حالت خلافات سياسية بين الكتل العراقية دون موافقة مجلس النواب اليوم على قانونين مهمين مثيرين للجدل للعفو العام واعمار البنى التحتية وتم تأجيل التصويت عليهما الى موعد آخر وسط شكوك في انتهاء هذه الخلافات في وقت قريب بينما رفض رئيس الوزراء نوري المالكي ربط بعض هذه الكتل موافقتها على القانونين بتمريرهما في صفقة واحدة .
وقد انصبت الخلافات حول قانون العفو العام على اساس انه سيخرج من السجون “القتلة والارهابيين والمزورين ” فيما تركزت معارضة مشروع قانون اعمار البنى التحتية على المخاوف من “رهن ثروات العراق النفطية للشركات الاجنبية لانه ينص على آلية الدفع الاجل للشركات المنفذة للمشاريع”. وازاء ذلك فقد طلبت الكتل السياسية مزيدا من الوقت لاقتراح تعيلات على مشروعي القانونين بما يحقق مردودات ايجابية منهما على الاوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد.
ومن جهته فقد رفض رئيس الوزراء نوري المالكي ربط اقرار قانون البنى التحتية بالعفو العام وقال في تصريح لقناة العراقية الرسمية ان “ربط قانون البنى التحتية والقطاعات الخدمية بالعفو العام امر خاطئ”.
واوضح ان “قانون البنى التحتية من اهم القوانين التي قدمتها الحكومة وتهدف من خلاله الى تحقيق طفرة نوعية في الخدمات المقدمة للعراقيين كافة” مؤكدا ان المستفيدين من هذا القانون هم جميع العراقيين في المحافظات كافة”. واكد ان اهدافا سياسية تقف وراء رفض بعض الكتل للقانون تسعى لاعاقة نجاح الحكومة في عملها وعدم انجازها لاي مشاريع لمصلحة العراقيين رافضا القول بأن طرح القانون في هذا الوقت بالذات وراءه اهداف انتخابية.
وشدد المالكي على معارضة الحكومة لقانون العفو العام بصيغته الحالية موضحا انه ينص فقط على استثناء من “ارتكب بيده” اعمالا ارهابية وليس من ساعدوا او خططوا لهذه الاعمال. واكد بالقول انه يرفض رفضا مشددا اخراج اي ارهابي من السجون مشيرا ايضا الى ان الاحداث التي تشهدها المنطقة وتقف وراءها اجندات خارجية طائفية وسياسية لا تتيح اطلاق الارهابيين . وهدد برفض الحكومة للقانون بصيغته الحالية مقترحا تأجيل المصادقة عليه الى ظروف مستقبلية اخرى. واشار الى ان تنظيم القاعدة يسعى لسرقة الربيع العربي وبدأ يرفع راياته في مصر وليبيا وسوريا وينفذ عمليات ارهابية بدأ العراق يعاني من عودتها الى اراضايه.
شكوك بشمول قانون العفو العام منفذي العمليات الارهابية
وقادت الخلافات الكثيرة حول قانون العفو العام الى سحبه بطلب رسمي قدمه النائب بهاء الاعرجي رئيس كتلة الاحرار الصدرية التي اقترحت القانون وذلك لاعطاء فرصة لتعديل بعض مواده حتى يوم الاثنين المقبل.
وقد تركزت الخلافات بالدرجة الاولى على المادة الرابعة من مشروع القانون لعدم استثنائها من العفو منفذي العمليات الارهابية او المساعدين على تنفيذها والترويج لها. ويعد قانون العفو العام احد بنود الاتفاق السياسي الذي مهد لتشكيل الحكومة العراقية وبموجبه دعم التيار الصدري ترشيح رئيس الوزراء نوري المالكي لولاية ثانية. وتتخوف الحكومة العراقية من أن يشمل قانون العفو الجديد متهمين بجرائم قتل وفق المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب وتزامنا مع ذلك أعلنت وزارة العدل أن عدد نزلاء السجون التابعة لها في مختلف المحافظات العراقية بلغ 28 ألفا و822 نزيلا.
ولن يشمل القانون المحكومين بالاعدام وفق قانون الارهاب وبينهم نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي الذي ادين وحكم عليه بالاعدام الاحد الماضي. ويثير القانون مواقف سياسية متباينة تركز حول المواد التي تضمنها والاشخاص المشمولين به او المستثنين منه خوفا من امكانية استفادة “ارهابيين” من صدوره من خلال اطلاق سراحهم على الرغم من اجماع الكتل على اهميته واعتباره احد الخطوات المهمة لتحقيق المصالحة الوطنية.
ومن جهتها حذرت شخصيات دينية من التسرع في اقرار قانون العفو العام بصيغته احالية حيث اشار معتمد المرجعية الشيعية العليا في كربلاء احمد الصافي مؤخرا الى ان هناك قضاة متخوفين من شمول القانون لارهابيين وخروجهم من السجون.
وينص مشروع القانون بتعديلاته الاخيرة المعروض على مجلس النواب للتصويت عليه والذي اطلعت عليه “ايلاف” على ان الاسباب التي تقف وراء تشريعه تستهدف “أتاحة الفرصة لمن جنح من العراقيين
الى ارتكاب بعض الجرائم في العودة الى رشده والاندماج في الحياة الاجتماعية وأشاعة روح التسامح وأصلاح من زل عن الطريق السوي بالعفو عنه وليسهم جميع العراقيين ببناء بلدهم”.
وتنص المادة الأولى من القانون على أن “يعفى عفواً عاما وشاملاً عن العراقيين (المدنيين والعسكريين) الموجودين داخل العراق وخارجه من المحكومين سواء كانت أحكامهم وجاهية أو غيابية ويعفى عما تبقى من محكومياتهم سواء اكتسبت احكامهم درجة الثبات أو لم تكتسب”. ويشير الى “أيقاف الاجراءات القانونية المتخذة بحق المتهمين سواء كانت دعاواهم في مرحلة التحقيق او المحاكمة اوالذين لم تتخذ بحقهم الاجراءات القانونية”.
كما ينص القانون على ان احكامه “تسري على الجرائم المرتكبة قبل التصويت عليه في مجلس النواب” .. وأن ” ينشر هذا القانون في جريدة الرسمية ويعد نافذا من تاريخ المصادقة عليه”. ويلاحظ ان القانون لم يشر الى المسؤولين عن مواجهة القوات الاميركية او الضالعين في قتل الاميركيين في العراق سواء كانوا عسكريين او مدنيين.
يذكر ان مجلس النواب كان قد صوت في الرابع عشر من آب (أغسطس) عام 2011 بأغلبية الحضور وبشكل مبدئي على قانون العفو العام لكن وزير العدل حسن الشمري حذر في الخامس من أيلول (سبتمبر) عام2011 من تمرير القانون في البرلمان بسبب وجود بعض الثغرات في مسودته. واشار الى أن الكثير ممن سماهم بالارهابيين سيطلق سراحهم في حال المصادقة عليه بصيغته الحالية لافتا إلى أن وزارة العدل قدمت 11 مقترحاً لمجلس النواب لتعديل مسودة القانون.
مخاوف من رهن قانون البنى التحتية لثروات البلاد النفطية
كما ادت الخلافات الكثيرة حول مشروع قانون مشاريع البنى التحتية والتي تركزت على المخاوف من سقوطه في هوة الفساد ومن رهن ثروات البلاد النفطية للشركات الاجنبية المنفذة لانه ينص على الية بدفع اجل لهذه الشركات الى تأجيل التصويت عليه الى اشعار اخر.
وقد انسحب نواب القائمة العراقية والتحالف الكردستاني وحركة التغيير الكردية المعارضة من جلسة البرلمان اليوم مما افشل تحقق النصاب القانوي لعقد الجلسة او التصويت على مشروع اعمار البنى التحتية مما ادى الى تأجيله الى آشعار آخر.
ووفقا لقانون البنى التحتية سيتم تكليف عدد من الشركات الاجنبية بتنفيذ مشاريع خاصة بالبنى التحتية في العراق، بكلفة 42 دولار بطريقة الدفع بالاجل لكن مطالب الكتل باجراء تعديلات على بعض مواده قد دفع الى تأجيل التصويت عليه .
وفي جلسة اليوم عرض رئيس المؤتمر الوطني العراقي احمد الجلبي مقترحات للائتلاف الوطني لاجراء تعديلات على القانون من اجل التصويت لصالحه. وتضمنت هذه الضوابط المقترحة ضرورة وجود شركة عالمية استشارية محايدة تنظر في كل عقد على حدة لضمان عدم دخول الجانب السياسي بالمشروع وتكون مرتبطة بمجلس النواب الذي يجري التعاقد معها على ان تتابع من لجنة متخصصة من المجلس” . ومن الضوابط ايضا أن يتم التصويت على عقود مشروع قانون البنى التحتية في مجلس النواب بشكل انفرادي وليس بشكل عام كما يجب ان تتضمن العقود التي ترد من الحكومة تفاصيل عن الكلفة المالية ومدة الانجاز والشركة التي احيل لها العقد واي محافظة ينفذ ونسبة الفائدة .
واعتبرت القائمة العراقية ان مخاوف العراقيين من تفشي الفساد وعدم جدية الحكومة في محاربته بقوة هو ما يقف عائقا امام التصويت على قانون البنى التحتية رغم اهميته . وقال مستشار القائمة هاني عاشور في تصريح اليوم ان عمليات الفساد ونهب اموال الدولة في مشاريع وهمية او عدم قدرة مؤسسات الدولة على تنفيذها ، اصبح يصعد مخاوف العراقيين من أي مشروع جديد لبناء العراق ، وان الحل لتمشية قانون البنى التحتية هو قيام الحكومة بحملة قوية وإجراءات رادعة ضد المفسدين لطمأنتهم .
واستغرب عاشورمن سبب الصمت على الفساد رغم انه اصبح مكشوفا للجميع ويتحدث به عامة الناس ويؤشرون بأصابعهم على الفاسدين الذي يثرون على حساب فقراء الشعب بشكل علني ومنهم سياسيون كبار ومسؤولون في الحكومة ، ويتم التغاضي عنهم لاسباب تتعلق بصفقات سياسية او مالية او لاجتذاب هذا الطرف ضد ذاك الطرف . وقال ان الشعب سيشد على أيدي الحكومة اذا حاربت المفسدين وهم معروفون تماما بالأسماء ، اما اذا استمرت الحكومة في صمتها فان أي مشروع لن يتحقق في العراق وان مشروع البنى التحتية سوف لايجد ضوء المرور في طريقه . واكد عاشوران المرحلة المقبلة اذا لم تكن مرحلة تطهير العراق من الفاسدين فانها ستكون غطاء لهم ليسدروا في غيهم وينهبوا ما تبقى من ثروة العراق امام صمت لا يتم تفسيره الا بانه شراكة في الفساد .
وحول الاعتراضات الاخرى على القانون فقد طالب التحالف الكردستاني ان ينص على تخصيص نسبة 17 بالمائة من امواله للمشاريع المنفذة في اقليم كردستان . واكد عضو التحالف محما خليل أن التحالف الكردستاني لن يصوت على هذا القانون لأنه يتضمن خروقات لقانون الإدارة المالية والدستور العراقي الدائم، ولأنه يحتوي على اهداف سياسية اكثر منها اقتصادية لذا فهو يحتاج إلى اجماع سياسي في المقام الاول ومن ثم ادخال التعديلات القانونية .
كما اعتبرت كتلة الأحرار التابعة للتيار الصدري أن مسودة قانون البنى التحتية غير متكاملة وفيها إغراق وإرهاق للموازنة وترتب على العراق ديوناً كبيرة وليس من حق الحكومة أو أي جهة اخرى التصرف بأموال الأجيال المقبلة». وقالت الكتلة في بيان ان في القانون الكثير من الملابسات ولا تعرف ماهيته ولا القطاعات التي يطاولها ولا نسبة الفائدة وآلية الدفع والإقرار والتعاقد.
اما ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي فقد رأى ان قانون البنى التحتية سيساعد العراق على النهوض بواقعه الاجتماعي بينما اقرت القائمة العراقية بان البنى التحتية في العراق محطمة ومدمرة وتحتاج لمثل هكذا قوانين لكن شرط ان لاتكون مسيسة وبعيدة عن الساد ورهن النفط العراقي.
وكان مجلس النواب قد ضيف مؤخرا رئيس الوزراء وعددا من الوزراء والمسؤولين لمناقشة قانون البنى التحتية حيث اكد المالكي اهمية القانون في تطوير البنى التحتية من خلال الدفع بالاجل خاصة ان الكثير من الدول تلجأ الى هذه المسألة عندما تعجز الموارد المالية عن الايفاء بمتطلبات التنمية.
وتبلغ الكلفة الإجمالية المقترحة للبرنامج التنموي 42 مليار مليار دولار خصص منها لمشاريع الماء والصرف الصحي خمسة مليارات دولار ولمشاريع الصحة ثلاثة مليارات دولار ولمشاريع التربية خمسة مليارات دولار ولمشاريع التعليم العالي والبحث العلمي لإنشاء 10 جامعات مع الأقسام الداخلية ومختبرات لجميع الجامعات العراقية مليارين دولار.. كما يخصص لمشاريع النقل لإنشاء الموانئ والسكك الحديدية عشرة مليارات دولار ولمشاريع الزراعة والري لإنشاء السدود واستصلاح الأراضي ومد القنوات ومعالجة التصحر والمستلزمات الزراعية (مكائن، مرشات، منظومات سقي) خمسة مليارات دولار. وينص مشروع القانون كذلك على ان تخصص لمشاريع مراكز الحدود مليار ونصف ولمشاريع الشباب والرياضة نصف مليار دولار ولمشاريع الثقافة نصف مليار دولار ولبناء المعسكرات مليار دولار ولبناء سكن الفقراء خمسة مليارات دولار وللطرق الخارجية ثلاثة مليارات ونصف.
ويهدف قانون البنى التحتية بحسب احدى مواده الى “تنفيذ المشاريع الإستراتيجية وإعادة إعمار المنشآت والبنى التحتية بطريقة الدفع بالآجل من أجل النهوض بالواقع الاقتصادي والتنموي للاقتصاد العراقي شرع هذا القانون”.