خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في زيارة مفاجئة، استغرقت يوماً واحداً فقط، وصل وزير الدفاع الأميركي “جيمس ماتيس”، الثلاثاء 22 آب/أغسطس 2017، لتكون الزيارة الثانية بالنسبه له خلال أقل من عام، حيث سبق أن زار “ماتيس” العراق في 20 شباط/فبراير الماضي، كأول زيارة له إلى العراق منذ توليه منصبه في إدارة “ترامب”، وأعلنت مصادر عسكرية وسياسية مقربة من الأحداث أنه كان من المفترض أن يقوم “ماتيس” بجولة لمدة 5 أيام، يزور خلالها الأردن ثم تركيا فأوكرانيا، لكن يبدو أن شيئًا طرأ على خطه وزير الدفاع الأميركي دفعه إلى تغيير وجهته إلى العراق.
والتقى “ماتيس”، خلال زيارته رئيس الوزراء العراقي “حيدر العبادي”، وكبار المسؤولين في بغداد، واجتمع برئيس إقليم كردستان العراق “مسعود بارزاني” في أربيل، قائلاً “ماتيس” قبل زيارته إلى بغداد: “إن تركيزنا حاليًا هو على إلحاق الهزيمة بداعش داخل العراق، وإعادة فرض السيادة العراقية ووحدة الأراضي”.
واشنطن تسببت في تأجيل انطلاق معركة “تلعفر”..
تأتي هذه الزيارة بعد نحو شهرين من استعادة القوات العراقية للموصل، ثاني أكبر مدن العراق، إثر معارك ضارية استمرت لتسعة أشهر، وفي الوقت نفسه فإنها تأتي في اليوم الثالث الذي يشتد فيه الخناق حول مدينة “تلعفر”، آخر أكبر معاقل تنظيم “داعش” في محافظة نينوى بشمال البلاد، حيث تقود القوات العراقية بالتعاون مع “الحشد الشعبي” معارك ضارية هناك لإنجاز هدف تحرير المدينة التي تبعد عن العاصمة العراقية بغداد بمسافة 450 كلم شمال غرب، والتي تبعد عن الحدود السورية بحوالي 60 كلم، وهو ما يجعلها معركة هامة جدًا بالنسبة لواشنطن، ودفعها ذلك مرارًا إلى الضغط على بغداد لتأجيل ساعة الصفر لمعركة “تلعفر” حتى تكون واشنطن جاهزة ورتبت أوراقها كافة وأولوياتها هناك، الأمر الذي يفسر ربما تأخر إطلاق عمليات استعادة القضاء الاستراتيجي في شمال العراق لعدة أشهر.
أهداف أخرى..
حيث رأى مراقبون وعسكريون أن انطلاق العملية كان مرهونًا بالضغوط الأميركية القوية التي مارستها واشنطن خلال الفترة الأخيرة على حكومة بغداد لإزاحة “الحشد الشعبي” من المعركة، حيث سعت أميركا كثيرًا إلى منع “الحشد” من الدخول إلى المدينة وفق تبريرات علنية انطوت كالعادة على الحساسيات الطائفية، لكنها في الحقيقة تهدف إلى منع الترابط الميداني بين غرب العراق وشرق سوريا، وقطع الطريق على أي تنسيق سوري عراقي، مثلما حاولت مرارًا منع أي تنسيق لبناني سوري، لتظل الأمور في القبضة الأميركية.
تساؤلات حول أهداف الزيارة..
دفعت هذه الزيارة المراقبون إلى طرح التساؤلات حول أهدافها, خاصة فيما يتعلق بقرب استفتاء كردستان العراق، متسائلين حول ما إذا كانت هذه الزيارة ستؤثر فعلياً على تأجيل الاستفتاء أم لا ؟.. خاصة وأنها سبقت يوماً واحداً من زيارة يعتزمها وزير الخارجية التركي “مولود تشاويش أوغلو” إلى العراق للقاء رئيس الجمهورية العراقي “فؤاد معصوم” ورئيس الوزراء “حيدر العبادي” ورئيس مجلس النواب “سليم الجبوري”، ووزير الخارجية “إبراهيم الجعفري”، وسياسيين تركمان أيضاً، بعد ساعات من تصريحات الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، بشأن تعاون تركي إيراني ضد الأكراد في سوريا والعراق، الأمر الذي من المؤكد أنه أثار قلق أميركا التي تخشى من توسع النفوذ الإيراني في سوريا والعراق.
رسالة ضغط على الأكراد..
برزت بشدة على الساحة السياسية, بعد تحرير الموصل, مسألة انفصال “إقليم كردستان العراق” عن الدولة، وهي المسألة التي تلقى رفضًا قاطعًا من الحكومة العراقية وبعض القوى الدولية الأخرى وعلى رأسها تركيا وإيران، لكن في الوقت نفسه تدعمها أميركا ضمنياً لكنها تطالب بتأجيل موعد الاستفتاء المقرر في 25 أيلول/سبتمبر المقبل، ربما لتتمكن من ترتيب الأوراق السياسية مع الحكومة العراقية والقوى الدولية الرافضة للانفصال، لكن الكرد رفضوا الدعوة الأميركية بتأجيل الاستفتاء قبل أيام من زيارة “ماتيس” إلى العراق، ما دفع البعض إلى القول إن زيارة “ماتيس” قد تكون رسالة ضغط على الكرد للتأجيل بدلًا من إنهاء الدعم الأميركي لهم.
الوقت ليس مناسباً..
مبعوث الرئيس الأميركي لدى التحالف الدولي، “بريت ماكغورك”، قال في وقت سابق، إن الاستفتاء في هذا الوقت سيكون كارثيًا للحملة ضد “داعش”، مضيفاً أنه ليست الولايات المتحدة وحدها، كل عضو في التحالف يعتقد أن ليس هذا الوقت المناسب لإجراء هذا الاستفتاء.
أيام “داعش” معدودة..
أثناء الزيارة، جدد وزير الدفاع الأميركي “جيمس ماتيس” دعم بلاده للعراق في حربه ضد الإرهاب، معتبراً أن “أيام داعش معدودة بالتأكيد، لكن الأمر لم ينته بعد ولن ينتهي قريباً”، مشدداً على ضرورة “هزيمة تنظيم داعش واستعادة سيادة وسلامة الأراضي” العراقية، لافتاً إلى أن معركة تحرير مدينة الموصل “كلفت القوات العراقية أكثر من 1200 قتيل وأكثر من ستة آلاف جريح” لكن رغم ذلك، استعادت تلك القوات ثقتها.
وأكد على أن استعادة الموصل ما كانت لتحدث “من دون ثبات رئيس الوزراء العبادي في إعادة تشكيل هذا الجيش الذي كان مشتتاً في العام 2014″، معتبراً أن التدريب المكثف والتخطيط والدعم الناري من الجيش الأميركي، لعب دوراً كبيراً في تحقيق هذا النصر.
تجنيب “سياسات المحاور”..
تعكس تصريحات الوزير الأميركي الترحيب الأميركي والغربي بـ”جهود” العبادي في إدارة البلاد في ظل “الحرب على داعش”، في وقت أن الآخير يوسع دائرة العلاقات الإقليمية لبغداد بهدف تجنيبها “سياسات المحاور”. وقد رحب منذ يومين، المبعوث الرئاسي الأميركي في التحالف “بيرت ماكغورك”، بـ “التقارب التاريخي والجدي بين (السعودية) والعراق”، مشيراً إلى أنّ إدارته “تشجّع ذلك”.
دعوى لتأجيل الاستفتاء..
بعد بغداد، ذهب “ماتيس” إلى أربيل لمقابلة رئيس إقليم كردستان “مسعود بارزاني”، ودعاه إلى تأجيل موعد إجراء الاستفتاء بشأن انفصال الإقليم.
وبحسب بيان لرئاسة إقليم كردستان، قال وزير الدفاع الأميركي، إن الإعلان عن استفتاء استقلال كردستان كان “خارج توقعات بلاده”، مشيراً إلى أن واشنطن ترى أن هذه العملية ربما تخلق “عراقيل أمام الحرب ضد تنظيم داعش وتولد نوعاً من المشاكل للعمل المشترك بين أميركا والأكراد في الحرب ضد الإرهاب”.
