خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في خطوة جديدة يُراد بها تضييق الخناق على الشعب التركي، أقر البرلمان، أمس الأحد، قانونًا لتعزيز الإشراف على المؤسسات الخيرية والجمعيات الأهلية، وهو ما يُقيد حريات مؤسسات المجتمع المدني.
ويسمح القانون، لحكومة “رجب طيب إردوغان”، بتغيير أعضاء الجمعيات، الذين تُحقق معهم السلطات في اتهامات بالإرهاب، كما يحق للوزارة التقدم بطلب إلى القضاء لوقف أنشطة الجمعيات.
وبحسب بنود القانون، فإن المنظمات الدولية العاملة في “تركيا”، ستخضع أيضًا لهذا القانون والعقوبات التي يفرضها.
وكان “حزب العدالة والتنمية”، الحاكم في “تركيا”، قد اقترح هذا القانون مع حلفائه القوميين.
ذريعة لسحق المعارضة..
مسبقًا قال المعارضون الأتراك؛ إن حكومة “إردوغان” استخدمت محاولة الانقلاب، التي وقعت في 2016، ذريعة لسحق المعارضة، بينما تقول الحكومة إن هذه التدابير ضرورية في ضوء التهديدات الأمنية التي تواجهها “تركيا”.
وبموجب القانون، يفتش موظفون مدنيون، المنظمات، كل عام وبإمكانهم الإطلاع على أي مستندات.
ويسمح القانون الجديد، لـ”وزارة الداخلية” بوقف أنشطة المؤسسات الخيرية والجمعيات الأهلية، في خطوة تُعزز سيطرة الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، على منظمات المجتمع المدني، بعد المؤسسات الرسمية.
كما يمنح القانون، الذي اقترحه “حزب العدالة والتنمية” الحاكم، بدعم من حليفه “حزب الحركة القومية”، لـ”وزارة الداخلية” والولاة؛ سلطة حل مجالس إدارات الجمعيات بعد الحصول على موافقة السلطات القضائية إذا كان المشرفون على الجمعيات يواجهون اتهامات بالإرهاب، كما يمنح القانون للشرطة حق الإطلاع على أي مستندات تخص الجمعيات.
اتهام رئيس مؤسسة “الأناضول” بالتجسس والإرهاب !
ومن أبرز رؤساء منظمات المجتمع المدني الذين يحاكَمون بتهم تتعلق بالتجسس والإرهاب، رئيس مؤسسة “الأناضول” الثقافية، رجل الأعمال الناشط البارز، “عثمان كافالا”، الذي تَعد المنظمات الحقوقية الدولية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قضيته نموذجًا للضغوط التي يمارسها “إردوغان” على معارضيه.
ويعطي القانون للولاة أو وزير الداخلية؛ سلطات لوقف أي حملة تبرعات إلكترونية تحت مسمى: “منع تمويل الإرهاب وغسل الأموال”.
ويفرض غرامات تصل إلى نحو 26500 دولار على أي منظمة ترى الحكومة أنها متورطة في حملات تبرع غير قانونية.
إخضاع المنظمات الدولية للعقوبات..
ومن أكثر البنود إثارةً للجدل، يعطي القانون، السلطات، صلاحية إخضاع المنظمات الدولية العاملة في “تركيا” للعقوبات التي يمكن فرضها على المنظمات المحلية.
طرح القانون؛ أشعل جدلاً داخليًا وخارجيًا، حيث رفضته أحزاب من المعارضة التركية، بينما قالت 7 منظمات دولية، منها “رابطة حقوق الإنسان” و”منظمة العفو الدولية”، في بيان، إن اتهامات الإرهاب في “تركيا” تعسفية، لافتةً إلى أنه يوجد عشرات الآلاف من المعتقلين في السجون بتهمة الإرهاب، وإلى أن قانون مكافحة الإرهاب التركي ينتهك مبدأ براءة المتهم حتى تثبت إدانته ويعاقب من لم تُستكمل محاكماتهم بعد.
وأكد البيان؛ أنه: “في ضوء التحقيقات التي تجرى مع الآلاف من ناشطي المجتمع المدني والصحافيين والساسة وأعضاء النقابات المهنية في إطار قانون مكافحة الإرهاب، ما من شك في أن هذا القانون سيستهدف كل الجمعيات المعارضة تقريبًا”.
انتقادات دولية لاعتقالات تركيا..
وانتقدت منظمات حقوقية دولية، بشدة، حملة التطهير الواسعة التي أطلقتها الحكومة التركية، بأوامر من “إردوغان”، عقب محاولة الانقلاب الفاشلة، في 15 تموز/يوليو 2016، والاعتقالات “العشوائية” التي جرت في تلك الفترة، ولا تزال مستمرة حتى الآن، إلى جانب العقاب الجماعي لأسر معتقلين على ذمة هذه القضية بزعم إرتباطهم بحركة “الخدمة” التابعة للداعية، “فتح الله غولن”، الحليف الوثيق السابق لـ”إردوغان”؛ وخصمه الحالي، والذي يتهمه الرئيس التركي بالوقوف وراء محاولة الانقلاب عليه.
بينما تؤكد المعارضة التركية أن الحملة ما هي إلا وسيلة لترهيب أي صوت مخالف لـ”إردوغان”، وأن اتهامات الإرهاب وإهانة الرئيس باتت سيفًا مسلطًا على رقاب كل من تسول له نفسه انتقاد “إردوغان”.
خلاف شديد مع “الاتحاد الأوروبي”..
وبسبب “قانون مكافحة الإرهاب”، دخلت “تركيا” في خلاف شديد مع “الاتحاد الأوروبي” لأنها رفضت تعديل القانون، الذي بدأت “أنقرة” تطبيقه على السياسيين المعارضين لـ”إردوغان”. ووضع التكتل تعديل القانون ضمن شروط لتحقيق رغبة “تركيا” في إعفاء مواطنيها من تأشيرة “شنغن”.
وسبق وأن حذر الاتحاد مرارًا من إنهيار دولة القانون في “تركيا”، في ظل الممارسات القمعية الغير مسبوقة التي رافقت محاولة الانقلاب الفاشلة، واعتقال الصحافيين والسياسيين والناشطين المعارضين لـ”إردوغان”، والرفض المتكرر لقرارات “محكمة حقوق الإنسان الأوروبية” المتعلقة بإنتهاك حقوق الموقوفين القانونية وإطالة فترة الحبس الاحتياطي دون توجيه اتهامات.
ولفتت المتحدثة باسم وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، “نبيلة نسرالي”، إلى أنه باعتبارها بلدًا مرشحًا، (لعضوية الاتحاد)، وعضوًا منذ أمد طويل في “مجلس أوروبا”، يجب على “تركيا” بشكل عاجل تحقيق تقدم ملموس ومستدام في حماية الحقوق الأساسية التي تمثل حجر زاوية في العلاقات بين “الاتحاد الأوروبي” و”تركيا”.
وشددت على أن ذلك يشمل إسراع النظام القضائي التركي في تطبيق قرارات “المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان” والإفراج العاجل عن، “عثمان كافالا” و”صلاح الدين دميرطاش”، (الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي).
والصحافي التركي، “جان دوندار”، يعيش في المنفى بألمانيا، وفر في 2016، وحكم عليه بالسجن غيابيًا لأكثر من 27 عامًا؛ بتهمة التجسس ومساعدة منظمة إرهابية، وأيضًا حُكم عليه بالسجن 18 عامًا وتسعة أشهر بتهمة الحصول على أسرار دولة بغرض التجسس السياسي أو العسكري. إلا أنه تمت تبرئته من اتهامات “إفشاء” معلومات سرية.
كما حكمت المحكمة عليه، بالسجن ثماني سنوات وتسعة أشهر أخرى؛ بتهمة دعم منظمة إرهابية مسلحة، دون أن يكون عضوًا فيها.
وواجه “دوندار”، رئيس التحرير السابق لصحيفة (جمهوريت) التركية اليومية، عقوبة السجن 35 عامًا بتهمة دعم الإرهاب و”التجسس السياسي أو العسكري”.
وسعى ممثلو الإدعاء إلى سجن “دوندار”، بسبب تغطية (جمهوريت)، عام 2015، لإرسال المخابرات التركية شحنات أسلحة إلى الجماعات المسلحة في “سوريا”، والتي نُشرت أثناء قيادته الصحيفة اليومية.
وردًّا على اتهامات التجسس، كتب “دوندار”، على موقع (تويتر): “إذاً، أنا جاسوس عديم الخبرة لدرجة أنني قمت بنشر المعلومات التي حصلت عليها في الصفحة الأولى… بدلاً من تسريبها إلى وكالات أجنبية”.
وتم الاستيلاء على ثلاث عقارات في “إسطنبول” و”أنقرة” ومقاطعة “موغلا” الجنوبية، بالإضافة إلى الحسابات المصرفية لـ”دوندار”، وسيتم تسليم الأصول إلى صندوق تأمين ودائع الإدخار في تركيا، (تي. إم. إس. إف) للإدارة.
يتهم أوروبا بتوفير ملاذات للإرهابيين !
بينما يقابل “إردوغان” هذا باتهام، “أوروبا”، بتوفير ملاذات آمنة لمن يسميهم إرهابيين، مؤكدًا رفضه تعديل “قانون مكافحة الإرهاب”.
يُذكر أنه في 2020، تصدرت “تركيا” قائمة الدول التي يتعرض شعبها لانتهاكات قمعية، على يد السلطات الحاكمة التابعة لـ”حزب العدالة والتنمية”، حيث ارتفعت معدلات انتهاكات حقوق الإنسان في عام واحد بنسبة 20%، قبل أيام من حلول العام الجديد.