خاص : كتبت – نشوى الحفني :
شهد العراق ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار صرف الدولار مقابل الدينار، في سوق البورصة الرئيسة والأسواق المحلية، حيث سجلت “بورصة الكفاح”، يوم الخميس الماضي؛ 124.400 دينار مقابل كل 100 دولار أميركي، فيما سجلت أسعار صرف الدولار ليوم الأربعاء الماضي؛ 124.100 دينار لكل 100 دولار.
وباعت شركات التحويل المالي في العراق، الخميس الماضي، كل 100 دولار بـ 1250.00 دينار عراقي، بينما تشتريه بـ 124000 دينار.
وكشف أحد مستشاري رئيس الوزراء، “مصطفى الكاظمي”، أن الحكومة تخطط لوصول سعر صرف الدولار إلى 1500 دينار عراقي، قائلاً أن الوصول إلى سقف 1500 لصرف الدولار مقابل الدينار العراقي، يعد خطوة أولى من أجل توفير سيولة نقدية للحكومة.
وأشار إلى أن ذلك يأتي في إطار محاولة الحكومة التعويض عن نقص واردات النفط وتوفير سيولة نقدية بالعُملة المحلية.
السوق يتأثر بالأخبار السياسية والاقتصادية..
ويفسر “مظهر محمد صالح”، المستشار المالي لرئيس مجلس الوزراء، أسباب ارتفاع سعر صرف الدولار، خلال اليومين الماضيين؛ قائلاً إن: “السوق النقدي في العراق حساس ويتأثر بالمعلومات والأخبار الاقتصادية والسياسية، مما انعكس على عملية الطلب والعرض للدولار”.
مضيفًا “صالح”، وهو مستشار رافق ثالث رئيس حكومة منذ 2014، “إننا مجتمع مدفوعات نقدية لا يتعامل بالصكوك ولا بالحوالات المصرفية، وبالتالي أثرت هذه السياسة (النقدية) على العرض والطلب للدولار”، مضيفًا أن: “قلة الإيرادات من العُملة الأجنبية بسبب انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية قابلته زيادة في شراء الدولار؛ وهذا ما سبب ارتفاع سعر صرف الدولار في الأسواق”.
ويبّين “صالح” أن: “90% من نافذة العُملة الأجنبية في البنك المركزي؛ هي عبارة عن حوالات خارجية لتمويل التجارة الخارجية للقطاع الخاص، و10% منها هي للدولار النقدي الذي يبيعه البنك لشركات الصيرفة والمصارف ومجالات تغذية السوق”.
ويقدر المستشار الحكومي، أن: “الخزين من العُملة الأجنبية الموجودة لدى الناس، (غير مودعة في المصارف أو البنوك)، تتراوح بين (7 إلى 10) مليار دولار، وبالتالي تتأثر هذه الأرقام الكبيرة بالإشاعات، والأخبار والمعلومات قد تسبب أيضًا ارتفاعًا في سعر الصرف”.
تمثل وجهة نظر صاحبها..
فيما أوضح “البنك المركزي” أن التصريحات التي انتشرت مؤخرًا بخصوص (تخفيض سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار)؛ تمثل وجهة نظر من صرح بها ولا تمثل الموقف الرسمي لـ”البنك المركزي”، وقد رافق ذلك عدد من الإشاعات التي أطلقها المضاربون، وهو ما أثر على السعر (مؤقتًا).
مبينًا “البنك المركزي”؛ أن: “سعر الصرف ثابت ولم يتغير، وأن سياسته النقدية واضحة وشفافة. علمًا أن الاحتياطيات من العُملة الأجنبية جيدة جدًا وفقًا لجميع المؤشرات الدولية وبما يمكنه من تجاوز الأزمة الحالية التي تمر بها البلاد”. وطالب البيان من وسائل الإعلام: “اعتماد المصادر الخاصة بالبنك المركزي حصرًا بهذا الخصوص”.
رسالة واضحة لشرعنة رفع سعر الدولار..
وكان الخبير الاقتصادي، “احسان الكناني”، قد أوضح أن أسعار صرف الدولار بدأت بالارتفاع منذ الإعلان عن الأزمة المالية، رغم أنه ارتفاع غير محسوس، لافتًا إلى أن العراق سجل ارتفاعًا في أسعار الصرف خلال الفترة الراهنة، وهو ما ينبغي على الحكومة تداركه؛ لأن ذلك لا يصب في مصلحة الشعب.
وقال أن: “الإعلان عن انخفاض الاحتياطي النقدي العراقي من العُملة الأجنبية، ما هو إلا رسالة واضحة لشرعنة رفع سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي بهدف تعويض خسائر النفط جراء انخفاض الأسعار، وكذلك تجاوز الأزمة المالية المفتعلة”.
آثار سلبية على محدودي الدخل..
من جانبها؛ توقعت الخبيرة الاقتصادية، “سلام سميسم”، ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الدينار العراقي نتيجة زيادة الطلب عليه، فيما نوهت إلى أن ارتفاع سعر الدولار سيؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
عضو اللجنة المالية النيابية، “ناجي السعيدي”، أشار في تصريح سابق إلى أن: “التحول من سعر الصرف الثابت إلى سعر الصرف الزاحف، وخاصة في فترات عدم الاستقرار المالي، سيؤثر بشكل سلبي كبير جدًا على جانب التوقعات؛ حيث أنه بحال تم رفع السعر لنقطة أو إثنين فإنه قد يؤثر بأربع أو خمس نقاط في السوق، وهذا له آثار سلبية على ذوي الدخل المحدود والمواطن البسيط”.
يخلق فوضى غير مسيطر عليها..
كما رأى الخبير الاقتصادي، “عامر الجواهري”، أن قرار رفع قيمة الدولار أمام الدينار العراقي سيعرض المواطنين والسوق إلى الضرر الأكبر بهذه العملية.
وقال “الجواهري” إن: “رفع قيمة الدولار أمام الدينار ورد في الورقة البيضاء، لكنه للأسف الشديد بدون تنظيم، حتى أنهم أوضحوا أن هذه الخطوة ستكون مضرة بالمجتمع، وخصوصًا الطبقات الهشة ذات الدخل المحدود”.
وأضاف أن: “اللجوء إلى هذا الأسلوب سيخلق فوضى وتوترات وارتفاعات غير مسيطر عليها في الأسعار، وارتفاع متوالٍ بسعر الدولار أيضًا غير مسيطر عليه، وكذلك المضاربات سترتفع وأسعار السلع المستوردة على اعتبار العراق بلد مستورد”.
مبينًا الخبير الاقتصادي أن: “هناك تبرير لدى البعض بأن هذه الخطوة ستخلق فرصة من أجل أن ينافس المنتج المحلي”، موضحًا أن: “الفائدة لا تقاس بحجم الضرر الذي سيقع على المواطن والسوق، لأن تلك الخطوة ستوفر كميات من السيولة المالية لخزينة الدولة، لكن يقابله ضررًا كبيرًا”.
توسيع عمليات بيع الدولار في سوق العُملة..
وفي الوقت ذاته، أعلن “البنك المركزي” العراقي عن توسيع عمليات بيع الدولار في مزاد العُملة وشمول مكاتب الصيرفة، تحت مبدأ الحفاظ على سعر الصرف، فيما تشير الوقائع إلى أن استمرار مزاد العُملة البيع بالسعر الرسمي، (1190) دينار لكل دولار لغاية يوم الخميس الماضي، يصب في مصلحة المصارف الأهلية والمضاربين بالعُملة في السوق السوداء الذي يبيعون الدولار بأسعار أعلى من أسعار الصرف المعتادة.
استغلال التهديد بإغلاق السفارة الأميركية..
وعزا بعض مكاتب الصرافة إلى أن ارتفاع سعر صرف الدولار يعود إلى الوضع الأمني غير المستقر في الآونة الأخيرة وتهديد أميركا بإغلاق سفارتها نتيجة إطلاق بعض الصواريخ على مبنى السفارة.
ويقول المحلل المالي، “ماجد الصوري”؛ أن: “سعر الدولار حساس جدًا ويتأثر بأمور عدة؛ منها سياسية واجتماعية ومالية وأمنية”، مبينًا أن: “انخفاض أسعار النفط ووجود كورونا ووجود الأزمة المالية لدى الحكومة العراقية؛ بالتاكيد يتم استغلالها من قبل مضاربين من أجل رفع الأسعار”.
وأضاف “الصوري”، وهو أيضًا عضو مجلس إدارة البنك المركزي، أن: “ما أثير من غلق السفارة الأميركية، والذي لم يتم تطبيقه، تم استغلاله أيضًا لرفع سعر الدولار”، مشيرًا إلى أن: “البنك المركزي لديه أدواته وإجراءاته الكفيلة التي تمنع ارتفاع الدولار بشكل كبير”.
وأشار إلى أن: “الارتفاع الذي حصل موخرًا لن يكون كبيرًا ولم يتعدى 3%، وبالتالي فإنه يظل ضمن الحدود المسموح دوليًا”.
تضمنتها الورقة “البيضاء“..
وبيّن أن: “إحدى الفقرات الواردة في الورقة البيضاء، التي أرسلتها الحكومة إلى البرلمان، تشير إلى وجود نية لدراسة إمكانية رفع قيمة سعر صرف الدولار مع المحافظة على السياسة النقدية وثبات قيمة الدينار”، معتبرًا أن هذه: “الحلول أخطر من تقليل الرواتب”.
ويضيف “الصوري”: “معنى تخفيض العُملة هو تخفيض قيمة الرواتب بشكل غير مباشر، وكل المدخولات التي تدخل إلى أفراد الشعب العراقي، كما سيؤثر على ذوي الدخل المحدود وطبقات الفقراء عبر ارتفاع أسعار السلع”.
ويوضح أنه: “في حال تخفيض قيمة الدينار بنسبة 25%، فإن الأسعار وبعامل مضاعف ستصل زيادتها نحو 40 إلى 50%”، منوهَا إلى أن: “الورقة البيضاء لم تقل بشكل صريح أنه سيتم تقليل سعر الصرف، وإنما قالت إن من ضمن الإجراءات التي من الممكن أن نلجأ لها هو تخفيض سعر الصرف”.
ويؤكد “الصوري” على أن: “الحكومة لم تقدم مقترحًا مباشرًا يدعو إلى تخفيض قيمة الدينار، لكن واحدًا من المقترحات التي تبنتها الحكومة في ورقتها البيضاء؛ هو تقليل سعر صرف الدينار العراقي أمام الدولار”.
وتقترح “الورقة البيضاء”، التي أرسلتها الحكومة للبرلمان، فرض تخفيض بالأجور والرواتب من 25% من الناتج المحلي الإجمالي؛ يتناقص إلى 12.5% خلال ثلاث سنوات، وإصلاح “صندوق التقاعد”، بحيث يكون غير مرتبط بالموازنة ويتم صرف رواتب التقاعد مباشرة من الصندوق.
كما دعت أيضًا إلى خفض الدعم المالي للشركات المملوكة للدولة؛ بنسبة 30% كل عام لمدة ثلاث سنوات، وتخفيض إجمالي الدعم الحكومي، من 13% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 5% خلال ثلاث سنوات، وإعادة هيكلة سلم الرواتب العامة من خلال إيقاف عمليات التوظيف والاستبدال الجديدة في القطاع العام، وتحديد سقف أعلى لرواتب الموظفين بما يحقق العدالة ويقلل الفوارق، وتطبيق ضريبة الدخل على مخصصات الموظفين والحوافز والعلاوات وغيرها.
حلول الحكومة لتجاوز أزمتها المالية..
وتطرق الخبير الاقتصادي إلى الحلول التي ستتبعها الحكومة لتجاوز أزمتها المالية بالقول إن: “الحكومة لديها عدة خيارات لحل الأزمة المالية، منها محاربة الفساد وتقليل النفقات التشغيلية من خلال إلغاء كل مخصصات الرواتب، والتي تقدر باكثر من (15) تريليون دينار من أصل (28) تريليون دينار، مجموع رواتب الموظفين في الدولة العراقية”.
ويتابع أن: “إجراءات الحكومة في العام 2019؛ أدت إلى زيادة في حجم الرواتب، بحيث ارتفعت من 40 تريليون دينار إلى أكثر من 50 تريليون دينار”، موضحًا أن: “تخفيض المخصصات والرواتب الكبيرة سيوفر أموالاً كبيرة جدًا تصل إلى أكثر من (15) تريليون دينار”.
ويضيف أنه: “من بين الحلول أو الخيارات المطروحة؛ هي تخفيض النفقات التشغيلية وتخفيض الرواتب على مدار ثلاث سنوات من 25% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 12.5؛ أي يكون التخفيض بحدود 50%”، معتقدًا أن: “هذا الإجراء سينقذ أجزاء كبيرة من أبناء الشعب العراقي من أزمة التضخم في الأسعار”.
ويشير إلى أن: “من المقترحات المطروحة أيضًا؛ هي زيادة الموارد المالية من غير النفطية كالمنافذ والضرائب المباشرة وغير المباشرة، وتفعيل القطاع العام والخاص والمختلط وتفعيل الصناعة والزراعة ستؤدي لتشغيل الأيدي العاملة؛ وبالتالي ستؤدي إلى زيادة الضرائب”.
ويضيف أن: “من ضمن المقترحات التي قدمت للبنك المركزي، والتي رفضها هو رفع سعر الصرف”، مشيرًا إلى أن: “هذا الخيار من الخيارات الأخيرة التي قد يلجأ لها البنك المركزي في حال عدم وجود حلول أخرى لمعالجة الأزمة المالية”.
تحالف مصرفي يخلق سوق سوداء..
فيما كشف المختص في الشأن الاقتصادي، “ضرغام محمد علي”، أن تحالفًا مصرفيًا يقود ارتفاع سعر صرف الدولار عبر خلق سوق سوداء له رغم بيعه بسعر ثابت من قبل “البنك المركزي”.
وقال “علي”: “لو كان لدينا جهاز مصرفي يعمل بأخلاقيات حقيقية؛ لما وجدت سوق سوداء للدولار ولتم بيعه بسعر يقارب سعر البنك المركزي للجمهور”.
وأضاف أن: “عدد المصارف الخاصة، الذي يزيد عن 80 مصرفًا دون أثر اقتصادي أو ائتماني يوضح أنها تعتاش على فروقات سعر مزاد البنك المركزي العراقي”.
لافتًا إلى أن: “أي ارتفاع لسعر الصرف في ظل ثبات سعر البنك المركزي يعكس حالتين؛ الأولى تزايد الطلب محليًا على الدولار، والثاني زيادة ربحية المصارف الخاصة عبر رفع فارق سعر الصرف بين الرسمي والسوقي وهو ما يتسبب به تحالف الفساد في المصارف التي هي مسؤولة عن ضخ العُملة الأجنبية للسوق بعد إستلامها من البنك المركزي”.