خاص : ترجمة – آية حسين علي :
ما إن أعلنت القوات المسلحة العراقية إقصاء تنظيم (داعش) الإرهابي من مدينة “الموصل”، ونجاح عملية “قادمون يا نينوى” حتى بدأت الأصوات المنادية بإعادة إعمار المدينة بدرجة تسمح بعودة أهلها الفارين من المعارك، ورغم مرور ما يقارب العامين على هزيمة التنظيم المتطرف؛ إلا أن عمليات الإعمار لم تنته بعد.
نشرت الصحفية اللبنانية ومراسلة وكالة الأنباء الفرنسية، (AFP)، “مايا غبيلي”، شهادتها بخصوص الأوضاع في مدينة “الموصل”، حاضرة محافظة “نينوى”، وما آلات إليه المدينة بعد نحو عامين من تطهيرها، وذكرت أن ما لاحظته خلال بضعة أيام قضتها في مدينة “الموصل”؛ بعد التخلص من (داعش)، أن وصف التحديات القادمة أو التحدث عنها بأمانة أمر شديد التعقيد.
وأضافت أنه لا توجد ثمة استراتيجية محددة الخطوات من أجل استعادة روح المدينة، ولا توجد قيادة مركزية أو إدارة موحدة، مشيرًة إلى أنها كما قامت بتغطية الأحداث العسكرية، يجب عليها توفير شهادة دقيقة وحماسية عن المدن والمجتمعات التي تخلصت للتو من الحرب.
“الموصل” غير مهيئة للسكان..
قالت “غبيلي” إنها رأت في أحد الشوارع الضيقة المغلقة بضواحي مدينة “الموصل” لافتات مكتوب عليها بألوان مختلفة: “يسكن في هذا الشارع الضيق عائلات”، للفت إنتباه المنظمات التي تقدم مساعدات إنسانية إليهم، بينما أشارت إلى أنه رغم مرور حوالي عامين على إنتهاء الحرب على (داعش)؛ لا تبدو المنطقة مهيئة لعودة السكان، وأن الثقوب التي أحدثتها طلقات الرصاص تملأ جدران المنازل، كما تملأ مياه الصرف الصحي الأرض.
وأوضحت المراسلة أن هذه هي المرة الأولى التي تزور فيها مدينة “الموصل”، منذ عملت كمراسلة للوكالة الفرنسية في “العراق”، خلال تشرين أول/أكتوبر من عام 2016، لتغطية العملية العسكرية التي أطلقتها القوات المسلحة العراقية لتطهير البلاد من تنظيم (داعش) الجهادي, وهي عملية “قادمون يا نينوى”، التي استمرت نحو 9 أشهر، حتى تمكنت القوات تمكنت في النهاية من تحقيق الهدف، وحظيت المعارك بتغطية واسعة من وكالات إعلام عربية وعالمية.
تلال من المنازل المتهدمة..
تحدثت “غبيلي” أيضًا عن الاختلافات بين زيارتها الأولى والرحلة الأخيرة، وقالت إن بعض المناطق كانت مصنفة بأنها شديدة الخطورة بسبب تحصن مقاتلو (داعش) بها، بينما باتت الشوارع الآن مزينة بإشارات المرور ومعبدة، واستطاعت الوصول إلى شوارع لم تصل إليها في زياتها الأولى.
وذكرت أنها استطاعت زيارة مسجد “النبي يونس”، الذي دمره الدواعش عندما اقتحموا المدينة، عام 2014، فوجدت الممرات التي تؤدي إلى فناءه مليئة بالشباب الذين أتوا للإستمتاع، لقد كانت جدرانه شاهدة على وحشية العناصر الجهادية، وتمت تغطيتها بصور لمناظر طبيعية.
بينما يضم الجانب الغربي، الذي احتمت به عناصر التنظيم للتمكن من الصمود وتوجيه ضرباته لقوات الجيش العراقي، “متحف الموصل”، وهو الأثر الأقدم في المدينة، بالإضافة إلى “مسجد النوري” ومنارته “الحدباء”، التي أعلن منها زعيم التنظيم، “أبوبكر البغدادي”، خلافته عام 2014.
وأضافت أنه يمكن الوصول إلى الجهة الغربية من خلال عبور جسر معدني أعلى “نهر الفرات”، مشيرًة إلى أنها لما وقعت عينها على ما يوجد في آخره ظنت أنها تلال من القمامة وإنما بقايا منازل متهدمة وخيام ومساجد مدمرة حتى باتت أنقاضًا.
وأضافت: “لقد كان هذا المشهد مقدمة مناسبة تمثل الوضع في باقي الجانب الغربية، إذ تمتليء الشوارع بمباني سُحقت ودمرت بنيتها، ورغم مرور عامين على استعادة المدينة لا تزال الحفارات والجرافات تدمر الأشياء وتمحوها من الذاكرة بدلًا من إعادة إنشاءها”.
مشهد “مسجد النوري” يسبب الذعر..
ذكرت “غبيلي” أنها زارت أيضًا “مسجد النوري”، لكنها فوجئت أنه حتى الآن غير مسموح بزيارته، “لقد نظر إلينا فرد الأمن بإرتياب عندما هبطنا من السيارة”، لكنها استطاعت ملاحظة الضرر التي لحق ببوابته المزخرفة بسبب طلقات الرصاص، بينما سقطت راية من الواضح أنها كانت معلقة، تحمل وعدًا مكتوبًا باللغة الإنكليزية بالإلتزام بإعادة إعمار المسجد والمنطقة المحيطة به.
وأضافت أنها تمكنت من الدخول إلى ساحة الجامع لتجد أن قبته الزرقاء، المائل لونها إلى الأخضر، مليئة بالثقوب اللعينة أيضًا، ولاحظت عبارة: “داعش إلى الجحيم”؛ من الواضح أن شخص ما كتبها بالـ”أيروسول”.
وأشارت إلى أنه أمام المشهد الذي يدعو إلى الأسى جال بخاطرها المجتمع الذي دُمر والطفولة التي تعاني في مخيمات النازحين، وفي الأثر الذي تركته مشاهد الذبح والتعذيب والجلد، وأضافت: “لا أعتبر نفسي شخصًا يؤمن بالخرافات، لكن في الواقع أن الطاقة التي تنبعث من المنطقة المحيطة بالنوري تبعث على الذعر، كما لو كان شيء ما سام إنطلق ولا يزال متعفنًا من الداخل، ورغم صموده على مدار قرون، إلا أنه لم يستطع التخلص من إرث الفساد الذي فرضه عليه (داعش)”.
وفي طريق العودة؛ رأت واجهات متاجر محروقة وأخرى محطمة وجميعها مهجورة، مثل الأسنان المليئة بالتسوس، “وفي منتصف الطريق مررنا برجل يبيع أغراض منزلية، (أباريق بلاستيكية ومنظفات للزجاج ومماسح)، لكن أمام كل هذا الدمار لا يبدو أن شخصًا يعيش في هذا المكان يمكنه شراء أي شيء في الوقت الحالي”.