خاص : كتبت – نشوى الحفني :
تم يوم السبت تبرئة الرئيس الأميركي السابق، “دونالد ترامب”، للمرة الثانية، من تهمة التحريض على التمرد، وهو ما جعله يتنفس الصعداء، إلا أن لهذه التبرئة تبعات مستقبلية حاولت، (كتابات)؛ حصرها للوقوف على أهمها.
ونبدأ من افتتاحية صحيفة (الفاينانشال تايمز) البريطانية؛ وعنوانها: “تبرئة معيبة لدونالد ترامب”.
وتقول الصحيفة البريطانية إنه في بلد منقسم، مثل “الولايات المتحدة”، فإن أغلبية 57 مقابل 43 لأي اقتراح، “أمر رائع”. وعندما يتعلق الأمر بإدانة رئيس سابق بتهمة التحريض على العصيان، فهو “أمر تاريخي”.
ونجا “دونالد ترامب” من محاكمته، في “مجلس الشيوخ”، بسبب حصار مبنى (الكابيتول)، الذي ساعد في فرضه، في 6 كانون ثان/يناير الماضي، لكن مسعى محاكمته لم يكن غير مجدٍ.
وترى الصحيفة أن مساءلة “ترامب” قد أوضحت الحد الفاصل بين الجناح الذي يؤمن بالمباديء في “الحزب الجمهوري”؛ وباقي الحزب. فقد صوت سبعة من أعضاء “مجلس الشيوخ”، عن الحزب الجمهوري” – “بن ساسي، وليزا موركوفسكي، وميت رومني، وريتشارد بور، وبيل كاسيدي، وباتريك تومي، وسوزان كولينز – لصالح إدانة “ترامب”.
تداعيات المحاكمة على “ترامب”..
وبحسب (الفاينانشال تايمز)، فإن للمحاكمة تداعيات على “ترامب” نفسه، حتى لو لم ينتج عن المساءلة منع تولي المنصب مرة أخرى. فمن خلال أدلة الفيديو التي نشرها أعضاء “مجلس الشيوخ” للجمهور، أصبح من الواضح أكثر مما كان عليه قبل شهر مدى فداحة اقتحام “الكونغرس”.
وترى الصحيفة أن عملية المساءلة أعانت على استرجاع بعض الثقة والسمعة الحسنة في “الحزب الجمهوري”.
ومن البداية إلى النهاية، كان الإجراء سريعًا، على عكس التوقعات بملحمة قضائية من شأنها أن تستنزف صبر الناخبين والرئيس، “جو بايدن”.
وتضيف الصحيفة البريطانية أن عملية المساءلة لم تشبها الضحالة والنقاشات عديمة الجدوى، بخلاف فريق دفاع “ترامب”. كما أن العملية لم تُسفر عن جولة أخرى من الاضطرابات أو أحداث الشغب التي كان يخشى الكثير منها.
وتضيف؛ أنه بينما كان الرئيس الجديد يقف بمعزل عن الآخرين، كان “الكونغرس” مركزًا للحياة الوطنية مرة أخرى. وقد أدى الإعتداء على مقره إلى تجديد دوره كمراقب للسلطة التنفيذية.
وتقول الصحيفة إنه في نهاية هذا الإجراء الدستوري السريع والسلمي، أجري التصويت وأسفر عن عدم الإدانة.
النتيجة بداية لشيء ما !
وترى أنه يقع على عاتق الجمهوريين العقلاء أن يتأكدوا من أن النتيجة بداية لشيء ما، وليست صورة خاطفة في الإنحطاط المستمر لليمين الأميركي. ويجب على الحزب ألا يرفض “ترامب” فحسب، بل يرفض جنون العظمة والتطرف الذي أدى إلى أعمال العنف المميتة، في 6 كانون ثان/يناير 2021.
الترشح للرئاسة مجددًا..
وفي تقرير لموقع (فرانس 24) الناطق بالعربية، أوضح، رغم أن تبرئة “مجلس الشيوخ”، لـ”ترامب”، كان أمرًا شبه مؤكد، إلا أنه لا شك في أن الرئيس السابق استراح لدى سماعه القرار.
وندد “ترامب”، في بيان؛ بما وصفه: “حملة شعواء” ضده، وتطرق إلى المستقبل. وقال: “بدأت للتو حركتنا التاريخية والوطنية والرائعة لجعل أميركا عظيمة مجددًا”. وأضاف: “الكثير من العمل ينتظرنا، وسنخرج قريبًا برؤية لمستقبل أميركي مشرق ومتألق ولا حدود له”.
ولم يستبعد “ترامب”، في السابق؛ الترشّح مجددًا للانتخابات الرئاسية المقبلة، في 2024، وكان من شأن أي إدانة أن تمنعه من تولي منصب فيدرالي مجددًا.
ومنذ مغادرته “البيت الأبيض”، في 20 كانون ثان/يناير 2021، يقيم “ترامب” في منتجعه، “مارالاغو”، بينما حُرم من حسابه على (تويتر)، الذي كان يستخدمه لمخاطبة الملايين من متابعيه.
“صرخة تعبئة” لترامب وأنصاره..
وقالت “كابري كافارو”، من الجامعة الأميركية في واشنطن، والتي كانت عضوًا في “مجلس شيوخ-أوهايو” عن الديمقراطيين، إن تبرئة “ترامب” قد تكون بمثابة: “صرخة تعبئة” بالنسبة له ولأنصاره.
لكنها أشارت إلى أن: “إرث دونالد ترامب؛ قد يقتصر بالنسبة لعديدين في هذه المرحلة، على أحداث السادس من كانون ثان/يناير، بغض النظر عن التبرئة”.
وتابعت: “سيكون هناك أميركيون ممن يعتقدون أن، دونالد ترامب، لعب دورًا ما”، وهو أمر قد ينعكس أيضًا على أنشطة قطب العقارات في القطاع الخاص. وقالت: “يبدو الأمر وكأن لا خيار لديه سوى مواصلة محاولاته للخوض في السياسة”.
مستقبل محدود..
وتتفق أستاذة العلوم السياسية في جامعة “براون”، “ويندي شيلر”، مع مسألة أن مستقبل “ترامب” قد يكون محدودًا. وصرحت: “إذا كانت الشركات ستمنحه فرصة للظهور والتحدث، فسيكون رد الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي سريعًا وشديدًا، مع احتمال مقاطعة منتجاتها”.
وأردفت: “حتى إقامة مؤتمرات صحافية أو مناسبات في العقارات المملوكة لترامب؛ سيمثّل مشكلة بالنسبة للشركات الكبرى المطروحة للتداول العام أو الشركات التي توفر منتجات مباشرة للمستهلكين”.
نفوذ “الجمهوري” الذي لا يزول..
وأوضح (فرانس 24) أن تصويت الأغلبية الساحقة من الجمهوريين في “مجلس الشيوخ”، لصالح تبرئة “ترامب”، يُعد مؤشرًا على نفوذه الذي لا يزال يحافظ عليه ضمن حزبه.
وقالت ممثلة ولاية “جورجيا” في المجلس، “مارغوري تايلور غرين”، التي تُعد من أشد المؤيدين له، الأسبوع الماضي؛ إن: “الحزب له لا لأحد آخر”.
لكن صوّت سبعة أعضاء جمهوريين في “مجلس الشيوخ” لصالح إدانته، بينما صوّت عشرة جمهوريين من أعضاء “مجلس النواب” لصالح عزله، الشهر الماضي، بينهم النائبة، “ليز تشيني”، ابنة نائب الرئيس السابق، “ديك تشيني”.
وبينما صوّت زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ، “ميتش ماكونيل”، لصالح تبرئته، إلا أنه أشار إلى أن “ترامب” مسؤول: “عمليًا وأخلاقيًا” عن أعمال العنف التي شهدها، السادس من كانون ثان/يناير 2021. ونأى عدد من الجمهوريين بأنفسهم عن الرئيس السابق؛ بينما يستعدون لاختبار فرصهم في الوصول إلى “البيت الأبيض” في 2024.
ومن بين هؤلاء حاكمة “كارولاينا” الجنوبية، “نيكي هايلي”، التي قالت إن الجمهوريين أخطؤوا في دعمهم حملة “ترامب” الرامية لقلب نتائج الانتخابات، والتي قادت إلى الهجوم على مقر “الكونغرس”.
وقالت “هايلي”، في مقابلة مع مجلة (بوليتيكو): “سلك مسارًا ما، كان عليه أن يسلكه، وما كان علينا أن نتبعه فيه”. كما قللت من أهمية التوقعات التي تشير إلى أن “ترامب” سيترشح للرئاسة، في 2024، قائلة: “لا أعتقد أن بإمكانه ذلك. لقد سقط سقطة كبيرة”.
لكن الجمهوريين الداعين للإنفصال تمامًا عن “ترامب” لا يزالون أقلية، بينما يخشى كثيرون منهم من النفوذ الذي يتمتع به في أوساط قاعدته الشعبية.
وقالت “ويندي شيلر” إن: “أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، الذين صوّتوا لصالح تبرئته، قد يكونون يحمون أنفسهم من التحديات الأولية من قبل الجناح الأكثر تشددًا في حزبهم، في 2022 أو حتى 2024. لكنهم قد يجعلون أنفسهم بالتوازي أكثر عرضة للهزيمة في الانتخابات العامة”.
وأشارت “كافارو” أيضًا إلى أن النواب الجمهوريين، الذين لا يزالون مخلصين لـ”ترامب”، يخوضون مقامرة: “خطيرة للغاية”. وقالت: “يتّخذون قرارًا مبنيًا على فترة زمنية قد لا تعود موجودة بالنسبة إليهم خلال عامين”.
وطرحت مجموعة من المسؤولين الجمهوريين السابقين المناهضين لـ”ترامب”، فكرة تأسيس حزب ثالث يميني وسطي، لكن يستبعد تبلور الخطوة.
توقعات باحتجاجات اليمين المتشدد..
وأوضح تقرير (فرانس 24) أنه، خيّمت المحاكمة الرامية لعزل “ترامب”؛ على بداية عهد “بايدن” الرئاسي، ولا شك في أن الديمقراطيون مرتاحون لكونها لم تستغرق أكثر من خمسة أيام.
وسيكون الآن؛ بإمكان “مجلس الشيوخ” التحرّك سريعًا لتثبيت الشخصيات التي عينها “بايدن” في حكومته والعمل على أجندته التشريعية، في وقت تواجه البلاد الأزمة الناجمة عن (كوفيد-19) وتداعياتها الاقتصادية الشديدة.
وقالت “شيلر” إن: “الرئيس بايدن؛ قام بعمل جيد للغاية عبر النأي بنفسه بعيدًا عن إجراءات محاكمة العزل، وحصر رسالته بأزمة (كوفيد-19)، والأزمة الاقتصادية التي رافقتها”.
لكن لا يزال “ترامب” قوة يُحسب لها الحساب. وقالت “كابري كافارو”: “لا يمكننا القول إن لدينا حصانة من مزيد من الاحتجاجات والنشاط من قبل اليمين المتشدد. وسيتعيّن مراقبة إذا حصل ذلك ومتى والكيفية التي سيتعامل بايدن من خلالها مع الأمر”.
وربما لا تكون تبرئة “دونالد ترامب”، في ثاني محاكمة عزل، هي الكلمة الأخيرة حول ما إذا كان يتحمل اللائمة عن أعمال الشغب الدامية التي شهدها (الكابيتول)، من عدمه.
ساحات القضاء تنتظر “ترامب”..
وفي تقرير لوكالة أنباء (الأسوشيتد برس)، ذكر أن الخطوة التالية للرئيس السابق؛ قد تكون ساحات القضاء، فـ”ترامب” الآن مواطن عادي، وقد جُرد من الحصانة التي كانت الرئاسة تمنحه إياها.
ويوضح أن ذلك التغير في الموقف؛ يؤكده حتى الجمهوريين الذين صوتوا، يوم السبت، لتبرئته من اتهامات التحريض، في هجوم 6 كانون ثان/يناير الماضي، وهم يحثون المواطنين الأميركيين على المضي قدمًا وتجاوز مسألة العزل.
وقال عضو مجلس الشيوخ عن ولاية كنتاكي وزعيم الأقلية الجمهورية في المجلس، سيناتور “ميتش مكونيل”، عقب التصويت: “الرئيس ترامب؛ ما زال مسؤولاً عن كل ما فعل أثناء توليه منصبه، كمواطن عادي، ما لم تنطبق حالة التقادم”.
وأصر “مكونيل” على أن ساحة القضاء أكثر ملاءمة لمحاسبة “ترامب”، من قاعة “مجلس الشيوخ”. وقال: “لم يفلت من أي شيء بعد”.
التمرد الذي شهده مبنى (الكابيتول)، والذي أسفر عن مقتل 5 أشخاص، لا يعدو أن يكون واحدًا من عدة قضايا تلاحق “ترامب”، في الأشهر التي تلت التصويت على عزله.
“ترامب” عرضة أيضًا؛ لمواجهة قانونية في “جورجيا”، بسبب حملة ضغط مزعومة مارسها على مسؤولي الانتخابات في الولاية، ومواجهة ثالثة في “مانهاتن”؛ بشأن رشى دفعها وصفقات تجارية أبرمها ليحول دون كشف فضائح.