كما لفت “ماتيس” إلى أن “المفاوضات بين أربيل وبغداد خطوة إيجابية”، مؤكداً على دعم واشنطن للتفاوض والحوار المستمر بين الطرفين.
الاستفتاء حل وليس مشكلة..
من جانبه، وصف “بارزاني” الاستفتاء بأنه حل وليس مشكلة، مشيراً إلى “مآسي الشعب الكردي مع الدولة العراقية وانتهاك الدستور وانتهاء مبدأ الشراكة والتوافق”، مؤكداً على أن الاستفتاء لن يتسبب “بأية مشكلة للحرب ضد الإرهاب”.
واستبق “بارزاني” وصول “ماتيس” إلى أربيل بتصريح مفاده, أن “أي طلب لتأجيل الاستفتاء ينبغي أن يقترن ببديل.. وهذا البديل يجب أن يكون أقوى من آلية الاستفتاء”.
تعكس مخاوف واشنطن..
وفقاً لصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، تعكس دعوة “ماتيس”, أربيل لتأجيل الاستفتاء, “مخاوف واشنطن من أن انفصال كردستان قد يزيد من اضطراب الأوضاع السياسية في العراق”، في الوقت الذي تشهد فيه البلاد معارك حاسمة في الحرب ضد تنظيم “داعش”.
وسبق أن طرحت واشنطن على “بارزاني” اقتراح تأجيل الاستفتاء, خلال اتصال هاتفي أجراه معه وزير الخارجية “ريكس تيلرسون” في 8 آب/أغسطس 2017، وخلال لقائه “جوزيف فوتيل” قائد القيادة المركزية للجيش الأميركي في 17 آب/أغسطس الجاري.
وفي العام الماضي وقعت وزارة الدفاع الأميركية مذكرة تفاهم مع قوات “البيشمركة” لتزويدها بأسلحة وعتاد بمئات ملايين الدولارات, وينتهي اجل مذكرة التفاهم قريباً, وبحسب مصدر فأن “ماتيس قد يستخدم مذكرة التفاهم ورقة مساومة لثني الاقليم عن عزمه اجراء استفتاء تقرير المصير”.
الاستفتاء لن يتم..
الصحافي “هاشم الشماع” معلقاً، في حديثه لـ(كتابات)، حول الزيارة, أنه باختصار شديد الشعب الكردي رافضاً للاستفتاء، وأن أنصار الاستفتاء هم مؤيدوا “البارازاني”.
مؤكداً على أن الاستفتاء لن يجري, والضاغط الإيراني والتركي والأميركي واضح جداً بالرفض لأن هذه الدول تريد عراقاً واحداً متماسكاً لا متشظي.
لتنسيق المواقف العسكرية بين الحكومة المركزية وبين الإقليم..
مدير مركز الرافدين للحوار “د. طالب محمد كريم”، يوضح لـ(كتابات)، أنه تتزامن زيارة وزير الدفاع الاميركي إلى بغداد مع انطلاق “عمليات قادمون يا تلعفر”، وتنسيق الخطوات الاستراتيجية بين بغداد والتحالف الدولي في صدد تحرير أهم معاقل “داعش” بعد أيسر وأيمن الموصل، بالإضافة إلى تنسيق الجهود لما بعد التحرير، معتقداً أن زيارة “ماتيس” إلى أربيل تأتي في سبيل تنسيق العلاقات العسكرية بين القوات العسكرية والأمنية وبين “البيشمركة” في سبيل إتمام المهام بشكل نهائي.
أما بالنسبة لموقفه من الاستفتاء الذي يُزعم اقليم كردستان إجرائه, فيري “كريم” أن الموقف الاميركي قد جاء لأكثر من مرة على لسان المسؤولين الأميركان في امتعاضها, وبتعبير آخر عدم موافقتها على الإجراءات التي يريد إقليم كردستان إقامتها (الاستفتاء)، معتقداً “كريم” أن زيارة “ماتيس” لأربيل هي للتأكيد على تنسيق المواقف العسكرية بين الحكومة المركزية الاتحادية وبين الإقليم، وفصل الآثار التي ترتبت على طلب الاستفتاء وبين أهمية توحيد المواقف العسكرية في حرب “داعش”.