خاص : ترجمة – محمد بناية :
كالعاديون يتنزهون في الحديقة، ويتحدثون، ويلعبون.. يبدو المشهد للوهلة الأولى طبيعياً مجموعة من الشباب يتسامرون ويضحكون، لكن إذا أمعنت النظر سوف تكتشف الفرق، فرق بين الحياة والموت.. تحكي “مهسا عبدیزدان”، مراسلة وكالة أنباء (إيسنا) الإيرانية من مدينة أصفهان: “يضحكون بصوت عالي، وتمتزج أنفاسهم برائحة غريبة، وبعضهم مستغرق في الضحك دونما كلام، صامت.. صامت جداً حتى أنه لا يبدي أي رد فعل على تصرفات أقرانه. كان عادل وعلى عكس من يضحكون يضطجع على المقعد شاخص البصر، ويقول: أحياناً حين أقوم بالتدخين أشعر بالتحسن. وأشعر بالهدوء تدريجياً وأتوقف عن التفكير. الآن كلما شعرت بالسوء أقوم بتدخين العشب”.
البطالة تقضي على الإنسان وتفقده كل شئ..
تستطرد “مهسا عبدیزدان”: “تكفيك نصف ساعة فقط للذهاب إلى إحدى المتنزهات العشوائية والتعرف إلى المسؤول عن تقديم المشروبات، ومن ثم شراء المخدرات. بالنسبة لهم الكل سواء لا فرق بين رجل أو امرأة أو مسن أو حتى الأطفال. وتتوقف أسعار باقة العشب على قدرة المشتري ويتراوح السعر بين 25 إلى 50 ألف طومان، ولو كنت محترفاً فسوف تكفيك الباقة الواحدة يومين أو ثلاثة”.
يقول “عادل”، الذي بدأ تدخين العشب قبل خمسة أعوام: “دخنت أول مرة في واحدة من مدن الشمال، كنا خمسة أشخاص يدخنون وأخذنا نضحك من الحادية عشر مساءً وحتى السادسة صباحاً. وقد دفعتني البطالة إلى تدخين العشب.. تركت المخدرات مراراً لكن سرعان ما تبدأ المشاكل واستعيد هدوئي بعد تدخين العشب. مشكلتي الكبيرة هى البطالة. فالبطالة تأكل روح البني آدم؛ تقضي على احترامه وكل ما لديه. وبالنسبة لشاب في مثل سني تعتبر البطالة مشكلة كبيرة تقضي على كل شيء”.
تستطرد “مهسا”: “كلما ممرنا ببركة ماء داخل المتنزه سارع إلى غسل يديه ووجهه ويشكو من ارتفاع درجة حرارة الجو باستمرار. ولا ينفك يضحك ويمزح مع تحسن حالته. وهو كالبقية لم يفكر مطلقاً أنه أصبح مدمناً، وإنما سمع أنه يشعر بالسعادة بعد التدخين. ولذلك يلجأ إلى تدخين العشب كلما بحث عن الراحة الذهنية”.
مناديل المورفين.. تسبب الألم عند التوقف عنها..
ثم سألت آخرين ممن يجلسون في صمت، فأنهم يرفعون “مناديل”، واتضح أنها تحتوي مخدر جديد ظهر حديثاً بالأسواق وينتشر بكثافة بين الشباب. يقول أحدهم: “تحتوي المناديل على المورفين، وإذا توقفت عن استخدامها فترة تشعر بألم شديد في بدنك، لكن العشب ليس كذلك. فإذا ذهبت إلى حفلة أو تشاجرت مع والدي ولم أدخن العشب، فلا أعاني الألم في جسدي”.
سألت “عادل” عن تليفون مقدم المشروبات الذي يمكنني أن أشتري منه منديل، فنظر إليَ مدة ثواني وأشعل لي سيجارة، وقال أتريدين أن تعرفي، دعني أرى ماذا يمكنني أن أفعل.. ثم أجرى اتصالاً هاتفياً بعدد من الأفراد ولم يستطيع الحصول على منديل. يقول: “قبل أيام سافر من يزودنا بالمخدرات. لذلك آتيَ يومياً إلى المتنزه”.
ثم تعرفت على آخر اسمه “آرش”، وأخبرني أنه من “الكرج” وجاء إلى “أصفهان” قبل ستة أشهر بحثاً عن عمل، لكن يمكنني القول بثقة أنه يعرف حواري “أصفهان” أحسن من الأصفهانيين أنفسهم. فقلت (أي مهسا) لنحصل من “آرش” على عنوان المورد أو “حسين چي”، كما يسميه، فهو بالتأكيد يعرف الطريق.. أصطحبني إليه.
وفي الطريق حدثني عن عمله وأسرته وأخبرني أن والدته تزوجت بآخر بعد وفاة والده ولذلك هو يعتمد على نفسه في توفير احتياجاته، وانفصل عن والدته حتى تعيش حياتها. وبعد مسافة قصيرة وصلنا إلى مقعد بيع الطعام وقد جلس عليه شاب، بدا من ملامحه أنه من أهل الجنوب. حصل منه “آرش” على عنوان “حسين چي”، وعاد بعد 10 دقائق، وقد أشترى المخدرات. قطعة قماش تشبه المنديل الورقي، وكانت المرة الأولى التي يرى فيها “آرش” المنديل ويقول: “لم أستعمله حتى الآن”.
تضيف مراسلة وكالة أنباء (إيسنا)، المقربة من التيار الإصلاحي: “تعرفت إلى آخر ويُدعى (رضا)، وقد بدا أنه في العقد الثالث من العمر. سألني عدة أسئلة حتى أطمئن أنني لست من الشرطة. وفي النهاية وافق ممتعضاً على مطلبي بشأن شراء منديل. وهو يدخن الحشيش منذ ثمانية عشر عاماً، وحين سألته عن السبب أجاب: “أشعر بالسعادة حين أضع الحشيش على التبغ ولفه”. وأضاف: “المنديل أسوأ أنواع المخدرات، فهو يتسبب في تشريد المرء. وأنا ممتنع منذ قرابة الشهر، ومجبر على تصفية دمائي حتى يمكنني ترك إدمان المنديل”.
في نهاية المطاف وصلنا إلى “حسين چي”، وكان مهندماً، فسألت عن سعر المنديل، فأجاب القطعة تكلف ألف طومان. سألت في تعجب: ألف طومان ؟.. فسأل ضاحكاً: غالي أم رخيص ؟.. إنه سعر مناسب بل هو مبلغ أقل مما يحمل التلميذ في جيبه.