خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في خطوة جديدة تضرب بها “الولايات المتحدة الأميركية” هدفين بحجر واحد؛ أحدهما فرض مزيد من الضغوط على “إيران” لمحاصرة وجودها على الأراضي السورية، والآخر هو استغلال شرطها الذي تعلم أنه لن ينفذ فتأخذه ذريعة لعدم المساهمة المالية في إعادة إعمار “سوريا”، وهذه هي أكبر أهداف “ترامب”، “التاجر”، الذي لا يحب خسارة الأموال، حيث أعلن وزير الخارجية الأميركي، “مايك بومبيو”، أن “الولايات المتحدة” لن تساهم بمساعدات إضافية في إعادة إعمار “سوريا”، طالما بقيت القوات المدعومة إيرانيًا في البلاد.
وتعهد “بومبيو”، في لقاء مع جماعة ضغط موالية لـ”إسرائيل”، بمواصلة دفع الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، لعزل “إيران”، وأشاد بفرض “بعض أشد العقوبات قسوة في التاريخ”.
طرد إيران مسؤولية الحكومة السورية..
وقال الوزير الأميركي، أمام “المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي”، مساء الأربعاء 10 تشرين أول/أكتوبر 2018، إن “مسؤولية طرد إيران من البلاد يقع على عاتق الحكومة السورية التي تتحمل مسؤولية وجودها هناك”.
وأضاف: “إذا لم تضمن سوريا الانسحاب الكامل للقوات المدعومة من إيران، فلن تحصل على دولار واحد من الولايات المتحدة لإعادة الإعمار”.
تغيير إتجاهات “أميركا-سوريا”..
وتأتي تصريحات “بومبيو” في وقت تغير فيه إدارة “ترامب” تفكيرها حول مشاركة “الولايات المتحدة” في الحرب الأهلية السورية التي دمرت البلاد.
وتقول تقديرات إن ما يقرب من 365 ألف شخص راحوا ضحية الحرب منذ عام 2011.
وينشر الجيش الأميركي 2000 جندي في “سوريا”، غالبيتهم لتدريب وتقديم استشارات عسكرية لفصائل مسلحة، بعد موافقة الرئيس السابق، “باراك أوباما”، على المشاركة في عمليات عسكرية للقضاء على الجماعات المتطرفة؛ مثل تنظيمي “الدولة الإسلامية” و”القاعدة”.
وشدد “بومبيو” على أن محاربة تنظيم الدولة “ما زال يمثل أولوية قصوى”، لكنه أدرج “إيران” على القائمة أيضًا.
وكان مستشار الأمن القومي الأميركي، “جون بولتون”، قد قال الشهر الماضي، إن القوات الأميركية ستبقى في سوريا “طالما أن القوات الإيرانية خارج الحدود الإيرانية”.
ولم يتحدث “بومبيو” عن القوات الروسية الموجودة في “سوريا”، ولم يطلب انسحابها هي الأخرى مثل “إيران”.
وأعلن الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، في آب/أغسطس الماضي، الانسحاب الفوري من خطط إعادة الإعمار في “سوريا”.
الغرب لن يشارك في إعادة الإعمار..
وكان الرئيس السوري، “بشار الأسد”، قد صرح مسبقًا بأن الغرب لن يشارك في إعادة إعمار “سوريا”، لأنهم “لا يعطون ويأخذون فقط”.
وقال الرئيس السوري، خلال مقابلة مع قناة (إن. تي. في) الروسية، تعليقًا على تصريح للسياسيين الغربيين بأنهم: “لن يعطوا سنتًا لإعادة بناء سوريا طالما الأسد في السلطة”، قائلاً: “بصراحة؛ هذا هو أفضل بيان للغرب طوال فترة الحرب في سوريا”.
وأضاف: أن “الغرب لن يشارك في إعادة إعمار سوريا، نحن لن نسمح لهم بذلك، ولدى سوريا ما يكفي من القوة لإعادة إعمار البلاد”.
وقبل تصريحه كانت المستشارة الألمانية، “أنغيلا ميركل”، قد أعلنت أن بلادها لن تشارك في عملية إعادة الإعمار في “سوريا” و”العراق”، ما لم يتحقق حل سياسي للأزمات السياسية والأمنية في البلدين، وعودة الاستقرار إليهما.
مهمة مشتركة للمجتمع الدولي..
فيما أكد الرئيس الروسي، “فلاديمير بوتين”، أن “روسيا” تأمل بأن تصبح عملية إعادة إعمار “سوريا” مهمة مشتركة للمجتمع الدولي.
قائلاً، خلال مراسم تسليم أوراق اعتماد عدد من السفراء الأجانب: “على جدول الأعمال حاليًا إنتعاش الاقتصاد المدمر والبنية التحتية وعودة ملايين اللاجئين إلى وطنهم، الأمر الذي سيقلل من عبء الهجرة في العديد من البلدان الأوروبية. نتوقع أن تكون مساعدة السوريين على حل هذه القضايا مهمة مشتركة للمجتمع الدولي”.
ممارسة للضغط السياسي والاقتصادي..
تعليقًا على التهديد الأميركي؛ قال الصحافي والمحلل السياسي، “أحمد الأصفهاني”: “إن الموقف الأميركي تجاه إعادة إعمار سوريا متوقع، حيث رفضت سابقًا المساهمة في إعادة إعمار سوريا، كذلك امتنعت عن المساهمة في مساعدة اللاجئين السوريين، وهي الآن تربط الأمر بوجود القوات الإيرانية في سوريا”، مضيفًا أن المواقف الأميركية تتعامل مع “سوريا” و”إيران” من منطلق الضغط السياسي والاقتصادي وليس من محاولة إيجاد حل سياسي للأزمة السورية.
الموقف الروسي يصطدم مع الأوروبي..
لافتًا “الأصفهاني” إلى أن المساعي الروسية لإعادة إعمار “سوريا” تصطدم بالموقف الأوروبي، حيث إن الأوروبيين يقولون إنهم لن يشاركوا في مساعدة عودة اللاجئين السوريين وإعادة الإعمار إلا بعد الحل السياسي، كما أنهم مستعدون للتعامل مع الحكومة السورية في إطار جديد يتركز على اللجنة الدستورية التي يتم العمل الآن على تشكيلها.
تغيير ميزان القوة لصالح “الأسد”..
فيما يرى الباحث في الشؤون الدولية، الدكتور “وفيق إبراهيم”، بشأن تصريح وزير الخارجية الأميركي، “مايك بومبيو”، بأن الوضع الجديد في “سوريا” يتطلب تقييم “واشنطن” لمهمتها هناك، وأن إدارة الرئيس “ترامب” تريد أيضًا حلاً سياسيًا بعد سبع سنوات من النزاع في “سوريا”.
وأعتقد أن “الولايات المتحدة” بدأت بالإقتناع بأن ميزان القوة، في الميدان السوري، لم يعد في مصلحتها، وذلك بخسارتها لكل الذين استثمرت بهم، بدءًا من الإرهاب إلى الدول المحيطة بـ”سوريا”، وصولاً لـ”إسرائيل”، فالمراهنات الأميركية بمجملها سقطت، ولاتزال اليوم تراهن على الكُرد في “شرق الفرات”، وعلى “قاعدة التنف”، وهذه التوازنات لا تستطيع أن تقاوم الدولة السورية وتحالفاتها.
يريدون التحاصص الاقتصادي..
لذلك؛ للمرة الأولى نسمع تصريحًا يعترف بهذه التوازنات، إنما بأسلوب موارب كعادتهم، أي عندما يقول “بومبيو”، إننا لن نشارك بإعادة الإعمار في “سوريا” إلا بعد انسحاب القوات الموالية لـ”إيران”، ونحن لم نسمع أبدًا أن “سوريا” دعتهم للمساهمة في إعادة الإعمار فيها. لكن تصريحهم، يعكس إحساسهم بأن الأزمة السورية هي في الربع الأخير من حلقتها وحلقات التآمر عليها، هذا أولاً، ثانيًا: الأميركيون يريدون التحاصص الاقتصادي، فالدور الأميركي يبدأ عادة عسكريًا وإعلاميًا وثقافيًا وينتهي بالاستثمارالاقتصادي، لذلك تكشف “أميركا” حقيقة ما تريده، بالمشاركة في إعادة إعمار “سوريا” والمشاركة في استغلال آبار الغاز والنفط، وهذا هو الهدف الأميركي الأساس.
مؤكدًا أن هذا التصريح الأميركي هو اعتراف واضح وصريح بالدولة السورية واعتراف بموازين القوة التي تحققت بفضل الدور الروسي الضخم والسوري والإيراني.