خاص : كتبت – نشوى الحفني :
ما إن خرج الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، من محنته المرضية، إلا وأعاد السجال بينه وبين إيران مرة أخرى، وكأنه يريد إصابة الأهداف في مركزها ليعوض الأيام السابقة التي لم يستطع خلالها القيام بمناظراته الانتخابية، لذلك وجه مساء الجمعة، رسالة إلى إيران، محذرًا إياها من “التلاعب بالولايات المتحدة الأميركية”.
وخلال مقابلة إذاعية مباشرة، قال “ترامب”: “إذا قامت إيران بالعبث معنا، إذا فعلت شيئًا سيئًا لنا، فسنرد بأشياء لم يتم القيام بها من قبل”، متوقعًا أن تبرم إيران اتفاقا نوويًا جديدًا مع الولايات المتحدة إذا فاز في انتخابات؛ 3 تشرين ثان/نوفمبر المقبل.
وقال: “إذا فزت، سيكون لدينا صفقة كبيرة مع إيران في غضون شهر واحد”. وأضاف: “وهم يعرفون أنهم إذا فعلوا أي شيء ضدنا، فسوف يدفعون الثمن ألف ضعف”.
تصريحات وقحة..
ورد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، “سعيد خطيب زادة”، أمس السبت، على تصريحات “ترامب”، قائلاً في تغريدة له، عبر حسابه على (تويتر)، إن: “الشعب الإيراني لن ترعبه التصريحات المتغطرسة الوقحة لنظام الولايات المتحدة المهزوم وعديم القانون”، وذلك حسب وكالة (فارس) الإيرانية.
وأضاف: “شعبنا لن يتوانى عن القيام بأي عمل للدفاع عن عزته. نحن الذين نختار أسلوب الرد على جرائم الولايات المتحدة، ومنها إجراءات الحظر الجنونية وعملية الاغتيال الغادرة للقائد الشهيد سليماني، العدو رقم واحد لداعش”.
تهديدات مسبقة..
وكان الرئيس الأميركي، مؤخرًا، قال إن أي هجوم إيراني على الولايات المتحدة سيواجه برد أقوى بـ 1000 مرة. وقال في تغريدات على موقع (تويتر): “وفقًا لتقارير صحافية تخطط إيران ربما لعملية اغتيال أو هجوم ضد الولايات المتحدة انتقامًا لمقتل القائد الإرهابي، قاسم سليماني، والذي تم تنفيذه لتخطيطه لهجوم مستقبلي، وقتل القوات الأميركية، وزيادة الموت والمعاناة التي تسبب بهما على مدى سنوات عديدة”.
فيما وجهت إيران، رسالة احتجاج إلى الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، ردًا على تهديدات الرئيس الأميركي الأخيرة ضد إيران. واعتبر سفير إيران الدائم لدى الأمم المتحدة، “مجيد تخت روانجي”، في هذه الرسالة، تهديدات “ترامب” انتهاكًا لمباديء ميثاق منظمة “الأمم المتحدة”، ومنها المادة (2) التي تمنع صراحة التهديد أو استخدام القوة.
تخطيط لمحاولات اغتيال..
وكانت صحيفة (بوليتيكو) الأميركية نقلت عن مسؤولين حكوميين قولهما إن: “النظام الإيراني خطط لمحاولة اغتيال السفيرة الأميركية في جنوب إفريقيا منذ الربيع”، مضيفة أن: “أنباء المؤامرة تأتي في الوقت الذي تواصل إيران البحث عن طرق للرد على قرار الرئيس، دونالد ترامب، قتل الجنرال الإيراني القوي، “قاسم سليماني”، في وقت سابق من هذا العام.
فرض عقوبات جديدة..
واسبتق هذا التهديد من قبل “ترامب”، إعلان الولايات المتحدة فرض عقوبات على 18 مصرفًا إيرانيًا، وذلك في ضربة أخرى للاقتصاد الذي يعاني بالفعل من العقوبات الأميركية.
وتستهدف هذه العقوبات، المؤسسات المالية الأجنبية وغير الإيرانية التي تتعامل مع مصارف وشركات إيرانية.
وستدخل هذه العقوبات حيز التنفيذ بعد 45 يومًا من تاريخ صدور القرار.
وقال وزير الخزانة الأميركي، “ستيفن منوتشين”، في بيان: “عقوباتنا ستستمر إلى أن تتوقف إيران عن دعم الأنشطة الإرهابية وتضع حدًا لبرامجها النووية”.
ويحذر منتقدو هذا القرار من أن العقوبات ستجعل من الصعب إدخال السلع الإنسانية إلى إيران، وهي سلع مطلوبة بشكل خاص وسط جائحة فيروس (كورونا).
وفي المقابل؛ قال وزير الخارجية الإيراني، “جواد ظريف”، في تغريدة: “خلال جائحة فيروس كورونا تريد الولايات المتحدة نسف آخر قنوات لشراء الغذاء والدواء، سوف ينجو الإيرانيون من هذه الأعمال الوحشية”.
وأضاف “ظريف” أن: “التآمر لتجويع الشعب يعتبر جريمة ضد الإنسانية. المجرمون والمساعدون في حظر أموالنا سيواجهون العدالة”.
وكانت واشنطن قد وقعت عقوبات على أكثر من عشرين شخصًا وكيانًا، لهم علاقة ببرنامجي إيران النووي والصاروخي وأسلحتها التقليدية قبل نحو أسبوعين .
وكان “ترامب”، قد انسحب من اتفاق موقع مع إيران والقوى الكبرى في عام 2018.
وبنهاية كانون ثان/يناير من العام المقبل، ستكون بالولايات المتحدة إما إدارة الرئيس الحالي، “دونالد ترامب”، المتعثرة في ولايتها الثانية، وإما إدارة جديدة بقيادة، “جو بايدن”، والتي ستكون حريصة على إعادة توجيه السياسة الخارجية للبلاد.
حريصان على التوصل لتسوية على طهران..
وكالة (بلومبرغ) للأنباء؛ ترى أن الرجلين حريصان على التوصل سريعًا إلى تسوية مع طهران: فـ”ترامب” يتفاخر بأنه قادر على التفاوض على اتفاق خلال أربعة أسابيع؛ بينما سيرغب “بايدن” في إحراز تقدم في أهدافه المتعلقة بالسياسة الخارجية خلال المئة يوم الأولى له في البيت الأبيض.
وقد تعهد كل من الرئيس ومنافسه بإعطاء أولوية لملف تعامل الولايات المتحدة مع الجمهورية الإسلامية. وبينما يرغب “بايدن” في العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015، مع بعض التحفظات، يريد “ترامب” اتفاقًا جديدًا أكثر صرامة يغطي قضايا مثل التدخلات الإقليمية وبرامج الصواريخ الإيرانية.
وفي أي من السيناريوهين، فإنه من المرجح أن يكون الحافز الأول لإيران هو تخفيف العقوبات الأميركية على صادراتها النفطية.
غير أن هناك حقيقة مزعجة لم يلتفت إليها أي منهما، وهي أن أسواق النفط العالمية، وخاصة دول الخليج العربية المنتجة للنفط، غير مستعدة لعودة النفط الإيراني.
وتضيف الوكالة أنه حتى مع قيام الولايات المتحدة بتسريع الجهود للتوصل إلى اتفاق مع إيران مطلع عام 2021، سوف تقوم دول الخليج العربية بحساب ما تتكبده من تكاليف نتيجة أزمتي عام 2020: “حرب النفط (الروسية-السعودية) وجائحة فيروس (كورونا)”.
وتشير التوقعات الأكثر تفاؤلاً لأسعار النفط، والقائمة على فرضية أن توافق الجهات التنظيمية على لقاح واحد على الأقل لعلاج (كورونا) في الولايات المتحدة بحلول نهاية عام 2020، إلى تعافي أسعار النفط إلى 65 دولارًا للبرميل بحلول نهاية عام 2021. وهذا أقل من نقطة التعادل، (وهي النقطة التي تتساوى عندها النفقات والإيرادات)، لمعظم دول الخليج، حتى مع تبنيها لموازنات شديدة التقشف.
كذلك ستؤدي عودة النفط الإيراني إلى انخفاض الأسعار بصورة أكبر، ما يعمق آلام المنتجين العرب، وهو ما لا يبشر بالخير لفرص التوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران.
ولكي تنجح أي تسوية مع إيران، فإنه يتعين أن تشمل جيرانها، وخاصة السعودية والإمارات والبحرين، على طاولة المفاوضات، إلا أنهم في الواقع لن يكونوا في وضع يسمح لهم بالتفاوض عندما يكونون في أضعف حالاتهم من الناحية الاقتصادية.
معركة الكونغرس الأميركي..
وتوضح (بلومبرغ) أن ما يعقّد الأمور بصورة أكبر، هو أنه بغض النظر عمن سيصبح سيد البيت الأبيض، فمن المؤكد أنه ستكون هناك معركة في الكونغرس الأميركي، عام 2021، حول العلاقات “السعودية-الأميركية”، في ظل دعوات من الحزبين (الجمهوري) و(الديمقراطي) لتعليق مبيعات الأسلحة أو تقليصها، كعقاب على ما توصف بأنها أمور مسيئة من جانب الرياض، تتراوح بين معاملتها للصحافيين إلى المزاعم بشأن قيامها بأنشطة استخباراتية على الأراضي الأميركية.
ومتوقع أن تكون إدارة “بايدن” قاسية بشكل خاص مع السعودية. ووفقًا لحملته، فإنه سيعيد تقييم العلاقات الثنائية. ومن بين الأفكار التي يدرسها فريق “بايدن” للسياسة الخارجية إبداء الاستياء، عن طريق وضع السعوديين في “ركن العقاب”، مطلع عام 2021، قبل استئناف العلاقات الدبلوماسية والأمنية بصورتها الطبيعية بنهاية العام.
إلا أن أي محاولة للتفاوض على اتفاق جديد في هذه الأجواء لن تؤدي إلا إلى إثارة عداء الرياض، وليس التشجيع على تغيير السلوك السعودي.
إتباع استراتيجية جديدة..
من جهة أخرى، ستكون إيران في موقف قوي، في 2021، إذا ما حرص سيد “البيت الأبيض” على التوصل إلى اتفاق. لكن نظرًا للحالة المتردية لاقتصادها وخنقها بالعقوبات الاقتصادية الأميركية، فقد يتم إقناع طهران بالعودة إلى المفاوضات مقابل تخفيف العقوبات على صادراتها النفطية.
وقد تكون هذه على الأرجح أفضل استراتيجية تتبعها جميع الأطراف: تحول بطيء، خلال عام 2021، مع حوافز لتهدئة التوترات الإقليمية وللمساعدة على التعافي الاقتصادي، ولكن ليس إعادة إيران لأسواق النفط.
وبدلاً من التسرع لإبرام اتفاق جديد، يتعين على الولايات المتحدة تشجيع إيران وجيرانها العرب لاستغلال عام 2021؛ لاتخاذ تدابير لبناء الثقة، مثل التعاون في التعامل مع جائحة فيروس (كورونا) وصور أخرى للمشاركة الاقتصادية كانت بدت ممكنة عندما تم التوقيع على الاتفاق النووي عام 2015 .
تحركات إيران المستقبلية..
ومن المنتظر أن تقوم إيران، بدورها، بإبداء حسن النية بالتنصل علنًا على الأقل من دعم المتمردين الحوثيين في اليمن، ووقف توريد الأسلحة والتدريب. كما أن عودة مفتشي “الوكالة الدولة للطاقة الذرية” سيوفر فرصة لطهران لإظهار الرغبة في التعاون مع المبادرات الدولية. ويمكنها أيضًا فتح الباب أمام مفاوضات تمهيدية لوقف أي أنشطة تخصيب أخرى لديها.
وخلال العام ذاته، يمكن أن تقوم دول الخليج العربية بتعزيز اقتصاداتها المتضررة بتدابير تقشفية وربما التحول سريعًا للخصخصة أو تبني مبادرات سياحية.
وربما يمهد هذا، إلى جانب التعافي الاقتصادي العالمي، إلى أن يكون عام 2022 أكثر مناسبة لإبرام اتفاق جديد مع إيران.