8 أبريل، 2024 10:40 م
Search
Close this search box.

باختياره السير في ركب “واشنطن” .. هل تشهد “المعجزة الألمانية” نهايتها على يد “شولتز” ؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

وكالات – كتابات :

“صناعة السيارات الألمانية الشهيرة؛ سبب النكسة التي نتعرض لها”، يبدو هذا لسان حال بعض الألمان بعد أن تعالت التحذيرات من أن المعجزة الاقتصادية لبلادهم مهددة، حيث يرى محللون أن الصناعات الألمانية الشهيرة بجودتها؛ هي التي جعلت الاقتصاد الألماني أكثر تضررًا من غيره من اقتصادات دول “أوروبا” من الأزمة الأوكرانية.

وقدرت دراسة لمجموعة من معاهد الطاقة الألمانية؛ الشهر الماضي، أن توقف إمدادات “الغاز والنفط” الروسي فجأة قد يُفقد الاقتصاد الألماني: 12% من ناتجه المحلي الإجمالي الألماني.

ونظرًا لارتفاع مستوى عدم اليقين بشأن إمدادات “الغاز” من “روسيا”، والتي تُعتبر مهمة للاقتصاد الألماني الذي يعتمد عليها بنسبة: 60% لتلبية احتياجاته، فقد حسبت المعاهد سيناريوهين للتنمية الاقتصادية في توقعاتها. يفترض أحدهما استمرار تسليم “الغاز” وعدم حدوث مزيد من التصعيد الاقتصادي؛ (السيناريو الأساس)، بينما يفترض الآخر وقفًا فوريًا لتسليم “الغاز الروسي” (سيناريو بديل).

في سيناريو الحظر الفوري، ستبلغ الخسارة الإجمالية: 220 مليار يورو؛ في العامين: 2022، و2023 وحدهما.

مصدر الصورة: رويترز

وتكاد تكون “ألمانيا” الدولة الأوروبية الوحيدة التي لا يمكنها الاستغناء عن “الغاز الروسي” حاليًا، لأنها لا تمتلك محطات للتعامل مع “الغاز المُسال” القادم من وراء البحار، كما أنها سوق ضخم للغاية، والحصة الروسية منه كبيرة لدرجة لا تسمح باستبداله بشكل سريع بإمدادات من دول أخرى مثل “قطر”.

الاقتصاد الألماني سيكون الأقل نموًا في أوروبا بعد “أستونيا”..

وحتى الآن لم يحدث انقطاع لـ”الغاز الروسي”، ولكن “الاتحاد الأوروبي”، أقر خطة للاستغناء عن “النفط الروسي”، ومع أنه يمكن استبداله بنفط الدول العربية، ولكن مع احتمال استمرار أسعار “النفط” المرتفعة، أو احتمال تسجيلها مزيد من الصعود، فإن أزمة الاقتصاد الألماني معرضة للتفاقم.

وفي هذا الإطار، تتوقع “المفوضية الأوروبية” أن تكون “ألمانيا” صاحبة أقل نمو اقتصادي بين دول “الاتحاد الأوروبي”، بعد “إستونيا”؛ البلد الصغير الممتحن بجواره المباشر لـ”روسيا”، بينما من المتوقع أن يكون التضخم في كلا البلدين أقوى من متوسط ​​”منطقة اليورو” في: 19 دولة.

وقد بدأت قوة الصناعة الألمانية تهتز حتى النخاع بفعل الحرب في “أوكرانيا”، مع ارتفاع أسعار الطاقة، بعد أن كانت خرجت لتوها من أزمة جائحة (كورونا) وأزمة سلسلة التوريد غير المسبوقة، وها هي حرب “روسيا” على “أوكرانيا”؛ التي تضرب مُصنعي السيارات والكيماويات والآلات الدقيقة.

في الأصل كانت صناعة السيارات من أكثر الصناعات تضررًا من جائحة (كورونا)، التي كان أول إجراءات مكافحتها، فرض قيود على الحركة لمليارات البشر، كما أنه في أوقات الأزمات الاقتصادية؛ فإن السيارات هي إحدى السلع التي يمكن للعملاء الاستغناء عن شرائها إذا واجهتهم ضائقة مالية، كل ذلك جعل صناعة السيارات الألمانية الشهيرة، التي تُمثل قلب اقتصاد البلاد، المتضرر الأول من توالي الأزمات.

ويدفع استمرار الصراع تكاليف الطاقة إلى آفاق جديدة ستؤدي إلى زيادة موجة التضخم، وحذرت عشرات الشركات؛ بما في ذلك (BMW AG) الألمانية لصناعة السيارات، من أن أرباحها ستنخفض بينما رفض البعض الآخر حتى تقديم تنبؤات.

وقال “هربرت ديس”، الرئيس التنفيذي لشركة (Volkswagen AG)؛ التي تتبادل مع (تويوتا) اليابانية لقب أكبر شركة دولية مُنتجة للسيارات: “إذا استمرت الحرب، فإنها ستُهدد بشكل خطير النظام العالمي الذي جلب الحرية والازدهار إلى أجزاء كثيرة من العالم خلال العقود الماضية”. سوف تُعاني “أوروبا” أكثر من غيرها في مثل هذا السيناريو، وجاء هذا التحذير المرير أثناء عرضه لأرباح السنوية للشركة؛ خلال آذار/مارس الماضي.

مصدر الصورة: رويترز

وحتى قبل العملية الروسية العسكرية الخاصة في “أوكرانيا”، واجهت قاعدة الصناعة الألمانية كثيفة الاستهلاك للطاقة؛ تحولات هائلة مع الخروج المُخطط له من الطاقة النووية والفحم إلى جانب أعلى تكاليف الكهرباء في “أوروبا”.

هل تتحول “برلين” إلى رجل أوروبا المريض ؟

أدت هذه المؤشرات إلى ظهور تحذيرات من تحول الاقتصاد الألماني مرة أخرى إلى: “رجل أوروبا المريض”، حسب تقرير لوكالة (بلومبيرغ) الأميركية.

فهنالك مخاوف من تراجع اقتصاد البلاد مرة أخرى إلى الدور الذي كان عليه قبل عقدين من الزمن، حين تدهورت الأوضاع المالية في البلاد.

إن اعتماد الاقتصاد الألماني على الصناعات الرائدة التي يهفو العالم لمنتجاتها؛ مثل سيارات (مرسيدس) و(بي. إم. دبليو) و(أودي)، هو ذاته السبب الآن في أن “برلين” أكثر دول “أوروبا” تعرضًا لآثار الأزمة الروسية والأوكرانية، وكذلك لتضررها من إغلاقات “الصين” بسبب (كوفيد-19)، والأخطرأن هذا الاقتصاد قد يتضرر بشكل أكبر إذا نشبت حرب تجارية بين الغرب و”بكين”، التي تدفع “الولايات المتحدة” باتجاهها.

فبعد سنوات من تعزيز الصادرات الألمانية إلى “الصين”؛ وبناء روابط الطاقة مع “روسيا”، يواجه أكبر اقتصاد في “أوروبا” مزيجًا سامًا من المخاطر.

فاعتمادها الكبير على التصنيع يجعلها أكثر عرضة من أقرانها الأوروبيين للاضطرابات المرتبطة بالحرب جراء اعتمادها على إمدادات الطاقة الروسية والإختناقات في التجارة. والنتيجة هي مخاطر الإنكماش وحتى الأسعار المرتفعة التي تضغط على المستهلكين المضطربين.

وتوقعت “ألين شويلينغ”، كبيرة الاقتصاديين في (ABN Amro): أن يتقلص إنتاج “ألمانيا”؛ في الربع الثاني من العام. في حين أن الاقتصاديين في مؤسستي: (Bank of America Merrill Lynch) و(Banco Santander)، هم من بين أولئك الذين يُشاركونها رأيها، لا يزال إجماع خبراء وكالة (بلومبيرغ) على تحقيق الاقتصاد الألماني نسبة نمو محدودة تبلغ: 0.4%.

وأصبح الضغط واضحًا في قلب الاقتصاد الألماني، حيث يشتكي حوالي: 77% من الشركات المصنعة من أن نقص المواد والمعدات يضر بالأعمال – أكثر من أي مكان آخر في “أوروبا”. وخفض صانعو الآلات في البلاد توقعاتهم لنمو الإنتاج إلى: 1% فقط من: 4%.

علاوة على الصداع الصناعي، من المُرجح أن يسحب موسم السفر الصيفي الأموال؛ حيث سينُفق المستهلكون الألمان أموالهم في دول “البحر الأبيض المتوسط” ​​المشمسة بعد عامين الجلوس في المنازل بسبب الوباء. ربما بدأ تجار التجزئة بالفعل يشعرون بالضيق مع انخفاض المبيعات بأكبر قدر في عام؛ في نيسان/إبريل الماضي.

وقال الرئيس الألماني؛ “سيغفريد روسورم”، مؤخرًا؛ إن مجموعة ضغط الأعمال القوية في منظمة (BDI) في “ألمانيا”، ومزيج الحرب الروسية على “أوكرانيا” وتأثير سياسة “الصين” الخاصة بالتصدي لعودة فيروس (كوفيد-19)، ستجعل 2022: “صعبًا للغاية”.

مصدر الصورة: رويترز

وأضاف بعد محادثات مع وزير الاقتصاد؛ “روبرت هابيك”، وممثلين عن النقابات: “إن عواقب الاضطرابات تفرض تحركًا سريعًا، فالوقت ينفد”.

المعجزة الألمانية هي السبب..

وتنبع أزمة “ألمانيا” من النموذج الذي اختارته؛ وكان مختلفًا عن بقية الدول الغربية، وكان يبدو مثيرًا لإعجاب الجميع حتى سُمي: “المعجزة الألمانية”.

اعتمد الاقتصاد الألماني أكثر من غيره على الصناعة مقارنة بالدول الغربية التي تعتمد بشكل أكبر على قطاع الخدمات، وكان نجاح هذه الصناعة قائمًا على مزيج من العوامل المختلفة نسبيًا عن بقية الدول الغربية، وشمل ذلك إبقاء أجور العمال الألمان الأكفاء أدنى مما يستحقون مقابل ميزات في الضمان الاجتماعي والحقوق العمالية.

ومكنت تنافسية الأجور هذه مع قدرات العمالة الألمان المعروفة من توفير تنافسية عالية للسلع الألمانية، أتاح لها التوسع في الصادرات أكثر من الدول الغربية المنافسة، ولهذا لم يكن غريبًا أن “ألمانيا” هي ثاني أكبر مصدر في العالم بعد “الصين”، وقيمة صادراتها أكبر من “الولايات المتحدة الأميركية” و”اليابان”، رغم أن اقتصاد هذين البلدين أكبر حجمًا من الاقتصاد الألماني بشكل كبير نسبيًا.

ولكن التوسع في الصادرات أصبح المحرك الرئيس للنمو؛ وليس الطلب المحلي عكس الحال في “الولايات المتحدة”؛ التي لديها طلب محلي ضخم، ولذا فإن نتيجة اعتماد “ألمانيا” على الصادرات الصناعية، أنه مع ظهور أزمات التصدير لـ”الصين” بسبب سياسات صفر (كوفيد)؛ و”روسيا” بسبب الحرب، كان تأثر الاقتصاد الألماني أكبر من غيره.

كما كانت تنافسية الصادرات الألمانية نابعة من إستراتيجية الاعتماد على الطاقة الروسية؛ لا سيما “الغاز”، الذي توفر بشكل رخيص بفضل خطوط الأنابيب، مقارنة باستيراد الدول الغربية الأخرى لجزء من غازها عبر “الغاز المُسال” الأعلى سعرًا.

وهكذا عندما ارتفعت أسعار “النفط والغاز”، تضرر الاقتصاد الألماني أكثر من غيره، كما أن الضرر قد يتضاعف بشكل خطير إذا أوقفت “روسيا” ضخ “الغاز”؛ لـ”ألمانيا”.

المشكلة؛ حسب تقرير (بلومبيرغ)، أن هذه السياسات التي حققت المعجزة الألمانية، بُنيت مع تجاهل المخاطر الجيوسياسية لتقوية قاعدتها التصنيعية، والتي ساعدت – إلى جانب الإصلاحات العمالية الشاملة – على إخراج البلاد من الركود في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

فلقد كثفت المستشارة السابقة؛ “أنغيلا ميركل”، وسلفها؛ “غيرهارد شرودر”، اعتماد البلاد على الطاقة الرخيصة القادمة من “روسيا”، بينما شجعت الشركات على القيام بأعمال تجارية في “الصين”.

قال المستثمر الملياردير؛ “جورج سوروس”، مؤخرًا في المنتدى الاقتصادي العالمي في (دافوس)؛ بـ”سويسرا”: “هذا جعل ألمانيا أفضل اقتصاد أداء في أوروبا، لكن الآن هناك ثمن باهظ يجب دفعه”.

يبدو أن المستشار “أولاف شولتز”؛ يُقر بهذه المخاوف، حيث قال: “بعض الناس كانوا مهملين بعض الشيء في الماضي”. وأضاف في منتدى في (دافوس)؛ أن “ألمانيا” بحاجة الآن إلى تنويع سلاسل التوريد وأسواق التصدير بشكل عاجل.

ثم تهكم على هذه السياسات التي أتبعها أسلافه قائلاً إن المسؤولين انتهكوا قاعدة شهيرة يُفترض أنهم تعلموها في كليات إدارة الأعمال: “ألا تضع كل بيضك في سلة واحدة.”

“شولتز” يُفاقم المخاطر بتجاهله لـ”الصين” !

وتعتمد “ألمانيا” على “الصين” كسوق رئيس للصادرات، ولكن اليوم باتت مضطرة للإنصياع للتوجهات الأميركية والغربية المتصاعدة بتخفيض العلاقة مع “الصين”.

منذ توليه منصبه، كانت أول رحلة لـ”شولتز” إلى “آسيا”؛ هي: “اليابان”، بينما استضاف رئيس الوزراء الهندي؛ “ناريندرا مودي”، في “برلين”. لم يزر “الصين” بعد وصّعد من انتقاداته لانتهاكات حقوق الإنسان في البلاد، بعدما كانت “ميركل” تضطر خلال زيارتها لـ”الصين”؛ لاصطحاب ثلاثة طائرات لحمل رجال الأعمال الراغبين في مرافقتها لإبرام الصفقات التجارية في “بكين”.

وفي محاولة لإيجاد بديل لـ”الغاز الروسي”، أجرت حكومة “شولتز” محادثات مع “قطر”، وتوصلت البلدان لاتفاق مبدئي، لكن الدولة الخليجية ليس لديها فائض كبير حاليًا من الإنتاج في ظل ارتباطها مع العملاء الآسيويين، كما أن “برلين” لا تُريد ربط نفسها بتعاقدات طويلة الأمد على أمل إيجاد بديل أخضر لـ”الغاز” أو انخفاض أسعاره.

رغم ذلك، هناك بعض بوادر الأمل. يمكن أن يُساعد تخفيف عمليات الإغلاق بسبب الوباء في “بكين” و”شنغهاي” على دعم الطلب على السلع الألمانية وإزالة بعض اختناقات سلسلة التوريد التي تُعيق الشركات المصنعة في البلاد.

ويتوقع صانعو السيارات الألمان، بما في ذلك (Daimler Truck Holding AG)، أكبر صانع للشاحنات التجارية في العالم، أن يكون النقص في الرقائق أقل أهمية خلال الربع الحالي من 2022، وسيتحسن بشكل كبير في نهايته.

ويُجادل رئيس البنك المركزي الألماني؛ “يواكيم ناغل”، بأن الاقتصاد الألماني متماسك، وأن الناتج لا يزال من الممكن أن يرتفع بنسبة: 2% هذا العام.

قد يكون جانب الاستهلاك أقل مرونة مع استمرار التضخم في الارتفاع، غير المسبوق منذ نحو: 40 عامًا.

ووصف: 48% فقط من الألمان؛ الذين تزيد أعمارهم عن: (14 عامًا)، رفاههم الشخصي بأنه: “مرتفع جدًا”، مقارنة: بـ 54% في نهاية العام؛ عندما كان (كوفيد) لا يزال مستعرًا، وفقًا لمسح أجرته شركة (Ipsos)؛ صدر يوم الخميس الماضي.

وأدى ارتفاع أسعار الطعام جراء أزمة “أوكرانيا” إلى تفاقم التضخم، حيث تعتمد  “ألمانيا” على الغذاء المستورد بشكل أكبر من جارتها “فرنسا” أو “الولايات المتحدة”.

وتسعى الحكومة لاتخاذ خطوة غير عادية لعقد محادثات مع أرباب العمل والنقابات خارج مفاوضات الأجور المعتادة كجزء من جهد وطني لمواجهة التضخم، وقال “شولتز” للمشرعين في “مجلس النواب”؛ في “برلين”: “نُريد تحركًا منسقًا ضد ضغوط الأسعار”.

ولكن يُضاف إلى ما سبق، تأثيرات الارتفاع المتوقع في النفقات العسكرية الألمانية الذي قررته حكومة “شولتز” إثر الهجوم الروسي على “أوكرانيا”، وأعلنت أنها سوف تُخصص له مئة مليار يورو.

وسوف يُضيف هذا القرار مزيدًا من الأعباء على الاقتصاد الألماني، خاصة أن ما عُرف من الخطة أنها تتضمن شراء كمية كبيرة من المعدات العسكرية الأميركية باهظة الثمن، مثل طائرات الـ (إف-35) الشبحية؛ أي أن جزءًا كبيرًا من هذه الأموال لن يصل لخزائن الشركات الألمانية وجيوب عمالها، بل للخزائن الأميركية.

المشكلة أن “أوروبا”، تعودت على “ألمانيا” باعتبارها محطة الأمان الدائمة والعمة البخيلة، ولكن الثرية التي تخرج حافظة نقودها عند تعرض أي دولة أوروبية لأزمة؛ مثلما حدث مع “اليونان”، حتى لو فرضت أحيانًا بعض الشروط التأديبية القاسية.

ولكن حافظة النقود الألمانية بدأت تُعاني من نقص الإيرادات، وهو نقص معرض للتفاقم مع عدم ظهور أي مؤشرات على نهاية الحرب الأوكرانية، والتوقعات بتصعيد العقوبات الأوروبية على “روسيا”؛ وهو الأمر الذي من شأنه إبقاء أسعار الطاقة مرتفعة، بينما ميزانيات الجيوش تزداد نهمًا.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب