وكالات- كتابات:
بات من الجلي انتهاك “إسرائيل” للقانون الدولي وحقوق الإنسان، في حربها التي تُشّنها على “قطاع غزة” منذ 07 تشرين أول/أكتوبر 2023، وذلك بعد نزعها مقومات الحياة عن الشعب الفلسطيني، واستهدافها للمدنيّين المُلزمة بحمايتهم أمام المواثيق والاتفاقيات الدولية.
و”اتفاقية جنيف”؛ هي سلسلة من المعاهدات الدولية المُبّرمة في “جنيف”، بين عامي: 1864 و1949، بهدف حماية الأشخاص المدنيّين في وقت الحرب. وتمت الموافقة على بروتوكولين إضافيين لاتفاقية 1949 في عام 1977.
وتُعرّف الاتفاقية الشخص المدني الذي من حقه الحماية، بأنه ذلك الشخص الذي في لحظةٍ ما، وبأي شكل من الأشكال، يجد نفسه في حالة قيام نزاع أو احتلال في أيدي طرف في النزاع.
طرح فكرة الاتفاقية وإنشاؤها..
ويلات الحرب والخسائر البشرية الفادحة ولّدت الفكرة..
ارتبط تطور “اتفاقيات جنيف” ارتباطًا وثيقًا بـ”الصليب الأحمر”، وبمؤسِّسه (هنري دونان)، أول فائز بجائزة (نوبل) للسلام في العالم، وهو رجل أعمال وناشط اجتماعي.
وقد بادر “هنري” بطرح فكرة إبرام معاهدة دولية تحكم الحرب، بعد أن شاهد معاناة الجنود الجرحى في معركة “سولفرينو” في عام 1859، في شمال “إيطاليا”، خلال الحرب “الفرنسية-النمساوية”.
وكانت الحرب الأهلية في “أميركا”؛ في ذلك الوقت، قد أسّفرت عن مقتل ما بين: (600) ألف ومليون شخص في (04) سنوات فقط.
كما كانت “أوروبا” في تلك الحقبة تعيش سلسلةً من الحروب، بسبب صراع القوى العظمى في الشرق الأوسط، وكانت الخسائر البشرية هائلة، حيث لقي: (25) ألف بريطاني، و(100) ألف فرنسي، وما يصل إلى مليون روسي حتفهم، وكلهم تقريبًا بسبب المرض والإهمال.
في عام 1863، تمكَّن “دونان” من إنشاء لجنة تستكشف إمكانية وجود منظمة دولية خاصة تقدم المساعدات الإنسانية للجنود الجرحى، والتي أصبحت في نهاية المطاف “لجنة الصليب الأحمر الدولية”.
التصديق على “اتفاقية جنيف 1949”..
تم التصديق على اتفاقية عام 1864؛ في غضون ثلاث سنوات من قِبل جميع القوى الأوروبية الكبرى، بالإضافة إلى العديد من الدول الأخرى، على غرار “الولايات المتحدة، والبرازيل، والمكسيك”.
ثم تم تعديل الاتفاقية وتوسّيع نطاقها بموجب “اتفاقية جنيف الثانية” عام 1906، وتم تطبيق أحكامها على الحرب البحرية من خلال “اتفاقيات لاهاي” لعامي: 1899 و1907.
ونصّت “اتفاقية جنيف الثالثة”، المتعلقة بمعاملة أسرى الحرب (1929)، على الحصانة من الاستيلاء والتدمير لجميع المنشآت المخصصة لعلاج الجرحى والمرضى من الجنود والعاملين فيها، كما شدّدت على الاستقبال المحايد لجميع المقاتلين وعلاجهم، وأيضًا وفّرت حماية للمدنيّين الذين يقدمون المساعدة للجرحى.
اتفاقيات جنيف 1949 الأربع بعد الحرب العالمية الثانية..
وبحسّب موقع (BRITANNICA) قام “مؤتمر الصليب الأحمر الدولي”؛ في “ستوكهولم”، عام 1948، بتوسّيع وتدّوين الأحكام القائمة، وذلك بعدما اتهمت عدة دول بانتهاك بنودها في الحرب العالمية الثانية، فقد أضيف إليها على سبيل المثال بند يؤكد على ضرورة: “حماية كرامة الأسرى الشخصية”.
وضع المؤتمر أربع اتفاقيات تمت الموافقة عليها في “جنيف”، في 12 آب/أغسطس 1949:
“اتفاقية جنيف الأولى” لحماية الجرحى في الحرب البريّة..
هذه الاتفاقية تُمثل النسّخة المنقحة الرابعة لـ”اتفاقية جنيف”، بشأن الجرحى والمرضى، وتعقب الاتفاقيات التي تم اعتمادها في: (1864 و1906 و1929) وتضم: (64) مادة. وتشمل الاتفاقية أيضًا موظفي الصحة، والوحدات الدينية، والوحدات الطبية، ووسائل النقل الطبي. كما تعترف الاتفاقية بالشّارات المميزة، وتضم ملحقَيْن اثنين يشملان مشروع اتفاق بشأن مناطق المستشفيات، وبطاقة نموذجية لموظفي الصحة والدين.
“اتفاقية جنيف الثانية” لحماية الناجين من السفن الغارقة في وقت الحرب..
جاءت لتحلّ محل “اتفاقية لاهاي” لعام 1907، المخصصة لحماية الجرحى والمرضى الجنود والمدنيّين على حدٍ سواء في حالة الحرب البحرية. وهي شبيهة في أحكامها إلى حدٍّ كبير بالأحكام الواردة في “اتفاقية جنيف الأولى”، من حيث الهيكل والمحتوى.
وتضم: (63) مادة تنطبق على وجه التحديد على الحرب البحرية، حيث توفر الحماية، على سبيل المثال، للسفن المستشفيات. كما تضم الاتفاقية ملحقًا يحوي نموذج بطاقة خاصًا بالموظفين الطبيين والدينيّين.
“اتفاقية جنيف الثالثة” لحماية أسرى الحرب..
حلَّت هذه الاتفاقية محل اتفاقية أسرى الحرب لعام 1929. وتضم: (143) مادة، في حين اقتصرت اتفاقية 1929 على: (97) مادة فقط.
وسَّعت الاتفاقية فئات الأشخاص الذين لهم الحق في التمتع بوضع أسرى الحرب طبقًا للاتفاقيتين الأولى والثانية.
كما عرَّفت الاتفاقية أسرى الحرب بشكلٍ أدق، نظرًا لظروف الاعتقال، ومكانه، ومواردهم المالية، والإعانات التي يتسّلمونها، والإجراءات القضائية المتخذة ضدهم.
وقد أقرت الاتفاقية مبدأ إطلاق سراح الأسرى، وإعادتهم إلى وطنهم من دون تأخير بعد انتهاء الأعمال العدائية.
وتضم الاتفاقية أيضًا خمسة ملاحق، تضم لوائح النماذج المختلفة، وبطاقات التعريف، وبطاقات أخرى.
وتحظر الاتفاقية ترحيل الأفراد أو الجماعات، وأخذهم كرهائن، والتعذيب، والعقاب الجماعي، والجرائم التي تُشّكل: “اعتداء على الكرامة الشخصية”، وفرض الأحكام القضائية؛ (بما في ذلك عمليات الإعدام)، دون ضمانات الإجراءات القانونية الواجبة، ومعاملة التميّيز العنصري على أساس العِرق أو الدين أو الجنسية أو المعتقدات السياسية.
حروب الاستقلال تفرض بروتوكولات إضافية لـ”اتفاقية جنيف” 1949..
“اتفاقيات جنيف” لم تُعد كافية لحماية المدنييّن في النزاعات..
في العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية، أي بعد عام 1945، لم تُعد “اتفاقيات جنيف” كافية لحماية المدنييّن في النزاعات.
حيث عُرف ذلك العصر بتراجع القوى العظمى القديمة وصعود قوتين عظميين، هما “الاتحاد السوفياتي” و”الولايات المتحدة الأميركية”. وبعد أن كانا حليفين أثناء الحرب العالمية الثانية أصبحا متنافسين على الساحة العالمية.
كما كانت نهاية الحرب البداية لنهاية الاستعمار، وظفر دول كثيرة حول العالم باستقلالها، حيث استقلت “الهند” من “بريطانيا”، واستقلت “إندونيسيا” من “هولندا”، و”الفلبين” من “أميركا”، كما استقل عدد من الدول العربية من حكم الانتداب الذي فُرض عليها من قبل القوى العظمى.
قُتل الملايين من البشر، وشُرِّد ملايين آخرون، ناهيك عن انهيار الاقتصاد الأوروبي، ودمار كبير للبُنية التحتية الصناعية الأوروبية.
بروتوكولان إضافيان لـ”اتفاقيات جنيف” 1949 لحماية المدنيين..
بعد أربع سنوات من المفاوضات التي رعاها “الصليب الأحمر”، تمت الموافقة في عام 1977؛ على بروتوكولين إضافيين لاتفاقيات عام 1949، ينصّان على حماية الجنود والمدنيين على السواء.
وتتناول معظم مواد الاتفاقية مسّائل وضع الأشخاص المتمتعين بالحماية ومعاملتهم، وتميز وضع الأجانب في إقليم أحد أطراف النزاع، ووضع المدنيّين في الإقليم المحتل.
وتوضح مواد الاتفاقية أيضًا التزامات قوة الاحتلال تجاه السكان المدنيين، وتضم أحكامًا تفصيلية بشأن الإغاثة الإنسانية في الإقليم المحتل. كما تضم نظامًا معينًا لمعاملة المعتقلين المدنيّين، وثلاثة ملحقات تضم نموذج اتفاقية بشأن المستشفيات والمناطق الآمنة، ولوائح نموذجية بشأن الإغاثة الإنسانية، وبطاقات نموذجية.
مجالات تطبيق “اتفاقية جنيف” 1949..
الدول الأطراف في “اتفاقية جنيف” 1949..
دخلت “اتفاقيات جنيف” حيز التنفيذ، في 21 تشرين أول/أكتوبر 1950، واستمر التصديق عليها طوال عقود، حيث صادقت: (74) دولة على الاتفاقيات في الخمسينيات، و(48) دولة في الستينيات، و(20) دولة وقّعت الاتفاقيات في السبعينيات، و(20) دولة أخرى في الثمانينيات. وفي التسعينيات صادقت: (26) دولة على الاتفاقيات، أغلبها في أعقاب انهيار “الاتحاد السوفياتي”، و”تشيكوسلوفاكيا، ويوغوسلافيا” السابقة. وبعد سبعة تصديقات جديدة منذ عام 2000، وصل عدد الدول الأعضاء إلى: (194)، لتكون بذلك “اتفاقيات جنيف” أكثر الاتفاقيات الواجبة التطبيق في العالم.
“اتفاقية جنيف” 1949 من التشريعات الوطنية إلى القوانين الدولية..
وسَّعت “جنيف” اتفاقياتها عام 1949 عن طريق تقنيّن مبدأ: “الاختصاص القضائي العالمي في قوانينها” بالمحاكم الوطنية، وبذلك يتسّنى لها مقاضاة مرتكبي جرائم الحرب فيها حتى إن ارتكبت في بلاد أخرى.
وينص المبدأ على أن تتعهد: “كل الدول بالبحث عن مرتكبي جرائم خطيرة معينة، منها جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية ومقاضاتهم، حتى إذا لم تكن للدول روابط مهمة بالمتهم أو بالأعمال التي ارتُكبت”، ولتطبيق ذلك على الدول أن تدمج هذا المفهوم في قوانينها الوطنية.
ونصّ القانون الدولي على أنَّ هذا النوع من الجرائم لا يتقادم، وذلك تفاديًا للتهرب من العقاب المترتب عنها، ويُصبح بذلك من الممكن محاكمة مخترقي القانون ولو بعد عقود.
وقد انعكست أهمية “اتفاقيات جنيف” وبروتوكولاتها الإضافية في إنشاء محاكم جرائم الحرب لـ”يوغوسلافيا”؛ (1993)، و”رواندا”؛ (1994)، وفي “نظام روما الأساس”؛ (1998)، الذي أنشأ “المحكمة الجنائية الدولية”.
“اتفاقية جنيف” 1849: خروقات جسّيمة من الدول العظمى..
خرق “أميركا” للاتفاقية في غزو “العراق”..
خرقت “أميركا”؛ (07) بنود في “اتفاقية جنيف” خلال “معركة الفلوجة”، حيث قامت بمحاصرة “الفلوجة والنجف” وتطويقهما عسكريًا أولاً، ومن ثم توجيه العقوبات الجماعية لسكانهما، دون أي تمييّز أو تحديد، ومن الأمثلة على هذه الحقيقة البديهية حلقات من الشهود التاريخيين، نشرتها شبكة (بي. بي. سي)، يروي فيها العقيد الأميركي؛ “أندرو ميلبورن”، كيف كان يُقاتل في “معركة الفلوجة” في “العراق”، عام 2004، حيث ذكر أن: “المعركة التي شُنت في المدينة لإخضاع المقاومة؛ شّارك فيها: (20) ألف عسكري أميركي، تدعمهم الدبابات والطائرات، فيما سكان المدينة؛ البالغ عددهم: (250) ألف نسّمة ليس فيهم سوى: (2500) مقاتل فقط، وقت الهجوم، وفقًا لتقرير كانت قد نشرته صحيفة (مورننغ ستار) البريطانية.
جرائم الحرب ضد المدنييّن في “سورية”..
بحسّب تقرير لـ”منظمة العفو الدولية”، كان الفشل الكارثي في حماية المدنييّن واضحًا في الغارة الجوية التي شنَّها التحالف بقيادة “الولايات المتحدة” على “الرقة” في “سورية”، عام 2017، والتي خلَّفت أكثر من: (1600) قتيل من المدنيّين، وفي التدمير المتعمد الذي قامت به القوات الروسية والسورية للبُنية التحتية المدنية والأرواح في “حلب وإدلب” وأماكن أخرى، ما أدى إلى نزوح جماعي للملايين، يرقى إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وحسّب “دوناتيلا روفيرا”، كبيرة المستشارين في برنامج مواجهة الأزمات في “منظمة العفو الدولية”، فإن: “العديد من عمليات القصف افتقرت إلى الدقة، بينما اتَّسمت عشرات آلاف عمليات القصف المدفعي بالعشوائية؛ لذا ليس من المسّتغرب أن يُقتل ويُصاب مئات المدنيين”، كما نقل عنها التقرير المذكور.
غارات جوية على رؤوس المدنيين في “الصومال”..
ولا يزال “الصومال” يُعاني من أسوأ الأزمات المتعلقة بحقوق الإنسان والأزمات الإنسانية في العالم. لقد انتهكت جميع أطراف النزاع، بما في ذلك “الولايات المتحدة الأميركية”، “اتفاقيات جنيف” الأربع لعام 1949 لحماية المدنييّن.
ورُغم تكثيف ضرباتها الجوية في حربها السرية في “الصومال”، على مدى العامين الماضيين، فقد تقاعسّت “الولايات المتحدة” عن الاعتراف بوقوع ضحية مدنية واحدة، إلى أن دفعها تحقيق “منظمة العفو الدولية” إلى ذلك، حين كشفت بأدلة دامغة تشمل الصور الفوتوغرافية، وشهادات شهود العيان، أن الغارات الجوية الأميركية قتلت ما مجموعه: (14) مدنيًا، وأصابت: (08) آخرين في: (05) هجمات.
وذكرت أنه في إحدى الحالات أسفرت غارة جوية أميركية على أرض زراعية، بالقرب من قرية “دار السلام”، عن مقتل ثلاثة مزارعين محليين في ساعات الصباح الباكر، يوم 12 تشرين ثان/نوفمبر 2017، وكانوا يسّتريحون في العراء، بعد العمل خلال الليل في حفر قنوات الري.
الاحتلال الإسرائيلي يخرق “اتفاقيات جنيف” 1949 في عدوانه على “غزة”..
استهدف الاحتلال الإسرائيلي المدنيّين الفلسطينيين بشكلٍ متكرر خلال العمليات العسكرية في “غزة”، منذ عام 2008، ما تسبب في دمار كبير وخسائر في الأرواح البشرية.
وفي عدوانها المكثف على “قطاع غزة” المحتل، منذ 07 تشرين أول/أكتوبر 2023، لا تزال “إسرائيل” تواصل خروقاتها لـ”اتفاقية جنيف” 1949، وذلك عبر غاراتها العشوائية التي تسببت في سقوط أعداد كبيرة في صفوف المدنيين، وتدمير متعمد لممتلكاتهم ومستشفياتهم ومؤسساتهم التعليمية والدينية.
حيث أدّت عمليات القصف الجوي التي نفذها الاحتلال إلى دمار مروّع، وفي بعض الحالات قضت على عائلات بأكملها، ففي حوالي الساعة 8:20 مساءً، من يوم 07 تشرين أول/أكتوبر، شنَّت القوات الإسرائيلية غارةً جويةً على مبنى سكني مكون من ثلاثة طوابق في “حي الزيتون” بمدينة “غزة”، حيث كانت تُقيّم ثلاثة أجيال من عائلة “الدوس”. وقُتل في الهجوم: (15) من أفراد الأسرة، منهم سبعة أطفال، ومن بين الضحايا: “عوني وابتسام الدوس”، وأحفادهما “عوني” (12 عامًا)، و”ابتسام” (17 عامًا)، و”عادل وإلهام الدوس” وأبناؤهما الخمسة، وكان الطفل “آدم”، الذي لم يتجاوز عمره: (18 شهرًا)، أصغر الضحايا، وفق تقرير “منظمة العفو الدولية”.
كما ذكرت “هيومن رايتس ووتش” استخدام الحكومة الإسرائيلية تجويع المدنييّن كأسلوب من أساليب الحرب في “قطاع غزة”، وهو ما يُعد جريمة حرب تحظرها “اتفاقيات جنيف” 1949.
وقد أدلى المسؤولون الإسرائيليون بتصريحات علنية، أعربوا فيها عن هدفهم المتمثل في حرمان المدنييّن في “غزة” من الغذاء والماء والوقود، فضلاً عن إعاقتهم عمدًا عن الوصول للمساعدات الإنسانية، التي لا غنى عنها لبقائهم على قيّد الحياة.