وكالات – كتابات :
قدرت وحدة الدراسات الإيرانية بـ”مركز الروابط للدراسات الإستراتيجية”، في أحدث تقديراتها التحليلية أن التفاؤل الإيراني بقدوم الرئيس الأميركي الجديد، “جو بايدن”، لا يزال محل اختبار، وربما قد يحتاج القلق الإيراني المزيد من الوقت ليتلاشى أو يتصاعد مع الإدارة الأميركية الجديدة.
معتبرًا، مركز “الروابط”؛ أن رحيل إدارة، “دونالد ترامب”، لا يعني أن هناك إنفراج في العلاقات “الأميركية-الإيرانية”، لذلك “إيران” أرسلت عدة رسائل لـ”الولايات المتحدة” للضغط عليها لاختبارها، ومن هذه الرسائل :
جدية التهديد النووي..
1 – بدء تخصيب (اليورانيوم)؛ بدرجة نقاء تصل إلى 20 في المئة، والخطوة، هي الأولى التي تنفذ ضمن مجموعة خطوات نووية، أقرها “البرلمان الإيراني”، في قانون “المبادرة الإستراتيجية لإلغاء العقوبات الأميركية”، بعيد اغتيال العالم النووي البارز، “محسن فخري زادة”، بالقرب من العاصمة، “طهران”، يوم 27 تشرين ثان/نوفمبر الماضي.
تليها خطوة أخرى، تكتسب هي أيضًا أهمية كبيرة، تطال الرقابة الأممية على البرنامج النووي الإيراني، حيث ألزم البرلمان، الحكومة الإيرانية، أيضًا بإنهاء تنفيذ البروتوكل الإضافي، خلال شهرين، يحين موعده نهاية الشهر الفائت، إذا لم تقم أطراف “الاتفاق النووي” بتنفيذ تعهداتها لتمكين “طهران” من جني ثمار الاتفاق اقتصاديًا من خلال رفض الإلتزام بـ”العقوبات الأميركية” الشاملة والتاريخية.
والبروتوكول، الذي قبلت به “إيران”، (طوعًا)، في إطار “الاتفاق النووي” وتحول إلى تعهد يفرض رقابة صارمة على البرنامج.
وحسب معلومات خاصة، حصل عليها “مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية”، فإن “إيران”، قبل التوقيع على “الاتفاق النووي” مع إدارة الرئيس الأميركي الأسبق، “باراك أوباما”، كانت قد أمتلكت التكنولوجيا النووية التي تؤهلها لإنتاج القنبلة النووية. وهذا مؤشر خطير جدًا بأن إمتلاكها للقنبلة النووية قد يكون مجرد وقت ليس إلا.
النفاذ إلى أفغانستان عبر بوابة “طالبان”..
تنسيق “إيران” مع حركة “طالبان”؛ لاستهداف القوات الأميركية في “أفغانستان”، حيث وصل الشهر الفائت وفد رفيع المستوى من حركة “طالبان” الأفغانية إلى العاصمة الإيرانية، “طهران”، في أول زيارة من نوعها بعد بدء مفاوضات السلام بين الحكومة الأفغانية والحركة.
وأفاد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، “سعيد خطيب زاده”، بأن وفدًا يترأسه رئيس المكتب السياسي لطالبان، الملا “عبدالغني برادر”، وصل إلى العاصمة، “طهران”، بدعوة رسمية من “وزارة الخارجية الإيرانية”.
وأشار إلى أن الوفد سيلتقي مسؤولين إيرانيين، على رأسهم وزير الخارجية، “محمد جواد ظريف”، مؤكدًا أنه سيكون هناك تبادل لوجهات النظر ومشاورات بشأن عملية السلام في “أفغانستان” والقضايا ذوات الصلة. من جهته، قال المتحدث باسم المكتب السياسي لطالبان، “محمد نعيم” – عبر حسابه في (تويتر) – إن الملا “برادر” سيناقش مع المسؤولين الإيرانيين الوضع السياسي والأمني في “أفغانستان” والمنطقة.
تقوية الأذرع الميليشياوية..
3 – تقوية الميليشيات الولائية، لاستهداف “الولايات المتحدة الأميركية”، في “العراق”، والدول الحليفة لها في “الخليج العربي”، قد تكون الميليشيات المدعومة من “إيران” بصدد تحويل تركيزها نحو “السعودية” و”الإمارات”، وربما تستغل مخاوف دول الخليج بأن القيادة الأميركية الجديدة في الفرعين التنفيذي والتشريعي لن تهرع إلى الدفاع عن هذه الدول، لا سيما في حال تعرضها لهجمات غير فتاكة.
ربما تختبر “إيران” قدرتها على شن هجمات متعددة الاتجاهات على “السعودية” من أراضٍ مختلفة، وتعمل على تقييم رد فعل “الولايات المتحدة”؛ على مثل هذه الضربات.
ففي 26 كانون ثان/يناير 2021، على سبيل المثال، عرضت قناة (الكوثر) الفضائية، التابعة لـ (كتائب حزب الله)؛ خريطة تُظهر صور للهجمات على “السعودية” وهي قادمة من “صعدة”، (في اليمن التي يسيطر عليها الحوثيون)، ومن “البوكمال”، (منطقة سورية تسيطر عليها الميليشيات المدعومة من إيران)، و “جرف الصخر”، (قاعدة “كتائب حزب الله” المذكورة أعلاه)، و”لبنان”، و”إيران”.
يبدو أن “طهران” تختبر قدرتها على إرباك المجتمع الدولي برسائل منسقة من الميليشيات. على سبيل المثال، بدا وكأن الجماعات العراقية تدعم الاختراقات في “الرياض” وتربطها بشكاوى الميليشيات، في حين سرعان ما نفى “الحوثيون” أي مسؤولية لهم. وقد ينبع نفي الحوثيين من الرغبة في تقليل التوترات مع “الولايات المتحدة” وتأمين التخفيف من العقوبات الأخيرة.
ومهما كان الأمر، يبدو أن “إيران” ووكلائها هم الآن أكثر مهارة في السيطرة على السردية حول مصدر ضرباتهم، ويبدو أنهم تعلّموا من جهودهم الأقل فاعلية بعد الهجوم على خط الأنابيب السعودي، في أيار/مايو 2019، (عندما تظاهر الحوثيون بأنهم أطلقوا طائرات بدون طيار جاءت أساسًا من العراق)، وهجوم أيلول/سبتمبر 2019؛ على “بقيق” (عندما أطلق الحوثيون طائرات مُسيّرة قصيرة المدى؛ في الوقت نفسه الذي دخلت فيه صواريخ إلى السعودية من إيران والعراق).
ممارسة “أقصى درجات الضغط” على واشنطن..
أما الهدف الإيراني الأساس، وراء اتخاذ هذه الرسائل، فهو ممارسة أقصى درجات الضغط على “الولايات المتحدة” و”أوروبا” لرفع العقوبات.
لذلك؛ فهي قد تستخدم أوراقها في “العراق واليمن وسوريا ولبنان” لتزيد الضغط على الإدارة الأميركية الحالية.
ومن جانبها؛ فإن إداردة “بايدن” لن تخضع للرسائل الاستفزازية، فهي قد تذهب إلى المفاوضات مع “طهران”، ولكن ليس على قاعدة رفع العقوبات عليها، فالعقوبات من وجهة النظر الأميركية لن تُرفع إلا بعد التوصل إلى اتفاق شامل حول القضايا الخلافية مع “طهران”، وفي مقدمتها البرنامج النووي والصاروخي وتدخلاتها التي تهدف إلى ضرب النسيج الوطني في بعض الدول العربية، وفي مقدمتها “العراق وسوريا واليمن ولبنان”.
لذلك فإن دبلوماسية البوارج وطائرات (B-52)؛ لا تزال حاضرة في مياه “الخليج العربي”، وبالقرب من السواحل الإيرانية، وذلك في سياق الصراع “الأميركي-الإيراني”.
ومع ذلك فإن الإدارة الأميركية غير مكترثة، في الوقت الحالي، بالمفاوضات مع “طهران”، فهي الآن، أي الإدارة الأميركية، اهتمامها في المقام الأول منحصر في إصلاح الشأن الداخلي الأميركي، خاصة أن إرث “ترامب” ليس من السهولة تجاوزه، ناهيك عن المشكلات الصحية والاقتصادية التي تعاني منها “الولايات المتحدة الأميركية”، لذلك فقد تكون السنة الأولى من عمر الإدارة الجديدة منكبة على الشأن الداخلي، وليس الخارجي.
وأن يكون العمل على استعادة “الولايات المتحدة” مكانتها وهيبتها في النظام العالمي أول الأولويات المتعلقة بسياسته الخارجية.
الهدوء الأميركي وفراغ صبر “طهران”..
على العكس من “إيران” تمامًا، التي تبدو في عجلة من أمرها، لأن “العقوبات الأميركية”، التي فرضت عليها في عهد الإدارة الأميركية السابقة، أرهقتها كثيرًا، وليس لديها المزيد من الوقت للصبر على تأثيرها في الداخل الإيراني، لذلك ترغب “إيران” بعودة “الولايات المتحدة الأميركية” إلى “الاتفاق النووي”، دون إحداث أي تعديلات أو إضافات عليه.
فهي، أي “إيران”، من باب المناورة السياسية قد لا تمانع بعد العودة “الولايات المتحدة الأميركية” إلى “الاتفاق النووي”، أن تتفاوض معها ومع دول “الخليج العربي”؛ فيما يتعلق ببرنامجها الصاروخي وتدخلاتها السافرة في شؤون بعض الدول العربية، وإذا ضمنوا الايرانيون عودة “الولايات المتحدة الأميركية” إلى الاتفاق، فقد تتحول المفاوضات إلى عملية تفاوض تستغرق سنوات دون التوصل إلى أي نتيجة.
الاضطرار إلى الاستفزاز العسكري..
ومع فشل العودة الفورية لـ”الولايات المتحدة الأميركية” إلى “الاتفاق النووي”، فأنه يكون صبر “إيران” قد نفذ، وبحسب معلومات خاصة، حصل عليها “مركز الروابط”، قد تقدم الميليشيات الولائية، في الشهر القادم، على استهداف المصالح الأميركية في “العراق”، وكأن “إيران” بهذا الاستهداف تحاول إجبار “الولايات المتحدة الأميركية” على توجيه ضربة عسكرية مباشرة، لتهرب بها إلى الأمام لعل تجد حل لرفع العقوبات عنها، لكن “الولايات المتحدة الأميركية”؛ ربما لن تنجر وراء المخطط الإيراني، لاسيما وأن “إيران” مقبلة على انتخابات رئاسية في الأشهر القليلة القادمة، فـ”واشنطن” ستعمل على مراقبة الوضع الداخلي الايراني دون الاشتباك المباشر معها.
في سياق هذه الأجواء المشحونة بين “واشنطن” و”طهران”، يدرك “مصطفى الكاظمي”، رئبس وزراء العراق، بأن الخاسر الأكبر من هذا الصراع سوف يكون “العراق”، لذلك يسعى بكل قوة عبر دبلوماسية الوفود التي يرسلها إلى “طهران”؛ مفادها بأن “العراق” لن يكون ساحة أميركية ضد “إيران”. لكن الإيرانيون، وخاصة بعد تلقيهم ضريبة موجعة جدًا، والتي تمثلت بمقتل “قاسم سليماني”، العام الفائت، لن يعتمدوا على أي جهة لضمان أمنهم ومصالحهم في “العراق”.
قبل أيام صرّح الرئيس الإيراني، “حسن روحاني”، عن السنوات الصعبة التي عاشتها “إيران” في عهد الرئيس الأميركي السابق، “دونالد ترامب”، قائلاً: “أشهد لله أنه في هذه السنوات الثلاث لم يكن لي أن أنام بسلام، وفي كل هذه السنوات الثلاث شعرت بنفس الشعور الذي شعرنا به طيلة ثماني سنوات خلال الحرب المفروضة”.
ولكن ربما الثلاث سنوات تلك تطول مع إدارة “بايدن”، ربما يكون “بايدن” هو الوجه الآخر لسياسة “ترامب” ضد “إيران”، دعنا نراقب ذلك.