رحل منكوبًا على حال الغناء العربي .. “ميشيل المصري” أنامل عزف المشاعر الإنسانية

رحل منكوبًا على حال الغناء العربي .. “ميشيل المصري” أنامل عزف المشاعر الإنسانية

خاص : كتبت – بوسي محمد :

ودع عالم الموسيقى، واحدًا من أهم كبار الموسيقيين في الوطن العربي، الموسيقار المصري الكبير، “ميشيل المصري”، الذي توفي عن عمر يناهز 85 عامًا.

يحفل سجل “ميشيل” بالعديد من الأعمال الموسيقية الهامة، التي لازالت راسخة في الوجدان، منها الموسيقى التصويرية لمسلسلات: (ليالي الحلمية)، و(عائلة الحاج متولي)، و(من الذي لا يحب فاطمة)، و(حارة القرود)، و(محمد رسول الله)، الجزء الثاني.. كما وضع الموسيقى الخاصة بمسلسل (مداح القمر)؛ الذي يتناول سيرة الموسيقار المصري، “بليغ حمدي”، ولكن العمل لم يكتمل تصويره بعد.

بالإضافة إلى عدد من المسلسلات الشهيرة.. كما يعتبر “ميشيل المصري” من أشهر عازفي الفرقة “الماسية” وفرقة “أم كلثوم”.

معزوفات بأنامل الشجن والحنين..

لا شك أن الموسيقى تساهم بشكل كبير في نجاح العمل الدرامي.. فكان هو البطل الرئيس وراء نجاح مسلسلات عديدة تخلد في الذاكرة مهما مرّ عليها سنوات طوال، فلازالت أغنية “تتر” مسلسل (ليالي الحلمية) حتى الآن تُطلب من المطرب، “محمد الحلو”، اينما وجد في حفلة خاصة أو في سهرة تليفزيونية.

يعتبر “ميشيل” مدرسة موسيقية كبيرة يتعلم منها الأجيال الحالية والمتعاقبة، فألحانه غير مرتبطة بزمان ولا مكان، عندما تستمع إليها تلامس الشجن والحنين وتستنشق الفن الجميل.

كان مؤمن بمدى تأثير النغمة الموسيقية على المتلقي أو المشاهد، فكان يستوحي معزوفته من أحداث المسلسل وقصته، ليعيش المشاهد أجواء العمل بكل تفاصيله الكبيرة والصغيرة.

كان يرى أن النغمة أقوى من رصاص الإرهاب على وقع الآذان، فطوعها لصالح رسالته التي كانت تدعو إلى السلام، فخرجت من تحت أنامله معزوفات شكلت نقطة تحول في تاريخ المسار الفني.

له إسهامات واضحه في عالم التلحين والتأليف الموسيقي والتوزيع أيضًا.. كما كانت له بصمة واضحة في العديد من الأعمال الموسيقية الهامة، سواء كعازف أو كموزع أو منفذ موسيقي.

عمل مع كبار المطربين والملحنين؛ أبرزهم: “محمد عبدالوهاب”، و”محمد الموجي”، و”كمال الطويل”، و”بليغ حمدي”، وكوكب الشرق “أم كلثوم”.

دائمًا ما يكون هناك جنود مجهولين وراء نجاح العديد من الأعمال، يعتبر “ميشيل المصري”، “الجندي المجهول”، الذي كان له الفضل في نجاح عددًا كبيرًا من الأعمال الدرامية والموسيقية، لم يحظى اسمه بشعبية جارفة بين أقرانه من الملحنين، فضل أن يعمل في صمت، بعيدًا عن هوجاء الفضائيات والإذاعة.

“ميشيل” والرحبانية..

ثمة علاقة قوية تجمع بين الموسيقار “ميشيل المصري”، والأخوان اللبنانيان “عاصي” و”منصور رحباني”، اللذان يعدان أعلام الموسيقى العربية المعاصرة، فقد لعبا دورًا هامًا في تحديث الأداء الغنائي العربي وأرتبط اسمهما باسم المطربة “فيروز”.

طورّ “ميشيل” مع الرحباينة شكل الموسيقى، مع الإحتفاظ بشرقتيها وشاميتها، فلم يلجأ للموسيقى الغربية، “البوب، والروك آند رول، وال ديسكو، وال بلوز، والموسيقى الفولكلورية، وال راب”؛ مثلما فعل العديد من الموسيقيين، وإنما كان يعتمد على موهبته وخياله في الموسيقى دون الإخلال بهويتها.

تعلم “ميشيل” من الرحبانية الكثير على المستوى الشخصي، منها النظام والإنضباط في كل شيء، واحترام موعد الحفلات والبروفات والمسرح.

عاد إلى مصر، محملاً بالصفات التي تعلمها من الرحبانية، حاول أن يطبق قانون الإنضباط في مصر، فكون فرقة موسيقية تعمل بمبدأ النظام، لكنها لم تستمر طويلاً، وعاد للعمل مع الفرقة “الماسية”.

يعتبر “ميشيل” واحدًا من مؤسسي “الاوركسترا الإذاعي” للكويت، وكانت تجربة مثمرة بالنسبة له، حيثُ تمكن خلالها من الاطلاع على موسيقى شعوب العام، نتيجة تعامله مع العديد من الجنسيات المختلفة؛ مثل الإيرانية والخليجية وغيرها.

“ميشيل” الحاضر الغائب..

رغم نجاح أعماله الموسيقية، لكنه كان يعيش بمعزل عن الناس، بعيدًا عن الأضواء، فكان تواجده قليلاً في الحفلات أو المناسبات، لكن موسيقاه كانت حاضرة في أذهان المستمعين.

عانى في السنوات الأخيرة من حياته من مرض السكر، ومشاكل في الإبصار.. لم يخبر أحدًا، ولم يظهر على الشاشات ليطالب العلاج على نفقة “نقابة الموسيقيين”، تحمل أعباء مرضه بمفرده.

لم يهمل الموسيقى يومًا، فدائمًا ما كان يجلس داخل صومعته وبيده آلته الموسيقية “يدندن” عليها ما يحلو له خياله الواسع، حيث تضم مكتبته مئات الأعمال التي لم تر النور بعد.

أختزل الإعلام مشواره الفني كملحن “تتر” مسلسل (ليالي الحلمية)، وتجاهلوا تاريخه وإسهاماته في الموسيقى، وهذا كان يغضبه كثيرًا.. ربما كان هذا سببًا كافيًا لإبتعاده عن الأضواء.

كان يسخط “ميشيل” من الموجة الجديدة المتبعة في الغناء، فأبتعد عن الفن بأضواءه القريبة والبعيدة، وترك الساحة الغنائية لأناس أضاعوا الهوية الشرقية في الموسيقى العربية.

الميلاد وبدايات التشكُل..

ولد “ميخائيل حبيب نخلة”، أو كما يطلق عليه البعض، “ميشيل المصري”، في القاهرة عام 1933، وكان يهوى الموسيقى منذ صغره فالتحق، بعد المرحلة المدرسية، بمعهد “ليوناردو دافنشي” للفنون الجميلة بالقاهرة، والذي كان غالبية طلابه من الأجانب؛ فأطلق عليه زملاؤه “ميشيل المصري”، ثم أنضم لاحقًا إلى “معهد فؤاد الأول للموسيقى العربية”.

عزف في البداية على آلة “الكمان” وإتجه إلى التوزيع الموسيقي لكبار المغنين؛ قبل أن يتميز في التأليف الموسيقي وعزف مع “أم كلثوم” في السنوات الأربع الأخيرة من حياتها، وشارك في عزف أغانيها الشهيرة، ومن أبرزها (أغدًا ألقاك)، و(يا مسهرني)، و(ليلة حب).

وجد “المصري” في بداية مشواره الفني، اعتراضًا من والده على دخوله مجال الموسيقى، رغم أن الوالد كان محبًا للموسيقى والغناء، وهو ما دفعه إلى دراسة الموسيقى سرًا في البداية.

ويعد “ميشيل” أول مسيحي يؤلف موسيقى تصويرية لأعمال إسلامية‏،‏ من بينها “تسابيح” شهر رمضان المعظم.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة