خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في إجراء جديد تحاول “واشنطن” من خلاله رد كرامتها لما حدث من تدخل من جانب “روسيا” في شؤونها الداخلية، قالت “وزارة الخارجية الأميركية”، في بيان لها: “أن الولايات المتحدة تتخذ إجراءاتها اللازمة للرد على المحاولات الروسية التي من شأنها التأثير على العملية الديمقراطية الأميركية”.
ومن جملة الإجراءات التي أعلن عنها بيان “الخارجية الأميركية” فرض عقوبات على أربعة كيانات، وسبعة أفراد مرتبطين بـ”وكالة أبحاث الإنترنت” الروسية، التي يمولها الرجل المقرب من “بوتين”، والملقب برجل أنشطة “الكرملين” يفغيني “بريغوجين”.
وللضغط على “بريغوجين”؛ استهدفت إجراءات “الولايات المتحدة” ممتلكاته الفاخرة، بما في ذلك ثلاث طائرات وسفينة.
وأضاف البيان: “أن الولايات المتحدة ستعمل جاهدة على أن لا يجد، بريغوجين، وأمثاله أي ملجأ أو راحة، ما داموا مستمرين في القيام بأنشطة تزعزع استقرارها وتهدد مصالح الولايات المتحدة وحلفائها”.
وأكد البيان: “أن الولايات المتحدة لن تتسامح في التدخل الأجنبي في الانتخابات الأميركية، وأنها ستتصدى لكل المحاولات الخبيثة التي تسعى إلى تخريب العملية الديمقراطية”. مضيفة: “أنها لن تتردد في فرض أية أمور إضافية على روسيا بسبب أنشطتها الغير مقبولة”.
موسكو سترد بشكل عملي..
من جهتها؛ أبدت “وزارة الخارجية الروسية”، دهشتها تجاه الحزمة الجديدة من “العقوبات الأميركية” ضد “روسيا”، وأعلنت أن “موسكو” لن تترك هذه الخطوة دون رد.
وفي بيان لدائرة المعلومات والصحافة بـ”وزارة الخارجية الروسية”، أمس الأول؛ تعليقًا على العقوبات، قالت: “نعرب عن دهشتنا الشديدة إزاء الحزمة الجديدة من العقوبات، التي فرضتها الإدارة الأميركية ضد روسيا في 30 أيلول/سبتمبر.. فقد تم فرضها بشكل تعسفي ضد مواطنين روس، ومواطن تايواني، ومنظمات تجارية مسجلة في سيشيل وجمهورية التشيك، وعدد من الدول الأخرى، وضد عدد من الطائرات والسفن. ما جعل البيروقراطيين في واشنطن يضعونهم جميعًا في نفس القائمة، وما هي كيفية العلاقة بين الطائرات والسفن البخارية التي كما يزعم لها العلاقة بالتدخل في الانتخابات الأميركية، ما زال غير واضح”.
وأشارت “الخارجية الروسية” إلى أن العقوبات المفروضة على بعض الأفراد “يتم تطبيقها بالفعل للمرة الثانية والثالثة”، مشيرًة إلى أن فرض عقوبات جديدة يُعد انعكاسًا “للأزمة السياسية الداخلية التي إجتاحت الولايات المتحدة، والتي يتم فيها استخدام القضايا الروسية بشكل مُتعمد من قِبل مؤسسة واشنطن كأداة لتحقيق أهدافها الإنتهازية”.
وأضاف البيان: “مثلما كان في السابق، فإن الهجوم ضد روسيا لن يمر بدون رد.. وفي الوقت نفسه، ندعو السياسيين الأميركيين إلى إيقاف ألعاب العقوبات الغبية، والتي ليس لها نتيجة، والعودة إلى التفكير السليم”، وتابعت: ” كان يجب على المسؤولين، الذين يتبعون الأشخاص المعروفين برهاب الروس، أن يدركوا أن تصرفاتهم تتعارض مع التصريحات العلنية للقيادة الأميركية حول الرغبة في تطبيع العلاقات الثنائية، وتزيد التوتر في الساحة الدولية”.
وخلصت “الخارجية الروسية” إلى أنه: “كما كان من قبل، فإن الهجمة المعادية لروسيا لن تبقى دون رد. في الوقت نفسه، نحث السياسيين الأميركيين على وقف ألعاب العقوبات، ونتيجتها هي صفر، للعودة إلى موقف الحس السليم”.
حجج واهية..
تعليقًا على تلك الخطوة، قال الكاتب والمحلل السياسي، “فايز خوالة”، إن: “فرض واشنطن عقوبات على كيانات وأشخاص روس بحجة أن لهما دورًا في التأثير على مجرى الانتخابات، ما هي إلا حجج واهية حتى تفرض الولايات المتحدة رسالة للداخل الأميركي الذي يشهد حربًا داخلية بين الحزبين، الجمهوري والديموقراطي”.
وأشار إلى أن: “السلاح الذي تستخدمه الولايات المتحدة من أجل إبقاء هيمنتها وسيطرتها على المفاصل الاقتصادية في العالم والدول التي تطالها”.
وأوضح أن: “الولايات المتحدة الأميركية تستخدم الإرهاب السياسي ضد روسيا وآخره وقفها تأشيرات الدخول الدبلوماسي الروسي لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك”، معتبرًا ذلك: “محاولة لمنع التواصل الدبلوماسي في الجمعية ومع دول العالم”.
إلغاء تداول الدولار من أولوياته..
وبسبب العقوبات المستمرة تحاول “روسيا” عزل اقتصادها عن “العقوبات الأميركية”، لذلك وضع “الكرملين” عملية إلغاء تداول “الدولار” في أولوية أجنداته طويلة الأجل، لكن اقتصاديون يرجحون أن “موسكو” ستضطر إلى الإعتماد على الدولار لبعض الوقت.
فمنذ عام 2013، يحاول “البنك المركزي الروسي” تقليل عدد المعاملات التي تتم بـ”الدولار الأميركي”، إما للمدفوعات المحلية أو التجارة الخارجية.
وقد واجهت “روسيا” مرارًا عقوبات من “الولايات المتحدة” و”الاتحاد الأوروبي”، منذ عام 2014، لأسباب تتراوح ما بين ضم شبه جزيرة “القرم”، إلى تسمم جاسوس سابق في “الولايات المتحدة”، وكذلك التدخل عبر الإنترنت في الانتخابات الأميركية عام 2016.
يقول مدير التنبؤ العالمي في وحدة المعلومات الاقتصادية، “أغاثي ديماريز”، في تصريح لشبكة (سي. إن. بي. سي) الأميركية، إن “روسيا” تحاول التحايل على “العقوبات الأميركية”؛ المفروضة عليها عن طريق التخلي عن الإعتماد على “الدولار”.
عملية إستباقية..
ومن أجل إستباق العقوبات المحتملة، التي قد تعزل “روسيا” عن القنوات المالية الدولية؛ مثل (SWIFT)، أنشأت “موسكو” أيضًا نظام دفع مصرفي محلي يطلق عليه اسم، (Mir)، والذي يعني “السلام” و”العالم” بالروسية.
كما صعّدت الجهود لتوقيع اتفاقيات تبادل العُملات، والتي تمكن التجارة المباشرة بين بلدين بعُملتين محليتين، بدلاً من الإعتماد المعتاد على “الدولار الأميركي”، وفقًا لتقرير (سي. إن. بي. سي).
يشير “ديماريز” إلى أنه: “ليس من المستغرب أن تكون روسيا قد أبرمت صفقات مبادلة العُملات مع الدول التي لديها حاليًا علاقات سيئة مع الولايات المتحدة، بما في ذلك إيران وتركيا والصين”.
جهود إزالة “الدولرة” أصبحت واضحة المعالم..
وبحسب تقرير نُشر هذا الأسبوع من قِبل كبير الاقتصاديين في شركة “آي. إن. جي”، فإن جهود “إزالة الدولرة” أصبحت واضحة الآن في معظم المناطق.
ويشمل ذلك التدفقات التجارية والدين الأجنبي والأصول الدولية التي تحتفظ بها البنوك، عن طريق القروض المحلية وسوق الصرف الأجنبي المحلي. وعلى النقيض، فقد زاد دور “الدولار” فعليًا في معاملات الممتلكات الخاصة التي تملكها الشركات والأسر في “روسيا”.
وقال التقرير؛ إن تخفيض قيمة “الدولار” يفضله البنوك، بينما يحتفظ الباقي بما في ذلك الشركات والأسر وحتى الحكومة، بدولاراتهم الأميركية التي تُعد أكثر جاذبية مقارنة بـ”اليورو”، بفضل ارتفاع أسعار الفائدة.
وأشار “دولغين”، كبير الاقتصاديين في شركة “آي. إن. جي”، إلى أن التقدم في تخفيض قيمة “الدولار” يتم بصريًا فقط، بسبب انخفاض قيمة “اليورو” و”الروبل” مقابل “الدولار” بنحو 20% و50% على التوالي منذ عام 2013، مما يشير إلى أن انخفاض حصة استخدام “الدولار الروسي” كان يمكن أن يكون أكثر وضوحًا لو بقيت مستويات التبادل هذه على حالها.
ومع ذلك، بدأت بعض الشركات في الإبتعاد عن العُملة الأميركية، ففي عام 2015، أعلنت شركة “غازبروم نيفت” أنها حسمت جميع صادراتها النفطية إلى “الصين بالرنمينبي”.
وفي آب/أغسطس من هذا العام، أعلنت “روسنفت” أنها ستتوقف عن استخدام “الدولار الأميركي” في عقود التصدير الخاصة بها.
عقبة جديدة..
من جهته؛ يقول “ديماريز” إن التخلص من “الدولار” بشكل كامل لا يزال أمرًا بعيد المدى، بسبب إعتماد صادرات “النفط العالمية” على “الدولار”، وكذلك تقلب “الروبل”، وبالإضافة إلى ذلك، بما أن “روسيا” لا تمثل سوى 2% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، فهذا يعني أيضًا أن “الروبل” لا يزال غير جذاب لبعض المستثمرين الدوليين.
علاوة على ذلك، تشير التقارير إلى أن تكاليف التداول الإضافية الناتجة عن إلغاء “الدولار” ستمثل “عقبة رئيسة أخرى”.
وخلص التقرير إلى أن “وزارة المالية الروسية” قد تكون قادرة على تخفيض قيمة أصولها بعد عام 2020، بمجرد أن تصل نسبة السيولة من “الصندوق الوطني للثروة”، إلى 7% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يسمح “بتنويع أكبر للأدوات”.
دعم الاتحاد الأوروبي..
في الوقت ذاته؛ يُشرع “الاتحاد الأوروبي” في مهمة لزيادة الدور الدولي لـ”اليورو”، وعلى هذا النحو، تُعد “أوروبا” المستفيد الرئيس من عملية إلغاء “الدولار” في “روسيا”.
يقول “ديمارايز” إنه: “بشكل غير رسمي، يحرص الاتحاد الأوروبي على دعم جهود روسيا الرامية إلى إلغاء الدولرة، حيث يأسف مسؤولو الاتحاد الأوروبي لآثار العقوبات الأميركية خارج الحدود الإقليمية على الشركات الأوروبية، ويريدون الترويج لليورو كعُملة دولية”.
تسويق اليورو..
في وثيقة عمل الموظفين، التي نُشرت في حزيران/يونيو 2019، وبعد مشاورات مع المشاركين في السوقين العام والخاص، خلصت “المفوضية الأوروبية” إلى أن: “اليورو يبرز بوضوح باعتباره المرشح الوحيد الذي يتمتع بجميع الخصائص الضرورية لعُملة عالمية يمكن للمشاركين في السوق استخدامها بديل للدولار الأميركي”.
كما تسلط اللجنة الضوء على إمكانية زيادة حصة المعاملات المقومة بـ”اليورو” في سلع الطاقة، ولا سيما “الغاز الطبيعي”.
وقال متحدث باسم “المفوضية الأوروبية”، لـ (سي. إن. بي. سي)، إن تعزيز دور “اليورو” الدولي “جزء من إلتزام أوروبا باقتصاد وتجارة عالميين مفتوحين ومتعددي الأطراف وقائمين على القواعد”، مشيرًا إلى أن تعزيز دور “اليورو” من شأنه أن يساعد في تحسين مرونة النظام المالي الدولي، ويزود مشغلي السوق في جميع أنحاء العالم بخيارات إضافية ويجعل الاقتصاد الدولي أقل عرضة للصدمات.