بدأ الرئيس العراقي جلال طالباني اليوم الخميس رحلة علاج من جلطة في الدماغ في المانيا يعتقد انها ستطول لاشهر عدة تاركا خلفه أزمة سياسية معقدة كان يعد لمؤتمر لم ينعقد من اجل حلها وجدلا حول خلافته في رئاسة الجمهورية ينتظر ان تعقد المشهد السياسي بشكل اكبر قد يقوده الى مزالق خطيرة مالم يقدم الفرقاء السياسيين تنازلات متبادلة توصل لاتفاقات نافذة.
فقد قرر فريق طبي وصل الى بغداد وأجرى فحوصات لطالباني (79 عاما) اثر جلطة دماغية اصابته بغيبوبة منذ مساء الاثنين الماضي نقله الى مستشفى الماني متخصص كان الرئيس عولج فيه لثلاثة اشهر الصيف الماضي وذلك لاجراء فحوصات وتحاليل أدق وأفضل.
وفي آخر تطور للوضع الصحي للرئيس العراقي فقد اشار مقربون منه الليلة الماضية ان هذا الوضع يشهد تحسنا مستمرا وقد فتح عينية وبدأ يصافح ضيوفه ويستجيب للاصوات التي يسمعها . وخلال الساعات الاخيرة اشرف على فحوصات اجريت لطالباني وعلاجات قدمت له فرق طبية عراقية وبريطانية وايرانية اضافة الى الفريق الالماني.
ويعاني طالباني وهو اول رئيس كردي في تاريخ العراق منذ سنوات من مشاكل صحية، حيث اجريت له عملية جراحية للقلب في الولايات المتحدة في اب (اغسطس) عام 2008، قبل ان ينقل بعد عام الى الاردن لتلقي العلاج جراء الارهاق والتعب. كما توجه خلال العام الحالي الى الولايات المتحدة واوروبا عدة مرات لاسباب طبية.
وشغلت الانتكاسة الصحية الحالية للرئيس العراقي الاوساط السياسية والاعلامية وقد زاره في المستشفى كبار قادة البلاد فيما تلقى مساعدوه اتصالات من قبل زعماء ومسؤولين عرب واجانب، الى جانب ممثلين عن المرجعيات الدينية في النجف للاطمئنان على صحته.
طالباني يترك مؤتمرا للمصالحة والاصلاح لم ينعقد
وبمغادرة طالباني الى المانيا في رحلة علاج يتوقع ان تطول يكون قد ترك خلفه ازمة سياسية بين الكتل الكبيرة في البلاد وتوترا بين الحكومتين المركزية في بغداد والكردستانية في اربيل كان على وشك ان ينجح في جمع الفرقاء السياسيين وجها لوجه من لحل مشاكلهم والتوافق على حلول ترضي الجميع.
وفي هذا الاطار قال مستشار ائتلاف “العراقية” هاني عاشور ان تدهور صحة طالباني بعد جهد لتقريب وجهات النظر قد ألقت ورقة الإصلاح للنسيان ولم يعد هناك أي أمل بالاصلاح وان الحديث الذي دار لاكثر من شهرين عن الاصلاح والاجتماعات الدورية التي عقدت بشأنها لم تكن سوى محاولة لتذويب موضوع سحب الثقة ولم تكن هناك اية جدية في هذا الموضوع وان الازمة مع الكرد كان هدفها تفتيت فكرة الاصلاح .
واوضح عاشور في تصريح صحافي ان “سفر الرئيس طالباني للخارج للعلاج في وعكته الصحية الاولى اودى بمشروع سحب الثقة عن الحكومة والمؤتمر الوطني، ووعكته الثانية الحالية ستجعل الاصلاح نسيا منسيا ولا وجود للاصلاح، ما يمكن ان يدفع العراق الى ازمات متتالية حتى موعد الانتخابات البرلمانية المقبلة، وهو ما يبدو افضل وسيلة لمعالجة الازمات بالازمات”. وأوضح ان ”الشعب العراقي هو دائما من يدفع الثمن، ولا يرى في الافق حلولا او تحسنا في الجانبين الامني والخدمي وسط حالات من الفساد اضاعت عليه فرصه المستقبلية” .
ويغيب طالباني عن العراق بعد ان كان على وشك جمع الفرقاء السياسيين في مؤتمر لحل الازمة السياسية الناتجة عن عدم تنفيذ اتفاق اربيل بين القوى السياسية والذي انبثقت عنه الحكومة الحالية اواخر عام 2010. وكان طالباني دعا قبل اشهر لعقد مؤتمر لحل الازمة السياسية . لكن اجتماعات اللجنة التحضيرية للمؤتمر توقفت بعد أربعة اجتماعات فشلت خلالها في تحديد موعد نهائي لانعقاد المؤتمر أو الاتفاق على جدول اعماله، بسبب الخلافات بين القوى السياسية، وكل ما أنجزته أنها تسلمت اوراق عمل مقترحة للمؤتمر قدمتها الكتل السياسية الكبرى المشاركة، وهي الائتلاف الوطني والقائمة العراقية والتحالف الكردستاني.
وكان طالباني يسعى من خلال عقد هذا المؤتمر حل الأزمة السياسية الناشبة بين القوى السياسية حول مجموعة من القضايا الخلافية، أهمها عدم اكتمال تطبيق اتفاقية أربيل التي تشكلت بموجبها الحكومة، فضلاً عن موضوعات استجدت كمشكلة التعامل مع مطالب بعض المحافظات بتشكيل أقاليم، وكذلك اتهام نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي بارتكاب “أعمال إرهابية” وانتقاله اواخر العام الماضي للإقامة في إقليم كردستان، الذي رفض تسليمه إلى السلطات الاتحادية، ثم الحكم عليه بالاعدام مؤخرا .. أضافة الى المشكلات بين حكومة الإقليم والحكومة الإتحادية ومنها عدم إصدار قانون للنفط والغاز ينظم صلاحيات الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم وتأخر تنفيذ المادة 140 الدستورية التي تعالج مصير كركوك والمناطق المتنازع على تبعيتها بين بغداد واربيل.
وفيما يخص الازمة بين بغداد واربيل فقد نجح طالباني في الثالث عشر من الشهر الحالي في اقناع رئيسي الحكومة العراقية نوري المالكي واقليم كردستان مسعود بارزاني بالموافقةعلى خطة لحفظ الامن والاستقرار في البلاد تقضي بوقف الحملات الاعلامية وان تجتمع اللجان العسكرية – الفنية ذات الاختصاص بهدف تشكيل مجموعات تضم مواطنين من سكان المناطق المتنازع عليها وبنسب متساوية بين أبناء القوميات الثلاث وتناط بها مسؤولية حفظ الأمن هناك ويبدأ اثر ذلك انسحاب القوات التي تحركت في وقت سابق إلى هذه المناطق.
وجاء اعلان الاتفاق بعد ايام من وصول الخلافات بين حكومتي بغداد واربيل الى اخطر مدياتها اثر دفع الجانبين لقوات عسكرية الى خطوط التماس على حدود اقليم كردستان حيث تشهد العلاقة بين بغداد و اربيل ازمة حادة بسبب خلافات عدة آخرها تشكيل بغداد “قيادة عمليات دجلة” لتتولى مسؤوليات أمنية في مناطق متنازع عليها. وقد انعكس الخلاف توترًا على الارض حيث قام كل من الطرفين بحشد قوات قرب مناطق متنازع عليها خصوصًا في محافظة كركوك (255 كم شمال شرق بغداد).
خلافة طالباني بين الاكراد والسنة
وتثير خلافة الرئيس طالباني جدلاً وخلافات سياسية في العراق حيث ينتظر أن يكون على رأس المرشحين لخلافته برهم صالح نائبه في قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني رئيس حكومة كردستان ونائب رئيس الوزراء العراقي سابقا ، باعتبار أن المنصب هو للمكون الكردي، وكذلك اسامة النجيفي رئيس البرلمان القيادي السني في القائمة العراقية، على اساس أن الرئاسة هي للسنة، بحسب المحاصصة الطائفية المعمول بها في العراق منذ عام 2003.
فمنذ انتخاب أول مجلس للنواب العراقي عام 2005 بعد سقوط النظام السابق فقد اقتضت المحاصصة ان يكون رئيس الجمهورية سنيا على ان يكون له نائبان شيعي وكردي ولكن لان طالباني كردي فقد كان له نائبان سني وشيعي ثم رئيس الحكومة شيعيا وله نائبان سني وكردي ورئيس مجلس النواب سنيا وله نائبان شيعي وكردي.
وتنحصر خلافة الرئيس العراقي في حال اختيار شخصية كردية ببرهم صالح حيث يتوقع أن يصر مسعود بارزاني رئيس الاقليم على احتفاظ الاكراد بمنصب رئيس الجمهورية وقد يرشح زوج ابنته رئيس حكومة الاقليم نجيرفان بارزاني لمنصب.
اما على الجانب السني فأن اقوى الشخصيات المرشحة لخلافة طالباني هو النجيفي الذي يحظى بقبول القوى السياسية التي يحتفظ بعلاقات جيدة معها ولم يدخل معها في خلافات او مماحكات سياسية تجعلها تعترض على توليه رئاسة العراق. ومن المنتظر أن تمر المناقشات حول هذا الامر بأزمات وخلافات قبل أن يتم الاتفاق على ثاني رئيس للجمهورية منذ عام 2003 بين جميع الفرقاء السياسيين.
ويقول زعماء سنة في مجالسهم الخاصة انهم يتطلعون لمنصب الرئيس لكنهم يدركون صعوبة المعركة التي سيخوضونها لتحقيق هدفهم بسبب قوة الصوت الكردي وتأثيره على مجريات الاحداث في البلاد وما يمكن ان يؤدي حرمان الاكراد من المنصب الى مخاطر كبيرة على الاوضاع السياسية في البلاد التي تعيش اصلا وضعا مضطربا. ولذلك يؤكد محللون سياسيون اكراد ان برهم صالح هو المرشح الاوفر حظا لخلافة طالباني.
وكان طالباني عاد إلى العراق في 17 ايلول (سبتمبر) الماضي بعد رحلة علاج في المانيا استمرت ثلاثة اشهر بعد أن اجريت له عملية ناجحة في الركبة. وقبل ذلك عولج مطلع عام 2007 في مدينة الحسين الطبية بعمان التي يشرف عليها الجيش الاردني اثر معاناته من ارهاق شديد وفقدان الكثير من السوائل في جسمه.
وتسلم طالباني منصب رئاسة الجمهورية عام 2005 ثم جدد له مجلس النواب ولايته الرئاسية في اواخر عام 2010 وحتى مطلع عام 2014 بعد ان يكون قد شغل منصبه لولايتين ويحق له وفقا للدستور الاستمرار بالمنصب لدورة ثالثة. وجلال طالباني الملقب “مام جلال” اي “العم جلال” باللغة الكردية، هو اول رئيس كردي في تاريخ العراق الحديث.
الدستور العراقي وخلافة الرئيس
وتنص المادة 67 من الدستور العراقي على “ان رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، ويسهر على ضمان الالتزام بالدستور، والمحافظة على استقلال العراق، وسيادته، ووحدته، وسلامة اراضيه، وفقاً لاحكام الدستور، وينتخب مجلس النواب رئيس الجمهورية، باغلبية ثلثي عدد اعضائه وتحدد ولاية رئيس الجمهورية باربع سنوات، ويجوز اعادة انتخابه لولايةٍ ثانيةٍ فحسب”.
وفي مادته 75 ثالثا ينص الدستور على “يحل نائب رئيس الجمهورية محل رئيس الجمهورية عند خلو منصبه لاي سببٍ كان، وعلى مجلس النواب انتخاب رئيس جديد، خلال مدةٍ لا تتجاوز الثلاثين يوماً من تأريخ الخلو. ويتضمن الدستور فقرة اخرى تتعلق بخلو المنصب في حالة عدم وجود نائب لرئيس الجمهورية هي الفقرة رابعا التي تقضي بان يحل رئيس مجلس النواب، محل رئيس الجمهورية في حالة عدم وجود نائبٍ له، على ان يتم انتخاب رئيس جديد خلال مدةٍ لا تتجاوز ثلاثين يوماً من تاريخ الخلو.
ويرى رجال القانون انه في حالة خلو المنصب لعجز الرئيس عن ممارسة عمله او الوفاة فان نائب رئيس الجمهورية خضير الخزاعي سيتولى منصب رئيس الجمهورية لحين انتخاب رئيس جديد في جلسة لمجلس النواب خلال 30 يوما حيث سيكمل الرئيس الذي ينتخبه مجلس النواب المدة المتبقية لولاية رئيس الجمهورية التي ستنتهي بنهاية الدورة الحالية لمجلس النواب مطلع عام 2014 موعد اجراء الانتخابات العام في البلاد..