“تلعفر” .. معركة التحديات القادمة أمام القوات العراقية مع “داعش”

“تلعفر” .. معركة التحديات القادمة أمام القوات العراقية مع “داعش”

كتبت – نشوى الحفني :

بعد أن أعلنت الحكومة العراقية، الخميس 29 حزيران/يونيو الماضي، سقوط وانتهاء تنظيم “داعش” في مدينة الموصل، بشمال العراق، اتجهت الأنظار إلي المدينة التالية التي سيتم تحريرها، فلم يتبقى سوى “تكريت وديالي وتلعفر والأنبار”، على اعتبار أنهم أبرز المناطق المتبقية لداعش، بحسب تصريحات مسؤولين عراقيين ومليشيا “الحشد الشعبي” الموالية لإيران.

إلا أن “تلعفر” تكتسب مكانة خاصة لأنها ذات أهمية استراتيجية لـ”تركيا”، كونها تضم غالبية من السكان التركمان، وذات أهمية استراتيجية لـ”إيران” لوجود سكان شيعة بها، كما أنها ذات أهمية استراتيجية للبلدين كونها قريبة من الحدود مع “تركيا وسوريا”, مما يجعلها نقطة انطلاق استراتيجية لأي عمليات حربية عبر الحدود.

وقد أثارت معركة “تلعفر”، التي نزح عنها أكثر من نصف سكانها, مخاوف من تأثيرها في تركيبة المدينة السكانية إذا ما أحكمت المليشيات العراقية الطائفية المنضوية تحت لافتة “الحشد الشعبي” سيطرتها على هذه المدينة، التي تختزن تاريخاً من النزاعات الدامية بين مكوناتها السكانية عرقياً وطائفياً، ومارست هذه المليشيات فيها تطهيراً فئوياً لتغليب مكون طائفي على آخر.

وقالت الميليشيات إنَّها عزلت المنتهكين، وأنَّ الميليشيات أصبحت أكثر انضباطاً. وتقول إنَّ تضحياتها في معركة حصار “تلعفر” تعطيها الحق في قيادة المعركة لاستعادة المدينة بنفسها.

نزاع تاريخي حول مناطق النفوذ..

يعود النزاع على تلك المناطق إلى النزاع التاريخي بين “تركيا” و”إيران” حول مناطق النفوذ في العراق عموماً وشماله خصوصاً.

قطع خطوط الإمداد الخاصة بالتنظيم..

لمعركة “تلعفر” المرتقبة أهمية كبرى لميلشيا “الحشد الشعبي”، كذلك بعد إحكام سيطرته على الحدود بين العراق وسوريا والأردن وصولاً إلى معبر الوليد (التنف على الناحية السورية).

وقد أحاطت الميليشيات بمدينة “تلعفر” منذ نحو 6 أسابيع، والتي تمثِّل قيمةً استراتيجية ورمزية لتنظيم “داعش”، في محاولةٍ لتضييق الخناق على خطوط الإمداد الخاصة بالتنظيم ما بين العراق وسوريا المجاورة له. وتتوق الميليشيات إلى الثأر من “داعش” الذي هزمها وسيطر على “تلعفر” عام 2014، بعد تنفيذ عمليات إعدامٍ جماعية للشيعة، إلا أن لذلك الحصار وقعٌ شديد على المدنيين، الذين يعانون من نقصٍ في الغذاء والماء النظيف وفقاً لمسؤولٍ محلي، وما افادت به صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية.

تنازل سياسي من جانب “العبادي”..

يرجع وجود الميليشيات الشيعية حول مدينة “تلعفر” إلى تنازلٍ سياسي أجراه رئيس الوزراء العراقي “حيدر العبادي”, لإخراجهم من معركة الموصل ذات الأغلبية السنية، إذ كان ذلك سيزيد الفتنة الطائفية.

الحكومة العراقية مسؤولة عن الحملة..

صرحت الحكومة العراقية بأن الجيش سيكون مسؤولاً عن حملة “تلعفر”، لذلك صرح “أبو مهدي المهندس”، نائب قائد “الحشد الشعبي” في وقت سابق من حزيران/يونيو الماضي, إن قواته تنتظر أوامر رئيس الوزراء “حيدر العبادي” لاقتحام قضاء “تلعفر”.

أطراف إقليمية وسياسية عراقية تمنع التقدم..

معترفاً إن تأخر تحرير “قضاء تلعفر” يرجع إلى “قضايا سياسية وفنية”، مؤكداً على أن القضاء محاصر بنسبة 360 درجة، في إشارة إلى إن هناك أطراف أقليمية وسياسية عراقية تمنعهم من التقدم أكثر مهما طال أمد حصار المدينة.

تحركات عسكرية..

بحسب خبراء عسكريين, أكدوا على أن التحركات العسكرية التي بدأت منذ أيام، تشير إلى توجه قوات من الجيش العراقي و”فرقة العباس” التابعة للحشد الشعبي نحو تلعفر، كاشفين عن السيطرة على 12 قرية ومزرعة وبعض مفارق الطرق الهامة خلال الأيام القليلة الماضية.

جوزيف مارتن

العبادي سلم ملف “تلعفر” لقوات مكافحة الإرهاب..

في إطار ذلك قال مصدر عسكري مطلع لوسائل الإعلام، إن رئيس الحكومة “حيدر العبادي”، يدرس تسليم “ملف تلعفر” لقوات مكافحة الإرهاب، وبدعم الشرطة الاتحادية، على أن يبقى “الحشد الشعبي” على حدود البلدة، ولا تدخلها إلا في حال صدور الأوامر بذلك.

موضحاً أن “العبادي” تسلم من قيادة مكافحة الإرهاب خططاً كاملة لتحرير بلدة “تلعفر”، من قبل قوات الجهاز وبإسناد من القوات الأمنية الأخرى، مشيراً إلى أن الخطة لم تحدد موعداً ثابتاً للعملية، لكنها ستبدأ حال الانتهاء من تحرير المدينة القديمة.

موقع مدينة “تلعفر”..

تقع مدينة “تلعفر” شمال غربي العراق، وتتبع إدارياً محافظة “نينوى”، ويقدر عدد سكانها بنحو 205,000 نسمة، حسب تقديرات عام 2014، يسكنها أغلبية من “التركمان الشيعة”، وتقع المدينة بالقرب من الحدود العراقية السورية وتبعد عن مدينة الموصل بحوالي 70 كم، وعن جنوب الحدود التركية بحوالي 38 ميلاً وعن الحدود السورية بحوالي 60 كم .

تخوفات..

للمدينة أهمية كبيرة نظراً لقربها من سوريا وتركيا. وتتخوف الولايات المتحدة وتركيا من نوايا طهران نحو السيطرة على “تلعفر” عن طريق الميليشيات الحليفة لها بغية تأمين ممرٍ بري يُمكن لإيران من خلاله أن ترسل مسلحين وموارد من خلال العراق إلى سوريا، التي تُعتَبَر حليفةً لإيران منذ زمنٍ طويل، وإلى لبنان، حيث يوجد مقر تنظيم “حزب الله” الذي يؤدي دور الوكيل لإيران.

الولايات المتحدة لن تتعاون مع الميليشيات..

بسبب هذا التخوف قال قائد القوات البرية الأميركية في العراق “جوزيف مارتن”، إنه يتوقع أن يقود الجيش العراقي المعركة في “تلعفر”، مضيفاً أن مستشاري الولايات المتحدة “سيكونون هناك معهم”، وإن الولايات المتحدة لن تتعاون مع الميليشيات الشيعية.

من سيسيطر عليها بعد استعادتها ؟

كما أشار مسؤولٌ أميركي رفيع إلى مسألة من سيسيطر على مدينة “تلعفر” بعد استعادتها من تنظيم “داعش”، قائلاً: “لا نريد لميليشيات الشيعة أن تشغل هذا الفراغ”، بحسب ما ذكرت “وول ستريت جورنال”.

شكاوي قبلية سنية..

يشتكي المحاربون القبليون السنة من “تلعفر”، والذين سلَّحهم ودرَّبهم المستشارون العسكريون الأميركيون في العام السابق، إنَّ ميليشيات الشيعة تهمِّشهم بالفعل، وتسئ معاملتهم في بعض الأحيان.

وفي هذا السياق قال قائد قبيلة سنية تركمانية، لديها 75 مقاتلاً مُسجَّلين للانضمام إلى معركة تلعفر، “فهد الزمو”: “إنَهم يعتقدون أن تلعفر شيعية، ويجب أن يحكمها الشيعة”. كما قال إن رجال الميليشيات الشيعية اعتقلوا 22 رجلاً من رجاله في الأسابيع الماضية، وأخضعوهم لتحقيقاتٍ قاسية، واصفاً ماحدث بـ”الترهيب.. إنَّهم لا يريدون أي جماعة سنية مستقلة في المعركة”.

أبو مهدي المهندس

لن تسمح لهم بالعودة..

ليس هذا فقط.. وإنما يتخوف السُنَّة في المدينة أيضاً من أنَّ الميليشيات ربما لا تسمح لهم بالعودة إلى “تلعفر”، حيث يقول “علي الحلي بيك”، وهو قائد بارز لقبيلة سُنيِّة مُشاركة في المفاوضات الدائرة حول من سيتولى قيادة المعركة لاستعادة المدينة: “يريد جميع الأطراف السيطرة على مدينة تلعفر نظراً لمكانتها الاستراتيجية ولأهميتها، ولكن لا يريد أحدٌ منهم سكان تلعفر”.

تركيا تهدد بإرسال قواتها الخاصة..

كما هددت “تركيا” بإرسال قواتها الخاصة, إذا قادت ميليشيات الشيعة المعركة في “تلعفر”، والتي كانت سابقاً جزءاً من الإمبراطورية العثمانية والموطن التاريخي للعديد من التركمان الشيعة والسنة، لذلك تعتبر خط أحمر بالنسبة للأتراك.

“تلعفر” عاصمة مؤقتة لداعش..

بعد هزيمة “داعش” في الموصل، ألقى “أبو البراء الموصلي”، أبرز قيادات “داعش” خطبة أقّر فيها بهزيمة التنظيم، وأعلنوا اتخاذهم “تلعفر” عاصمة مؤقتة لهم، وذلك لأن مدينة “تلعفر” تربط بين الموصل – ملاذ تنظيم “داعش” – وبين سوريا، كما تشبهها كثيرًا من حيث التضاريس الجغرافية والتركيبة السكانية.

كما تُعد “تلعفر” من المناطق المتنازع عليها بين “إقليم كردستان” والحكومة العراقية، لذا فإن “داعش” قرر التمركز هناك بعد هزيمته في الموصل، حيث يعتقد التنظيم أن المعركة في “تلعفر” ستكون أضعف من الموصل.

ويرغب التنظيم في اتخاذ “تلعفر” عاصمة له، ثأرًا لما حدث له في عام 2014، حيث دارت معركة شديدة بين 200 مسلح من التنظيم الإرهابي وبين ما يقرب من 2000 من القوات العراقية، انتهت بهزيمتهم فيها وانسحابهم منها.

إنشاء أنفاق أسفل المنازل..

كان من ضمن الإجراءات الاحترازية التي يتخذها التنظيم عند سيطرته على الموصل، إنشاء أنفاق أسفل المنازل في “تلعفر”، وذلك ضمن استراتيجية متبعة للتنظيم للسيطرة على قوة الجيش العراقي الذي يخوض معارك من وقتٍ لآخر مع التنظيم.

كما تأتي الأهمية الاستراتيجية الكبرى لمدينة “تلعفر”، كونها الطريق الرئيس لفرار عناصر “داعش” من العراق باتجاه سوريا، وتحديدًا “الرقة” التي تعد العاصمة الحقيقية لداعش في سوريا.

“داعش” يجري تغييرات جوهرية بهيكليته..

أفاد مصدر محلي في محافظة نينوى السبت 1 تموز/يوليو الجاري، بأن تنظيم “داعش” أجرى تغييرات “جوهرية بهيكليته” في قضاء “تلعفر” غربي المحافظة، مشيراً إلى أن التنظيم منح العرب والأجانب مزيداً من المناصب على حساب العناصر المحليين.

ويُقدِّر المسؤولون العراقيون عدد مسلحين تنظيم “داعش” الباقين في “تلعفر” بنحو 1000 إلى 1500 مسلح. وعددٌ قليل من قيادات تنظيم “داعش” هم من مواطني مدينة “تلعفر”، بينما أتى الآلاف من المسلحين الأجانب إلى المدينة للتدريب.

خطأ جسيم يتحمله أي صاحب قرار..

حول عدم التحرك حتى الآن في تحرير مدينة “تلعفر”، اعتبر رئيس لجنة الأمن والدفاع النيابية النائب “حاكم الزاملي”، السبت 1 تموز/يوليو 2017، أن عدم المباشرة بتحرير “قضاء تلعفر” بعد انتهاء العمليات العسكرية في مدينة الموصل “خطأ جسيم يتحمله أي صاحب قرار”، قائلاً، في حديث لأحد وسائل الإعلام العراقية، إن “مدينة الموصل لم يبق على تحريرها سوى أيام معدودة، ولا مجال في الوجهة الأخرى إلا أن نحرر قضاء تلعفر”.

بعد تحرير الموصل بالكامل..

إلا أن القيادي في الحشد الشعبي “كريم النوري” أعلن أن القوات الأمنية ستتوجه إلى قضاء “تلعفر” غرب محافظة نينوى وقضاء الحويجة جنوب غرب كركوك، إضافة إلى مناطق في صلاح الدين والأنبار بعد تحرير مدينة الموصل بشكل كامل.

مبرر لداعش بإعادة التنظيم..

مضيفاً “الزاملي”: أن “عدم تحرير تلعفر والتوجه إلى منطقة أخرى هو بمثابة إعطاء المبرر لداعش بإعادة تنظيمه داخل أو خارج العراق ومن ثم التسلل مرة أخرى إلى الموصل”.

نظرة تاريخية..

في تاريخ العراق المعاصر كان لـ”تلعفر” حضور بارز في الأحداث الكبرى التي شهدتها البلاد، بدءاً من احتلال بريطانيا للعراق، ومروراً بالحرب العراقية الإيرانية وحرب الخليج 1991، وانتهاء بالغزو الأميركي في آذار/مارس عام 2003، الذي أطاح بنظام “حزب البعث” بقيادة الرئيس الراحل “صدام حسين”.

فبعد احتلال الولايات المتحدة للعراق أصبحت “تلعفر” ساحة للمقاومة العراقية، وأصابها ما أصاب بقية البلاد من معاناة أمنية وإنسانية بسبب العمليات العسكرية المتبادلة، فكثرت فيها التفجيرات وعمليات الاشتباك المسلح بين المجموعات المسلحة من جهة وقوات الاحتلال وعناصر الأمن العراقي من جهة أخرى، خاصة في الفترة التي نشط فيها تنظيم “القاعدة” في المنطقة.

خلال 3 تشرين أول/أكتوبر 2004, قتل 45 شخصاً وأصيب أكثر من 80 بجروح جراء قصف أميركي استمر 13 ساعة على “تلعفر”، وبررت القوات الأميركية هذه العملية بقولها إن “القوات المتعددة الجنسيات وقوات الأمن العراقية هوجمت أثناء قيامها بعمليات لإعادة السيطرة على المدينة من قبضة المسلحين”.

وفي 2 أيلول/سبتمبر 2005, بدأ 5000 جندي أميركي وعراقي عملية عسكرية في المدينة هي الأضخم من نوعها منذ محاصرة واجتياح مدينة “الفلوجة” في تشرين ثان/نوفمبر 2004، واستخدمت فيها طائرات “الأباتشي” للقضاء على “الإرهابيين من أعداء العراق” المتحصنين في المدينة التي “يستخدمونها لتهريب الأسلحة والمقاتلين الأجانب من سوريا لاستهدافنا”.

وقد ذكر نازحون من المدينة أن القوات الأميركية استخدمت في قصفها الأسلحة المحرمة دولياً بما فيها أسلحة الغازات السامة في محاولتها لدخول المدينة، مما أدى إلى سقوط أكثر من مئتيْ مدني، وتدمير تسعة مساجد وخمس مدارس ومحطات للماء، وهدم أكثر من 140 منزلاً سكنياً، ونزوح عشرات الآلاف من السكان.

وقد أعلن الجيش الأميركي انتهاء هذه العملية يوم 22 أيلول/سبتمبر 2005، لكن المدينة والمناطق التابعة لها ظلت تشهد – على مدى السنوات اللاحقة – عمليات عسكرية وهجمات متبادلة بين فصائل المقاومة وكل من القوات الأميركية والعراقية، مما زاد من حصيلة خسائرها البشرية والمادية بشكل كبير.

وفي 15 حزيران/يونيو 2014، سيطر مسلحو تنظيم “داعش” على “تلعفر” ذات الموقع الإستراتيجي الحيوي الرابط بين الموصل, التي هي أكبر معاقل التنظيم في العراق ومناطق سيطرته في سوريا، خاصة مدينة “الرقة” التي توصف بأنها “عاصمة” التنظيم, فطردوا منها القوات الحكومية ومليشيات “عصائب أهل الحق” بعد قتال عنيف معها، وفرضوا سيطرتهم على كامل المدينة.

ومن يومها أصبحت “تلعفر” أحد المعاقل القوية لتنظيم الدولة في محافظة “نينوى”، وتعرضت عدة مرات لغارات جوية شنتها القوات الحكومية وطائرات التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة لإضعاف قبضته على المدينة.

ومن ذلك حادثة قصف طيران التحالف للمدينة يوم 15 آذار/مارس 2015 بغارات جوية استهدفت مستودعاً للذخيرة تابعاً للتنظيم، الذي اتخذ من المدينة موئلاً لسكن كثير من قادته ومركز تدريب لمقاتليه، لا سيما “المهاجرين” منهم, الذين جاؤوا من بلاد عدة. وقد أوقعت هذه الغارات خسائر بشرية ومادية في صفوف التنظيم ومعداته.

وفي 17 تشرين أول/أكتوبر 2016, أعلن رئيس الوزراء العراقي “حيدر العبادي” انطلاق معركة استعادة الموصل من أيدي مقاتلي تنظيم الدولة, فاتجهت الأنظار إلى محورها الغربي حيث توجد “تلعفر”, التي يرى المراقبون أنها محطة حاسمة في الطريق نحو الموصل، لأهميتها الإستراتيجية في قطع طرق إمداد التنظيم القادمة من معاقله في شرقي سوريا.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة