خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في محاولة للخروج من مأزق أزمة الدرجات الخاصة التي كان من المفترض أن ينتهي أجلها قانونيًا، أمس، قررت الحكومة العراقية تمديد عملها لنحو أربعة أشهر إضافية، وهو الأمر الذي أثار انتقاد الجهات السياسية، معتبرة أنه سيربك عمل الحكومة.
ملف الدرجات الخاصة؛ مر بجولات من الشد والجذب بين الكتل السياسية التي تنافست للفوز بأغلبها، ما تسبب بأزمة تزامنت مع قرب انتهاء عمل شاغلي تلك الدرجات من مديرين عامين ووكلاء وزارات بالوكالة، الذي كان من المفترض أن ينتهي، أمس، وفقًا لنص إحدى فقرات الموازنة العامة لـ”العراق” للعام الحالي، التي تنص على حجب رواتب تلك الدرجات، نهاية الشهر الجاري.
جاء ذلك خلال اجتماع ثلاثي عقد بين الرؤساء الثلاثة، ليل أمس الأول السبت، في منزل رئيس الجمهورية، “برهم صالح”، وحضور رئيسي الحكومة، “عادل عبدالمهدي”، والبرلمان، “محمد الحلبوسي”.
وبحسب بيان صدر عن رئاسة الجمهورية، فإنّ: “المجتمعين بحثوا تعديل المادة (58) من قانون الموازنة، وقرروا منح وقت أكثر للحكومة، حتى 24 تشرين أول/أكتوبر المقبل، لاختيار شخصيات لإدارة مؤسسات الدولة، (الدرجات الخاصة)، وإنهاء ملف الإدارة بالوكالة”، مؤكدين: “دعم الحكومة في اختيار الأفضل وفق مبدأ الكفاءة والنزاهة وتحقيق التوازن الوطني؛ بعيدًا عن المحاصصة”.
والدرجات الخاصة هي المناصب التي تدار بالوكالة، من وكلاء وزراء ومدراء عامين ومناصب أخرى في جميع المؤسسات، ويتراوح عددها بين ألف وألف وخمسمائة منصب، والتي يشتد الصراع عليها بين الكتل السياسية، بينما كان يفترض أن ينتهي عمل شاغليها وفقًا لقرار برلماني تم التصويت عليه، مطلع العام الحالي، الأسبوع الحالي.
ومساء الثلاثاء الماضي، كان “عبدالمهدي”، قد كشف عن عدد المناصب التي تدار بالوكالة، مؤكدًا على أن حكومته حسمت جزءًا منها.
وأوضح، في مؤتمر صحافي له، أن: “عدد تلك المناصب يصل إلى نحو ألف؛ بعضها يدار بالوكالة منذ عام 2008″، مؤكدًا المضي في حسم الملف، وأنه: “تم فعلًا حسم الدفعة الأولى من دون محاصصة؛ على الرغم من تدخل البعض ومحاولتهم فرض أسماء”، وفقًا لقوله.
رغبة سياسية ستؤدي للمزيد من المحاصصة والاتفاقات السرية..
وانتقدت العديد من الجهات السياسية قرار التمديد، معتبرة أنّه سيربك عمل الحكومة، محملة رئيسها مسؤولية ذلك، وقال النائب عن تحالف (سائرون)، “علاء الربيعي”، إنّ: “اجتماع الرئاسات الثلاث لم يكن موفقًا بشأن مناقشة تعديل القانون بمنح تمديد للدرجات الخاصة”.
وبيّن “الربيعي”، في بيان صحافي، أن: “الاتفاق الثلاثي هو رغبة سياسية ستؤدي إلى مزيد من التحاصص والاتفاقات السرّية، للحصول على درجات لبعض الكتل التي تحاول بشتى الطرق تسويف هذا الملف”.
وحمّل “الربيعي”، رئيس الحكومة، “مسؤولية التأخير، لأنّه وضع نفسه بحرج، رغم أنّ التأجيل صحيح ولابد منه، لكن علينا معرفة أسباب التأخير بهذا الملف”، مشيرًا إلى أنّه: “في حال بقي رئيس الحكومة يعمل بذات الطريقة التي يعمل بها الآن، فلن يحسم هذا الملف في الموعد الجديد”.
داعيًا، رئيس الحكومة، إلى “توضيح أسباب الإخفاق بضبط خريطة التوقيتات”.
لا حل للأزمة سوى بتشريع يمدد عمل أصحاب الدرجات الحاليين..
وكان مسؤول عراقي رفيع قد كشف، يوم الخميس الماضي، أنّ الحكومة تعمل مع بعض الجهات السياسية على إيجاد مخرج قانوني لتمديد عمل الدرجات الخاصة والخروج من الأزمة.
وكان النائب عن (دولة القانون)، “عدنان الأسدي”، قد قال إنّ: “ملف الدرجات الخاصة لن يمرر في البرلمان في ظل وجود المحاصصة”، مبينًا في تصريح صحافي، أنّ: “هناك تراكمًا في مناصب الوكالة والدرجات الخاصة مع قرب نهاية حسمها”. وأشار إلى أنّه: “في حال عدم الحسم، فلا حل لهذه الأزمة من دون تشريع يمدد فترة انتهاء عمل أصحاب تلك الدرجات الحاليين”.
يتوقف على تحركات “عبدالمهدي” في اختيار المرشحين..
كما أكدت كتلة (الحكمة) المعارضة أن تأجيل حسم المناصب الخاصة جاء نتيجة عدم اتفاق الكتل على تقاسمها لغاية الآن، فيما أشارت إلى أن المهلة الجديدة كافية، لكن ربطتها بتحرك جدي لرئيس مجلس الوزراء، “عادل عبدالمهدي”، في اختيار المرشحين.
وقال النائب عن الكتلة، “حسن خلاطي”، إن: “قرار تأجيل حسم المناصب في مؤسسات الدولة كان متوقعًا”.
وأضاف “خلاطي” أن: “الجميع كان متفقًا، حتى وقت قريب، عدم حسم هذا الملف الشائك والمُعقد؛ قبل الثلاثين من حزيران/يونيو 2019”.
مضيفًا أنه: “كان الأولى بالحكومة أن تنفذ بند حسم الدرجات الخاصة الوارد في الموازنة بمجرد إقرارها، أي قبل ستة أشهر”.
ولفت “خلاطي” إلى أن: “المادة (58) من موازنة العام الحالي؛ عدّت أن التواقيع الصادرة عن أصحاب المناصب الذين يديرون مواقعهم بالوكالة ستصبح بلا قيمة وباطلة ما لم يتم حسم تلك المناصب بالأصالة قبل الموعد المقرر”.
وأفاد النائب عن (الحكمة) بأن: “الحل الوحيد الذي كان أمام الحكومة لتنفيذ هذه المادة؛ هو التأجيل”، مبينًا أن: “منح مهلة جديدة قدرها أربعة أشهر هي كافية، على أن تبدأ الحكومة إجراءاتها مبكرًا؛ لأننا أمام ملف شائك ومُعقد”.
وأكد على أن: “الخلافات ستبقى مستمرة، وقد تستغرق وقتًا كما هو حال حسم الوزارات الشاغرة ما يستدعي أن تبدأ خطوات تنفيذ المادة بداية من اليوم”.
ليس له أثر قانوني..
من جانبه؛ ذكر النائب الآخر عن (الحكمة)، “حسن فدعم”، أن: “إتخاذ قرار من الرئاسات الثلاث بتأجيل حسم الدرجات الخاصة التي تدار بالوكالة، ليس له أثر قانوني”.
مضيفًا أن: “الملف محكوم بمادة في قانون الموازنة، وهذا يستدعي إصدار تعديل للمادة وفقًا للسياقات الدستورية”.
ولفت إلى أن: “التعديل يكون بمشروع يقدم إلى مجلس النواب وإنجاز القراءتين الأولى والثانية له؛ ومن ثم التصويت عليه”.
ويواصل “فدعم”، أن: “مجلس النواب سوف يستعجل في عقد جلستين متتاليتين لإنجاز قراءات التعديل قبل إقراره”.
وذكر أن: “الموضوع يكرس المحاصصة الحزبية؛ وظهر ذلك واضحًا في التأجيل المتعمد لجلسات مجلس النواب بحجة عدم إكتمال النصاب، لكن الحقيقية هو أن التأجيل جاء نتيجة استمرار الخلاف على توزيع المناصب الخاصة ووكالات الوزارات بين الكتل”.
مشددًا على أن: “المعلومات المتوفرة لدينا تفيد بأن الكتل سوف تعيد النظر بتوزيع تلك الدرجات بينها؛ ومن ثم تأتي مجددًا إلى مجلس النواب للتصويت عليها”.
ورأى “فدعم” أن: “ما يحصل هو ضحك على الشارع العراقي، بأن يتم الحديث عن منح تلك المناصب لمستحقيها، في حين أن الواقع يبين شيئًا آخر هو استمرار الخلاف على المغانم ما استدعى لتمديد الملف”.
إقصاء للمستقلين..
ورأى النائب عن ائتلاف (دولة القانون)، “محمد شياع السوداني”، أن استبدال دولة عميقة بالوكالة بدويلات عميقة بالأصالة إقصاء للمستقلين.
وغرد “السوداني”، على حسابه الرسمي بموقع، (تويتر)؛ أنه: “من إيجابيات الإصلاح استبدال دولة عميقة بالوكالة بدويلات عميقة بالأصالة مع إقصاء للمستقلين من ذوي الخبرة والتخصص”.
الحكومة تتنصل من مسؤوليتها تجاه المكون التٌركماني..
فيما اتهم نواب كتلة المكون التُركماني، الحكومة والكتل السياسية، بالتنصل عن مسؤولياتهم تجاه إستحقاق المكون.
وقال النائب “أرشد الصالحي”، في مؤتمر صحافي مشترك: “إن المكون التُركماني يعد ثالث قومية؛ وله إستحقاق في التمثيل الحكومي، أسوة بالمكونات السياسية الأخرى”.
مضيفًا أنه: “من المعيب أن يتحدث البعض عن عدم وجود محاصصة، لأن ما يجري حاليًا محاصصة سياسية بإمتياز”، مبينًا أن: “رئيس الوزراء والكتل السياسية تتحدث عن الكفاءة والمهنية، وفي حقيقة الأمر لا توجد مهنية ولا كفاءة”.
ودعا “الصالحي”، رئيس الوزراء، إلى: “أن يكون صادقًا في الإفصاح عن أسماء الكتل السياسية التي تقف خلف ترشيح مناصب الدرجات الخاصة وتحاول الإستحواذ عليها”.
معالجة لمخالفة قانونية بخرق دستوري..
وقال نائب رئيس الوزراء السابق، “بهاء الأعرجي”، أن تمديد الرئاسات لإنهاء ملف الدرجات الخاصة؛ معالجة لمخالفة قانونية بخرق دستوري.
وأضاف، في بيان، أن: “تجاوز السقف الزمني للتصويت على الدرجات الخاصة، خرقٌ قانونيّ وعجزٌ سياسيّ، رغم تأكيدات الحكومة والبرلمان وجميع الكتل السياسيّة في بداية الدورة الانتخابيّة الحالية على إنجاز التصويت عليها، ومع ذلك فإنّ ما حصل يُوضّح وبشكلٍ جليٍّ مدى الصراع على المناصب بين الكتل السياسيّة، حتى تلك التي تُعلن ترفُّعها عنها من أجل بناء الدولة”.
وأوضح “الأعرجي”؛ إنّ ما هو أهم من ذلك هو أن بعض الكتل السياسيّة قد لجأت لاستثمار هذه المخالفة بهدف إثبات عجز الحكومة عن تنفيذ برنامجها الحكوميّ وتنفيذ تعهداتها، ولكن على الجميع أن يعلم أن ذلك من مسؤولية الكتل السياسيّة قبل الحكومة، لا سيما وأن الأخيرة قد تشكلّت من ذات الكتل سواء بصورةٍ مباشرةٍ أو غير مباشرة، وعندما صوّت البرلمان المتكون من مجموع هذه الكتل على البرنامج الحكوميّ، فعليه أن يُهيِّيء الظروف ويُبسّط الإجراءات لتنفيذ فقرات ذلك البرنامج لا أن يُعقّدها بسبب صراعاتٍ سياسيّةٍ أو منافع حزبيّة.
مشيرًا إلى أن اتفاق الرئاسات الثلاث على تمديد مدة إنهاء هذا الملف؛ فهو بمثابة معالجة لمخالفةٍ قانونيّةٍ بخرقٍ دستوريّ؛ حيث أن مشروع قانون تعديل قانون الموازنة العامّة لعام 2019 المُزمع تقديمه لغرض تمديد المدة؛ لا يعتبر نافذًا إلاّ بعد تصويت البرلمان عليه على الأقل.