعملون في ساحة طمر النفايات ينظرون بإنكسار إلى العالم، فهم موجودون في مثل هذه الأماكن منذ خيوط الفجر الأولى وحتى ساعة متأخرة من الليل، بين تلك النفايات التي تختلف بأشكالها وألوانها وروائحها.
امرأة في العقد الرابع من عمرها، متزوجة من رجل معاق، تقول: “نحن عراقيون ولسنا غرباء، نريد من يلتفت إلى حالنا… أناشد الجهات المعنية والحكومة، فنحن لم نجد فرصة عمل مناسبة لتوفير لقمة العيش”.
وتؤكد زميلتها أم سجاد بأن “أغلب العاملين في أماكن طمر النفايات يجمعون طعامهم من بقايا وفضلات المأكولات التي يرمي بها الآخرون”، مشيرة إلى أنها على علم بخطورة هذا الأمر، لكنها تقول: “ليس باليد حيلة”، لافتةً إلى أنها تبحث في الأكياس الممزقة عن رداء، فيما يفتش الأطفال عن الحلوى بين النفايات، ويحملون بقايا الخبز والطعام إلى الجياع من أفراد أسرهم.
ووراء عمل النساء والأطفال في فرز النفايات وجمعها أسباب عديدة، في مقدمها زيادة عدد العائلات التي فقدت من يعيلها في أعمال العنف المسلحة والإرهاب والتي قهرت الآلاف من أفرادها وروّعتهم وشرّدتهم وجعلتهم يعيشون دون مستوى الفقر.
كما أن طبيعة النظام السياسي ونمط تعامله مع مجتمعه وسوء تصرفه بموارد المجتمع الاقتصادية أدى الى انتشار ظاهرة الفقر.
ويقول أبو محمد، وهو سائق مركبة أن سيارات محملة بالنفايات تأتي من مختلف الدوائر والمؤسسات الحكومية للتخلص منها هنا في أماكن الطمر الصحي، فيقوم هؤلاء “النبّاشة”، من أطفال ونساء وشباب بالتزاحم والتدافع بغية الحصول على ما يمكن فرزه، مشيراً إلى أنهم يعتبرون تلك الحمولة من النفايات غنيمة، وعليهم ألا يمنحوا غيرهم فرصة للحصول عليها.
وكانت اللجنة الحكومية للتخفيف من الفقر أكدت أن نسبتَه وصلت في موفى 2012 إلى ثمان وثلاثين بالمئة من عدد سكان العراق، وقال رئيسُ اللجنة مهدي العلاق إن الاحصائياتِ أظهرت وجودَ ستةِ ملايين عراقي يعيشون تحت خط الفقر.