الانتخابات العراقية بعيون إيرانية .. بين نزاهة التنفيذ وقوة تحمل الهزيمة !

الانتخابات العراقية بعيون إيرانية .. بين نزاهة التنفيذ وقوة تحمل الهزيمة !

خاص : ترجمة – د. محمد بناية :

الانتخابات البرلمانية العراقية من حيث النزاهة والعدالة؛ كانت نزيهة إذ كان من حق جميع الأفراد والأحزاب والفصائل السياسية من كل المشارب والتوجهات السياسية والمذهبية، الترشح أو تقديم قائمة للمشاركة في البرلمان.

وكانت عادلة؛ إذ يتمتع الجميع بحقوق متساوية ولم يواجه لا الأفراد ولا التيارات السياسية أي قوانين أو لوائح تمييزية في الدعاية أو الترويج للقوائم الانتخابية. بحسب “أحمد زيد آبادي”؛ في صحيفة (اعتماد) الإصلاحية الإيرانية.

هل “الانتخابات النزيهة” كافية ؟

مع هذا تعامل العراقيون بفتور مع الانتخابات البرلمانية، فلم تتعدى نسبة التصويت: 41%؛ وهذا المعدل في انتخابات حرة ونزيهة إنما يعني فقدان الكثيرين من أبناء الشعب للأمل في فاعلية النظام الديمقراطي العراقي، وعدم جدوى التصويت في الانتخابات من عدمه بتحديد مصائرهم.

والحقيقة أن “الانتخابات النزيهة”؛ تُعتبر الأساس الوحيد في شرعية الأنظمة السياسية في عصر الديمقراطية، لكنها ليست العامل الوحيد في قياس جدارة هذه الأنظمة.

بعبارة أخرى، إجراء انتخابات نزيهة وعادلة شرط أساس في تفعيل ديمقراطية الحكومات، لكنها ليست شرطًا كافيًا في جدارة هذه الحكومات. وحتى تنتهي الانتخابات النزيهة بتشكيل حكومة جديرة؛ تحتاج إلى شروط تمهيدية تنطوي في معظمها على جوانب مفاهيمية من جنس الوعي العميق.

بدون ذلك تتحول الانتخابات النزيهة إلى لعبة دورية للأحزاب السياسية عديمة المسؤولية، لا ينتج عنها الثبات السياسي اللازم في تطور أي تنمية اقتصادية واجتماعية. والاستقرار السياسي يتطلب في الحقيقة التطبيق الناجح لكل أشكال التنمية الاقتصادية.

الحاجة إلى الوعي..

وتنبع أهمية الانتخابات النزيهة والعادلة بالنسبة للكثير من علماء الاجتماع، من أنها تهييء مقدمات الاستقرار السياسي القوي، وتحول قدر المستطاع من الإنهيار المفاجيء للأنظمة الحاكمة أو الفوضى غير المتوقعة التي تخرج عن السيطرة.

ووفق هذا المبدأ؛ لو لم تؤدي الانتخابات النزيهة إلى الاستقرار السياسي، سيكون الطريق الوحيد هو القوة الاستبدادية أو الشمولية، وهذا ظالم بالكامل وغير مشروع، ومن جهة أخرى فالاستقرار الذي يقوم على القمع؛ إنما يفتقر إلى القوة والثبات ويكون عرضة للإنهيار المفاجيء.

بالتالي؛ وفي ظل الأوضاع الراهنة حول العالم، لا سبيل للشعوب سوى الحكومات الكفيء التي تستند إلى الانتخابات النزيهة للبقاء بمأمن من الظلم والأنظمة الاستبدادية والشمولية. والعمل على ذلك يستدعي تجاوز الأوهام والاستسلام لمتطلبات النظام الديمقراطي، وكلاهما يتطلب مستوى من الوعي العميق.

تقبل الهزيمة..

والشعوب تحت السلطة الاستبدادية؛ تتبنى بالعادة تصورًا نظريًا ووهميًا عن التداعيات السياسية للانتخابات النزيهة، وتتصور أن الانتخابات سوف تنظم شؤون المجتمع بطريقة أوتوماتيكية وإعجازية والفصل التلقائي في نزاع الفصائل المختلفة للحصول على حصة أكبر من السلطة.

وهذا التصور لا يستند إلى أسس قوية، لأن “الانتخابات النزيهة”؛ وإن كانت الخطوة الأولى على المسار الصحيح، لكن حداثة البداية طريق صعب ومتلاطم لو لم يقترن بالوعي الوطني اللازم سوف ينتهي بميل الشعب إلى إعادة انتاج الاستبداد !

والواقع أن الوعي الوطني شرط أساس في الثبات السياسي القائم على “الانتخابات النزيهة”. هذا الوعى لا يستدعي فقط إجراء انتخابات نزيهة، وإنما القبول الواعي بضرورياتها وتبعاتها.

للوعى الوطني في هذا الصدد وجهان، يرتبط الأول بالسياسات الداخلية، والآخر بالسياسات الخارجية. داخليًا قبول الهزيمة في الانتخابات والصبر؛ وإن كان انتقاد تطبيق برامج الحزب الفائز بالانتخابات أحد أهم عناصر الاستقرار السياسي.

لكن في دول الشرق الأوسط، ترى كل الفصائل والتيارات في منهجها الخاص السبيل الوحيد لإنقاذ المجتمع ولا تتحمل تطبيق برنامج المنافس الفائز في الانتخابات. بعبارة أخرى، لا تمتلك أي من الفصائل والتيارات السياسية القوة على تقبل الهزيمة، وتبدأ باللحظة الأولى من وضوح الهزيمة الانتخابية في التفكير بأي وسيلة يمكن من خلالها الإخلال بمسار الفريق الفائز.

وبالتالي يخلقون بشكل عملي بيئة من عدم الاستقرار والفوضى؛ يكون الخاسر الأول فيها مبدأ “الانتخابات النزيهة”، وإنهيار ثقة العوام في كفاءة الانتخابات.

ويعاني “العراق”، لسوء الحظ، من كل هذه الآفات وعليه ورغم إجراء انتخابات نزيهة إلا أنها لا تُفضي إلى التنمية والاستقرار القوي.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة