خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في محاولة تركية جديدة لزرع مخالبها بالأراضي السورية؛ وفرض سياسة الأمر الواقع التي تنتزع من خلالها ما لا يحق لها، بدأت قوات النظام التركي بناء جدار اسمنتي في محيط مدينة “عفرين”، بريف “حلب” الشمالي، لعزلها عن محيطها الجغرافي الطبيعي كجزء لا يتجزأ من الأراضي السورية وتقطيع أوصال المنطقة عن بعضها.
المصادر الأهلية والتقارير الإعلامية أفادت بأن: “قوات الاحتلال التركية نفذت، خلال الأسابيع القليلة الماضية، عمليات هدم وجرف واسعة النطاق لمنازل وأملاك المدنيين في قرية جلبل؛ استكمالًا لأعمال بناء جدار اسمنتي عازل إبتداء من قرى مريمين شمالًا إلى كيمار جنوبًا فبلدة جلبل في الجنوب الغربي لسلخ مدينة عفرين عن مناطق شمال حلب”.
وتحدثت المصادر عن خطة عاجلة لبناء نحو 70 كم من الجدار في المنطقة داخل الأراضي السورية مع أبراج المراقبة التي تكون على اتصال مباشر مع نقاط عسكرية لقوات الاحتلال التركية في “إدلب” القريبة من “عفرين”.
وبحسب المصادر؛ فإن قوات النظام التركي أتمت بناء 564 كم من الجدار، المقرر، على طول الحدود مع “سوريا” على أن يصل طول هذا الجدار إلى 711 كم؛ بعد الإنتهاء من القسم المتبقي قرب “عفرين”، التي قامت قوات الاحتلال بطرد أهلها منها وإحلال مجموعات إرهابية مكانها، وعملت على قطع أشجار الزيتون فيها وتهديم العديد من البيوت والإستيلاء على ما تبقى منها.
يحاكي جدار الفصل العنصري بفلسطين..
وتقول وكالة أنباء (سانا) السورية؛ أن الجدار الذي يعتزم النظام التركي بناءه في منطقة “عفرين” السورية؛ يأتي استكمالًا للأعمال العدوانية والإجرامية التي إرتكبتها قوات احتلال تركية ومرتزقتها من التنظيمات الإرهابية العدوانية، قبل عام، بعد أن إجتاحت مدينة “عفرين”، وهو يحاكي في مضمونه وأهدافه وطريقة بنائه جدار الفصل العنصري الذي بناه كيان الاحتلال الإسرائيلي في “فلسطين” المحتلة لتقطيع أوصال الشعب الواحد وترسيخ قيم الاحتلال البغيض وإطالة أمده.
وأضافت أن اللاشرعية والعدوان والقفز فوق القوانين والشرائع الدولية وتجاهلها؛ يستكمل فصولها النظام الإردوغاني اليوم عبر احتلاله أرضًا سورية وبناء جدار عازل يفصل “عفرين” عن الوطن الأم، لتضاف إلى سجله الحافل بدعمه اللامتناهي للتنظيمات الإرهابية واستباحة البشر والحجر عبر قصفه المباشر والمتعمد لمواقع أثرية وتاريخية عمرها من عمر الحضارة البشرية والمدنية في منطقة “عفرين” وسرقة الكثير من اللقى الأثرية فيها من قِبل علماء آثار ومنقبين أتراك وأميركيين وفرنسيين دخلوا إلى الأراضي السورية عبر الأراضي التركية وبتسهيل ودعم من نظام “إردوغان”.
جرائم التتريك..
من جانبها؛ قالت “روشين موسى”، عضو مجلس المرأة في حزب “الاتحاد الديمقراطي الكُردي”، حول إقامة “تركيا” لجدار عازل وحاجز بين “عفرين” وباقي الأراضي السورية، أن رد الأمر إلى أصله كفيل بحل الأشكال. والبداية من مسلمة، لا جدل حولها، وهي أن “تركيا” دولة احتلال وعدوان، فما الذي يتوقع منها، وما يتصور عن ما يمكن أن تقوم به بعد عدوان سافر بالقوة وبعد عام من الإنتهاكات والجرائم بالجملة.
وبينت عضو مجلس المرأة في “حزب الاتحاد الديمقراطي الكًردي”، إن لا أحد يتوقع إن يقوم الاحتلال بتنفيذ مشاريع إنمائية وخدمية، وتحسين الوضع المعيشي، مبينًة أنه قد رأى العالم أفعالهم من إرهاب وقتل واغتصاب الأرض والعرض وسلب ونهب وخطف وإبتزاز وتطول القائمة لتضم جرائم التتريك، “التحويل للنمط التركي”، وتبديل البطاقات الشخصية وتغيير الثقافة.
وأوضحت عضو مجلس المرأة في “حزب الاتحاد الديمقراطي الكُردي”، أن “تركيا” تسعى لتثبيت الاحتلال وقطع علاقة “عفرين” بالداخل السوري، ولكن التحدي الأكبر للمشروع هو حالة الرفض وتوفير الأمن للاحتلال حالة غير طبيعية منافية للفطرة.
وأشارت “روشين موسى” إلى أن المحتل ومرتزقته يعيشون حالة غير طبيعية، والدليل ذلك الأشراف باستخدام القوة. وهنا تأتي ضرورة بناء الجدار أو أي سور، وإتخاذ إجراءات دقيقة دلت على عمق مشاعر الخوف لديه، وجاء الجدار للإحتماء من وزر الجرائم المرتكبة، ونذكر إنه بالتزامن مع الجدار أقدم الاحتلال على تدمير أبراج الاتصالات لغاية استخباراتية. وقطع تواصل “عفرين” مع العالم الخارجي.
نفي وجود الجدار العازل..
في المقابل؛ نفي المتحدث الرسمي باسم “الجيش الوطني”، الرائد “يوسف الحمود”، أنَّ يكون هناك أيّ جدار عازل في منطقة “عفرين” وريفها، مثلما روّجت المواقع الإلكترونية التابعة لميليشيا (PYD).
وقال متحدث “الجيش الوطني”: “إن الكتل الإسمنتية التي شوهدت من قِبل بعض الأشخاص، والتي روج أنها لبناء جدار عازل؛ ما هي إلا لتحصين القاعدة التركية في منطقة (جلبل)، التي تعتبر تابعة لعفرين”.
وأوضح “الحمود”، أن القاعدة تقع في الجهة الجنوبية لـ”عفرين”، وقرب خطوط الجبهة، مبينًا أن الأمر “اعتيادي بالنسبة للقواعد التركية الموجودة في ريف حلب الشمالي، وليس الأمر بجديد”.
وختم المتحدث باسم “الجيش الوطني”، بقوله: “إن عفرين وريفها هي مناطق محررة بجهود من الجيش الوطني والجيش التركي، ولا يمكن عزلها عن باقي المناطق”.
مخاوف من رد الفعل الروسي..
فيما أكدت مصادر معارضة مُقربة من ميليشيا “الجيش الوطني”، الذي شكلته “تركيا” في ريف “حلب” الشمالي، على أن “أنقرة” تخشى من رد فعل “موسكو”، والذي سيكون بمنزلة (فيتو) رافض لإقامة الجدار العازل.
وكشفت المصادر أن الخبراء العسكريين الأتراك لم يطرحوا فكرة تشييد الجدار على نظرائهم الروس، خلال اجتماعهم بهم ثلاث مرات خلال الشهرين الأخيرين في مناطق متفرقة من ريف “حلب” الشمالي، كما لم تضع “وزارة الدفاع التركية” نظيرتها الروسية بصورة عزمها البدء ببناء الجدار خشية معارضتها للخطوة.
وشددت المصادر على أن “روسيا” لاعب أساس في تقرير مصير “ريف” حلب الشمالي، إلا أن المصادر لفتت إلى احتمال أن تلجأ “أنقرة” لأسلوب التفاوض بشأن مستقبل مدينة “تل رفعت”، التي تتبع للحكومة السورية، وتطالب بمد نفوذها إليها، مع احتمال تقديم تنازلات بخصوصها مقابل إقناع “موسكو” بضرورة الإسراع ببناء الجدار.
واعتبرت مصادر ميدانية، في “وحدات حماية الشعب”، ذات الأغلبية الكُردية، في تصريح لموقع (الوطن)، أن الجدار التركي بمنزلة جدار الفصل العنصري الذي بنته “إسرائيل” لعزل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
يُشار إلى أن “تركيا” أطلقت عملية عسكرية واسعة “برية-جوية”، في “عفرين”، التي تقطنها أغلبية كُردية؛ لطرد “وحدات حماية الشعب” الكُردية السورية، التي تقول “أنقرة” إنها على صلة بمسلحي “حزب العمال الكُردستاني”، المصنف لديها إرهابيًا.
تغيير ديمغرافي ممنهج..
الخبير في الشؤون التركية والكُردية، “خورشيد دلي”، اعتبر أن الجدار التركي العازل جزء من “عملية ممنهجة لتغيير البنية الديمغرافية؛ وإحلال عناصر مرتبطة بتركيا في هذه المناطق، وتغيير هوية المدينة”.
وأضاف “دلي” إن الدليل على النوايا الاحتلالية التركية، هو شق طرق مباشرة بين “عفرين” والداخل التركي، بالإضافة إلى إقامة بنية أساسية تركية للخدمات والإعمار والاتصالات والتعليم.
وقال “دلي”: إن”المشاريع التي يقومون بها لا توحي بأنها إجراء مؤقت”.
سيناريو محاكي لغزو قبرص..
وفيما تعلن “تركيا” مرارًا أن أهدافها في الأراضي السورية هو التصدي للمجموعات الكُردية وحماية حدودها، فإن التاريخ القريب والبعيد يفصحان عن شيء يناقض ذلك تمامًا.
فقبل شهرين؛ تحدث وزير الدفاع التركي، “خلوصي أكار”، عن تبعية “عفرين” للأراضي التركية، وفقًا لـ”الميثاق الملي”، الذي استندت له “تركيا” لإثبات أنها لم تخسر “عفرين”، في الحرب العالمية الأولى، وأنها ضمن حدودها، لكنها ظلمت في التنازل عنها بموجب اتفاقية “لوزان” عام 1923.
ويقول “دلي” إن: “تركيا تسعى إلى التذرع بالحجج الأمنية، كما فعلت تمامًا قبل غزو قبرص، عام 1974”.
وتحركت قوات عسكرية تركية واحتلت شمال “قبرص” بدعوة حماية الأتراك هناك، ردًا على دعم “المجلس العسكري اليوناني” للانقلاب على نظام الحكم في “قبرص”، لكنها أسست وضعًا جديدًا تم على أساسه تقسيم “قبرص” وإعلان جمهورية في الشمال موالية لـ”تركيا”.
ويتفق “بيري” على أن التجربة القبرصية حاضرة في التحركات التركية في “عفرين”، قائلًا: “كما فعلت سابقًا.. نحن نشهد قبرص جديدة في سوريا”.
داعيًا، الناشط الكُردي، الدولة السورية، إلى التحرك رسميًا في “مجلس الأمن” من أجل مقاومة الممارسات التركية.
لكن وجود تفاهمات دولية غير معلنة قد يعيق محاولات تجريم التحركات التركية، بحسب “دلي”، الذي قال إن “روسيا” و”الولايات المتحدة” توافقتا على الصمت تجاه ما تفعله “تركيا”، مضيفًا أن: “هناك موافقة ضمنية من القوى الكبرى من أجل إرضاء الأتراك في مقابل صفقات أخرى تتجاوز الأزمة السورية”.