كتب – محمد بناية :
شارفت خرافة “أبو بكر البغدادي” وخلافته المزعومة على النهاية بعد تحرير “الموصل” بشكل كامل من الدواعش. والسؤال المطروح الآن هو: “في أي اتجاه ستكون بوصلة التطورات العراقية بل وتداعيات ذلك على منطقة الشرق الأوسط ؟”.
في غضون ذلك يلقي موضوع استقلال أكراد العراق بقيادة “مسعود البارزاني” بظلاله على المستقبل السياسي للعراق.. “فماذا سيفعل العراق والشرق الأوسط حال نجاح الاستفتاء ؟.. وأي نظام سوف يختار العراق أساساً بعد مرحلة داعش ؟”.
في هذا الصدد أجرت صحيفة “الأيام” الإيرانية، حواراً حصرياً مع الدكتور “عبد الله مهربان” الخبير في الشأن الكردي، والدكتور “هاشم كرمي” الاستاذ بجامعة “جريمان بكردستان” العراق.
الأكراد عازمون على إجراء الاستفتاء مهما حدث..
يقول “عبد الله مهربان”: “بذل البارزاني جهوداً كبيرة خلال الأعوام الماضية لإجراء الاستفتاء قبل الإجهاز على “داعش”، وهو يعتقد أن الخلافات الداخلية بين التيارات السياسية في إقليم كردستان هي العائق الأساس دون تحقق الاستقلال. والآن ثمة حساسية مزدوجة بشأن إجراء الاستفتاء بعد أن باتت القوات العراقية قاب قوسين أو أدنى من تحرير الموصل. والبارزاني مدرك لتلكم الحساسية ولذا أعلن أنه لن يترشح لرئاسة الإقليم مجدداً، وبالنظر إلى الأبعاد النفسية للبارزاني يتضح إن الاستفتاء سوف يُجرى في 25 أيلول/سبتمبر المقبل تحت أي ظرف”.
شكل جديد للعلاقات في “عراق ما بعد داعش”..
يضيف مهربان: “بعد مرور ما يقرب من 100 عام على تشكيل الدولة العراقية، لم تتبلور حتى الآن جدلية الحكومة – الشعب بالمعنى الحقيقي. والحقيقة كانت الفجوات الثقافية والسياسية والاجتماعية مخبوءة طوال تلك الفترة، والآن نحن نشاهد البروز الملموس لتلكم الفجوات. ويجب في ظل الأوضاع الراهنة التأكيد على حقيقة اختلاف عراق ما بعد داعش عن العراق القديم، كذا تجدر الإشارة إلى وجود حزمة من المصالح المشتركة بين أربيل وبغداد نظراً للقيود الجيوسياسية، لكن على الصعيد العملي سواءً في مرحلة ما قبل داعش أو بعده كانت حكومة إقليم كردستان تتمتع بالاستقلالية إلى حد كبير. عموماً يمكن القول إن كان للأكرد حكومة الأمر الواقع في الفترة 1991 – 2033 وذلك ضمن تقديم الإقليم في شكل فيدرالية. لكن بعد 2003 رأينا كيف كان الأكراد يتعاملون كحكومة مستقلة إلى حد كبير”.
حتمية التعاون بين الأكراد والحكومة المركزية..
فيما يخص مستقبل العلاقات بين الأكراد والحكومة المركزية في بغداد، يقول مهربان: “لا بديل عن التعاون بين أربيل وبغداد تحت أي ظرف، ويجب على الطرفين التعاون فيما بينهما بغض النظر عن نتيجة الاستفتاء. ويجب أن ننتبه إلى امتلاك العرب السنة لقوات عسكرية نتيجة ظهور داعش بالعراق، وتحولت الحرب إلى قاعدة على الصعيد الميداني.. وستلعب بلا شك الكثير من الأطراف منها على سبيل المثال “تركيا وأميركا وإيران” وغيرها دوراً في عراق المستقبل، الأمر الذي قد يزيد من تعقيد الأزمات.. لكن الشاهد أنه لا بديل عن التطبيع بين الأكراد والحكومة المركزية في “عراق ما بعد داعش” بغض النظر عن الاستقلال الإقليم من عدمه”.
استقلال “إقليم كردستان” سوف يحدد النظام السياسي الجديد في العراق..
أكد “هاشم كرمي”، في حواره إلى صحيفة “الأيام” الإيرانية، على انتهاء تنظيم “داعش” في العراق، وهذا يعني فرصة جديدة للحكومة المركزية في بغداد لإقرار النظام والأمن في عموم البلاد.
وقال: “بلا شك تحرير الموصل حدث تاريخي مهم قد يمثل فصلاً جديداً من إقرار نظام جديد بالعراق وبين العراقيين من شيعة وسنة وأكراد. ونحن نرى الأكراد يطالبون بإجراء استفتاء على استقلال حكومة الإقليم عن العراق. والحقيقة إن الاستفتاء على القضايا المهمة والحساسة هو أحد أدوات النظم الديمقراطية. والعراق كنظام سياسي يقوم على الديمقراطية طبقاً للدستور يجب أن ينظر إلى هذا الاستفتاء نظرة طبيعية لكن المشكلة التي تزيد من حساسية الاستفتاء بالنسبة للعراقيين هو التداخل الكبير بين قضايا المنطقة والعراق. فعلى الصعيد الداخلي لابد من تشكيل نظام سياسي جديد في العراق بعد هزيمة داعش، ومطالب الأكراد بالاستفتاء قد تبدو أحد المساعي الرامية إلى تشكيل هذا النظام السياسي الجديد في العراق”.
استقلال كردستان سوف يهدد العراق والمنطقة..
في جزء آخر من الحوار، أكد “كرمي”، استاذ العلوم السياسية المقيم بكردستان العراق، على انه: “بالنظر إلى الخلافات القديمة بين العرب والأكراد، ثمة الكثير من الحقوق والمهام على عاتق الطرفين بموجب دستور 2003. على سبيل المثال أعرب الأكراد عن سخطهم الشديد بسبب تعطيل المادة 140 من الدستور العراقي والتي تنص على تطبيع وتصحيح الأوضاع في المحافظات والمناطق التي قام النظام البعثي البائد بتهجير سكانها واستقطاع مناطق منها وإضافتها إلى محافظات أخرى، بهدف تغيير التركيبة السكانية لتلك المحافظات والمناطق. كذا أبدت الحكومة المركزية انزعاجها من توطيد علاقات أربيل مع العالم الخارجي عبر القنوات التي لا تخضع لسيطرة وزارة الخارجية العراقية.
“من ناحية أخرى استحالت مناقشات بيع النفط والسيطرة على مصادر النفط والغاز بين بغداد وأربيل إلى مسألة حساسة وأدت إلى اقتطاع سهم ميزانية حكومة “إقليم كردستان”. هذا بخلاف قضية تدخل القوى الإقليمية لا سيما “تركيا” في تعقيد الأوضاع الداخلية بالعراق. مثلاً تحديد موعد لإجراء الاستفتاء في محافظة “كركوك” للالتحاق بحكومة كردستان، وتحذير تركيا بشأن التدخل العسكري عام 2007، دفع هذه ا لقضية التي تحظى بأهمية بالغة من جانب الأكراد إلى طريق مسدود.
“وبالنسبة لإجراء الاستفتاء يمكن النظر إلى الحد الأدنى والأقصى للقضية. بالنسبة للحد الأدنى، الاستفتاء هو بمثابة طريق لتحفيز الحكومات الإقليمية والدولية للضغط على الحكومة المركزية للإلتزام بالتعهدات المنصوص عليها في الدستور. لكن من منظور الحد الأقصى يمكن اعتبار الاستفتاء خطوة مهمة لإعلان الاستقلال الكردي عن العرب. وفي كلا الحالتين نحن بصدد تشكيل نظام جديد. وفي الحالة الأولى سوف تزداد حكومة “إقليم كردستان” قوة ونفوذ يشمل جميع المناطق الكردية تقريباً. وفي الحالة الثانية سوف تتحرك القوى الداخلية والإقليمية بتجاه التعاون أو المواجهة ضد النظام الجديد لأكراد العراق. والعمل على قمع هذه المطالب سوف يؤدي إلى مرحلة جديدة من العنف والاضطرابات في العراق والشرق الأوسط. لذا تبذل كل القوى الإقليمية والدولية جهوداً كبيرة لصرف الأكراد عن الاستفتاء والتشاور في الوقت نفسه مع بغداد للقيام بدورها القانوني”.