خاص : كتبت – نشوى الحفني :
مع دخول الاحتجاجات العراقية شهرها الثاني دون تحقيق أيًا من أهدافها ومطالبها، يزداد الوضع سوءًا وعنفًا ودموية، مع استمرار المواجهات الوحشية مع المتظاهرين، فيما يظهر تناقضًا فجًا من قِبل الحكومة العراقية، حيث أنه مع انقطاع الإنترنت مرة أخرى؛ وما أشيع عن اختطاف ملثمين للمتظاهرين، ليلة أمس، خرج رئيس الوزراء العراقي، “عادل عبدالمهدي”، الذي تعتبر إقالته أولى مطالب المتظاهرين؛ بتصريحات استفزازية جديدة يقول فيها أن الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها بلاده منذ مطلع تشرين أول/أكتوبر الماضي، مطالبة بإسقاط حكومته، بأنها تسير في الإتجاه الصحيح، وشخصت أخطاء متراكمة.
وقال “عادل عبدالمهدي”، في كلمة متلفزة، أمس، إن المظاهرات الحالية في “العراق” تسير في الإتجاه الصحيح، وأنها ضغطت لقبول مشاريع كانت مركونة على الرف.
وأضاف أن المظاهرات الحالية في “العراق” شخصت أخطاء متراكمة، منذ عام 2003، وأن “الدستور العراقي أصبح هو المظلة التي يستظل بها الجميع”.
ولفت رئيس الحكومة، التي تواجه أشد مظاهرات شعبية واسعة ومتصاعدة في عدة محافظات عراقية بينها العاصمة، “بغداد”، النظر إلى أن “هناك حاجة لتعديلات دستورية”، مستطردًا: “والسؤال هو كيف نجري هذه التعديلات ؟”.
وأضاف أن: “البدء من الآليات الدستورية هو الطريق الأوضح لإجراء التعديلات، بما فيها تغيير النظام السياسي”.
استقالة الحكومة إجراء غير مجدي..
وتطرق قائلًا إن استقالة الحكومة، بناءً على طلب المحتجين؛ سيكون إجراء غير ذا جدوى إذا لم يتوفر البديل.
وقال إنه: “إذا استقالت الحكومة دون بديل سلس وسريع ستستمر كحكومة تصريف أعمال، فهل كذلك نكون أنجزنا شيئًا ؟”، محذرًا من أن تأخر البرلمان في إيجاد بديل، في حالة استقالة الحكومة، سيدخل البلاد في “حالة معلقة”.
وأكد “عبدالمهدي” على أن كافة الوزراء والمحافظين على استعداد لتقديم استقالتهم.
قانون الأحزاب والانتخابات وسع الفجوة مع الشعب..
من جانب آخر تطرق “عبدالمهدي” إلى العلاقة بين الشعب والأحزاب السياسية الحاكمة، مشيرًا إلى فقدان الشارع العراقي الثقة بهذه الأحزاب، مبينًا: “حصلت فجوة بين القوى السياسية والجمهور بسبب قانون الأحزاب وقانون الانتخابات، حيث لاحظنا في الانتخابات الأخيرة نسبة متدنية من المشاركة بسبب الفجوة بين الجمهور والقوى السياسية”.
وأشار إلى التوصل لحل يعمق مشاركة العراقيين بالانتخابات وإعادة الثقة إليهم، موضحًا: “قدمنا قانونًا جديدًا للانتخابات حتى نفسح المجال أمام المستقلين”.
وأكّد “عبدالمهدي” أن: “ضغط المظاهرات قاد إلى الدفع نحو قبول مشاريع قوانين كانت موجودة؛ لكنها مركونة على الرف”.
تأتي تلك الكلمة بعد أن التقى رئيس الوزراء العراقي عددًا من المسؤولين الأمنيين ورئيس البرلمان ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، مشيرًا في بيان نشره رئيس الوزراء على صفحته، على (فيس بوك)، إلى أن اللقاء تناول بحث تطورات الموقف والخطوات الضرورية لاستعادة السِلم والنظام.
قطع الإنترنت..
ومع تلك التصريحات الوردية التي يريد بها، “عبدالمهدي”، إظهار مدى تفهمه أمام الرأي العام العالمي، وليس من أجل أبناء بلده، لأنه بهذا يدافع عن كرسيه ولا يهمه ما يزهق من أرواح كل يوم، أقدمت السلطات العراقية من جديد، ليل الإثنين، على قطع شبكة الإنترنت بالكامل في “بغداد” وجنوب البلاد، بعد ساعات من وقوع مواجهات قرب مقار حكومية في العاصمة.
وقالت منظمة “نيت بلوكس” للأمن الإلكتروني؛ إن: “هذا القطع الجديد هو أسوأ القيود التي فرضتها الحكومة العراقية منذ بداية التظاهرات”، في الأول من تشرين أول/أكتوبر 2019.
وكانت السلطات قد قطعت الإنترنت لمدة أسبوعين، الشهر الماضي، وشددت الخناق على شبكات التواصل الاجتماعي التي لا تزال محجوبة حتى الآن، إلا من خلال استخدام تطبيقات (في. بي. أن).
اعتقال المحتجون بواسطة ملثمين..
في الوقت ذاته، اتهم “المرصد العراقي لحقوق الإنسان”، السلطات العراقية، أمس، بشن حملة اعتقالات وسط العاصمة، “بغداد”.
ونقل المرصد، وهو منظمة غير حكومية، عن شهود عيان القول إن ملثمون يستقلون مركبات حكومية اعتقلوا عددًا من المحتجين في منطقتي “العلاوي” و”الصالحية”؛ بينما كانوا في طريقهم إلى “ساحة التحرير”.
في غضون ذلك؛ أدانت “المفوضية العليا لحقوق الإنسان” تجدد الاشتباكات بشكل يومي بين القوات الأمنية والمتظاهرين والأحداث التي وصفتها بالمؤسفة في محافظة “ذي قار”، قضاء “الشطرة” وقضاء “سوق الشيوخ”، الإثنين، وأسفرت عن مقتل شخصين وإصابة 23 آخرين واعتقال 283 شخصًا أُطلق سراح 156 من بينهم.
كما أدانت في بيان؛ “قطع الإنترنت والكهرباء واستخدام الرصاص الحي والمطاطي والغازات المسيلة للدموع من قِبل قوات الأمن تجاه المتظاهرين”، داعية قوات الأمن؛ إلى “القيام بدورها في حماية المتظاهرين”.
اتهام النظام الإيرانى بالوقوف وراء الوضع..
جزء كبير من الشارع العراقي يتهم “إيران” بالوقوف خلف النظام السياسي، الذي يعتبرونه فاسدًا ويطالبون بإسقاطه.
وتركز غضب المتظاهرين الذين يطالبون بـ”إسقاط النظام”، خلال الأيام الماضية، على “إيران”، صاحبة النفوذ الواسع والدور الكبير في “العراق”، إلى جانب “الولايات المتحدة” التي لم يشر إليها المحتجون خلال التظاهرات، وهي بدورها لم تبد تفاعلاً تجاه الأزمة الحالية في البلاد.
وأججت الزيارات المتكررة لقائد (فيلق القدس)، في “الحرس الثوري” الإيراني، اللواء “قاسم سليماني”، لـ”العراق” غضب المحتجين، إلى جانب تصريحات المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، “علي خامنئي”، عن وجود “مخططات من الأعداء لإثارة الفوضى وتقويض الأمن في بعض دول المنطقة”.
مخاوف إيرانية على فريق قنصليتها.. وإيقاف الرحلات الدينية..
وبسبب ذلك أعتدى المتظاهرون على مبنى “القنصلية الإيرانية”، في “كربلاء”، ورفعوا العلم العراقي، مما اضطر “طهران”، أمس، إلى طلب ضمان أمن بعثتها الدبلوماسية في “العراق”.
وجاء في بيان للناطق باسم الخارجية الإيرانية، “عباس موسوي”، أن: “إيران تؤكد الحفاظ على الأمن الدبلوماسي في العراق للسفير وأعضاء السفارة والموظفين القنصليين في قنصلياتها في المحافظات العراقية”.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، وإنما قامت “إيران” بإيقاف جميع الزيارات الدينية إلى “العراق”؛ وسط خشية من انتقال عدوى التظاهرات إلى “طهران”، وذلك بعد إغلاق النظام الإيراني النقاط الحدودية مع “العراق”، كما أصدرت “الخارجية الإيرانية” بيانًا نصحت فيه الإيرانيين بالإبتعاد عن السفر إلى “العراق”.
مظاهرات ضد الاحتلال الإيراني..
حول ذلك؛ وصفت صحيفة (نيويورك تايمز)، لأول مرة، التظاهرات العراقية، الضخمة بأنها ضد الاحتلال الإيراني البغيض، وألمحت إلى أن قطع خدمات الإنترنت مؤشر على خروج التظاهرات عن السيطرة، وأوضحت بأن معظم الوزارات تحت سيطرة أحزاب “إيران”، كما أن “إيران” استغلت الحرب على (داعش) للهيمنة على مفاصل الدولة العراقية. وكشفت أن الجيش العراقي يرفض طلبًا له بإقتحام مبنى “المطعم التركي” خشية من إراقة الدماء.
وأوضحت أن المحتجين وجهوا غضبهم ضد “إيران”؛ التي يرون الآن أنها تتمتع بنفوذ كبير داخل بلدهم، كما يصرخون ضد الأحزاب العراقية المرتبطة بـ”إيران”. ويرفعون شعارات: “بغداد حرة حرة، إيران برا برا”. هذا الصراخ انتشر في الشوارع وفي ساحات العاصمة العراقية، وفي مدينة “كربلاء” وفي الأزقة الخلفية والممرات الجامعية. لقد تحولت هذه الاحتجاجات إلى صراع حول من سيشكل مستقبل البلاد.
معقولة إلا أنها يستحيل تحقيقها..
وتقول الصحيفة الأميركية، تبدو مطالب المتظاهرين – للتخلص من الفساد، ووضع حد للأحزاب السياسية، وإنشاء نظام رئاسي بدلاً من نظام برلماني – معقولة في الوقت نفسه ويكاد يكون من المستحيل تحقيقها؛ على الأقل، ليس من دون سفك دماء.
كما يصعب تحقيق ذلك لأن المتظاهرين يطالبون بشكل متزايد بنتائج فورية، كما لو كانوا يرغبون في رؤية المشرعين والوزراء يحزمون حقائبهم، ويتخلصون من فيلاتهم المميزة في “المنطقة الخضراء” ويختفون تمامًا.
هؤلاء السياسيون الذين يرغبون في العمل مع المحتجين يدركون أن التغييرات الأساسية التي يطالبون بها؛ مثل قوانين انتخابات جديدة ودستور جديد، في نهاية المطاف – لا يمكن تحقيقها بين عشية وضحاها. ومع ذلك، فإن أسلوب الطبقة السياسية يُحبط المحتجين الذين ينفد صبرهم لرؤية التغييرات تبدأ الآن.
ويحاول الرئيس العراقي، “برهم صالح”، إتخاذ خطوات في هذا الإتجاه، من خلال إدخال تشريعات من شأنها القضاء على النظام الحالي لقوائم الأحزاب والسماح للناخبين بالإدلاء بأصواتهم للمرشحين الفرديين. لكنه في جوهره يطلب من البرلمان إعتماد نظام يكلف الكثير من أعضائه مقاعدهم.
معالجة الأزمة يحتاج العمل على ثلاث مستويات..
“ماريا فانتابي”، المحللة البارزة في شؤون العراق؛ في “المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات”، تقول إن: “هناك المستوى السياسي والشارع والمؤسسة الأمنية، وكل واحدة من هذه المجموعات مشغولة للغاية”.
فالمحتجون، على سبيل المثال، يحتفلون بشعور الحرية ويشعرون بالتمكين من خلال الزخم الذي خلقوه. وقالت: “لا يقتصر الأمر على الشباب الذكور فحسب، بل ولأول مرة على الإناث الشابات والفصائل الأخرى في المجتمع”.
وأضافت أن المحتجين “لا ينظرون إلى ما قد يكون الهدف النهائي؛ إنهم يحتفلون بأنهم خلقوا هذه الحركة الاحتجاجية الضخمة”.
وأشارت إلى أن رئيس الوزراء؛ رغم استهدافه بالكثير من الانتقادات، إتخذ خطوات لتحسين حياة العراقيين، وتوسيع وتزويد التيار الكهربائي، وتحسين العلاقات مع “أكراد العراق” وإزالة الجدران التي قسمت “بغداد”. لكنه لا يزال قائدًا ضعيفًا مدينًا لموقفه باتفاق سياسي صاغته “إيران”.
لذا، بينما تمكن “عبدالمهدي” من تعيين تكنوقراط في وزارتي “الكهرباء” و”النفط”، تسيطر الأحزاب المرتبطة بـ”إيران”؛ على خمس وزارات رئيسة على الأقل، بما في ذلك وزارات “الداخلية والاتصالات والعمل والشؤون الاجتماعية”، وهذا يتيح لهم الوصول إلى الآلاف من الوظائف والمحسوبية والعقود والمنح، ويولد الفساد الذي يدينه المحتجون.
الفساد الآن مستوطن، وهو موجود حتى في تلك الوزارات التي ينظر إليها على أنها جيدة الإدارة.
انقسام بين قوات الأمن..
كما تشير الصحيفة الأميركية إلى انقسام قوات الأمن، بين ضباط من الرتب الأدنى وكبار الضباط وبين “وزارة الدفاع”؛ وأولئك في “وزارة الداخلية”، التي تضم ألوية قريبة من “إيران”.
لقد أدت هذه الانقسامات إلى خلافات بين الكيانات الأمنية حول كيفية مواجهة المتظاهرين، الذين استولوا على مبنى يلوح في الأفق فوق “جسر الجمهورية”. رفض الجيش الموافقة على خطة لتطهير المبنى، (المطعم التركي)، حيث خشي ضباط الجيش من المزيد من إراقة الدماء التي من شأنها أن تثير احتجاجات أكبر.
وقال مسؤول عسكري كبير، متحدثًا عن الخطة المقترحة لإقتحام المبنى: “ليست هناك حاجة لخلق هذه المشكلة الكبيرة؛ لا يمكنك أن تتخيل ماذا سيكون رد الفعل”.
وكانت صحيفة (نيويورك تايمز)، قد أشارت مسبقًا؛ إلى أنه في حالة نجاح الاحتجاجات في “العراق” و”لبنان” في إزاحة الحكومات الحالية، وإضعاف الأحزاب السياسية المسيطرة على الساحة، والتي تجمعها علاقات وطيدة بـ”طهران”، فإن “إيران” ستفقد عقودًا من الدعم والاستثمار السياسي والعسكري والمادي، والذي جعلها أحد أكبر وأهم القوى في الشرق الأوسط.
فشل فى ممارسة نفوذه..
وفي مقال أفتتحت كاتبة معهد “واشنطن” لسياسة الشرق الأدنى مقالتها، في مجلة (فورين بوليسي)؛ أن: “الاحتجاجات كشفت أن النظام الإيراني فشل في ممارسة نفوذه في البلدان التي يسكنها الشيعة، وأنه فشل في ترجمة الانتصارات العسكرية والسياسية إلى رؤية اجتماعية اقتصادية تمكنه من السيطرة على تلك البلدان، وتجاهله نقطة مهمة تمثلت في الرؤية الاجتماعية الاقتصادية التي تُعد الركيزة الأساسية للحفاظ على قاعدته التي شكلّها على مر العقود الماضية”.
وترى الكاتبة أنه أينما تفوز “إيران”، تسود الفوضى، من “العراق” إلى “لبنان”، أصبح من الواضح أنه لم يُعد من الممكن التسامح مع القوة الإيرانية، موضحة أن الاحتجاجات الأخيرة كشفت مدى هشاشة النظام الإيراني أمام العالم، وأنه حان الوقت للعمل مع المجتمعات الشيعية، فالشيعة لا يخصوا “إيران” وحدها.