خاص : كتبت – نشوى الحفني :
مازالت لعنة الانسحاب الإميركي من “سوريا” تطارد الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، حيث وافق “مجلس الشيوخ الأميركي”، الاثنين، بغالبيّة كبيرة على تعديلٍ ينتقد قرار “ترامب” بسحب القوّات الأميركيّة من “سوريا” و”أفغانستان”، في مؤشّر إلى المعارضة الكبيرة في صفوف “الحزب الجمهوري”، الذي ينتمي إليه الرئيس.
وفي تناقض مباشر مع تصريحات “ترامب”، عبر هذا التعديل “عن شعور مجلس الشيوخ بأن الولايات المتحدة تواجه حاليًا تهديدات من مجموعات إرهابية تعمل في سوريا وأفغانستان، وبأن انسحابًا متسرعًا للولايات المتحدة يمكن أن يُعرض التقدم الذي تم إحرازه، وكذلك الأمن القومي، للخطر”.
ووافقت غالبية كبيرة من أعضاء “مجلس الشيوخ”، (70 مقابل 26)، على هذا التعديل؛ الذي سيتم إلحاقه بقانون أشمل يتعلق بالأمن في الشرق الأوسط.
ويشكل الجمهوريون غالبية في “مجلس الشيوخ”، (53 من أصل 100 مقعد)، وقد صوت ثلاثة منهم فقط ضد هذا التعديل.
وزعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ الأميركي، “ميتش ماكونيل”، الذي يتجنب عادة انتقاد “ترامب” علنًا، هو من تقدم بهذا التعديل.
وقال “ماكونيل” إن تنظيم “الدولة الإسلامية والقاعدة لم يهزما بعد”، وهو ما يتعارض مع تصريحات أدلى بها الرئيس الأميركي في وقت سابق.
“داعش” لم يُهزم بعد..
الجنرال “غوزف فوتيل”، المشرف على العمليات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط، قال إن الرئيس، “دونالد ترامب”، لم يتشاور معه قبل إتخاذه قرار سحب القوات الأميركية من “سوريا”.
وصرح “فوتيل”، أمام لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ: “لم أكن على علم بالإعلان المحدد. وبالتأكيد كنا مدركين أنه أعرب عن رغبته وعزمه في الماضي على مغادرة سوريا”.
مضيفًا: “لم تتم استشارتي”. وتابع الجنرال “فوتيل”؛ أن الانسحاب الأميركي من “سوريا” يجب أن يكون حذرًا، مشيرًا إلى أن تنظيم “الدولة الإسلامية” لم يُهزم بعد.
وقد تثير هذه التصريحات غضب منتقدي القرار الذين يقولون إن الرئيس لا يستمع إلى الخبراء؛ ويعتمد بدلاً عن ذلك على حدسه، كما أنه لا يستشير القادة الأجانب.
يُذكر أن “ترامب” كان قد أعلن، بشكل مفاجيء، في كانون أول/ديسمبر 2018، أنه سيسحب القوات الأميركية من “سوريا”، قائلاً إن جهاديي تنظيم “الدولة الإسلامية” هزموا، هذا بالإضافة إلى أنه لا يخفي نيته في مغادرة “أفغانستان” في أسرع وقت ممكن، بعد 17 عامًا من الصراع.
وإتخذ “ترامب” قراره؛ بعد اتصال هاتفي مع الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، الذي قال إن “أنقرة” ستقود المعركة ضد فلول الجهاديين في “سوريا”.
وقد أدى قرار “ترامب”، بسحب القوات الأميركية من “سوريا”، إلى استقالة وزير الدفاع الأميركي، “جيمس ماتيس”، وأثار قلق الأوروبيين والأكراد، حلفاء “الولايات المتحدة”.
ولا تزال “الولايات المتحدة” تحتفظ بألفي جندي في “سوريا”، على الرغم من قرار “ترامب”، ولم يتم سحب سوى المعدات غير الأساسية.
ويحتفظ التنظيم المتطرف بالسيطرة على جيب بمساحة نحو 50 كلم مربع، وسط “وادي الفرات” شرق “سوريا”، بحسب “فوتيل”، الذي أضاف أن بين ألف و1500 مقاتل من التنظيم لا زالوا في تلك المنطقة، على الرغم من أنه أشار إلى أن آلاف “يختبئون” في مناطق أخرى من “سوريا”.
ويدور خلاف بين “ترامب” وأجهزة الاستخبارات الأميركية، التي حذرت، الأسبوع الماضي، من أن التنظيم الجهادي قد يعيد بناء نفسه في الفراغ الذي يمكن أن يخلفه انسحاب الجيش الأميركي من “سوريا”.
ضغط على سياسة “ترامب” الخارجية..
ورغم أن التشريع غير مُلزم للرئيس الأميركي، إلا أنه يشكل ضغطًا كبيرًا على “ترامب” فيما يتعلق بسياسته الخارجية، خاصة أن مجلس الشيوخ يهيمن عليه “الحزب الجمهوري”، الذي ينتمي له “ترامب”.
ويحتاج التشريع، كي يصبح مُلزمًا، تحويله إلى مشروع قانون يخضع لتصويت “مجلس النواب الأميركي”، الذي في حال أقره يصبح لزامًا على “ترامب” تنفيذه.
وكان “ترامب” قد أكد، بعد التصويت الإجرائي الذي أجراه “مجلس الشيوخ”، إصراره على سحب القوات الأميركية الموجودة في شمال شرقي “الفرات”، والبالغ عددها 2000 جندي أميركي، على حد قوله.
واعتبر أن الأموال التي كانت تصرف في “سوريا” و”أفغانستان”؛ يجب أن تُصرف “بحكمة” بعد عودة القوات الأميركية إلى الوطن، مشيرًا إلى أن “تنظيم الدولة” قد هُزم بنسبة 100%.
صفعة من مجلس الشيوخ..
تعليقًا على قرار “مجلس الشيوخ”، كتبت صحيفة (صوت الأمة) المصرية؛ تحت عنوان: (مأزق جديد لترامب): “يبدو أن الرئيس ترامب على أعتاب صدام جديد مع مجلس الشيوخ، والذي تحدى الرئيس الأميركي مجددًا”.
وقالت صحيفة (القدس العربي) اللندنية: “مشروع القرار، الذي يسمى باسم مثير وهو (قانون الانسحاب المسؤول من سوريا)، لم يحظ حتى الآن بمكانة قانون، لكنه يشير بصورة واضحة إلى الإتجاه الذي يسعى إليه، وحسب مشروع القانون؛ يمكن للبنتاغون أن يستخدم ميزانيته لغرض الانسحاب فقط، بعد أن يجيب عن 15 سؤالاً … كل من هذه الأسئلة عبوة ناسفة قد تُحطم الانسحاب وليس تمويله فقط”.
وفي الصحيفة ذاتها؛ رأت “هبة محمد”، أن القرار كشف عن وجود “تيارين متضاربين داخل دائرة صُنع القرار الأميركي، ولعل هذه التجاذبات شكلت معوقات ليست بالقليلة أمام ترامب لتنفيذ قرار الانسحاب من سوريا، خاصة مع تأكيد المجلس على وجود تهديدات من مجموعات (إرهابية) على واشنطن إنطلاقًا من الأراضي السورية، وأن الانسحاب المتسرع سيعرض الإنجازات الأميركية إلى المخاطر، وكذلك أمنها القومي”.
صحيفة (العرب) اللندنية؛ قالت إن “ترامب” تلقى “صفعة من مجلس الشيوخ”، على خلفية قراره الانسحاب من “سوريا”، مضيفة أنه: “وإن لم يكن لهذا التعديل تأثير حقيقي على السياسة، لكنه يعبر عن المعارضة الواسعة حتى داخل حزب ترامب نفسه لسحب القوات الأميركية المتسرع من سوريا”.
فرملة خطط “ترامب”..
وأشار “وضاح عيسى”، في صحيفة (تشرين السورية)، إلى أن القرار من شأنه “فرملة خطط الرئيس، دونالد ترامب” للانسحاب من “سوريا” و”أفغانستان”.
مضيفًا أن: “نتائج التصويت، وإن بدت تحديًا لخطط الرئيس ترامب بالانسحاب، إلا أنها لا تمنح قوة القانون ولا يمكنها منع ترامب من المضي قدمًا في خططه، وإن أظهرت في الوقت نفسه الهُوة الكبيرة بين المشرعين الأميركيين وسياسات الرئيس المتبعة، وحجم الخلافات داخل الإدارة الأميركية فيما يتعلق بقراراته بخصوص المنطقة”.
وتبنى “فكتور شلهوب”، في صحيفة (العربي الجديد) اللندنية، رأيًا مشابهًا إذ رأى أن أهمية القرار تكمن في أنه: “صادر عن الحليف الأساس للرئيس، دونالد ترامب، في الكونغرس؛ السيناتور ميتش ماكونيل، رئيس الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ. فهو الذي بادر ودفع بهذا المشروع إلى التصويت كعلامة هي الأولى من نوعها على اصطدام الجمهوريين مع الرئيس حول سياساته الخارجية”.
وأضاف أن: “أهمية ما طُرح في مجلس النواب أنه صادر عن تحالف جمهوري-ديمقراطي، في وقت ندُر فيه التلاقي بينهما. وفي المجلسين، يحوز هذا التوجه على تأييد وازن من الحزبين يكفل تمرير هذه المشاريع. بلوغ التناقض والتنابُذ هذه الحدة والعلنية، كشف عن شرخ كبير في عملية صياغة القرار الذي تشارك هذه الأجهزة فيها … خلل تتراكم عوامله بصورة مكتومة منذ فترة. الآن خرجت مظاهره إلى السطح …”.