تضليل أميركي مستمر .. الاستخبارات الأميركية عبر عدسات “هوليوود” الكثير من المبالغات والحقائق النادرة !

تضليل أميركي مستمر .. الاستخبارات الأميركية عبر عدسات “هوليوود” الكثير من المبالغات والحقائق النادرة !

وكالات – كتابات :

يؤثر الفن في توجهاتنا وآرائنا وكيفية رؤيتنا للأمور من حولنا، ففي الفترة من: 1986 حتى 1994، كان هناك زيادة في طلب الالتحاق بكليات الحقوق في “أميركا” بعد نجاح مسلسل الدراما: (L.A. Law)، الذي صور حياة العاملين بشركة محاماة كبيرة في “لوس أنغلوس”.

وكذلك، زادت عمليات التجنيد والتقديم للأكاديمية البحرية بعد النجاح الكبير الذي حققه فيلم: (Top gun)؛ عام 1986، وكذلك الأمر فيما يخص قضايا المخابرات والجاسوسية، إذ تؤثر الأعمال الفنية التلفزيونية والسينمائية التي تتناول حياة هذا العالم السري، في رؤية الجمهور لتلك الأجهزة ونشاطاتها فيما يخص مكافحة الجريمة والإرهاب وغيرها، وسنتعرف أكثر على طبيعة ذلك التأثير في السطور القادمة.

مسلسلات وأفلام الجاسوسية والمخابرات تؤثر في أفكار المشاهدين..

بحسب موقع (ذي آتلانتيك)، فإن هناك ارتباطًا بين أفكار الطلاب حول الاستخبارات ومشاهدتهم للأعمال التلفزيونية ذات الطابع التجسسي، فكلما زاد عدد الأميركيين الذين يُشاهدون البرامج التلفزيونية والأفلام التي تتناول موضوعات الجاسوسية، زاد احتمال دعمهم لأساليب مكافحة ما يُسمى: بـ”الإرهاب” بصورة عدوانية.

ووفقًا لأحد استطلاعات الرأي التي أجرتها؛ “إيمي زيغارت”، مدير مساعد الشؤون الأكاديمية في جامعة “هوفر”، كان الذين يُشاهدون أفلام الجاسوسية بشكل متكرر أكثر استعدادًا، من غيرهم ممن يُشاهدون أقل، لدعم اغتيال الإرهابيين المعروفين: (84% مقابل 70%)، ونقل الإرهابيين المشتبه بهم إلى دولة معروفة باستخدام التعذيب: (60% مقابل 45%)، كذلك، كانوا أكثر احتمالية من الناحية الإحصائية من أقرانهم (38% مقابل 28%) للموافقة على أساليب الاستجواب القاسية مثل الإيهام بالغرق.

كما ارتبطت عادات مشاهدة برامج وأفلام الجاسوسية ارتباطًا وثيقًا بالآراء حول “وكالة الأمن القومي”، فكلما شاهد الجمهور البرامج التلفزيونية والأفلام التي تتناول موضوع الجاسوسية، زاد إعجابهم بـ”وكالة الأمن القومي”، ووافقوا على برامج تتبُّع الهواتف والبريد الإلكتروني بـ”وكالة الأمن القومي”، وإعتقدوا أن “وكالة الأمن القومي” تخبرهم بالحقيقة بشأن أنشطة مراقبتها.

ومن المفترض أن “وكالة الأمن القومي” تعترض وتحلل الإشارات الأجنبية، بما في ذلك البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية وعمليات نقل البيانات المشفرة، كما أنها موطن صانعي التشفير وفك الشفرات في “أميركا”.

ووفقًا لموقع (cs monitor)، فقد أظهر استطلاع آخر أجرته (ABC نيوز) و(واشنطن بوست)، أن: 58% من الأميركيين يعتقدون أن تعذيب الإرهابيين أثناء الاستجواب كان أمرًا مُبَررًا في أعقاب هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001، وجاء الاستطلاع في أعقاب التحقيق الذي أجرته لجنة المخابرات بـ”مجلس الشيوخ”؛ بشأن برنامج الاعتقال والاستجواب التابع لـ”وكالة المخابرات المركزية”، عام 2016.

وبسبب هذه النسبة المرتفعة لتأييد التعذيب والاعتقالات غير القانونية، ربط الكثيرون بين المسلسل التلفزيوني: (24)؛ الذي عرض لأول مرة بعد أقل من شهرين من هجمات 11 أيلول/سبتمبر، وبين تقبُّل الأميركيين لممارسات التعذيب.

تجميل ما لا يحتمل التجميل.. الاستخبارات تتابع ظهورها على الشاشة..

تُعد الأعمال الفنية التي تدور حول قصص المخابرات وقضايا الجاسوسية مرجعًا للأميركيين لفهم عمل “وكالة الاستخبارات الأميركية”، وقد ازدادت هذه الأعمال خلال العقود الأخيرة، ففي حين كان هناك عملان في موسم: 1995 – 1996، هما: (X- Files)، و(JAG)، شهد موسم: 2005 – 2006 إنطلاق: 12 عملًا فنيًّا عن الجاسوسية والمخابرات. وفي الوقت الحالي، تطلق أستوديوهات “هوليوود” العشرات من أفلام الجاسوسية والاستخبارات.

ولكن، يبدو أن العلاقة معقدة بين ما تعرضه الشاشات، وما هو موجود على أرض الواقع، ولهذا، تُحاول وكالة الاستخبارات أن تخلق صورة إيجابية عنها وتنفي الصور السلبية التي تظهر بها في كثير من الأحيان.

ومن ناحية الشكل، يختلف المقر الحقيقي لجهاز المخابرات الأميركية، عما يظهر خلف الشاشات، فبحسب موقع (ذي آتلانتيك)، فإنه يُشبه مكتب بريد، له نوافذ صراف مضادة للرصاص، وهاتف أرضي قديم الطراز معلق على الحائط الخلفي، ولا يوجد به ماسحات ضوئية لشبكية العين أو أجهزة بصمات أصابع متطورة.

ولكن، هناك اختلاف بسيط بينه وبين المباني الحكومية التقليدية، وهو وجود الأكياس المحترقة، وهي أكياس ورقية مخططة تُشبه أكياس التسوق، إلا أنه تُجمع بها الأوراق السرية لحرقها بدلًا من التخلص منها في القمامة.

أما من حيث المضمون، فهناك العديد من الأعمال التي تُظهر للمشاهد أن التعذيب أمر ضروري أثناء عمليات استجواب المحتجزين، لذا يوجد حاليًا لدى كل من: “مكتب التحقيقات الفيدرالي” و”وكالة المخابرات المركزية” و”وزارة الدفاع”؛ ضباط في الشؤون العامة أو مسؤولون في صناعة الترفيه يعملون مع كتاب “هوليوود” ومنتجيها وراء الكواليس في محاولة لتسييرهم إلى تصوير منظماتهم بشكل إيجابي، وعلى سبيل المثال، ففي عام 2008، رعى “مكتب التحقيقات الفيدرالي” ندوة خاصة للعلاقات العامة تُسمى: (FBI 101) لنقابة الكتاب الأميركية.

وليست محاولات تحسين صورة المخابرات في السينما والدراما، حديثة العهد، فقد كان رئيس “مكتب التحقيقات الفيدرالي” الأول؛ “جون إدغار هوفر”، الأكثر جدية في الترويج لسمعة “وكالة الاستخبارات” في الأعمال الفنية.

فخلال فترة ترأسه للوكالة؛ (1924 حتى 1972)، تعاون مع المنتجين والمراسلين لإظهار المكتب بصورة إيجابية رغم ما اشتهر من انتهاكات، فظهرت خلال الثلاثينيات برامج إذاعية وأفلام مستوحاة من “مكتب التحقيقات الفيدرالي”، تُمجد عملاء “مكتب التحقيقات الفيدرالي” وتُظهرهم أبطالًا مقدامين قادرين على حل أصعب الجرائم.

“Zero Dark Thirty”.. التعاون بين صناع العمل والمخابرات لا ينجح دائمًا !

في (Zero Dark Thirty)؛ سوّق الكاتب؛ “مارك بول”، بالتعاون مع المخرجة؛ “كاثرين بيغلو”، لفيلمهما باعتباره دراما وثائقية وتقريرًا صادقًا عن الحقائق التي حدثت خلال 10 سنوات؛ هي مدة مطاردة المخابرات الأميركية؛ لـ”أسامة بن لادن”.

وبحسب ما يظهر في مقدمة الفيلم، فالعمل يستند إلى روايات مباشرة لأحداث حقيقية، وبالفعل هذا ما حدث، إذ تلقى صانعو الفيلم مساعدة كبيرة من “وكالة المخابرات المركزية”، والتقى مسؤولو “وكالة المخابرات المركزية” بصانعي الفيلم في مناسبات متكررة، وراجعوا مسودات السيناريوهات، ووفروا الوصول إلى عدد من الأشخاص الرئيسيين المشاركين في مطاردة “بن لادن”.

ومع ذلك، بعد عرض الفيلم، أصدر مدير وكالة المخابرات الأميركية؛ “مايكل موريل”، مذكرة إلى فريق العمل لتوضيح بعض الحقائق وإزالة اللغط الموجود في الفيلم، وقد أشار “موريل”؛ في مذكرته، إلى أن الفيلم غير حقيقي ومضلل للغاية، فهو يخلق انطباعًا بأن تقنيات الاستجواب المعززة التي كانت جزءًا من برنامج المخابرات السابق للاعتقال والاستجواب كانت مفتاحًا ضروريًا لا غنى عنه للعثور على “بن لادن”.

وهو ما أثار جدلًا واسعًا، فهناك من يؤيد طرق الاستجواب القاسية لأنها ساهمت في العثور على “بن لادن”، وهناك من يُدينها لما ترتب عليها من الإدلاء بمعلومات خاطئة أعاقت التقدم، ولما يرتبط بها من انتهاكات لحقوق الإنسان.

الأعمال الفنية عن الجاسوسية تُساعد على ظهور نظريات المؤامرة..

أدى انتشار الأعمال الفنية التي تتناول قصص الاستخبارات والجاسوسية؛ إلى ظهور الكثيرين ممن يعتقدون أن وكالة الاستخبارات لديها القوة المطلقة والصلاحيات التي تجعلها غير خاضعة للمساءلة، وهذا الرأي يُغذي نظرية المؤامرة التي تعتقد في وجود: “الدولة العميقة”؛ (مصطلح يصف تحكم مجموعة أو مؤسسة غير منتخبة في مصير الدولة)، ويؤمن أصحاب هذا الرأي بقوة وكالة الاستخبارات وترفعها عن ارتكاب أي خطأ، وأن الأحداث السيئة تكون مقصودة ومخطط لها بعناية.

بحسب موقع (ذي آتلانتيك)، لا يمكن إنكار أن وكالة الاستخبارات تحجب بعض المعلومات عن “الكونغرس”، كما يتجاوز بعض مسؤوليها سلطاتهم القانونية، ولكن جاذبية نظريات المؤامرة وتفكير الدولة العميقة قد يؤثر في مدى قدرة الوكالة على أداء مهامها المستقبلية إذا أثارت تلك النظريات شك قطاع كبير من الجمهور، أو تسربت الشكوك إلى الرئيس.

وبالطبع، قد تكون لتلك النظرة الخارقة لجهاز المخابرات تأثيرًا سلبيًا عليه نفسه، فطالما يعتقد المواطنون أن وكالات الاستخبارات يمكنها تتبع أي شخص، والذهاب إلى أي مكان، والقيام بأي شيء، فمن غير المُرجح أن يحدث إصلاح لنقاط الضعف الاستخباراتية الحقيقية، ومن المُرجح أن تمر التجاوزات الحقيقية دون رادع.

التعذيب.. من وراء الشاشة إلى عالم الحقيقة في “غوانتانامو”..

تؤثر الأعمال الفنية الخاصة بالاستخبارات والجاسوسية في صانعي السياسة، ففي عام 2002، أجرى الكولونيل “ديان بيفر”، قاضي هيئة المحامين العامين في “خليج غوانتانامو”، عددًا من جلسات العصف الذهني للتوصل إلى تقنيات استجواب ضد المعتقلين المتهمين بالإرهاب، وتبين لاحقًا أن؛ “جاك باور”، الشخصية الرئيسة في مسلسل: (24)، كان صاحب الإلهام للعديد من هذه الأفكار، فبعد العصف الذهني، استقر “بيفر” على استخدام الكلاب، والإذلال الجنسي، والإيهام بالغرق في عمليات الاستجواب.

ولكثرة ما يحتويه مسلسل: (24) من مشاهد للتعذيب، شعر “باتريك فينيغان”، عميد الأكاديمية العسكرية الأميركية، بالقلق من أن المسلسل يُحسن صورة التعذيب ويؤكد فاعليته، وهو ما دفع “فينيغان” إلى زيارة فريق العمل في “لوس أنغلوس”؛ ليطلب منهم إنتاج حلقات تُظهر أن التعذيب يأتي بنتائج عكسية.

لم يكن التأثير في عملية صنع السياسة في “الكونغرس” مقصورًا على الأفلام والمسلسلات، بل ظهر تأثير الروايات أيضًا، حينما عارض السياسي الأميركي؛ “دان كويل”، نائب الرئيس في عهد؛ “جورج بوش الأب”، عرضًا يرعاه الديموقراطيون لحظر تجارب الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية، وذلك عام 1987 خلال فترة عضويته في “مجلس الشيوخ”.

وبرر “كويل” موقفه بالاستدلال بأن هذه الأسلحة قد أثبتت فاعليتها لـ”الولايات المتحدة”؛ ضد الهجوم السوفياتي في رواية: (Red Storm Rising)، للكاتب الأميركي؛ “توم كلانسي”، وقد أوضح “كويل”، بحسب موقع (ذي آتلانتيك) إن قصص “كلانسي” ليست روايات بل حياة واقعية.

ويتعدى الأمر الروايات كذلك إلى ألعاب الفيديو المرتبطة بعالم الجاسوسية والمخابرات، وبحسب “زيغارت”، فقد ارتفعت صناعة ألعاب الفيديو ذات الطابع التجسسي من ملياري دولار؛ عام 1996، إلى: 16 مليار دولار عام 2011.

مشاهد التعذيب تدفع إلى تعاون مشترك بين العسكريين و”هوليوود”..

نظرًا لزيادة وسائل التعذيب التي يجري استخدامها في مشاهد استجواب المتهمين في الأعمال الفنية، شعر العسكريون بالقلق على جنودهم خوفًا من ألا يتمكنوا من التفريق بين ما يُشاهدونه في التلفاز وما يجب أن يفعلوه في الميدان، ونتيجة لذلك، نشأت شراكة بين العسكريين ومنتجي “هوليوود” وكتابها والمنظمة غير الربحية؛ (Human Rights First)، لعمل فيلم تدريب عسكري يهدف إلى تثقيف الجنود الصغار حول الاختلافات بين الاستجوابات الخيالية؛ وما يجب أن يحدث في الحقيقة.

وتُعد شخصية رجل المخابرات؛ “جاك باور”، في مسلسل (24)، إحدى أكثر الشخصيات المثيرة للجدل داخل أروقة المخابرات و”الكونغرس”، ففي حين يرى خبراء الأمن القوي أن سيناريوهات القنبلة الموقوتة غير واقعية، أشاد وزير الأمن الداخلي السابق؛ “مايكل شيرتوف”؛ بـ”جاك باور”، والعرض باعتباره يعكس الحياة الواقعية، وذلك في نقاش عام 2006، لمؤسسة (Heritage Foundation)، كذلك، فقد كتب “جون يو”، محامي إدارة “جورج دبليو”، كتابًا عن الفترة التي قضاها في الحكومة أشار فيه إلى “جاك باور” واعتبر سيناريو القنبلة الموقوتة معقولاً.

وفي عام 2009، وجه العديد من أعضاء “لجنة مجلس الشيوخ للاستخبارات”؛ سؤالًا إلى المدير السابق لـ”وكالة المخابرات المركزية”، “ليون بانيتا”، بشأن أساليب الاستجواب التي قد يستخدمها إذا واجه وضع القنبلة الموقوتة، وأجاب “بانيتا” أنه سيسعى للحصول على أي سلطة إضافية يحتاجها للحصول على معلومات من شأنها حماية الأميركيين من الأذى الوشيك، وسرعان ما أطلقت الصحافة على هذا الأمر اسم: “استثناء جاك باور”.

ZERO DARK THIRTY. (2012)

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة