24 ديسمبر، 2024 4:07 ص

بعد حرب التصريحات .. “إردوغان” يتراجع تجاه “ماكرون” خوفًا من العقوبات الأوروبية .. فهل ينجح ؟

بعد حرب التصريحات .. “إردوغان” يتراجع تجاه “ماكرون” خوفًا من العقوبات الأوروبية .. فهل ينجح ؟

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

في محاول منه لإصلاح ما سبق كسره؛ خوفًا من العقوبات، وكعادته في التراجع عن التصريحات التي يدلي بها والمواقف التي يتخذها تجاه القضايا السياسية؛ لما يتسم به من صفات “برغماتية”، بدأ مؤخرًا الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، في نسيان تصريحاته المهاجمة للرئيس الفرنسي، “إيمانويل ماكرون”، بل ومحاولة تحسين علاقته معه.

فبعد حرب التصريحات بينه وبين الرئيس الفرنسي، “إيمانويل ماكرون”، الذي وصفه بـ”المريض العقلي” الذي يسعى لشن حرب على الإسلام، قال في لقاء بينهما أن “تركيا” و”فرنسا” يمكن أن يصبحا حليفين قويين بالمستقبل.

ولأول مرة، منذ أيلول/سبتمبر 2020، تواصل الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، ونظيره الفرنسي، “إيمانويل ماكرون”، في محادثة مرئية عبر الفيديو، الثلاثاء، وقال الرئيس التركي إنه يمكن لبلاده و”فرنسا”، بصفتهما حليفين قويين في “حلف شمال الأطلسي”، الـ (ناتو)، تقديم مساهمات مهمة لجهود الأمن والاستقرار الإقليمي.

وتابع، بحسب بيان صادر عن دائرة الاتصال في الرئاسة التركية: “يمكننا تقديم مساهمات مهمة لجهود الأمن والاستقرار والسلام في منطقة جغرافية واسعة، بدءًا من أوروبا وحتى القوقاز، ومن الشرق الأوسط حتى إفريقيا”، كما أعرب عن ثقته بأن: “علاقات التعاون، بين تركيا وفرنسا، تتمتع بإمكانات كبيرة جدًا”.

ويأتي هذا الاتصال في سياق محاولات “تركيا” تحسين علاقاتها مع دول “الاتحاد الأوروبي”، التي بدأت مؤشراتها في الظهور، مع بداية العام الجاري، بعد لقاء “إردوغان” مع سفراء الاتحاد، في 12 كانون ثان/يناير الماضي، حيث أعلن عن دعمه: لـ”فتح صفحة جديدة في العلاقات التركية مع القارة”.

وفي 15 كانون ثان/يناير الماضي، أعلن وزير الخارجية التركي، “مولود تشاووش أوغلو”، أن “ماكرون” بعث، مؤخرًا، برسالة: “إيجابية جدًا”؛ إلى “إردوغان”، وأكد أن خارطة الطريق المنسقة بينه ونظيره الفرنسي، “جان إيف لو دريان”، تضم 4 نقاط، هي التشاور على المستوى الثنائي ومحاربة الإرهاب والقضايا الإقليمية، ومنها “سوريا وليبيا”، بالإضافة إلى التعاون في مجال التعليم.

في انتظار عمل ملموس..

وردًا على التحرك التركي، قال وزير الخارجية الفرنسي، “جان إيف لو دريان”، إن “تركيا” توقفت عن إهانة “فرنسا” و”الاتحاد الأوروبي”؛ وقدمت بعض التطمينات، لكن العلاقات ستظل هشة حتى تقوم “أنقرة” بعمل ملموس.

وقال “لو دريان”، خلال جلسة استماع بالبرلمان، في وقت متأخر أمس الأول الثلاثاء: “لم تُعد هناك إهانات، واللغة مطمئنة أكثر”، مضيفًا إن إبعاد سفن التنقيب التركية عن المياه القبرصية، في “شرق البحر المتوسط”، وإبداء “أنقرة” رغبة في استئناف المحادثات مع “اليونان”، بشأن النزاع البحري طويل الأمد بينهما، تُعد إشارات إيجابية.

وأشار إلى أن العلاقات: “هشة لأن قائمة الخلافات طويلة جدًا، لكننا نريد علاقة صحية مع تركيا”؛ في إشارة إلى الخلافات بشأن “ليبيا والعراق وإقليم ناغورني قره باغ”.

وتابع: “هناك حاجة لأفعال، وسيكون بوسعنا اتخاذ موقف عند تنفيذ هذه الأفعال. حتى الآن هي أقوال فقط”.

إستباق للقمة الأوروبية..

حول السر في المساعي التركية للتقارب مجددًا مع الأوروبيين، يعتقد “رامي التلغ”، الباحث في العلوم السياسية بجامعة “باريس إست”، إن المسعى التركي لطي صفحة الخلافة مع “فرنسا”: “ينطوي على أكثر من هدف، أهمها إستباق القمة الأوروبية، التي ستنعقد أواخر شهر آذار/مارس الجاري، وستناقش حزمة جديدة من العقوبات ضد أنقرة، بسبب ملف التنقيب على الغاز في منطقة شرق المتوسط، بما يمكن أن يصل إلى حد إلغاء أو تعليق الوحدة الجمركية بين تركيا والاتحاد الأوروبي”.

ويقول “التلغ”: “يعي إردوغان جيدًا أن فرنسا تقود مجموعة الدولة المتشددة تجاه سياسات تركيا، التي تضم اليونان وهولندا وقبرص، لذلك أصبح يسعى لإيجاد نقاط تفاهم مع باريس من أجل تفادي العقوبات التي يمكن أن تعمق الأزمة الاقتصادية التي تمر بها أنقرة، خاصة أن البلاد تتجه نحو انتخابات؛ وسط تنامي قوة المعارضة، وعلى رأسها القوى المنشقة عن حزب العدالة والتنمية الحاكم”.

ويرى “التلغ” أن صعود الرئيس الأميركي، “جو بايدن”، إلى السلطة: “دفع النظام التركي إلى محاولة تحسين علاقاته مع جيرانه الأوروبيين، خشية الوقوع في عزلة دولية”، بالنظر إلى مواقف “واشنطن” الجديدة تجاه “أنقرة”.

الحوار هو الحل الوحيد..

ويقول “حمزة تكين”، في مقال نشر بموقع (وكالة أنباء تركيا)؛ تحت عنوان: “ماكرون.. السلطان سليمان القانوني يسلم عليك فاتعظ”، أن هناك نقطة واحدة حصلت خلال هذا اللقاء، الذي يأتي بعد تنبيهات عديدة ومديدة من “إردوغان”، لـ”ماكرون”، ليكون رجل سياسة حقيقي.

موضحًا أن النقطة؛ هي “الدولة العثمانية”، حيث أعاد “إردوغان”، “ماكرون”، بالزمن نحو 500 عام إلى الوراء، مذكرًا إياه بالعلاقات بين السلطان العثماني، “مولانا سليمان القانوني رحمه الله تعالى، والإمبراطور الفرنسي، فرانسوا الأول”.

وكأن: “إردوغان يقول، لماكرون، أنت اليوم مأزوم ومهزوم، كما كان فرانسوا الأول، مأزوم ومهزوم، ولن يستطيع أحد أن يساعدك للخروج من مأزقك اليوم إلا تركيا، كما لم يجد فرانسوا الأول، قبل نحو 500 عام، إلا الدولة العثمانية التي ساعدته للخروج من مأزقه”.

وكذلك: “كأن إردوغان يقول، لماكرون، إن الحوار بين تركيا وفرنسا هو الحل الوحيد اليوم لحل الخلافات، كما حصل بين السلطان سليمان القانوني وفرانسوا الأول، قبل نحو 500 عام، حيث أسس حوارهما وإنقاذ سليمان القانوني، لفرانسوا الأول، لتحالف بين الدولة العثمانية وفرنسا، استمر نحو 200 عام، حتى غدرت فرنسا”.

كأن يقول “إردوغان”، لـ”ماكرون”، الحوار هو الحل، أن العداء تجاه “تركيا” والعمل ضدها علنًا وهناك؛ فلن ينفعك شيء، ولن يجعل “تركيا” تستسلم أو تخضع لأمثالك من المنهزمين سياسيًا وإستراتيجيًا، وكذلك اللعب من تحت الطاولة مع هذا الطرف أو ذاك الطرف؛ للإضرار بـ”تركيا” ومصالحها هنا أو هناك فلن ينفعك أيضًا، بل وستكون أنت الخاسر بالنهاية ولن تجد من ينقذك، كما أنقذ السلطان “سليمان القانوني”، ملك فرنسا، “فرانسوا الأول”.

وللإشارة، أن يختار “إردوغان” لإجراء اللقاء “الإلكتروني المصور”؛ مع “ماكرون”، قاعة في المجمع الرئاسي بـ”أنقرة”، تضم بالغالب صور سلاطين الدولة العثمانية، فإن هذا الأمر ليس بعبثي بالتأكيد.. ويمكن لـ”ماكرون” أن يسأل “فرانسوا الأول” عن سبب هذا الاختيار.

لن تكون في أحسن أحوالها..

ورغم التواصل الأخير بين الرئيسين، يبدو أن العلاقات بين “باريس” و”أنقرة”، لن تكون في أحسن أحوالها على المدى المنظور، بسبب الملفات العالقة بين البلدين، خاصة ما يتعلق بالتدخل التركي في “ليبيا وسوريا”.

وفي 5 شباط/فبراير الماضي، انتقد “إردوغان”، دعوة نظيره الفرنسي، لـ”أنقرة”، لسحب قواتها من “ليبيا”، وقال في تصريحات صحافية، عقب أدائه صلاة الجمعة في أحد مساجد “إسطنبول”، معلقًا على تصريح “ماكرون”: “يبدو أنه لم يتعلم هذا الأمر، وتعلمه يتطلب الكثير من الوقت”.

لكن العقبة الأكبر هي شبكات التأثير التركي، الدينية والسياسية، داخل “فرنسا”، التي تجدد الجدل حولها، منذ الهجمات الإرهابية الأخيرة؛ التي استهدفت “فرنسا”، في خريف العام الماضي.

وكانت صحيفة (جورنال دو ديمانش) الفرنسية؛ قد نشرت، في 6 شباط/فبراير الماضي، تحقيقًا كشفت فيه عن تقارير أرسلتها أجهزة الاستخبارات الفرنسية الداخلية والخارجية إلى “ماكرون”، تتحدث عما سمته: “تسللاً تركيًا على نطاق واسع”، وعن الأهداف الإستراتيجية التي تقف خلف هذا التسلل الذي إنطلق من “أنقرة” عبر شبكات تديرها السفارة التركية وجهاز الاستخبارات التركي.

ميثاق مباديء الإسلام في فرنسا..

وفي 4 شباط/فبراير الماضي، أعلنت المنظمات الإسلامية التركية، المرتبطة بـ”أنقرة”، رفضها التوقيع على “ميثاق مباديء الإسلام في فرنسا”، الذي صيغ بالتوافق بين “مجلس الديانة الإسلامية” والحكومة الفرنسية؛ لإعادة تنظيم شؤون الإسلام داخل “فرنسا”.

فقد رفضت كل من: “لجنة تنسيق الجمعيات التركية الإسلامية في فرنسا”، وهي منظمة تابعة إداريًا وماليًا للحكومة التركية، و”حركة مللي غوروش”؛ وهي الجناح الأوروبي للإسلام السياسي التركي، التوقيع على الميثاق، لأنه يدين تيار “الإسلام السياسي” والولاء للخارج والدعاية السياسية داخل المساجد.

وكانت “باريس”؛ قد أعلنت في 5 تشرين ثان/نوفمبر 2020، حل جماعة (الذئاب الرمادية) التركية المتطرفة، بعد يومين من فرض الحكومة الفرنسية حظرًا عليها، وقال وزير الداخلية الفرنسي، “غيرالد دارمانان”، في التغريدة التي حملت إعلان حل الجماعة، إن الأخيرة: “تحرض على التمييز والكراهية، ومتورطة في أعمال عنف”.

وتتهم وسائل إعلام فرنسية، الحركة؛ بأنها على صلة قوية بالرئيس التركي، باعتبارها مرتبطة بـ”حزب الحركة القومية” التركي، المتحالف مع “حزب العدالة والتنمية”، بزعامة “إردوغان”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة