خاص : ترجمة – لميس السيد :
في عام 2018، نشر خبير الصحة العالمي، “جوناثان دي كويك”، من جامعة “ديوك”، في “نورث كارولينا”، كتابًا بعنوان (نهاية الأوبئة: التهديد الذي يلوح في الأفق للإنسانية وكيفية إيقافه). وصف في الكتاب الإجراءات والتدابير التي يمكن للعالم من خلالها حماية نفسه من تفشي الأمراض المدمرة؛ كمرض “الأنفلونزا”، الذي ظهر عام 1918، التي أودت بحياة الملايين وأعاقت البشرية لمدة عقود من الزمن.
في ضوء ما يعيشه العالم اليوم من مواجهات عنيفة مع وباء “كورونا” الجديد، (كوفيد-19)، المُتفشي، أجرت صحيفة (الغارديان) البريطانية حوارًا مع الرئيس السابق لمجلس الصحة العالمي، “جوناثان دي كويك”، وهي منظمة لا تسعى للربح، يقع مقرها في “الولايات المتحدة”، وتقوم بالربط بين “مئات المنظمات غير الحكومية المختصة بالصحة حول العالم. تحدث “كويك” عن عقلية عالمنا اليوم؛ التي أدت إلى تعرضه لوباء “كورونا” الجديد؛ وما الذي يمكن عمله لتقليل آثاره إلى الحد الأدنى…
السيناريو الأسوأ مازال مرجحًا..
“الغارديان” : يتجه وباء (كوفيد-19) نحو التحول إلى جامحة.. بوجهة نظرك، ما هي أفضل السيناريوهات وأسوأ السيناريوهات ؟
“كويك” : أفضل السيناريوهات هي السيطرة على المرض الناشيء في “الصين”، ثم السيطرة على المرض في البلدان التي وصل إليها ووقف من أن يستشري في بلاد وقارات جدد. وأسوأ الحالات ستكون تفشي المرض وتمكُنه من الانتشار بشكل دائم بين البشر.
“الغارديان” : ما هي توقعاتك بعد معدلات انتشار المرض التي أعلنت في نهاية شباط/فبراير المنصرم ؟
“كويك” : يبدو السيناريو الأسوأ مرجحًا على نحو متزايد. لقد رأينا الآن حالات في ست قارات، 47 دولة. إذا أصبح الوباء جائحة، فالأسئلة هي: إلى أي حد سيصل الأمر وإلى متى سيستمر ؟..
كان معدل الوفيات بين الحالات أكثر بقليل من 2%، وهو أقل بكثير مما كانت عليه حالات مرض “السارس”، ولكن في نفس الوقت نسبة الوفيات هي عشرين ضعفًا نسبةً إلى “الإنفلونزا” الموسمية. ولا يزال هناك العديد من العناصر المجهولة، من حيث أعداد الأشخاص الحاضنين للفيروس وطرق انتشاره التي تُرجح إصابة المزيد.
“الغارديان” : إذا تحقق السيناريو الأسوأ، فهل ما زالت هناك أشياء يمكننا القيام بها لتقليل تأثير الوباء إلى أدنى حد ؟
“كويك” : إطلاقًا، خاصة أن مسؤولو الصحة والجمهور، في معظم أنحاء العالم، غير مدركين أو غير مقتنعين بالخطر الذي يُشكله هذا الفيروس.
أهمية الشفافية في إعلان المعلومات والبيانات..
“الغارديان” : لقد قلت إن الوقت والثقة أمران حاسمان في الإدارة الجيدة للوباء.. ماذا تعني بذلك ؟
“كويك” : إنه أمر بالغ الأهمية، التنسيق ما بين العاملين الصحيين في الخطوط الأمامية الذين يُلاحظون شيئًا غير عادي على أحد المشتبه بهم والمعلومات التي يجب نقلها إلى صانعي القرار المركزي.
لتوضيح ذلك، قدرت محاكاة لعام 2018، أجرتها مؤسسة “غيتس” لوباء “الإنفلونزا”؛ بأنه سيكون هناك 28000 بعد شهر واحد، و10 ملايين بعد ثلاثة أشهر، و33 مليون بعد ستة أشهر. لذلك إذا تمكنت من تشخيص الوباء في الأسابيع القليلة الأولى، فسيحدث ذلك فرقًا كبيرًا. ولذلك من الضروري نشر معلومات نزيهة قائمة على الأدلة، وليس محاولة تضليل السكان.
إذا قمت بذلك، سيتوقفون عن التعاون. دعونا نأمل أن لا يحدث هذا في “الصين”.
“الغارديان” : تقول تقارير أن لقاح “كورونا” لن يظهر قبل سنة على الأقل، هل تتوقع حدوث جدلاً بين مؤيدين ومعارضين استخدام اللقاح، كما حدث من قبل مع أمراض جديدة ظهرت مؤخرًا ؟
“كويك” : تُشير الدلائل إلى أن التردد حول استخدام اللقاح يتناقص عندما يموت الكثير من الناس. ولكن بمجرد إنتهاء تفشي المرض، يعتمد الأمر على مدى مستوى التأثر بتجربة تفشي الوباء في أذهان الناس.
في “الولايات المتحدة”، يعتقد 20% من جيل الألفية؛ أن اللقاحات تسبب مرض التوحد والمشكلة هي المعلومات السيئة، خاصة أن الأخبار الموثوقة تكون على منصات مدفوعة الثمن مقدمًا، في حين أن الأخبار المزيفة مجانية.
“الغارديان” : هل من المعقول أن الصينيين قد صنعوا بالفعل لقاح لـ”الكورونا” ؟
“كويك” : شركة الأدوية الأميركية “Moderna”؛ هي الشركة الوحيدة التي أعلم أن لديها لقاح “كورونا” جاهز للتجارب البشرية. ومن المقرر أن تبدأ في نيسان/أبريل 2020.
الشركات الصينية تعتبر جديدة في سوق اللقاحات العالمي، ولكن هناك واحدة على الأقل، وهي “Clover Biopharm Pharmaceuticals”، تعمل على تطوير لقاح “كورونا”.
وباء.. لابد منه !
“الغارديان” : يبدو أن فيروس (كوفيد-19) نشأ في سوق حيواني “رطب”.. هل يجب حظر هذه الأسواق ؟
“كويك” : لا، لقد حاولت الحكومة الصينية ذلك بعد “السارس”، لكن للأسف الأسواق انتقلت للتو تحت الأرض. يجب فقط أن تكون أفضل تنظيمًا، ويجب أن تكون هناك مراقبة نشطة عليها.
تدليلًا على ذلك، أدت عمليات الرصد والإعدام الفعالة لمجموعات الدواجن في “آسيا” إلى القضاء على تفشي “إنفلونزا الطيور” في تلك المجتمعات.
“الغارديان” : هل كان وباء مثل “كورونا” لا مفر منه ؟
“كويك” : من وجهة نظر بيولوجية، كان اندلاع المرض الجديد أمرًا لا مفر منه، ولكن هذا حدث في أسوأ مكان وأسوأ توقيت. “ووهان”؛ هي مدينة كبيرة وعلى مفترق طرق، وتم تسجيل الحالات الأولى هناك قبل العام القمري الجديد مباشرة، عندما كانت أعداد كبيرة من الناس على وشك السفر لزيارة أسرهم في موسم الاحتفال.
“الغارديان” : من حيث إحتوائه.. هل كان أمرًا جيدًا أم سيئًا أن يحدث في “الصين” ؟
“كويك” : اعتبارًا من خمسة أشهر مضت، أصبح لدينا قدر من التأهب للوباء من خلال “مؤشر الأمن الصحي العالمي”، (GHS)، والذي يُسجل البلدان على ستة أبعاد: “الوقاية والكشف والاستجابة والنظام الصحي وبيئة المخاطر والإمتثال للمعايير الدولية”.
لا يوجد بلد يحرز نقاطًا كاملة في جميع الأهداف الستة. لقد اكتشفت “الصين” هذا الوباء واستجابت له بشكل جيد.
“الغارديان” : هل يُدفن العالم رأسه كـ”النعام” حيال أخطار الوباء ؟
“كويك” : بشكل عام، لا.. بعد كل تفشي كبير حدث مؤخرًا مثل “السارس، أنفلونزا الخنازير، الإيبولا”، أستطيع أقول أننا تقدمنا إلى الأمام.
ويُعد مؤشر (GHS) بحد ذاته بمثابة تقدم كبير، لأنه يمكننا الآن أن نرى أين البلدان الضعيفة من حيث التأهب.