28 يونيو، 2025 12:53 م

رغم ذهابه لإعادة فرض الهيمنة الأميركية .. كيف استفادت “الصين” من زيارة “بايدن” للشرق الأوسط ؟

رغم ذهابه لإعادة فرض الهيمنة الأميركية .. كيف استفادت “الصين” من زيارة “بايدن” للشرق الأوسط ؟

وكالات – كتابات :

نشر موقع (ذا دبلومات) تقريرًا؛ لـ”محمد باقر فروغ”، الباحث في المعهد الألماني للدراسات العالمية والمناطقية، أكد فيه أنّ جولة “بايدن” الأخيرة في الشرق الأوسط؛ أرسلت إشارات خاطئة إلى مُحللي منطقة المحيطين: “الهاديء” و”الهندي”.

وأوضح الكاتب وجود آراء كثيرة حول أثر الرحلة على السياسة الإقليمية. لكنّ أثرها العالمي، وسياسة “أميركا” تجاه منطقة المحيط “الهاديء” و”الهندي”، والتنافس بين “بكين” و”واشنطن”، لم يُناقش بشكلٍ منهجي.

القيم مقابل المصالح..

في إطار “الحرب الباردة الجديدة”، التي تُحاول “أميركا” شنها ضد “الصين”، روجَ “بايدن” إلى قيم الديمقراطية، وحقوق الإنسان، كركيزة أساسية تُبنى عليها التحالفات، ولكنّ زيارة “بايدن”؛ لـ”السعودية”، تُضعف هذا الخطاب، بحسب الكاتب.

وفي أعقاب جريمة قتل؛ “جمال خاشقجي”، على يدِ: “فرقة موت” سعودية في “تركيا”، تُعّرض “محمد بن سلمان”؛ الحاكم الفعلي لـ”السعودية”، إلى ضغوط دبلوماسية شديدة، وساهم “بايدن” شخصيًا في هذه الضغوط من خلال حملته الرئاسية، عندما صرحَ بأنّه سيجعل “السعودية” دولة: “منبوذة”، وأنّه سيدافع عن القيم، على عكس منافسه؛ “دونالد ترامب”.

وأثناء رحلته قام “بايدن” بتحية ولي العهد السعودي بقبضة يده، وهو ما لم يمر مرور الكرام من قبل حلفائه في “المحيط الهاديء والهندي”، والدول المتأرجحة بين معسكر وآخر، مثل: “دول رابطة جنوب شرق آسيا”؛ (الآسيان). ويُضيف الكاتب أنّه الآن يمكن للدول النامية تبرير تعاونها مع “الصين” بسهولة، ومن غير المُرجح أنّ يقنع خطاب “بايدن” القيمي كثيرًا من هذه الدول.

البقاء في الشرق الأوسط..

يُتابع الكاتب أنّ تحول السياسة الخارجية الأميركية إلى التركيز على “آسيا”، ومواجهة “الصين” أو احتوائها، حدث في عهد الرئيس الأميركي؛ “باراك أوباما”، الذي أراد الإبتعاد عن الشرق الأوسط و”أوروبا”، وأعاد رسم العلاقة مع “روسيا” بين: عام 2009 – 2013، وعقد “الاتفاق النووي”؛ مع “إيران”، عام 2015.

ولكن هذا التحول؛ منذ بدايته، إنحرف عن مساره، بسبب بعض الأزمات، مثل التركيز المفرط على الحرب في “سوريا”؛ منذ عام 2011.

فشلت سياسة “أوباما”؛ تجاه “روسيا”، بضمِّ الأخيرة شبه جزيرة “القِرم”؛ عام 2014، وتوج هذا الفشل مع حرب “بوتين” في “أوكرانيا”؛ عام 2022، التي تخوض فيها “أميركا” حربًا بالوكالة ضد “روسيا”. ويذكر الكاتب أنّ هذا لن يُساعد “واشنطن” في الحفاظ على تركيزها على منطقة “المحيط الهاديء والهندي”.

ويُضيف الكاتب أنّه في هذه الفترة تعرض “الاتفاق النووي” الإيراني إلى انتكاسة منذ عام 2018، بعد انسحاب طالولايات المتحدة” من الاتفاق، وبدلًا عن العودة إلى الاتفاق بعد تولي “بايدن”، وإزالة مصدر إلهاء خارجي كبير، وجلب الطاقة الإيرانية إلى الأسواق الغربية، أتبع الرئيس الأميركي “سياسة الضغط القصوى”؛ التي انتهجها “ترامب” ضد “إيران”.

وأظهرت رحلة “بايدن”؛ أنّ “الولايات المتحدة” لن تبتعد عن الشرق الأوسط في المستقبل القريب، وقال “بايدن”؛ في “قمة جدة”: إنّ “الولايات المتحدة”: “لن تنسحب من المنطقة حتى لا تترك فراغًا تملأه الصين، أو روسيا، أو إيران”. ويذكر الكاتب أنّ انخراط “أميركا” في الشرق الأوسط و”أوروبا” سيترك أمام “الصين” متنفسًا لتفعل ما تُريده في منطقة “المحيط الهاديء والهندي”.

دفع “إيران” شرقًا !

إلى جانب البحث عن المزيد من “النفط”؛ يرى الكاتب أن رحلة “بايدن” إلى الشرق الأوسط أصبحت جولة مناهضة لـ”إيران”، تمامًا كما كانت رحلته الآسيوية الأخيرة مناهضة لـ”الصين”. ولم تؤدِ رحلة “بايدن” إلى موت “الاتفاق النووي” الإيراني فحسب، بل هددت “إيران” بالقوة؛ مما يعني حربًا كارثية محتملة أخرى، والتي لا تستطيع “الولايات المتحدة” تحملها.

وتُعد هذه السياسة تكتيك قصير المدى لجني الأرباح من بيع الأسلحة، وأبعد ما يكون عن الفعل الإستراتيجي، وتحتاج الإستراتيجية الإقليمية إلى رؤية شاملة طولة الأمد، أكثر من مجرد مواجهة دولة بعينها. وأدت سياسة “بايدن” المناهضة لـ”إيران” إلى نتائج عكسية إقليميًا وعالميًا.

على الصعيد الإقليمي أدت هذه السياسة إلى نتائج عكسية من ناحيتين: أولًا؛ أعلنت دول المنطقة أنها لن تنضم إلى تحالف مناهض لـ”إيران”، وقال السعوديون إنه لا يوجد حلف (ناتو عربي) ضد “إيران”، وأن المملكة تُريد تطبيع العلاقات مع “طهران”، وقال الإماراتيون إنهم سيُرسلون سفيرهم إلى “إيران” ويُعيدون بناء العلاقات.

ثانيًا؛ ردًا على تهديدات “بايدن” بشأن هذه الرحلة، وفشل المفاوضات النووية، أعلنت “إيران” أنها قادرة تقنيًا على بناء قنبلة نووية، لكنها لم تُقرر السعي لتحقيق هذا الهدف، وكان من الممكن تجنب كل هذا بمجرد عودة “بايدن” إلى “الاتفاق النووي”.

وعلى الصعيد العالمي؛ تتعارض سياسة “بايدن” تجاه “إيران” مع سياسته تجاه “الصين”، ومنطقة “المحيط الهندي والهاديء”. وبالنظر إلى تاريخها وجغرافيتها، كانت “إيران” دولة متأرجحة بين الشرق والغرب؛ فقبل عام 1979، كانت حليفًا قويًا للغرب ضد “الاتحاد السوفياتي”. أما بعد عام 1979؛ انضمت إلى “حركة عدم الانحياز”؛ المناهضة للإمبريالية. وفي السنوات الأخيرة إزداد انحيازها للمعسكر “الصيني-الروسي-الأوراسي”، بفضل “العقوبات الأميركية” ضد البلاد، وبالطبع بسبب سياسة “إيران” الخاصة.

كانت “خطة العمل الشاملة المشتركة”، ولا تزال، فرصة لـ”الولايات المتحدة” والغرب لإغراء “إيران” بالعودة، وتقليل اعتمادها على “الصين” و”روسيا”، وجلب الطاقة الإيرانية إلى الأسواق، وبناء الثقافة الموالية للغرب في البلاد. لكن سياسة “بايدن” في هذه المرحلة تدفع “إيران”؛ بثقلها الجيوسياسي والاقتصادي، إلى قلب (أوراسيا)، وإلى تعزيز اتجاهها نحو الشرق بانضمامها إلى “منطقة شنغهاي للتعاون”، وربما تحالف (البريكس)، وتوقيع اتفاقية إستراتيجية مدتها: 25 عامًا مع “الصين”، والسعي إلى اتفاقية تجارة حرة مع “الاتحاد الاقتصادي الأوراسي” بقيادة “روسيا”.

وخلاصة القول بالنسبة إلى الكاتب، إن “الصين” و”روسيا” إلى حدٍ كبير أكبر الرابحين من سياسات “الولايات المتحدة” تجاه “إيران”، بحسب الكاتب.

الاقتصاد الجغرافي..

يرى الكاتب أن السياسة الخارجية لـ”الولايات المتحدة”؛ تجاه “غرب آسيا”، تُعاني من نفس صعوبات سياستها تجاه “شرق آسيا”، وهي الغياب الصارخ للاقتصاد الجغرافي.

فعلى عكس “الصين”، التي دشنت الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، و”مبادرة الحزام والطريق” مع دول “المحيط الهاديء والهندي”، لم تنضم “الولايات المتحدة” إلى أية صفقة تجارية حرة، مثل الاتفاق الشامل والتقدمي للشراكة العابرة للمحيط الهاديء؛ بقيادة “اليابان”، ولم تُقدم أي اتفاق أو مبادرة جوهرية.

كان هذا الغياب واضحًا خلال رحلة “بايدن” الأخيرة، في حين أن مبيعات الأسلحة، أو مطالبة السعوديين بضخ المزيد من “النفط”، يمكن أن يُعد من الناحية الفنية جهودًا جغرافية اقتصادية قصيرة المدى، مدفوعة بجني الأرباح، أو الأزمة الأوكرانية، فإنها لا تُشكل إستراتيجية جغرافية اقتصادية إقليمية يمكن أن تُنافس “الصين”.

يذكر الكاتب أنّ إستراتيجية “الصين” العالمية لها رؤية واضحة بعيدة المدى لـ”غرب آسيا”، وفي الواقع جزء من المنطق الصيني لزيادة وجودها في غرب ووسط آسيا هو التحرر من سياسة الاحتواء الأميركية، والديناميكيات الخانقة في “شرق آسيا”.

وتعمل “مبادرة الحزام والطريق”؛ كعنصر جغرافي اقتصادي طويل المدى في الإستراتيجية الصينية، وتشمل شرق وغرب آسيا. ومع هذه الإستراتيجية أصبحت “الصين” الشريك التجاري الأول لمعظم دول غرب آسيا، حتى “المملكة العربية السعودية”، التي أعتادت “الولايات المتحدة” أن تكون الشريك التجاري الأول لها.

ويُضيف الكاتب أنّه لن يفشل القادة السعوديون والإقليميون في ملاحظة أن “بايدن” قام بهذه الرحلة ليس من منطلق الرؤية الإستراتيجية، ولكن من الضرورة العاجلة التي سببتها الأزمة الأوكرانية على المدى القصير.

وهذا لا يُبشر بخير بالنسبة للمنافسة الإقليمية لـ”الولايات المتحدة” مع “الصين”. وبعد زيارة “بايدن” ستستمر دول المنطقة في التطلع شرقًا إلى “الصين والهند” وغيرهما، كما فعلت قبل الزيارة، وسيظل تأثير “الصين” الجغرافي الاقتصادي في المنطقة دون منازع.

الخلاصة: الطريق الإستراتيجي إلى الأمام..

يعتقد الكاتب أن “الولايات المتحدة” في حاجة إلى إستراتيجية شاملة متعددة الجوانب تجاه “غرب آسيا”؛ لأنها تحتاج إلى إستراتيجية لمنطقة “المحيط الهاديء والهندي”، إذا أرادت أن تأخذ على محمل الجد التنافس مع “الصين”.

هذه الإستراتيجية عليها الاعتراف بالحقائق الأربع التالية المترابطة في المنطقة: أولًا، المنطقة منهكة جيوسياسيًا، لدرجة أن الأعداء التقليديين يُعيدون إقامة علاقات دبلوماسية، مثل المحادثات “السعودية-الإيرانية”، أو التطبيع “العربي-الإسرائيلي”.

ثانيًا، التحدي الأكبر للمنطقة هو تجاوز اعتمادها على “الهيدروكربونات”، ومن هنا جاءت الرؤى التنموية المختلفة في المنطقة، مثل الرؤية السعودية، والإماراتية، والقطرية، لعام 2030، أو رؤية “عُمان” لعام 2040.

ثالثًا، السلعة الأكثر مبيعًا في المنطقة، حتى لتحل محل “الهيدروكربونات”، هي الاتصال الجغرافي الاقتصادي، وتتنافس دول إقليمية مختلفة من أجل مزيد من الربط بين الشرق والغرب، والشمال والجنوب.

رابعًا والأهم، أن الشرق الأوسط من أكثر المناطق تضررًا من التغير المناخي، ومن درجات الحرارة الشديدة، وتناقص الموارد المائية، والاختناق بسحب الغبار؛ وهو في حاجة ماسة إلى مستقبل أخضر.

يختتم الكاتب مقاله: إن العودة إلى الألعاب الجيوسياسية القديمة: لـ”النفط، والأسلحة”، ليست طريقًا للتقدم، كما أن شيطنة “الصين”؛ في منطقة “المحيط الهاديء والهندي”، والاعتماد على الأسلحة وحدها لا تُعتبر إستراتيجية ولا تكفي لإقناع دول “المحيط الهاديء والهندي” بالانضمام إلى “الولايات المتحدة”.

وبالمثل؛ فإن شيطنة “إيران” وقضيتها النووية؛ (التي بالنسبة للكاتب يمكن السيطرة عليها بسهولة من خلال عودة الولايات المتحدة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة)، ومبيعات الأسلحة لدول المنطقة، لا يمكن أن ترقى حقًا إلى إستراتيجية إقليمية جادة لـ”الولايات المتحدة” في “غرب آسيا”، ولا يمكنها منافسة نهج “الصين” الإستراتيجي متعدد الجوانب تجاه المنطقة.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة