السودان .. لماذا ألغى “البرهان” حالة الطواريء الآن ؟

السودان .. لماذا ألغى “البرهان” حالة الطواريء الآن ؟

وكالات – كتابات :

أثار قرار قائد الجيش السوداني؛ “عبدالفتاح البرهان”، رفع حالة الطواريء في “السودان”، التساؤلات بشأن ما قد يعنيه ذلك بالنسبة للأوضاع السياسية؛ بعد أكثر من 07 أشهر من الانقلاب، فهل يؤدي القرار إلى العودة للمسار الديمقراطي ؟

كان “البرهان” قد ألغى الشراكة بين العسكريين والمدنيين، مقررًا إلغاء “مجلس السيادة” وإقالة الحكومة المدنية؛ برئاسة “عبدالله حمدوك”، الذي جرى اعتقاله قبل أن يعود لاحقًا إلى منزله تحت الإقامة الجبرية، فيما تم اعتقال عدد كبير من وزرائه ومستشاريه وقادة آخرين في قوى إعلان الحرية والتغيير، المكون المدني في السلطة الانتقالية التي كانت تحكم “السودان”؛ منذ آب/أغسطس 2019، ما تسبب في عقوبات دولية.

وقع الانقلاب يوم 25 تشرين أول/أكتوبر الماضي، لكن الرفض الشعبي الكبير والضغوط الدولية أدت إلى اتفاق سياسي جديد بين “البرهان” و”حمدوك”؛ عاد بموجبه الأخير إلى رئاسة الوزراء أواخر تشرين ثان/نوفمبر الماضي، لكن الشارع لم يهدأ واستمرت المظاهرات الرافضة لذلك الاتفاق حتى اضطر “حمدوك” للاستقالة في نهاية المطاف.

خطوة إيجابية تفتح الباب للحوار في “السودان”..

أصدر “البرهان”، الأسبوع الماضي، مرسومًا برفع حالة الطواريء في كافة أنحاء “السودان”، وجاء في بيان بتلك المناسبة أن الهدف من ذلك هو تهيئة المناخ لحوار وطني لإنهاء الأزمة السياسية. وتلا ذلك إفادات من جانب هيئات حقوقية مستقلة بإطلاق سراح: 63 معتقلاً سياسيًا، بينما لم يُصدر تعليق رسمي من السلطات السودانية.

كان “البرهان” قد أعلن حالة الطواريء في البلاد؛ أواخر تشرين أول/أكتوبر الماضي، وتخوّل تلك الحالة للحكومة القيام بأعمال وفرض سياسات استثنائية غير مسموح بها في غير أوقات الطواريء، وعادة ما تُتهم السلطات باستغلالها لارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان ومنح الأجهزة العسكرية والأمنية صلاحيات أوسع.

ومنذ فرض الإجراءات الاستثنائية، يشهد “السودان” احتجاجات شعبية بوتيرة شبه يومية تُطالب بعودة الحكم المدني الديمقراطي وترفض إجراءات “البرهان”، التي يعتبرها الرافضون: “انقلابًا عسكريًا”. فيما نفى “البرهان” صحة اتهامه بتنفيذ انقلاب عسكري، وقال إن إجراءاته تهدف إلى: “تصحيح مسار المرحلة الانتقالية”، وتعهد بتسليم السلطة عبر انتخابات أو توافق وطني.

وحظي قرار “البرهان”؛ رفع حالة الطواريء، بترحيب محلي وإقليمي ودولي، باعتبار أنها تُساهم في توفير أرضية لإنطلاق حوار “سوداني ـ سوداني” لحل الأزمة؛ إذ رحبت بهذه الخطوة كل من “الأمم المتحدة” و”الاتحاد الأوروبي” و”الاتحاد الإفريقي” و”الهيئة الحكومية للتنمية بشرق إفريقيا”؛ (إيغاد)، ودول “الترويكا”؛ (النرويج والأمم المتحدة والمملكة المتحدة).

واعتبرت الآلية الثلاثية لـ”الأمم المتحدة” و”الاتحاد الإفريقي” و(إيغاد)، التي ترعى حوارًا شاملاً في “السودان”، أن رفع الطواريء: “خطوة إيجابية لتهيئة الظروف اللازمة للتوصل لحل سياسي”.

فيما قال “الاتحاد الأوروبي” إن رفع حالة الطواريء والإفراج عن المعتقلين خطوة أولى جديرة بالثناء لتهيئة البيئة المواتية للحوار. وأطلقت الآلية الثلاثية، في 12 آيار/مايو الماضي، حوارًا وطنيًا لمعالجة الأزمة السياسية في “السودان”.

مصدر الصورة: BBC

من جانبه؛ اعتبر الخبير الإستراتيجي؛ اللواء متقاعد “أمين مجذوب”، في حديث لوكالة (الأناضول)، أن قرار رفع حالة الطواريء: “جاء لتهيئة الأجواء للحوار (السوداني ـ السوداني). المكون العسكري والحكومة التي شُكلت عقب قرارات 25 تشرين أول/أكتوبر الماضي؛ شعرا بالفعل الحاجة لإنجاح الحوار والوصول إلى توافق سياسي وتشكيل حكومة مدنية حتى لا تتعرض البلاد لهزات اقتصادية أو سياسية أو أمنية جديدة”.

ويعتقد “مجذوب” أنه بعد تهيئة الأجواء برفع حالة الطواريء وإطلاق سراح المعتقلين، ربما يتم تليين مواقف بعض أطراف الأزمة الذين كانت لهم شروط مسبقة، مضيفًا أن: “رفع حالة الطواريء قد يقود إلى حوار مباشر بجلوس كافة الأطراف إلى طاولة تفاوض واحدة في ظل تأييد إقليمي ودولي”.

تراجع تكتيكي ؟

أما “أشرف عبدالعزيز”، المحلل السياسي السوداني، فيرى أن أسباب تراجع “مجلس السيادة” السوداني والمكون العسكري عن تصلبه ومحاولة مد الجسور مع المكون المدني تتلخص في: “تكاثف الضغوط عليهم من قبل المقاومة في الداخل، وكذا من قبل المجتمع الدولي الذي ظل رافضًا لاستيلاء الجيش على السلطة”.

وفي مقابلة هاتفية مع موقع (دويتش فيله)، قال “عبدالعزيز” إن: “السبب الثاني هو الضغوط الاقتصادية، لأن معظم الدول التي كانت قد وعدت الحكومة السودانية بأنها ستُقدم لها دعمًا اقتصاديًا لتحسين الوضع في البلاد قد عزفت عن ذلك، وقالت إنها علقت الأمر إلى حين تشكيل حكومة مدنية جديدة”.

ويرى الخبير السوداني أنه: “حتى مع المحاولات المختلفة للجيش ومجلس السيادة؛ فقد فشلا في إيجاد منافذ جديدة لمحاولة حل الأزمة الاقتصادية؛ ما جعلها مرهونة إلى حدٍ كبير بالحل السياسي”.

دفعت تلك الضغوط المكثفة؛ “مجلس السيادة” والجيش، للاستجابة إلى شروط تهيئة المناخ السياسي التي دعت إليها الآلية الثلاثية المؤلفة من: “الاتحاد الإفريقي” و”الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية”؛ (إيغاد)، و”بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية” في “السودان”؛ (يونيتامس).

ويرى خبراء ومحللون أن هناك إشكالات حقيقية تواجه المواطن السوداني؛ إذ لا يستطيع أن يملك قوت يومه، وهناك مهددات بأن يكون هذا العام هو عام مجاعة في “السودان” بسبب وجود مشكلات تواجه الموسم الزراعي؛ نظرًا لارتفاع تكاليف العملية الإنتاجية، حتى إن المزارعين لم يُعد بإمكانهم الاقتراض من “البنك الزراعي”، بحسب ما يرى المحلل السياسي السوداني؛ “أشرف عبدالعزيز”.

ويعتقد مراقبون أن الظروف الاقتصادية قد تكون العامل الأكبر لتقريب وجهات النظر بشأن الحوار، لكن الأمر يحتاج إلى تقديم تنازلات أكبر من قبل المكون العسكري لصالح القوى المدنية، خاصة أن هناك خسائر بشرية كبيرة إلى جانب اعتقال الكثير من الشباب والقيادات ما أدى لفقدان الثقة بين الجانبين بشكل كبير لتعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل الإطاحة بنظام “البشير”.

الكاتب والمحلل السياسي؛ “عثمان فضل الله”، يرى أن: “الغرض من إعلان رفع حالة الطواريء هو الخارج والمجتمع الدولي وليس الداخل السوداني؛ الذي ظل يرفض الانقلاب طوال الفترة الماضية”. وأضاف “فضل الله”؛ لـ (الأناضول) أن: “رفع حالة الطواريء محاولة لإرضاء المجتمع الدولي؛ الذي ظل يطالب بذلك لإنجاح الحوار برعاية الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي”.

واعتبر أن رفع حالة الطواريء: “لن يقود لإنجاح الحوار دون تحقيق إطلاق سراح جميع المعتقلين ووقف القمع ضد المتظاهرين”. ومنذ بدء الاحتجاجات، قُتل 98 شخصًا، وفق “لجنة أطباء السودان”؛ (خاصة)، فيما لا تصدر السلطات عادة بيانات بشأن ضحايا الاحتجاجات‎.

“رفع حالة الطواريء لن يُسهم في تهدئة الشارع إلا في حال التمهيد لحوار يُحقق مطالب الشارع بتسليم السلطة للمدنيين”، بحسب “فضل الله”.

أما قوى إعلان (الحرية والتغيير) فقد رأت، في بيان الأسبوع الماضي، أن رفع حالة الطواريء وإطلاق سراح المعتقلين خطوة مهمة: “تحققت بفضل نضال الشعب في مقاومة الانقلاب”. وطالبت: بـ”إلغاء كل الممارسات التي حدثت نتاجًا لحالة الطواريء، مثل إطلاق يد القوات الأمنية للقمع والاعتداء على المواكب السلمية (المظاهرات)”.

البعض أكثر تشاؤمًا ويراها خطوة “شكلية”..

لكن البعض لا يزال متشككًا في الخطوة ذاتها وغير متفائل بما قد تُفضي إليه، وهذا ما عبر عنه المحلل السياسي؛ “أمير بابكر”، بقوله لـ (الأناضول) إن: “إعلان رفع الطواريء يبدو شكليًا واستجابة لمطالب الآلية الثلاثية ورسالة للمجتمع الدولي برغبة العسكر في الحوار من أجل استقرار السودان”.

“إعلان رفع حالة الطواريء يعني فعليًا تفعيل مواد الوثيقة الدستورية؛ (لعام 2019 بشأن السلطة في المرحلة الانتقالية)، والتي عُطلت بموجب إعلان حالة الطواريء؛ في 25 تشرين أول/أكتوبر 2021، والتي تُمثل قوى إعلان الحرية والتغيير طرفًا أساسيًا فيها”.

ولا يبدو أن تفعيل تلك المواد سيتم، بحسب “بابكر”، مضيفًا أن ذلك يُشير إلى أن رفع حالة الطواريء مجرد إعلان، “طالما أنه لن يعود للعمل بالوثيقة الدستورية، خاصة أنه جمد مواد فيها، فبأي دستور سيعمل قائد الجيش البرهان (؟) وهذا مأزق جديد”.

مصدر الصورة: BBC

“كما أن قائد الجيش البرهان أصدر وفق قانون الطواريء عددًا من القرارات والقوانين ومنح صلاحيات للأجهزة الأمنية. ودون تعليق القوانين والقرارات التي صدرت وفق حالة الطواريء عقب انقلاب البرهان سيظل رفع حالة الطواريء مجرد إعلان”، بحسب “بابكر”.

ومن تلك القرارات التي يُشير إليها المحلل السوداني، منح “جهاز المخابرات العامة” سلطات القبض على الأشخاص والاعتقال والتفتيش والرقابة على الممتلكات والمنشآت والحجز على الأموال وغيرها.

كان “السودان” يعيش؛ منذ آب/أغسطس 2019، مرحلة انتقالية تحكمها وثيقة “الإعلان الدستوري” و”الإعلان السياسي”، بين المجلس العسكري وقوى (إعلان الحرية والتغيير)، بشأن هياكل وتقاسم السلطة في الفترة الانتقالية. لكن “البرهان” أصدر، في 11 تشرين ثان/نوفمبر 2021، قرارًا بفك تجميد مواد بالوثيقة الدستورية التي عطلها؛ في 25 تشرين أول/أكتوبر، من العام نفسه، ويتعلق بعضها بـ”مجلس السيادة” وصلاحياته ومهامه، ومجلس الوزراء ومهامه.

ويقول أطباء على صلة بالحركة الاحتجاجية في “السودان” إن: 98 مدنيًا قتلوا برصاص قوات الأمن في حملات على المظاهرات، وقالت قيادات الجيش مؤخرًا إنها ستسمح بالمظاهرات السلمية؛ وإنه سيتم التحقيق بشأن القتلى.

ودأبت قوات الأمن على احتجاز السياسيين المعارضين والشخصيات التي لها صلة بحركة الاحتجاج؛ منذ أن أنهى الانقلاب ترتيبات تقاسم السلطة. ويقول محامون إن العشرات ما زالوا قيد الاعتقال. ويرى محللون أن الجيش في “السودان” لديه حساسية مفرطة تجاه تسليم السلطة للمدنيين، خصوصًا الآن هناك دماء في المشهد، ما قد يعني أنه عند تسليم السلطة للمدنيين قد تتم ملاحقة المتورطين في تلك الجرائم، وبالتالي سيتشدد الجيش في الإمساك بالسلطة، بحسب تحليل (دويتش فيله).

وتُضاف إلى ذلك المسائل المتعلقة بإدارة الأموال في “البنك المركزي” ومسألة تهريب الذهب السوداني للخارج، وهو ما قد يُزيد من تعقد مسألة تسليم السلطة للمدنيين، إلا إذا قام الطرف المدني بغض الطرف عن السعي خلف مسألة العدالة الانتقالية حتى لا تنفجر الأمور في “السودان”.

ويخشى البعض من أن يزداد تمسك الجانب العسكري بالسلطة أيًا كانت العواقب خوفًا من تعرض المتورطين في المذابح التي وقعت للمدنيين إلى ملاحقات قضائية، وهنا يرى المحلل السياسي السوداني؛ “أشرف عبدالعزيز”، أن: “الوصول إلى نقطة التقاء بين الفريقين تحتاج إلى حصافة وتغليب لمصلحة البلاد على المصالح الأخرى، وأنه من الضروري أن تسير الأمور نحو إنهاء الحالة الانقلابية أولاً ومن ثم تأتي بعدها بقية الأمور الأخرى”.

ويرى “عبدالعزيز”؛ أن: “الجانب المدني نفسه الآن منقسم إلى فريقين: الأول هو خط المقاومة وهي الثورة الحية. وهذا الجانب يتبنى بشكل حاسم وواضح فكرة التغيير الجذري بمعنى إبعاد العسكر بشكل كامل عن المشهد السياسي، وبالتالي هم لا يفاوضون ولا يُشاركون ولا يساومون وعرفوا برفع شعار اللاءات الثلاث”.

وعلى الجانب الآخر؛ حسب “عبدالعزيز”: “هناك فريق يعتمد على التسوية السياسية وبه قوة لا يستهان بها، وهي قوى الحرية والتغيير؛ والتي كانت الشريك الأكبر للعسكريين في الحكم، لكنهم الآن في حرج لأنهم لا يستطيعون تبني أهداف أخرى بخلاف أهداف الشارع”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة