خاص : ترجمة – آية حسين علي :
سافر إلى “سوريا” وقرر الإنضمام إلى تنظيم (داعش) الإرهابي، تزوج أو اصطحب معه زوجته، أنجب أو حمل أبناءه معه، استمر في القتال في صفوف التنظيم حتى مُني بهزيمة ساحقة في “العراق” و”سوريا”، واليوم يطالب دولته بالسماح له بالعودة هربًا من الجحيم، وتطالب أسرته بإعادة أبناءه على الأقل لإنقاذهم من الهلاك، بينما تظل الدول قلقة من إتخاذ أي قرار من شأنه تهديد استقراراها وأمنها.
الأطفال ضحايا أو قنابل موقوتة..
يمثل أبناء المقاتلين معضلة كبيرة للدول، لأن كثير منهم لم يذهب إلى مناطق الصراع برغبة شخصية وإنما آباءهم استغلوا طفولتهم وحملوهم معهم، ورغم أن كثير من الآباء قتلوا خلال المعارك، إلا أن الدول تخشى من السماح بإعادة “أطفال داعش” خشية أن يتحولوا في المستقبل إلى “قنابل موقوتة” تهدد سلامة واستقرار المجتمعات.
صرح مدير المركز الدولي لدراسات التشدد في “جامعة الملك” ببريطانيا، “بيتر نومان”، بأن الأطفال “ضحايا لأنهم وُجدوا، (في العراق وسوريا)، بدون رغبة شخصية، لكن هذا لا ينفي أنهم يمثلون خطرًا بدرجات معينة وفي بعض الحالات”، وأوضح نائب مدير برنامج (جورج واشنطن)، “سيموس هودغس”، أن المقاتلين الذين يحصلون على خبرات بإنضمامهم إلى مجموعات متشددة كانوا على مر التاريخ هم من أسسوا لجماعات جديدة.
وتعرض كثير من الأطفال للسجن والتعذيب لإنضمامهم إلى صفوف (داعش)، ويرى الباحث بمركز “كوليام” للدراسات وأبحاث التطرف، “صلاح الأنصاري”، أن: “وضعهم في السجون والتعامل معهم بعنف يعزز الرواية التي غرسها التنظيم في عقولهم حول العالم”، واقترح عمل برامج لإعادة تأهيلهم وتخليصهم من الأفكار المتشددة.
واتفقت معه عالمة الأعصاب، “ستاسي دوري”، إذ أكدت على أن وضع القُصر في “السجون” أو “مراكز اللاجئين” تحت ظروف حرجة؛ ما هي إلا طرق لدفعهم إلى التطرف في المستقبل.
وصرحت النائبة البرلمانية التونسية، “خولة بن عائشة”، المؤيد لإعادة أبناء الجهاديين، لصحيفة (نيويورك تايمز)؛ بأن كل يوم يقضيه الطفل في مخيم للاجئين هو يوم يتغيب فيه عن المدرسة ويُحرم من حقوقه الأساسية، إنهم لم يختاروا مكان ولادتهم أو أن يولدون لآباء جهاديين.
العالم لم يجد حل بعد للأزمة..
بينما تُصر بعض الدول على رفض استقبال مواطنيها الذين إنضموا إلى تنظيم (داعش) الإرهابي في “العراق” و”سوريا” في أوج نشاطه، خوفًا من أن يتحولوا إلى “قنبلة موقوتة”، تبذل أسرهم جهودًا كي تسمح لهم الحكومات بالعودة، ويبحث المجتمع الدولي عن حلول لإزمة إعادة المقاتلين وأبناءهم بعد هزيمة (داعش)، في حين تخلت عدد من الحكومات عن مسؤولياتها، ومثال على ذلك “الولايات المتحدة” التي طلبت من دول أخرى استقبال مقاتليها العائدين ومحاكمتهم ورفضهم استقبالهم على أرضها، بينما تحاول دول مثل “إندونيسيا” و”تونس” و”كوسوفو” و”روسيا”؛ تحقيق التوازن بين عقاب المقاتلين والسماح بعودتهم إلى الديار، وقامت بعض الدول بفصل الأطفال عن أبويهم، لكن هذا الحل يتسبب في تشتت الأسرة.
وأوضح مدير برنامج أبحاث التطرف بجامعة (جورج واشنطن)، “لورنزو فيدينو”، لصحيفة (إل إسبكتادور) الإسبانية، بأنه لا يوجد ثمة سياسي واحد يريد أن يتحمل مسؤولية السماح للمقاتلين بالعودة خشية أن يقوموا بتنفيذ عمليات إرهابية في بلدانهم.
أُسر تسعى لإعادة أحفادها..
لم يشك يومًا التشيلي، “باتريثيو غونثالث”، أن تنضم ابنته، “أماندا”، وزوجها النروغي، “مايكل سكرامو”، إلى تنظيم (داعش)، وذكر لصحيفة (لا ترسيرا) التشيلية أن ابنته كانت غبية وبريئة، أخبرته أنهما ذاهبان في رحلة إلى “تركيا”، لكنها بدلًا من أن تغيب عنه لأيام استمرت الغيبة لأسابيع وأشهر، ظل يحاول تحديد موقعها للإطمئنان عليها حتى أخبرته أنها ذهبت إلى “سوريا”، وأنها إنضمت وزوجها للتنظيم، ومنذ ذلك الحين لم يكف عن القلق وراوده شعورًا بأنه فقدها إلى الأبد، حتى تحول الشك إلى يقين يوم أخبرته زوجته أن، “أماندا”، فارقت الحياة.
وأضاف: “كُنت قد قررت الصيام بعدما حكت لي، أماندا، في آخر رسائلها، عن حالة المجاعة الرهيبة”، ولم يعد لـ”غونثالث” أية أحلام سوى إعادة أحفاده إلى “تشيلي” لإنقاذهم من الهلاك، لكن والدهم لم يسمح له، حتى قُتل، في آذار/مارس الماضي، بعدها بدأ الجد رحلة طويلة من الصراع من أجل العثور على أحفاده، في ظل تعنت الدول خشية أن يتحول هؤلاء الأطفال إلى “قنبلة موقوتة”.
واضطر إلى السفر إلى “سوريا”، في نيسان/أبريل الماضي، وأخبرته “وزارة الخارجية” بأنه تم العثور على أحفاده على قيد الحياة بمخيم “الهول”، لكن حالتهم الصحية ساءت لدرجة خطيرة، لكن لم تنته معاناة الجد التشيلي عند هذا الحد؛ إذ رفضت الحكومة السماح له بإعادتهم حتى تدخلت “وزارة الخارجية التشيلية” وساعدته على العودة بأحفاده.
ولا يُعد “غونثالث” الجد الوحيد الذي يسعى إلى استعادة أحفاده من “العراق” و”سوريا”، فقد كانت الأسترالية، “كارين نيتلتون”، التي استطاعت رؤية أحفادها بعدما أخذهم والدهم الجهادي المعروف، “خالد شاروف”، إلى “سوريا”، الذي عُرف على مستوى واسع، منذ نشر مقطعًا يظهر ابنه، “عبدالله”، وهو يلعب برأسًا مقطوعًا، لكن الجدة أصرت على أنه لا بد ألا يدفع الأحفاد ثمن قرارات أبويهم.
وطالبت منظمة “سيف ذا تشيلدرن”، من الحكومة الأسترالية، التعهد بإعادة أبناء المقاتلين من “سوريا” لإنهاء المأساة التي يعيشون في ظلها، وكتبت المنظمة وثيقة ذكرت فيها أن: “جميع الأطفال الأستراليين، في العراق وسوريا، يعيشون تحت سيطرة (داعش) ومروا بأحداث مرعبة وعنف وحرمان شديد وقصف، وكثير منهم فقدوا أحباءهم، والآن يقبعون في مخيمات خطيرة يسكن بها مرضى وآخرون يعانون من سوء التغذية بسبب عدم توافر كميات كافية من الغذاء، لا أحد يدافع عن مواقف الآباء، ويجب أن يخضعوا للمحاكمة، لكن علينا الدفاع عن حقوق كل طفل، ولأستراليا القدرة على إعادة هؤلاء الأطفال إلى الديار ودعمهم وإعادة دمجهم في المجتمع”.