احتجاجًا على سوء إدارة الحكومات المتعاقبة .. “نوستالجيا” صدام حسين تعود للعراق !

احتجاجًا على سوء إدارة الحكومات المتعاقبة .. “نوستالجيا” صدام حسين تعود للعراق !

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

على مدار الأسبوع الماضي، احتلت أخبار الهتاف للرئيس العراقي السابق، “صدام حسين”، جزءً واسعًا من أخبار الرأي العام العراقي، حيث نشر نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، في “العراق”، العديد من المقاطع المصورة التي تظهر هتافات تشيد بالرئيس العراقي الراحل، “صدام حسين”.

وكانت أبرز الهتافات في العاصمة العراقية، “بغداد”، وفقًا لفيديو انتشر لمتظاهرين من منطقة “الدويلعي”؛ وهم يهتفون: “بالروح بالدم نفديك يا صدام”، بعدما قامت السلطات المحلية بإزالة بعض المحلات التجارية العشوائية من تلك المنطقة.

وفي تظاهرة بمنطقة “الجزائر”، في محافظة “البصرة”، البترولية، انتشر فيديو لمتظاهرين ليليين وهم يُرددون نفس الشعار.

وفي “كركوك”، انتشر فيديو أيضًا لسيدة أثناء تظاهرة احتجاجًا على تعيين الأكراد، محافظًا جديدًا للمحافظة، وهى تقول: “أحنا البعث، أحنا صداميين والله، العراق ما نعطيه”.

وهو الأمر الذي تسبب في إصدار مذكرة باعتقالها، حيث أكد المتحدث باسم شرطة كركوك، “أفراسياو كامل”، صدور مذكرة اعتقال بحق، “رنا حميد عجرم”، التي كانت تهتف باسم “حزب البعث” و”صدام” في الاحتجاجات التي شهدتها مدينة “كركوك”، يوم الجمعة الماضي، والتي تدّعي أنها ناشطة مدنية، وهي ترأس منظمة “أحباب الروح”.

يُذكر أن نوابًا في البرلمان العراقي قد طالبوا بمعاقبة امرأة روجت لـ”حزب البعث” و”صدام حسين”، خلال احتجاج في “كركوك”، وفقًا للدستور الذي يحظر كل من يحرض أو يمهد أو يمجد أو يروج لـ”نظام البعث” في “العراق” ورموزه، وتحت أي مسمى كان.

وقال النائب الكُردي، “ريبوار طه”، في بيان، إن هذه المرأة “أرادت نشر رسالة مدروسة للحكومة وللقوى السياسة وللدول؛ وكأنها تقول نحن البعث لسنا في السلطة التنفيذية حاليًا، لكننا موجودون في السلطة السياسية”.

وأضاف أن البعثيين سلكوا طريقين، بعد عام 2003، أحدهما عبر تأسيس منظمات مدنية؛ والآخر عبر “تنظيمات إرهابية” بهدف الترويج لأفكارهم.

الميليشيات المسلحة تهدد المحتجين..

وكشفت مصادر محلية، في مدينة “الحرية”، أن عددًا من الأشخاص الذين شاركوا في التظاهرات المنددة بالحكومة والهاتفة باسم “صدام حسين”؛ تعرضوا للتهديد من قِبل ميليشيات إرهابية مسلحة تولت التحقيق مع بعضهم.

وأكدت المصادر أن بعض المشاركين بالاحتجاج اضطروا إلى مغادرة منازلهم خشية الاعتقال أو القيام بعمليات انتقامية من قِبل الميليشيات التي أرغمت، بحسب المصادر، البائعين في سوق “الدولعي” بتعليق لافتات كبيرة مكتوب عليها إعلان البراءة من الذين هتفوا بحياة “صدام حسين”.

وسيلة للاحتجاج على الوضع الحالي..

وقال عضو المجلس المحلي في منطقة الحرية، “طالب المياحي”، إن الذين هتفوا لصدام حسين “كانوا بحالة هستيرية؛ ولا يعون ما يقولون”، وفقًا لقوله.

وبَين أن: “المواطنين يجدون ذلك وسيلة احتجاج على الوضع الحالي، وعليهم أن يعوا أن الذي أوصل العراق لهذا الحد هو صدام حسين؛ وما نعيشه اليوم نتيجة سياساته لا أكثر”، وفقًا لقوله، معتبرًا أن: “عملية إزالة بسطياتهم وأكشاكهم لا تجيز الهتاف لصدام، وخاصة أنه ممنوع قانونًا”.

حقبته أفضل من الطبقة السياسية الحالية..

وعلق نائب رئيس الوزراء السابق، “بهاء الأعرجي”، على ذلك بالقول إن “صدام حسين” أفضل من الطبقة السياسية الحالية، التي لم تصل إلى ما حققه الرئيس الراحل، مؤكدًا خلال مقابلة متلفزة، أن “صدام” كان مجرمًا ودكتاتورًا، لكن في عهده كانت هناك دولة ومؤسسات.

وبَين “الأعرجي”، وهو قيادي سابق في (التيار الصدري)، أن النظام السياسي الحالي مهدد بسبب عدم رضا الشارع العراقي على أدائه.

لإغاظة الطبقة السياسية الحالية..

في السياق ذاته؛ قال عضو (التيار المدني)، “علاء الشيخ”، إن فشل الحكومات العراقية المتعاقبة، منذ الاحتلال الأميركي عام 2003، هو الذي دفع الشارع بإتجاه الهتاف لشخص ميت، ونظام سياسي منهار منذ نحو 16 عامًا، مشيرًا إلى عدم وجود تخطيط سليم في إدارة الدولة العراقية.

وأضاف أن: “الهتاف لصدام حسين حدث قبل ذلك في محافظات، البصرة وكربلاء وبابل والأنبار وديالى ومناطق أخرى”، مبينًا أن: “مقاطع الفيديو تظهر أن أغلب مطلقي هذه الهتافات هم من الشبان الذين لم تكن أعمارهم تتجاوز السنوات الخمس حين سقط نظام صدام، عام 2003، ما يشير إلى أن ترديد مثل هذه الهتافات هو لإغاظة الطبقة السياسية الحالية، وإيصال رسالة بأن أداءها أسوأ من دكتاتورية صدام”.

وتستفز العبارات والهتافات بحياة “صدام حسين”، التي تطلق داخل وخارج “العراق”، سلطات “بغداد”؛ التي غالبًا ما تتبعها بإجراءات سياسية وأمنية.

وفي أيلول/سبتمبر من العام الماضي؛ كادت هتافات تمجد “صدام حسين”، أطلقها الجمهور الجزائري، خلال مباراة مع ناد عراقي، أن توقع أزمة دبلوماسية بعد احتجاج “وزارة الخارجية العراقية” على ذلك، وفي الشهر ذاته اعتقلت السلطات الأردنية عددًا من المشجعين الذين هتفوا لـ”صدام حسين” خلال مباراة لفريق أردني مع آخر عراقي.

منغصات يومية..

المراقبون يرون أن تلك المشاهد والأحداث عبارة عن جزء يسير من الرأي العام العراقي؛ الذي أغرقته السلطة في بحر من المنغصات اليومية، ويعد شكلًا من الحنين لزمن “صدام حسين”، ولم يقتصر الأمر على طائفة بعينها، حيث يتظاهر أهالي “البصرة”، منذ شهور اعتراضًا على رداءة الخدمات العامة والأحوال الاقتصادية شبه المنهارة ودور الدولة وآلية عملها في حياتهم اليومية، وهم بذلك يكشفون حنينًا إلى دولة “صدام حسين” المركزية.

يكشف الواقع المزري للأحزاب الدينية..

وقال “عبدالقادر النايل”، المحلل السياسي العراقي، أن هتافات أبناء الشعب العراقي تمجيدًا لـ”صدام حسين” في تظاهراتهم، بمختلف الفئات العمرية، يأتي كاشفًا للواقع المزري للأحزاب الدينية والتي حكمت “العراق” على مدى 16 عامًا، حصلت خلالها على أموال وميزانيات توازي ميزانيات عدة دول مجتمعة في المنطقة، وقد سرقت مئات المليارات ووصل الأمر إلى رغيف الخبز.

مضيفًا أنه: “اليوم نحن نتكلم عن المواطن العراقي الذي لا يجد قوت يومه ويتضور أطفاله من الجوع، ففي زمن الحصار المحكم؛ والذي دام ما يقارب 13 عامًا كانت هناك بطاقة تموينية يحصل بموجبها المواطن على ما يحتاج إليه من السلع التموينية، والتي كانت تصل إلى 17 نوعًا وبسعر رمزي، وكانت الوجبات من السلع تكفي الأسرة وبعضهم كان يبيع منها”.

وتابع “النايل”؛ الشعب العراقي يعيش اليوم مأساة حقيقية، فقد تجاوز عدد العراقيين ممن هم تحت خط الفقر، 40%، وبعضهم يذهب إلى القمامة ليجد لقمة يسد بها جوعه وجوع أطفاله، أضف إلى ذلك القضية الصحية والتي كانت تمثل أهمية كبرى للشعب العراقي؛ أصبحت اليوم غير موجودة بالكامل وتحولت المستشفيات والمراكز الصحية، التي أنشئت في عصر “صدام” وكانت تضم أكفأ الأطباء وأحدث الأجهزة ولم يكن يحتاج المواطن للسفر للعلاج بالخارج رغم الحصار، تحولت اليوم مأوى للكلاب الضالة والقطط وأصبح المريض ينام على الأرض.

الشعب العراقي يقارن السابق بالحالي..

وأكد المحلل السياسي، أن الشعب يعيش اليوم مرحلة مقارنة بين ما سبق وما يعيشه الآن، حيث يمتاز العراقيين بالوعي رغم كل تلك المآسي التي يعيشونها، ورفع صور “صدام حسين” ليس ندمًا على شىء، هم لم يغيروا “صدام” أو يثوروا عليه ليندموا على ذلك، “العراق” تم تغيير نظامه باحتلال عسكري أميركي.

مشيرًا إلى أن ندم العراقيين اليوم ليس لذنب أقترفوه بحق “صدام”؛ بل هم يندمون على الدول التي هدمت مؤسساتها ومرافقها وحتى جيشها، “العراق” يريد استعادة الدولة من جانب سلسلة من الأحزاب الفاشية الدينية الفاشلة، التي لا تعنيها مصالح الشعب العراقي، ما يريده الشارع هو استعادة الدولة على أسس وبخطى واضحة لاستعادة الدولة.

تعبير عن قرف القواعد الاجتماعية..

ويرى موقع (الحرة) الأميركي أن تلك الأحداث تعبر عن جزء غير يسير من الرأي العام العراقي، يملك شكلًا من الحنين لزمن “صدام حسين”. لكن ذلك الحنين لا ينبع من مصدر وديناميكية وحيدة. ولحُسن الحظ، فإن المناسبات الثلاث التي جرت طوال الأسبوع الماضي، على تنوعها، كشفت أهم ثلاث ديناميكيات داخلية دافعة لذلك الحنين لـ”صدام حسين” وزمنه.

متظاهرو “البصرة”، سكان أغنى مدن “العراق” بثرواتها النفطية، وأهم مدنها بالموقع الاستراتيجي، والذين يعاودون التظاهر شهرًا بعد آخر، اعتراضًا على رداءة الخدمات العامة والأحوال الاقتصادية شبه المنهارة ودور الدولة وآلية عملها في حياتهم اليومية، إنما يكشفون حنينًا إلى دولة “صدام حسين” المركزية، التي كانت الإرادة السياسية شديدة الحزم مع الإدارة البيروقراطية والاقتصادية في مختلف مدن ومناطق “العراق”.

تمجيد متظاهري “البصرة” لنموذج “صدام حسين”، هو بمعنى ما تعبير عن قرف القواعد الاجتماعية العراقية الأوسع من أفعال منظومة الحكم الراهنة. فهذه المنظومة، وإن كانت تستند إلى شرعية ديمقراطية صناديق الانتخاب، فإنها تفتقد لأي إلتزام تجاه القيم والمعايير الأساسية للحياة الديمقراطية، مثل فصل السلطات وحرية الوصول للمعلومات وقداسة الحقوق المدينة، الفردية والجمعية منها على حد سواء، من إيلاء سلطة الإعلام الحر هيبة معقولة، إلى تمجيد استقلال القضاء. لعدم فعلها كل ذلك، فإن هذه السلطة تُغرق حياة مواطنيها ببحر من المُنغصات اليومية التي تتراكم وتتراكب لتؤسس لهيمنة نخب السيطرة السياسية الدينية على حيوات المواطنين، الاقتصادية والبيروقراطية والرمزية والروحية.

سيتعاملون بمنطق النظام السوري..

ويضيف موقع (الحرة) أنه لأجل ذلك التفصيل بالضبط، فإن هذه السلطة سترتكب سلوكًا شبيهًا بمنطق النظام السوري، فيما لو رأت في هتاف مواطنيها لـ”صدام حسين” خللًا ما في أرواحهم وإنتماءهم وهويتهم الوطنية، لا رفضًا جذريًا لما ترتكبه هذه السلطة من حماقات واعية بحق مواطنيها، الذين لن يكتفوا بالرضا عن عملية ديمقراطية شكلية، لن تغير شيئًا من أحوالهم العامة، طالما لم تكن ممزوجة ومبنية على احترام سلطة الحكم للقيم العامة للديمقراطية، قبل إجراءاتها الانتخابية.

كشف وجه مستتر بين الطبقات الميسورة..

ورأى الموقع أن متظاهرو “بغداد”، كشفوا وجهًا طالما بقي مستترًا بين الطبقات الميسورة وأنظمة الحكم الشمولية في منطقتنا، هذا الوجه الذي كان قائمًا على غض نظر متبادل بين الطرفين. يُغمض الميسرون عبره النظر ويرضون بإستلاء النظام الشمولي على الدولة، مؤسساتها ومواثيقها وقوتها وفضاءها العام، كابحًا أية إمكانية لبروز كتلة سياسية أو مدنية معارضة له. مقابل ذلك، فإن النظام الشمولي يسمح لهؤلاء بالسيطرة مفتوحة على المجتمع، يملكون فيه مواقع وآليات متمايزة، عن السواد الأعظم من المجتمع، وعلى حسابه.

وكان “سادة العشوائيات” في المدن المتضخمة في ظلال هذه الأنظمة، هم التعبير الأكثر وضوحًا عن تلك العلاقة المركبة الحديثة بين الطرفين. فبالضبط كما كان مخاتير القرى المهيمنين على عموم الفلاحين حلفاء الهيمنة الإقطاعية في زمن حكم الملكية العراقية، عبر عملية غض نظر شبيهة بهذه، فإن سادة العشوائيات كانوا حلفاء وتبعة مؤسسات وأجهزة حكم الأنظمة الشمولية، ويملكون حنينًا جمًا لأزمنتها ومنطقها، وأولًا لمواقعهم المُتمايزة في ظلالها، التي كانت تيسر لهم سلطة غير قليلة على الفضاء والخير العام.

وأن أصحاب المحال التجارية التي بُنيت في أملاك البلديات، أماكن الحدائق والمركز الصحية، التجار الفاسدون الذين يتحسسون من ضغوط الأنظمة والشروط العامة للقانون العام، الموظفون الفاسدون وقبضايات الأحياء المتنمرون للبسطاء، ومن مثل نماذجهم الكثيرون، يفتقدون الزمن الصدامي، حليفهم التقليدي وشريكهم الخالد. يعتبرون أن الدولة التي يسود فيها قانون عام حيادي تجاه الصراعات الأهلية، إنما هي مسٌ بمكانتهم وسلطتهم.

تعبير تراجيدي عن اليتم العمومي الذي يعيشه الشعب..

هتاف العراقيين لـ”صدام حسين”؛ ليس مزيجًا تعبيريًا لكل مآسي الأحوال العراقية، القرف من الحاكمين الجدد، واستعادة لرغبة مكبوتة بالعودة لنمط العلاقات التحالفية بين السلطة وأقوياء الحياة العامة، لكنه أولًا تعبير تراجيدي عن اليُتم العمومي الذي يعيشه هذا الشعب، والذي كان “صدام” نفسه من أهم آبائه المؤسسيين. فالعراقيون لو أرادوا أن يقولوا أي شيء، فإنهم يقولون “صدام حسين”، حتى لو أرادوا قول شيء ضد “صدام حسين” نفسه.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة