26 فبراير، 2025 6:10 م

صراع المؤسسات في “تونس” يخرج للعلن .. “سعيد” فتح ملفات الفساد و”النهضة” ترد باتهامه بالعمالة !

صراع المؤسسات في “تونس” يخرج للعلن .. “سعيد” فتح ملفات الفساد و”النهضة” ترد باتهامه بالعمالة !

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

يبدو أن “تونس” باتت على موعد مع صراع علني، بعد أشهر، من الحرب الباردة، حيث يتجه الصراع السياسي بين رئيس الجمهورية، “قيس سعيد”، ورئيس حركة (النهضة)، “راشد الغنوشي”، للخروج أكثر فأكثر إلى العلن، فيما كانت حركة (النهضة) تنفي حقيقة خلافاتها العميقة مع الرئاسة.

وخلال فترة ليست بالقليلة، ظلت حركة (النهضة) تدعو للجلوس إلى طاولة الحوار، للبحث عما سمته: بـ”التوافق”؛ يرفضه رئيس الجمهورية، الذي رد على دعواتها، في أكثر من مناسبة؛ بأنه لن يجلس مع الفاسدين، فأصدرت حركة (النهضة) بيانًا رسميًا، وقعه “الغنوشي”، اتهم فيه رئيس الجمهورية بالتسلط ومخالفة الدستور.

الحركة اعتبرت؛ في البيان، إعلان رئيس الدولة نفسه قائدًا أعلى للقوات المدنية الحاملة للسلاح، بمثابة دوس على الدستور وقوانين البلاد، وتعٍد على النظام السياسي وعلى صلاحيات رئيس الحكومة، وأضافت أنه يكرس النزوع: “التسلطي لرئيس الدولة”.

تطبيق القانون دون استثناء..

وكان الرئيس التونسي؛ قد شن هجومًا جديدًا ضد خصومه، في خطاب ألقاه بمناسبة العيد الوطني لقوات الأمن الداخلي.

وقال “سعيد”، في موكب الاحتفال الذي حضره عدد من الضباط في الأجهزة الأمنية ورئيس الحكومة، “هشام المشيشي”، ورئيس البرلمان، “راشد الغنوشي”: “إن الأمن المُعبر عن الإرادة الشعبية يجب أن يُطبق القانون بدون استثناء، فالجميع سواءً أمام القانون، لا يشفع له حزب ولا نسب ولا ثروة ولا منصب (…)، لكن هناك من يتمسك بالحصانة أو بالقرابة؛ في حين أن الحصانة مقصدها هو ضمان حرية الموقف وليس القذف والكذب والإفتراء”.

وتابع: “لكن الحصانة لا يمكن أن تكون حائلاً أمام المساءلة، ولا يمكن أن تكون عقبة أمام الإفلات من العقاب، كما اختفت للأسف في المحاكم الأدلة والمؤيدات، بل إن المحاكمات تستمر في بلادنا لعقود، أما لو كان المتهم فقيرًا مدقعًا؛ ألقي به في ساعات في غياهب السجون، لكن أقولها للجميع اليوم صبر وغدًا أمر”.

وقال “قيس سعيد”؛ إن: “القوات المسلحة يجب أن تكون أسوة في تطبيق القانون؛ وعلى الجميع، دون استثناء، لا بالمال ولا بالعلاقات مع الخارج ولا بالمصاهرة ولا بالنسب”.

ويُشير “سعيد” هنا؛ إلى قضية الفساد التي تورط فيها وزير الخارجية السابق وصهر، “راشد الغنوشي”، “رفيق عبدالسلام”، في العام 2012، ولم تُحسم حتى اليوم، وإلى المتابعات القضائية في حق عدد من النواب في الائتلاف الحاكم بتهم تتعلق بتمجيد الإرهاب والعنف، والمُعطلة بسبب الحصانة البرلمانية.

وتوجه “قيس سعيد”، لضباط الأجهزة الأمنية؛ قائلاً: “أصبروا وصابروا، إن بعضكم يعلم الكثير وكيف يُعطل السير الطبيعي لدواليب الدولة بالفتن والنصوص وبالتمييز وبإثار البعض على البعض؛ دون مقاييس موضوعية ودون وجه حق”.

قيادة القوات المسلحة العسكرية والمدنية..

وقال الرئيس التونسي؛ إن صلاحياته كقائد أعلى للقوات المسلحة تشمل أيضًا، قوات الأمن الداخلي، وليس الجيش فقط، مخصصًا قسمًا ثانيًا، من خطابه، لهذا التفصيل الدستوري.

وأشار “سعيد” إلى أن الأغلبية الحاكمة، في العام 2014، بقيادة حركة (النهضة)؛ قد: “وضعت الدستور على المقاس، لكنها أخطأت المقاس”.

وتابع: “رئيس الدولة؛ هو القائد الأعلى للقوات المسلحة العسكرية والمدنية. فليكن هذا الأمر واضحًا بالنسبة إلى كل التونسيين في أي موقع كائن.. لا أميل إلى احتكار هذه القوات، لكن وجب احترام الدستور”.

اتهام بالسعي المرضي للسلطة..

ردًا على هذا الخطاب، اتهم صهر “الغنوشي”، الرئيس “سعيد”، بالسعي المرضي للسلطة. وقال في نص نشره على صفحته الرسمية على موقع (فيس بوك): “أطل علينا، قيس سعيد، مجددًا منفلت الأعصاب (…)؛ بنهم للسلطة وتعطش عجيب للاستفراد والاستحواذ على كل شيء. الرجل يريد أن يجمع السلطات المدنية والعسكرية، والدنيوية والدينية بين يديه، استنادًا إلى تأويل فاسد ومضلل للدستور، لينصب نفسه القديس الأكبر والإمبراطور الأعظم، الذي لا تغيب عنه الشمس. لكنه في نوبة هوسه الجنوني بالسلطة؛ غاب عنه أن تونس فيها دولة ومؤسسات، وليست ضيعة”.

بيان اللاعودة في مسار الخلافات !

تعليقًا على بيان “الغنوشي”، قال النائب “العياشي الزمال”، في تصريحات لموقع (سكاي نيوز عربية)، إن بيان حركة (النهضة) يُمثل: “بيان اللاعودة”، في مسار خلافات “الغنوشي” و”سعيد”، حيث أعلنت حركة (النهضة)، لأول مرة، القطيعة مع رئيس الجمهورية بخطاب حاد ويتجه إلى التصعيد.

واستغرب النائب عنف الرد من حركة (النهضة) على ما قدمه الرئيس من قراءة دستورية؛ قائلاً: “إن تصعيد حركة (النهضة) للخلافات؛ وسع الهوة الكبيرة أصلاً، بين مجلس نواب الشعب ورئاسة الجمهورية، وهو ما لا يخدم مصلحة تونس في الوضع الصحي والاقتصادي الحالي”.

اتهام “قيس” بالتمويل من الخارج..

وتأجيجًا لهجمة حركة (النهضة)، على “قيس سعيد”، نشر النائب “راشد الخياري”، المحسوب على “ائتلاف الكرامة”؛ الجناح العنيف لحركة (النهضة)، مقاطع فيديو؛ قال فيها إن “قيس سعيد” تلقى دعمًا وتمويلاً خارجيًا لتعزيز حظوظ وصوله إلى “قصر قرطاج”، في انتخابات 2019، متهمًا، رئيس الجمهورية وإدارة حملته الانتخابية؛ بارتكاب جرائم أمن دولة وتمس من حرمة الوطن وتبطل نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

فتح تحقيق من القضاء العسكري..

وبادر القضاء العسكري، على خلفية هذه التصريحات، الثلاثاء، بفتح تحقيق في مزاعم النائب، “راشد الخياري”، وقال المحامي، “ياسين عزازة”، إن حديث “الخياري”، في الفيديو المنشور؛ عن تلقيه معلومات من مخابرات دولة أجنبية تجعله في حالة تلبس وتعرضه لجرائم خطيرة، وهي التخابر مع جهة أجنبيّة والتنصت؛ بعد إقراره بحصوله على تسريبات هاتفية رسمية تعود لمؤسسة الرئاسة، إلى جانب تهمة سب وشتم رئيس الجمهورية، وطالب المحامي برفع الحصانة عن النائب؛ احترامًا لقانون ومؤسسات الدولة التونسية.

وبادر حزب (مشروع تونس)، الذي يرأسه السياسي، “محسن مرزوق”، بإدانة الحملة التي تقودها حركة (النهضة) لاستهداف رئيس الجمهورية؛ بالرد في بيان قال فيه: “إنها تتهم رئيس الجمهورية بأخطر الاتهامات، قبل التحقق منها؛ وقبل تعهد القضاء بها”، مطالبًا باتخاذ “كافة الإجراءات القانونية لوضع حد لوضعية التعفن السياسي الذي أصاب المشهد العام”.

السفارة الأميركية تنفي تقديم دعم من واشنطن..

ودخلت السفارة الأميركية، في العاصمة “تونس”؛ على خط الأزمة، الأربعاء، ونفت اتهامات نائب حركة (النهضة)، التي زعم فيها أن “واشنطن” قدمت دعمًا للحملة الانتخابية، التي أوصلت “قيس سعيد”، إلى “قصر قرطاج”.

وشددت السفارة الأميركية في “تونس”، عبر حسابها في موقع (تويتر)، على أنها لم تقدم أي تمويل لحملة “قيس سعيد” الانتخابية، خلال سباق الرئاسة.

وأوردت التغريدة، أن “الولايات المتحدة” تُعيد تأكيدها من جديد على احترام وحدة وسيادة الديمقراطية التونسية.

فتح ملفات الفساد..

المراقبون يرون أن الحملة، التي تشنها حركة (النهضة)، ضد رئيس الجمهورية، استعرت بالأساس بعدما ترددت أخبار في الكواليس عن عزم، “قيس سعيد”، فتح ملفات فساد هي الأخطر، منذ 2011، تتعلق بتلقي تمويلات أجنبية وتبييض الأموال وشبهات التخابر مع جهات خارجية؛ تهم قيادات حزبية ونوابًا ورجال أعمال.

وقامت لجان أمنية وقانونية بالعمل على هذه الملفات، طيلة أشهر، في كنف السرية، ويقال إن الوقت قد حان لكشف من يقف وراء الفساد الذي ينخر الحياة السياسية والاقتصادية، في “تونس”، بعد الاحتجاجات التي اندلعت في البلاد، أواخر 2010.

صراع مؤسسات على من يحكم !

ويرى أستاذ القانون الدستوري، “عبدالرزاق بن مختار”، أن خلاف الرئاسات الثلاث؛ هو في الحقيقة صراع سياسي ومؤسساتي حول من يحكم البلاد، معتبرًا جر المؤسسة الأمنية إلى مربع الصراع خطأ سياسي؛ لأن الأمن في “تونس” جمهوري، والقوات الأمنية عليها واجب الحياد.

تطور في علاقة “سعيد” نحو التوجهات الدولية والعلاقات الخارجية..

فسر الباحث في العلوم السياسية، “محمد ذويب”: “أن صراع الصلاحيات بين القصبة، (مقر الحكومة التونسية)، وقرطاج، (القصر الرئاسي)، من جهة، ثم القصبة وقرطاج وباردو، من جهة أخرى؛ اتخذ أبعادًا متعددة وأنطلق منذ إسقاط حكومة، إلياس الفخفاخ، من قبل حركة (النهضة)، بذريعة تضارب المصالح”.

وأضاف أن ما حصل تطور في علاقة بموقف “قيس سعيّد”؛ إزاء التوجهات الدولية للدولة التونسية وعلاقاتها الخارجية، التي أرادها أن تكون بعيدة عن سياسة المحاور، وتتوخى الحياد، وخاصة في المسألة الليبية، وهو ما ترفضه حركة (النهضة)، ثم تعمق الخلاف.

موضحًا أن الخلاف بلغ أقصاه، بعد زيارة الرئيس، “سعيد”، إلى “ليبيا ومصر”، وما وجده من حظوة وقبول لدى البلدين وقيادتهما، فتصاعدت بعدها حملات التشويه والإفتراءات من قيادات (النهضة)؛ وصفحاتها الإلكترونية ضد رئيس الجمهورية وسياساته وتصريحاته.

ويبدو جليًا أن الصراع سيتعمق أكثر؛ بعد أن يُسرع الرئيس، “قيس سعيد”، في حسم ملفات قضائية حساسة، في إطار المساواة بين المواطن البسيط وبين رجل الأعمال المتنفذ والنائب ذي الحصانة والمقربين من رئيس البرلمان.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة