العالم يتسلح وأميركا هي المستفيد .. نشاط محموم في الخريطة العالمية لتجارة الأسلحة !

العالم يتسلح وأميركا هي المستفيد .. نشاط محموم في الخريطة العالمية لتجارة الأسلحة !

وكالات – كتابات :

أفرزت الصراعات والحروب المنتشرة حول العالم، لا سيما في “أوكرانيا”؛ والبؤر الساخنة في الشرق الأوسط وإفريقيا جنوب الصحراء، تحولاً في التوجه العالمي نحو المزيد من التوسع في إنتاج الأسلحة، وزيادة عمليات نقلها إلى بلدان النزاعات والحروب؛ وذلك بعد تراجع ملحوظ في تجارة الأسلحة الدولية، خلال السنوات الخمس الماضية؛ بحسب التقرير الذي نشره مركز (إنترريغونال) للتحليلات الإستراتيجية.

موضحًا: ويبدو أن الحرب “الروسية-الأوكرانية”، كان لها الفضل الأبرز في نشاط التجارة من جديد، نظرًا إلى اتجاه العديد من الدول إلى زيادة إنفاقها العسكري، عقب الحرب.

وربما تتغير خريطة تجارة الأسلحة كليًا أو جزئيًا خلال السنوات القليلة المقبلة، في ظل ظهور عدد من المؤشرات الدالة على ذلك، بيد أن الأمر يتطلب أولاً معرفة خريطة تجارة السلاح الدولية؛ من حيث أبرز المُصّدرين والمسّتوردين، ومن ثم البحث في تداعيات الحرب “الروسية-الأوكرانية” على اقتصاديات التسلُّح؛ من حيث تغير أولويات المُصّدرين الكبار وكذلك أولويات المسّتوردين.

كبار المُصدِّرين..

خلال الفترة بين عامي: 2017 – 2021 تراجعت تجارة الأسلحة الدولية؛ ومعها تراجعت مبيعات المصدرين الكبار للأسلحة.

مصدر الصورة: رويترز

وفي هذا الصدد؛ تُشير التقارير الدولية، على غرار تقرير “معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام” بعنوان: “Trends in international arms transfers”، الصادر في آذار/مارس 2022، إلى تصدر عدد من الاتجاهات الرئيسة فيما يتعلق بسوق تجارة السلاح، وهو ما يمكن تناوله على النحو الآتي:

01 – هيمنة “الولايات المتحدة” على سوق تصدير الأسلحة: تُعد “الولايات المتحدة” أكبر مُصدِّر للأسلحة على مستوى العالم، نظرًا إلى مسؤوليتها عن تصدير نحو: 35% من الصادرات العالمية في مجال الأسلحة؛ على مدى السنوات العشر الماضية، إلى نحو: 130 دولة.

وقد نمت صادرات “الولايات المتحدة”، حسب تقديرات معهد (ستوكهولم)، من الأسلحة خلال العِقد الماضي، من: 14%؛ في الفترة بين: 2012 – 2016، إلى ما بين: 32 و39%؛ في الفترة بين: 2017 – 2021.

وقد شكَّل الشرق الأوسط، خلال الفترة الأخيرة؛ أكبر سوق لمبيعات الأسلحة الأميركية، فيما مثلت “المملكة العربية السعودية” المستفيد الأكبر والأبرز من الأسلحة الأميركية، حتى إنها اشترت نحو: 24% من إجمالي صادرات الأسلحة الأميركية؛ خلال العقد الماضي.

علاوة على ذلك، فإن لـ”واشنطن” خمسة حلفاء رسميين في “آسيا”، هم: “أستراليا واليابان والفلبين وكوريا الجنوبية وتايلاند”، غير أن مبيعات المعدات العسكرية الأميركية إلى الدول الأخرى قد شهدت انخفاضًا بنسبة: 21%، من: 175 مليار دولار؛ في عام 2020، إلى: 138 مليار دولار؛ في عام 2021، لكن ذلك لم يُغير من تصدُّر “الولايات المتحدة” قائمة الدول الأعلى تصديرًا للأسلحة.

02 – أهمية “روسيا” في تجارة السلاح الدولي: مثَّلت “روسيا” – وفق تقرير معهد (ستوكهولم) الدولي – ثاني تجار الأسلحة في العالم، فهي مسؤولة عن متوسط: 22% من صادرات الأسلحة العالمية في الفترة بين عامي: 2017 و2021، إلى: 23 دولة، غير أن صادرات الأسلحة الروسية قد انخفض نصيبها من: 24%؛ في عام 2017، إلى: 19%؛ في عام 2021.

وخلال تلك الفترة، تركَّزت الصادرات الروسية في أربع دول؛ هي: “الهند والصين ومصر والجزائر”، التي بلغت مجموع وارداتها نحو: 73% من إجمالي الصادرات الروسية؛ فبينما ذهب ما مجموعه: 61% من صادرات الأسلحة الروسية إلى “آسيا”، اتجه نحو: 20% إلى الشرق الأوسط، و14% إلى “إفريقيا”، فيما مثلت “الهند” أكبر مستورد للأسلحة الروسية بهامش كبير.

03 – استحواذ “فرنسا” على المركز الثالث في تجارة الأسلحة: خلال الفترة بين عامي: 2017 و2021، شكلت صادرات الأسلحة الفرنسية نحو: 11% من الإجمالي العالمي لتجارة السلاح؛ وذلك بزيادة تُقدر بنحو: 59% خلال العقد الماضي.

وقد ذهب نحو: 47% من صادرات الأسلحة الفرنسية إلى قارتي “آسيا” و”أوقيانوسيا” – وهي قارة تقع بالكامل في نصف الكرة الجنوبي – فيما صدَّرت خلال الفترة ذاتها نحو: 37% من إجمالي صادراتها إلى منطقة الشرق الأوسط.

ولعل أكبر المستفيدين من الأسلحة الفرنسية؛ خلال تلك الفترة، هم: “الهند وقطر ومصر”؛ إذ مثلت تلك الدول الثلاث: 56% من مجموع المستفيدين.

وقد احتلت “الهند” المرتبة الأعلى تلقيًا للأسلحة الفرنسية خلال تلك الفترة؛ إذ ارتفعت وارداتها من “فرنسا” نحو: 11 ضِعف واردات الفترة: 2012 – 2016.

فيما ارتفعت صادرات الأسلحة الفرنسية إلى “قطر”، أكثر من: 25 ضِعفًا خلال الفترة ذاتها، بعد انقطاع دام: 11 عامًا. أما “مصر” فظلت عند مستوى مماثل.

مصدر الصورة: رويترز

04 – الحضور الصيني في سوق السلاح: جاءت “الصين” في المرتبة الرابعة بين أكبر مصدري السلاح عالميًا، واستحوذت على: 4.6% تقريبًا من إجمالي صادرات الأسلحة الدولية، وهو رقم يبدو للوهلة الأولى ضئيلاً بالنسبة إلى الدول الثلاثة الأولى، خاصة أن صادرات الأسلحة الصينية قد شهدت انخفاضًا بنسبة: 31% في السنوات الخمس الماضية، لكن بالرغم من ذلك يُثير اهتمام “الصين” بتصنيع الأسلحة مخاوف العديد من القوى الدولية والإقليمية، وعلى رأسها “الولايات المتحدة” ودول جنوب شرق آسيا.

وخلال السنوات الخمس الماضية، سلمت “الصين” صادراتها من الأسلحة الرئيسة إلى: 48 دولة، وقد ذهب نحو: 79% من تلك الصادرات إلى كل من “آسيا” و”أوقيانوسيا”، فيما وجهت نحو: 47% من أسلحتها لدولة واحدة؛ هي “باكستان”، (الحليف الأكبر للصين)، التي أضحت تعتمد بدرجة متزايدة على صادرات الأسلحة الصينية، خاصةً في ظل تدهور علاقاتها بالموردين الآخرين، ولا سيما “الولايات المتحدة”.

05 – مجيء “ألمانيا” في المرتبة الخامسة بين مصدري الأسلحة: شكَّلت صادرات الأسلحة الألمانية: 4.5% من الإجمالي العالمي؛ في الفترة بين: 2017 – 2021.

وجاءت تلك النسبة أقل بنحو: 19% مما كانت عليه حجم صادراتها في الفترة بين: 2012 و2016. وفي السنوات الخمس الأخيرة، سلمت “ألمانيا” أسلحة كبيرة إلى نحو: 53 دولة، ذهب نحو: 40% منها إلى دول في “آسيا” و”أوقيانوسيا”، و29% إلى دول في الشرق الأوسط، ونحو: 18% إلى دول في “أوروبا”.

وقد مثَّلت “كوريا الجنوبية” أكبر متلقٍّ للصادرات الألمانية من الأسلحة الرئيسة؛ خلال الفترة ذاتها، لتُصبح “مصر” ثاني أكبر مستورد للأسلحة الألمانية.

تغيرات محتملة..

أدت الحرب “الروسية-الأوكرانية” إلى عدد من التداعيات التي يمكن الحكم من خلالها باحتمالية حدوث تغيرات كبيرة في خريطة تجارة الأسلحة الدولية؛ خلال الفترة المقبلة؛ وذلك في ضوء المؤشرات الآتية:

01 – ارتفاع ملحوظ في تجارة الأسلحة: وفقًا لأحدث بيانات صادرة عن معهد (ستوكهولم)، فإن تجارة الأسلحة الدولية قد شهدت ارتفاعًا مفاجئًا بعد تراجع خلال الفترة بين: عام 2017 و2021، بنسبة: 4.6%؛ فقد أدى تحول “أوكرانيا” إلى بؤرة ساخنة بفعل التدخل العسكري الروسي، إلى زيادة عمليات نقل الأسلحة بنحو: 19%، واتجاه العديد من الدول – وعلى رأسها الدول الأوروبية – إلى تقييم ميزانيتها الدفاعية، وزيادة إنفاقها الدفاعي والعسكري من أجل شراء المزيد من الأسلحة، كما هو الحال في “ألمانيا”؛ التي أعلنت في الثلاثين من شهر آيار/مايو الماضي، عن اتفاقها على إنشاء صندوق عسكري بنحو: 100 مليار يورو بغية تحديث الجيش وتطوير قدراتها العسكرية.

02 – تنويع واردات “الهند” العسكرية: احتفظت “روسيا”، على مدار عقود، بعلاقات قوية بـ”الهند”، حتى أضحت “الهند” أكبر مستوردي الأسلحة الروسية، غير أن تلك العلاقات في الفترة الحالية خاضعة لضغوط كبيرة من جراء الحرب في “أوكرانيا”؛ حيث زادت صعوبة ممارسة الأعمال التجارية الهندية مع “روسيا” في ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة على الأخيرة، وهو الأمر الذي من المُرجح أن يُسّرع من اتجاه “الهند” في السنوات الأخيرة نحو تنويع وارداتها العسكرية، بالاعتماد على موردين آخرين للسلاح، بحيث لا تظل معتمدة، في قرابة نصف وارداتها على “روسيا” وحدها، وستكون الفرصة سانحة أمام كل من: “فرنسا والولايات المتحدة”، لكسب الشريك الهندي، في ظل تراجع دور “روسيا” في ذلك المجال ولو جزئيًا؛ بحسب مزاعم التقرير.

ما يدفع إلى القول بذلك، هو تراجع التجارة بين البلدين فعليًا في ذلك المجال؛ وذلك حين نعلم أن الحصة الروسية الصُنع من إجمالي عدد الطائرات في “الهند” قد انخفض من: 81%، في عام 2000، إلى: 67% في عام 2020، وفقًا لمركز الفكر (ستيمسون)، إضافة إلى إلغاء “الهند”؛ في نيسان/إبريل الماضي، صفقة بقيمة مليار دولار تقريبًا كانت قد اتفقت عليها سابقًا لشراء طائرات مروحية روسية؛ كما تدعي المصادر الأميركية.

03 – تراجع مكانة “روسيا” في سوق السلاح العالمية: رغم المكانة التي تتمتع بها “روسيا” في تجارة السلاح الدولي؛ بوصفها ثاني مُصدِّر بعد “الولايات المتحدة” لموردين كُثر، فإن المخزون الروسي نتيجة الحرب الروسية الممتدة منذ أكثر من ثلاثة أشهر، يتم تدميره ببطء في ساحات القتال في “أوكرانيا” يوميًا؛ (على حد مزاعم التقرير الذي ينساق وراء الآلة الدعائية الأميركية)، ما يضع “روسيا” أمام خطر خسارة دورها الرائد في ذلك المجال، مقابل تقدم موردين منافسين لها.

وتكمن خطورة ذلك في كون تجارة السلاح دعامة أساسية في الاقتصاد الروسي، ومن ثم فإن أي خسائر أو تراجع في المبيعات الروسية من الأسلحة خسارة فادحة لاقتصاد “روسيا”.

04 – تزايد إنفاق “الصين” على قواتها المسلحة: رغم العلاقات “الروسية-الصينية” القوية، فإن أي تراجع للسلاح الروسي هو زيادة في القيمة السوقية للسلاح الصيني، بيد أن السلاح الصيني لا يصل إلى جودة السلاح الأميركي والفرنسي، ولا يرقى إلى منافسة تلك القوتَين الكبيرتَين في ذلك المجال، غير أنه يظل بديلاً معقولاً لمستوردي الأسلحة بأسعار أقل.

وثمة مؤشرات تدل حقيقةً على مدى الاهتمام الصيني بتجارة السلاح، وهو ما بات يُزعج ويُثير مخاوف قوى دولية وإقليمية عدة؛ فوفقًا لـ”المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية”، أنفقت “الصين” نحو: 207.3 مليار دولار على قواتها المسلحة خلال السنوات القليلة الماضية، حتى أصبح “جيش التحرير الشعبي” أكبر قوة مسلحة في العالم، علاوة على استحواذ “الصين” في السنوات الأخيرة؛ على: 4.6% من تجارة الأسلحة العالمية، بحسب التقرير الصادر عن معهد (ستوكهولم) الدولي، لتُصبح في المرتبة الرابعة بعد “فرنسا”.

أضف إلى ذلك، تحقيق نحو سبع شركات صينية مراتب متقدمة من أصل أكبر: 20 شركة دفاعية من حيث الإيرادات المحققة من مبيعات الدفاع؛ في عام 2021.

05 – اتساع سباق التسلح في جنوب شرق آسيا: مثَّل التوسع الصيني في إنتاج السلاح تهديدًا مباشرًا للدول المجاورة لها في جنوب شرق آسيا، للدرجة التي جعلت تلك الدول تعتقد أن “الولايات المتحدة” تُشكل تهديدًا أقل بكثير من التهديد الذي تُمثله “الصين”، خاصةً في ظل التحركات العسكرية الصينية حول الجزر الواقعة في جنوب شرق آسيا؛ بحسب إدعاءات التقرير التحليلي المنحاز.

وبينما رفعت “اليابان”؛ في السنة المالية الجديدة، التي بدأت في نيسان/إبريل الماضي، إنفاقها العسكري من: 1% من إجمالي الناتج المحلي إلى: 2% – وهو ما مثل الحد الأقصى المسموح به للإنفاق العسكري – بدأت “فيتنام” هي الأخرى تُعزز قواتها البحرية ببطء، علاوة على توقيعها صفقات جديدة للمعدات العسكرية، فيما وقعت “إندونيسيا”، في شباط/فبراير الماضي، صفقة لشراء ست طائرات مقاتلة فرنسية من طراز (رافال)، وحصلت على موافقة “الولايات المتحدة” على شراء طائرات (F–15)، كما انتهت “الفلبين” مؤخرًا من شراء صواريخ (براهموس) الأسرع من الصوت من “الهند”؛ حيث تسعى هي كذلك إلى تطوير ترسانة إستراتيجية.

سباق عسكري..

إجمالاً.. تحظى تجارة الأسلحة الدولية بقدر كبير من الاهتمام، بدرجة أعلى من أي قطاع تجاري آخر، وأكبر مما يستحقه حجمه من منظور اقتصادي؛ نظرًا إلى اشتباك تلك التجارة بمستقبل النظام الدولي، ولقدرتها على تأجيج الصراعات بين الدول والنزاعات الأهلية.

ومنذ نشوب الحرب “الروسية-الأوكرانية”، ارتفع التحشيد العسكري للقتال على الأراضي الأوكرانية، سواء بأسلحة روسية أو بأسلحة تركية وأوروبية كمعونة لـ”أوكرانيا”، واتجهت دول عدة نحو توسيع ميزانيتها الدفاعية؛ ما يُنذر بتصاعد التوترات في العالم الذي يشهد بالفعل العديد من النزاعات الإقليمية، وربما يستمر العالم في سباقات تسلح موازية لينتهي الأمر في النهاية إلى حرب عالمية ثالثة؛ كأسوأ سيناريو محتمل، مثلما أدى سباق التسلح المُدرَّع في أوائل القرن العشرين؛ بين “ألمانيا” و”بريطانيا” إلى نشوب الحرب العالمية الأولى؛ بحسب ما يختم التقرير مزاعمه.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة