سيناريوهات .. أزمة “التعديلات الدستورية” في الكونغو بين كابيلا والشعب والمعارضة

سيناريوهات .. أزمة “التعديلات الدستورية” في الكونغو بين كابيلا والشعب والمعارضة

كتبت – رشا العشري :

اتخذت قضية التعديلات الدستورية مناحي متعددة في أبعادها السياسية والاقتصادية والأمنية.. فلم تشمل تلك القضية دولة واحدة من دول القارة الإفريقية، بل تعددت الدول الإفريقية التي مرت بأزمة التعديلات الدستورية، لتصل إلى “الكونغو كينشاسا” التي تعيش الآن في أوج أزمة التعديلات الدستوررية، حيث شهدت “الكونغو الديمقراطية” تصاعد الاحتجاجات وأعمال العنف مع قرب نهاية فترة ولاية الرئيس الكونغولي “جوزيف كابيلا”، الذي أظهر نية لتمديد الفترة الرئاسية للعام المقبل، خاصة بعد تصريح أعلى محكمة في الدولة في آيار/مايو الماضي، أن كابيلا سوف يبقى في السلطة إذا فشلت حكومته في إجراء الانتخابات المقررة في تشرين ثان/نوفمبر القادم. بالتالي تظاهر عشرات الآلاف من الكونغوليين في كينشاسا، لمطالبة الرئيس جوزيف كابيلا بترك منصبه عندما تنتهي ولايته في تشرين ثان/نوفمبر 2016، مما أدى إلى مقتل العشرات في العديد من المدن الكونغولية خاصة بعد إعلان مفوضية الانتخابات تأجيل انتخابات الرئاسة.

المرض السياسي الإفريقي..

مويز كاتومبى

جدير بالذكر أنه منذ تولى “جوزيف كابيلا” الحكم في البلاد منذ عام 2001 بعد مقتل والده، لم تتغير الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية، التي تعتبر من أهم العوامل في رفض المعارضة وشعب الدولة بقاء الرئيس في السلطة بعد انتهاء مدته الرئاسية، من ثم سار الشعب الكونغولي على نفس الطريق الذي سارت عليه العديد من شعوب الدول الإفريقية في احتجاجاتها وتظاهراتها ضد النظام الحاكم الذي يطمع في الاستمرار في البقاء بالسلطة رغم انتهاء فترته الرئاسية وهو ماحدث في “النيجر” و”بوركينا فاسو” و”بورندي” و”الكونغو برازافيل” و”بنين” وغيرها.

فقد كانت الأوضاع الأمنية في الدولة والتي شهدت أعمال عنف وقتل جماعي راح ضحيتها قرابة ألف مواطن كونغولي في إقليم البيني القريب من أوغندا، فضلاً عن أعمال القتل والعنف التي تقوم بها حركات التمرد الأخرى التي تدعمها دول الجوار كـ”رواندا وأوغندا”، والمواجهات المسلحة التي عجز الجيش الكونغولي عن القضاء عليها من 20 عاماً، كفيلة بإزاحة الرئيس عن السلطة خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة .

وبالرغم من تمرير العديد من الدول الإفريقية للتعديلات الدستورية لاسيما الكونغو برازافيل التي استطاع الرئيس “ساسو نغيسو” الظفر بولاية ثالثة متحدياً رفض المعارضة والقانون الذي يلغي توليه الرئاسة لفترة ثالثة بالرغم من بلوغه الـ71 عاماً، ما يتنافى مع شرط عدم تجازو الـ70 عاماً، إلا أنه استطاع أن يحكم قبضته على السلطة مستغلاً هشاشة المعارضة والدعم الدولي القوي.

تغيير المادة 22 من الدستور..

لكن الوضع هنا ربما يختلف كلياً مع الرئيس جوزيف كابيلا الذي يطمح في تغيير المادة الـ22 التي تحظر التعديلات الدستورية، مع استمرار أعمال الإقتتال منذ الحرب الاهلية التي لم تنتهي إلا بشكل نسبي، وإتاحة الفرصة للمعارضة المسلحة للسيطرة على العديد من المواقع الاستراتيجية في الدولة، والتي تتميز بقوتها وسيطرتها على العديد من المناطق في شرق الكونغو متحدية القوة المسلحة للجيش الكونغولي وعدم قدرته على القضاء عليها منذ 20 عاماً بالرغم من تحقيق انتصار على حركة التمرد “أم 23” وتوقيع اتفاق سلام في العاصمة الكينية “نيروبى” في كتنون أول/ديسمبر 2013 برعاية أميركية.

تليها المعارضة الأخرى من العديد من طوائف الشعب ثم الأحزاب والتكتلات السياسية للمعارضة أيضاً في الساحة السياسية، وعلى رأسهم زعيم المعارضة “تشيسيكيدي”، و”مويز كاتومبى” أحد مرشحي الرئاسة الذي أرسلت الحكومة الكونغولية مذكرة اعتقال بشأنه على خلفية الاحتجاجات وبتهمة استئجار مرتزقة من بينهم جنود أميركيون سابقين، وهي الاتهامات التي نفاها زعيم المعارضة .

ليتضح أن عمليات الشد والجذب بين الحكومة والمعارضة تتصاعد حدتها مع قرب الانتخابات ونهاية ولاية الرئيس كابيلا، حيث اعتبرت المعارضة أن الرئيس يهدف إلى تنظيم عمليات تزوير واسعة النطاق ومصادرة جميع صلاحيات الدولة من قبل شخص واحد، وهو ما يزيد من الاحتجاجات والرفض الشعبي لمساعي الرئيس في التعديلات الدستورية على غرار الدول المجاورة كبوروندي والكونغو برازافيل .

من ثم تزايدت أعمال العنف والاعتقالات فضلاً عن عمليات القتل التي قامت بها قوات الشرطة في حق المتظاهرين، حيث قال “برونو تشيبالا” المتحدث باسم “الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم الاجتماعي” المعارض أن: “عدد القتلى خلال يومين فقط بلغ أكثر من 100 قتيل”، وهي مغايرة عن الحصيلة الرسمية التي أعلنت مقتل 32 فقط.

تشيسيكيدي

من ثم كانت دعوات المعارضة لفرض عقوبات دولية على مسؤولين أمنيين لمسؤوليتهم عن مقتل المتظاهرين، حيث قال “مويس كاتومبى” وهو حليف سابق لكابيلا: “بدون عقوبات سيواصلون قتل الناس كالبعوض”، في إشارة لقمع التظاهرات من قبل قوات الرئيس وتزايد أعمال القتل وهو ما تخشى منه المعارضة من محاولة القوات الأمنية من تصفيتها.

سيناريوهات الأزمة..

من ثم هناك العديد من السيناريوهات المحتملة للوضع السياسي المتأزم في الدولة:

  1. استمرار أعمال العنف في الدولة وتصاعد حدة المواجهات بين قوات الأمن والمعارضة تنذر بالدعوة لتدخل قوات حفظ السلام الإفريقية على غرار ما حدث في بوروندي.
  2. على غرار الدول المجاورة فإن أعمال العنف ستزيد من نسبة اللاجئين والنازحين إلى الدول المجاورة وهو ما ينذر بتفاقم الأوضاع الإنسانية.
  3. حصول كابيلا على الدعم الدولي بالرغم من تنديد القوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والأمم المتحدة لاعمال العنف ورفضها لتمديد الفترة الرئاسية للرئيس، إلا أنها في نهاية المطاف ربما تؤيد استمراره في السلطة، وهو يتوقف على مدى سيطرة الرئيس والجيش الكونغولي على زمام الأمر في الدولة، وهو نفس المنحى الذي ربما تتخذه القوى الإقليمية في تأييدها للرئيس كابيلا خاصة بعد اتهام تحالف المعارضة وسيط الاتحاد الإفريقى “أدم كودجو” بالعمل على ضمان ترشح الرئيس جوزيف كابيلا لفترة رئاسية ثالثة.
  4. الاتجاه إلى المفاوضات والوساطة الإقليمية، وخاصة الدولية للتسوية السياسية بين الحكومة والمعارضة، مع احتمالية قبول المعارضة لاستمرار كابيلا في السلطة شرط مجموعة من الامتيازات كتعزيز المشاركة السياسية، والافراج عن المعتقلين.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة