كتبت – لميس السيد :
قبل أيام من عودته إلى دياره في إجازة، أرسله القادة وراء خطوط العدو لمهمة أخيرة وهي: أخذ بعض المتفجرات التي خلصها الجيش العراقي من تنظيم “داعش”، وإعادة زرعها في الأرض غير المأهولة التي يطلقون عليها “الأرض الحرام” أو “المنطقة المحرمة”.
وتقول صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” الأميركية، خلال تقريرها، حول حياة الأشخاص المختصين بتفكيك المتفجرات في العراق، إن المتسللين من “داعش” يعبرون بشكل خفي عبر المناطق المهجورة من المنازل الخربة لشن هجمات ضد القوات العراقية، وتهدف المتفجرات إلى وقفهم عن التحرك بحرية في الأراضي.
وتنقل الصحيفة الأميركية عن أحد المختصين في هذا المجال والعضو بالجيش العراقي، “وسام داود”، ان مهمته تتلخص في “إما أن يجعل القنابل غير مؤذية، أو إعادتها لأرض العدو، أو الموت في محاولة أياً مما سبق”.
الموت متفجراً أفضل من العيش مصاباً لأن لا أحد يرعى المصابين في العراق..
لم يعد الموت في انفجار، احد مخاوف “داود”، البالغ من العمر 25 عاماً، وإنما أكثر ما يهابه هو ان يقتل “برصاص قناص.. القنابل يمكنك ان ترى.. لأن رصاص القناصة يترك الجنود طرحاء الفراش أو معوقين مدى حياتهم”.
ويقول داود: “من الأفضل أن تموت ولا أن تعيش مصاباً بجراح.. لا أحد يهتم بك في العراق عندما تكون مصاباً”.
ويؤكد داود، في حواره مع الصحيفة الأميركية، على أنه يعلم كيف ينتهي أمرهم في مهنتهم بتفكيك القنابل، “إذا كان على يد أحد القناصة”، حيث شهد إصابة أكثر من اثنى عشر من أصدقائه بتلك الطريقة.
ويتقاضى مفككي القنابل راتب شهري يقدر بـ1000 دولار، وعندما يصاب الجنود أو يصبحون خارج الخدمة، يتم تخفيض أجورهم، علاوة على أن ليس هناك رعاية طبية حكومية تتولى حالاتهم.
ويروي داود أن والده أيضاً كان يعمل بتفكيك القنابل. وفقد ثلاثة أصابع خلال الحرب الدموية مع إيران في الثمانينيات.
معاناتهم لا يلتفت إليها القادة..
رفض القادة العسكريون بالعراق الافراج عن عدد المجندين المصابين منذ بدء هجوم الموصل في يوم 17 تشرين أول/اكتوبر الماضي، مبررين ذلك بأنهم يهدمون الروح المعنوية للجنود. لكن داود يعلم أن عدد حوالي 200 من أصدقائه قد ماتوا، وكثير منهم من الشباب العائلين لأسر.
ويتكون فريق داود من 10 أفراد تحسباً لإمكانية حدوث نتيجة سيئة في كل مرة يحددون فيها موقع القنبلة، ودائماً ما يقول لهم: “إما أنا سوف أنقذكم.. أو أنكم سوف تنقذونني”.
وتابع داود، الذي يعمل أخويه أيضاً في نفس المهنة المحفوفة بالمخاطر، أن “قنابل مدينة الموصل كانت الاصعب والاكثر فتكاً حتى الآن”. ويشير إلى أن “القنبلة تشبه الطفلة الرضيعة، يجب التعامل معها بشكل لا يوقظها، ولا تكن كلبا يخيفها فتنفجر في وجه حاملها”.
لم يصل جثمان أخر اصدقاء “داود” الذين قتلوا في الموصل إلى العاصمة بغداد بعد، وكان “داوود” قد تحدث إليه قريباً وهو الجندي “مصطفى علي ناجي”، عن طريق الهاتف في ذلك الصباح، وكان من المفترض أن يحل محله في الموصل.
ولكن قبل عودة داوود من إجازة، كان قتل صديقه البالغ من العمر 28 عاماً، اثناء نزع فتيل “قنبلة هاون” ولم يجد اهله المال الكافي من اجل دفنه.