27 نوفمبر، 2024 3:40 ص
Search
Close this search box.

حرب باردة جديدة بين طهران والرياض .. قراءة مراكز “THINK TANKS” لزلزال السعودية وآثاره الإقليمية !

حرب باردة جديدة بين طهران والرياض .. قراءة مراكز “THINK TANKS” لزلزال السعودية وآثاره الإقليمية !

خاص : كتبت – ابتهال علي :

رغم مرور أكثر من أسبوع، ما زالت أصداء التطورات الأخيرة في المملكة السعودية تفرض علامات استفهام كثيرة يعكف المحللون وخبراء السياسية الدولية في مراكز الأبحاث الاستراتيجية “THINK TANKS” على بحث مغزى ما حدث وانعكاساته الخطيرة على منطقة الشرق الأوسط بوجه خاص.

وقدم “مركز الشرق الأوسط” بجامعة واشنطن تحليلاً بعنوان: (ماذا يحدث في السعودية بحق الجحيم)، وصف فيه حملة الاعتقالات ضد عدد من الأمراء والمسؤولين ورجال الأعمال والإعلاميين السعوديين ومصادرة أموالهم؛ بأنها خطوة جريئة لولي عهد جعل من ضرباته العنيفة المفاجئة العلامة التي يتسم بها صعوده السريع. ومع ذلك، قد يؤدي تركيز هذه السلطة بيد شخص واحد إلى إنحلال وتفكك المزيج الدقيق لتوافق الآراء والتوازن بين المصالح المتصارعة داخل الأسرة المالكة والمجتمع السعودي بوجه عام، وأضاف أن هذه الخطوة الجريئة والطموحة تمثل خروجاً صارخاً عن الطريقة التي حكمت السعودية لمدة 80 عاماً.

ثلاثية الاعتقال واستقالة “الحريري” وصاروخ الحوثي..

فيما تناول الباحث “مارك لينش”، الزميل غير المقيم في مركز “كارينغي” للشرق الأوسط، في تحليل نُشر في صحيفة (الواشنطن بوست) الأميركية، دلالات حملة التطهير في السعودية وآثارها بالنسبة للشرق الأوسط، ذكر فيه أنه يجب أن نفهم عمليات القبض على الشخصيات السعودية البارزة في سياق التفاعل بين منظور ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” لعملية توطيد سلطته بالداخل والأوضاع الإقليمية غير المستقرة.

وأشار إلى أن الرياض شهدت في أقل من 24 ساعة ثلاثة أحداث خطيرة، من اعتقال مجموعة واسعة من الأمراء والمسؤولين السعوديين باسم “حملة ولي العهد ضد الفساد”، واستقالة رئيس الوزراء اللبناني “سعد الحريري” في خطاب تليفزيوني مباشر من العاصمة السعودية، التي تعرضت أيضًا لهجوم صاروخي من “الحوثيين” باليمن، مما أدى إلى إغلاق الحدود اليمنية وتصاعد لهجة العداء مع إيران.

طموحات في عالم ضبابي..

لفت الباحث إلى بزوغ  طموحات “محمد بن سلمان” على المستوى الداخلي والدولي في بيئة مفعمة بالضبابية وعدم اليقين، يمر فيها الداخل السعودي والنظام الإقليمي بحالة غير مسبوقة من عدم الاستقرار، ما يثير المخاوف من تصعيد إقليمي خطير لا يمكن احتواءه ضد إيران.

وهنا، لا يمكن إغفال ما مرت به أنظمة دول الخليج العربي منذ ثورات الربيع العربي عام 2011، وقلقها التقليدي من صعود الاحتجاجات الشعبية بالداخل؛ وهو ما أفرز لجوء السعودية والإمارات والبحرين إلى انتهاج سياسة خارجية مناوئة لحكومات الربيع العربي، وتدخل سافر في جميع أنحاء المنطقة.

ويعتبر الباحث أن دور السعودية في هذا السياق الإقليمي الأوسع يبرر ما يحدث في الرياض حاليًا من انتقال موسع للسلطة بها يتخذ نمطًاً شاذًاً.

مستنقع خارجي وعواصف داخلية..

تتبع التطورات الأخيرة في الرياض النمط الذي استخدمه “محمد بن سلمان” منذ بداية صعوده السريع إلى السلطة في عام 2015. ففي كل من الشؤون الداخلية والخارجية، قام باستمرار بحملات مفاجئة وواسعة النطاق – لأسباب غير واضحة – تحطم الأعراف السائدة. وإن كانت هذه الاستراتيجية أثبتت نجاحًا نسبيًا في الداخل على المدى القصير، إلا أن معارك السياسة الخارجية مثل التدخل في اليمن والحصار المفروض على قطر؛ تحولت بسرعة إلى مستنقعات مدمرة. ويساعد هذا المزيج من النجاح الداخلي والفشل على صعيد السياسة الخارجية في فهم هذه العاصفة السياسية التي هبت على الرياض وجلاء آثارها القادمة في المنطقة.

أشار التقرير إلى أنه ليس هناك ما يدعو للاعتقاد بأن الفساد هو السبب الحقيقي للقمع، موضحًا أن الاعتقالات تبدو وكأنها عملية تطهير كلاسيكي تهدف إلى التخلص من المنافسين البارزين ومراكز القوى المتنافسة، بطريقة تهدف إلى تخويف المعارضين المحتملين الأقل شهرة. وأكد على أن فوائد تأمين الانتقال الفوري للسلطة قد تفوق بمراحل مخاطر ظهور معارضة سعودية على المدى الطويل.

عملية خاطفة وغير مسبوقة..

على الصعيد الدولي، جاءت تحركات “بن سلمان” الخارجية، بصورة مشابهة – خاطفة وواسعة النطاق – لكنها حققت نتائج أقل فاعلية. حيث لا تسطيع العلاقات الدولية هضم آثار السياسات الاستفزازية والكارثية بسهولة، وكثيرًا ما تنقلب على أعقابها، وأبرز مثالين لذلك اليمن وقطر. فمن الواضح منذ زمن طويل أن التدخل العسكري في اليمن ضد “ميليشيات الحوثي” والرئيس المخلوع “علي عبدالله صالح” قد حققت فشلًا ذريعًا، وللآن لا تظهر في أفق التحالف العربي، الذي يقود الحرب في اليمن، أية بوادر للخروج من مستنقع اليمن بانتصار ملموس، مع الوضع في الاعتبار الخسائر البشرية والاقتصادية على اليمنيين.

وكذلك، لم تحقق حملة مقاطعة قطر، بقيادة السعودية والإمارات والبحرين ومصر، أي تقدم يذكر بل قد تكتب النهاية لـ”مجلس التعاون الخليجي”، وتفاقم حالة الاستقطاب في الشرق الأوسط.

انهيار التوازن وتهديدات إقليمية..

يرى “فريدريك فيهري” – الباحث المتخصص في التحولات في مرحلة ما بعد الصراعات وسياسات الهوية في ليبيا وشمال إفريقيا والخليج  بمركز “كارينغي” – أن تولي “محمد بن سلمان” للسلطة في المملكة يحمل في طياته مخاطر إقليمية جديدة.

إذ أدى استيلاء ولي العهد السعودي على صلاحيات تنفيذية واسعة وحملات الاعتقال المستمرة للأمراء والمسؤولين، إلي نزع اللبنة الأخيرة في بنيان الضوابط والتوازنات التي تحكم الحياة السياسية في المملكة، خاصة الإقطاعيات الاقتصادية والأمنية للأمراء، ما يزعزع ثقة المستثمرين الأجانب. كما يعرض السعودية لتهديدات عسكرية خارجية أخطر جراء تورطها في مواجهات خارجية محكومة بالفشل.

وما يزيد من تعقيد الأمور، أن ولي العهد السعودي فتح جبهات كثيرة جدًا في آن واحد: مثل “التورط عسكريًا في اليمن، وحصار قطر، والحملة ضد جماعة الإخوان المسلمين”، وأخيرًا إتهام لبنان أنها دولة عدائية بسبب هيمنة “حزب الله” الموالي لإيران على الحياة السياسية فيها.

ويخلص الباحث إلى أن تحركات “بن سلمان” الأخيرة تهدد استقرار المملكة داخليًا؛ ويفتح أمامها أبواب صراعات إقليمية، الأمر الذي يقوض نفوذ السعودية لصالح دعم قوة منافسيها الإقليميين، وعلى وجه الخصوص، سوف تزدهر إيران وحلفاؤها حين تنتشر حالة الفوضى وينهار ميزان القوى في الشرق الأوسط.

“ترامب” يحرر المارد السعودي من القمقم..

عن الموقف الأميركي، نشرت مجلة (فورين بوليسي) الأميركية، تحليلًاً عنوانه: (دونالد ترامب أطلق العنان لإنطلاق مارد سعودي.. طالما أردناه.. لكن نرهبه)، حذرت فيه من أن الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” سوف يكابد مشاعر الندم على دعمه للملك “سلمان بن عبد العزيز” وابنه “محمد بن سلمان” – ولي العهد السعودي، وسوف يتحمل مسؤولية المسار التصادمي الذي آلت إليه الأمور في الشرق الأوسط، إذا لم يعيد التوازن إلى علاقة أميركا بكل من السعودية وإيران.

واعتبرت أن المارد السعودي خرج من شرنقة تحفظاته المعهودة في السياسية الخارجية ومن حالة التوازن السياسية والأمنية في الداخل، لتتحول الرياض في الأيام الأخيرة إلى مسرح لتحولات دراماتيكية البطل فيها ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”، وهو ما يورط الولايات المتحدة للدخول في حالة من اختلال ميزان القوى في الشرق الأوسط.

فتنة “البللورة السحرية” والصفقات..

اعتبرت المجلة الأميركية أن أهم إنجاز حققته الرياض، في ظل حلقات الفشل المتتالية في السياسة الخارجية، مؤخرًا، هو التقارب مع الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” ومستشاره “غيرارد كوشنر”؛ ونجاحها في إقناعهما بأن حل مشكلة السلام في الشرق الأوسط يبدأ من السعودية.

وأرجعت المجلة هذا التقارب إلى توافق الرؤية والمصالح الاستراتيجية لدى الطرفين فيما يتعلق بإيران – العدو المشترك – إذ تتخذ إدارة “ترامب” موقفًا أكثر عدائية ضد طهران، على عكس إدارة “باراك أوباما”، الذي وقع الإتفاق النووي مع إيران ولم ينزلق لمصيدة الأموال الخليجية وصفقات السلاح.

وأشارت إلى أن “ترامب” دشن قطار رحلاته الخارجية لوجهة بعيدة عن تقاليد الرؤساء الأميركيين المعتادة بزيارة الجيران، “كندا والمكسيك”، فكانت أول عاصمة تطأها عجلات طائرته الرئاسية هي الرياض التي عاد منها محملًا بصفقة تقترب من نصف ترليون دولار، ومفتونًا بسحر “البللورة السحرية” السعودية، وهو ما ظهر أثره في رد فعل “أوباما” السريع المؤيد لقرارت الأمير “محمد بن سلمان” الأخيرة في حملة التطهير ضد الأمراء ورجال الأعمال والمسؤولين السعوديين.

عالم “ترامب لاند” والفخ السعودي..

ألمح تحليل (فورين بوليسي) إلى أن الحكماء في إدارة “ترامب” يؤمنون بضرورة التعامل بحذر مع التغييرات الجديدة في البيت السعودي؛ ومن مسافة تضمن عدم الوقوع في فخ تمجيد سياساته الداخلية والخارجية، وهو ما لا تنتهجه الإدارة الأميركية في عالم “ترامب لاند Trumpland” أو “ترامبستان” – بحسب المجلة، حيث يدعم “ترامب” الحرب السعودية ضد “الحوثيين” في اليمن، ومقاطعة قطر وأعلن تأييده لحملة اعتقال الأمراء والمسؤولين السعوديين، بل يتردد أن صهره، “غيرارد كوشنر”، كان على علم مسبق بهذه الحملة، إذ زار الرياض سرًا والتقى ولي العهد السعودي قبل تفجر العاصفة السعودية الأخيرة.

وترى مجلة (فورين بوليسي) أن الإدراة الأميركية جعلت من السعودية نقطة ارتكاز للغرب في المنطقة وحائط صد ضد النفوذ الإيراني، والقوة المحركة الرئيسة لصفقة القرن التي تعتزم إدارة “ترامب” إطلاقها لإحلال السلام في الشرق الأوسط، بدون تقدير حجم مساهمة السياسات السعودية من أجل المصالح الأميركية أو المنطقة.

وتضيف مجلة (فورين بوليسي) أن عواقب التحولات السعودية قد تجر المنطقة إلى حقبة من الحرب الباردة قطباها “الرياض” و”طهران”، وقد تزيد من احتدام المعركة الطائفية بين السنة والشيعة، والتي قد تتخذ من لبنان مسرحًا لإشعالها.

ترويع المستثمرين وقمع المنتقدين لرؤية 2030..

تناول تقرير لـ”مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية” (CSIS)، في العاصمة الأميركية “واشنطن”، عواقب الاعتقال المفاجيء لعشرات من أصحاب النفوذ في السعودية، من المنظور الاقتصادي، وذكر “جون ب. ألترمان” – مدير برنامج الشرق الأوسط في المركز – أن التأثير الفوري لهذه القرارات هو ترويع المستثمرين الأجانب، الذين سيتساءلون عن مصير شركائهم الحاليين واستثماراتهم في المستقبل، كما تضمن حملة الاعتقالات قمع الأصوات المعارضة والمتشككة في رؤية الأمير “محمد بن سلمان” الاقتصادية (2030).

وتوقع “ألترمان” أن تصل فرص نجاح “بن سلمان” في مطامعه وتعزيز سلطته 75%، مؤكدًا على أنه يحظى بتأييد الرأي العام السعودي، الذي يشعر أن هناك ضرورة ملحة للتغيير بقيادة ولي العهد.

وأضاف أن السعودية سوف تشهد في المرحلة القادمة مزيدًا من الجهود الجذرية للقضاء على الفساد ومصادرة الثروة. وتوجيه هذه الأموال نحو مشاريع عامة ضخمة تضمن له الولاء الشعبي، وأكد على أن الأمر سوف يستغرق شهور قليلة حتى يستتب الأمر للأمير “محمد بن سلمان” في السلطة.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة