خاص : ترجمة – آية حسين علي :
أعلنت النيابة العامة السعودية، نهاية الأسبوع الماضي، أنها أنهت التحقيق في قضية الناشطات العشرة المسجونات على خلفية قضية حقوق المرأة، والتي بدأت العام الماضي، وأشارت إلى أنه قريبًا سوف يُصدر الحكم بشأنهن، بينما أجلت المحكمة النطق بالحكم إلى جلسة، 27 من آذار/مارس الجاري، دون السماح لهن بالكلام أو الرد، وإذا أضيف إلى هذه القضية فضيحة مقتل الصحافي السعودي، “جمال خاشقجي”، في “إسطنبول”، في تشرين أول/أكتوبر الماضي، والعلاقة المحتملة بين من نفذوا العملية وولي العهد الأمير، “محمد بن سلمان”، نجد أن النخبة الليبرالية في “السعودية” وضعت في مأزق أخلاقي، يجعلهم أمام أمرين فكيف يقومون بدعم الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية بقيادة ولي العهد والرجل الأقوى في المملكة، دون إدانة القمع السياسي المتزامن معها.
الانتقاد خيانة..
صرحت فتاة سعودية، وصفت نفسها بأنها مدافعة عن حقوق المرأة، لكنها ليست ناشطة، لصحيفة (البايس) الإسبانية، بأن الفتيات السعوديات اللاتي يخضعن للمحاكمة “لسن خائنات”، وأوضحت أنه: “إذا كانت لُجين، (واحدة من المتهمات)، خائنة لما عادت إلى المملكة، والمتهمات الآخريات أيضًا”.
وأعربت الفتاة عن حيرتها بين التحمس لما قد تحدثه التغييرات التي تشهدها البلاد، وبين زيادة حدة القمع، وقالت: “الحمد لله أن هناك شخص اسمه محمد بن سلمان”، لكنها أستدركت وقالت: “لا يمكننا الحديث عن السياسة أو الدين، لكن لنا عقول نعملها ونرى ما يحدث”، ومن الصعب مواجهة هذا التحدي في بلد يعتبر أي انتقاد بسيط خيانة للوطن.
الصحافة حكمت عليهن قبل التحقيقات..
من بين المتهمات، “لُجين هذلول”، التي اعتبرت ثالث أقوى إمرأة في العالم العربي، بحسب تصنيف مجلة (أريبيان بيزنس) للعام 2015، واعتقلت مرتين؛ الأولى كانت بسبب قيامها بقيادة سيارة بمفردها، الأمر الذي كان محظورًا قبل صدور قرار السماح للسيدات السعوديات باستخراج رخصة قيادة، في آيار/مايو عام 2018، بينما اعتقلت المرة الأخيرة قبيل الإعلان التاريخي بالسماح للمرأة السعودية بالقيادة، وهو حق ناضلت كثيرًا من أجله، لكن هذه المرة وجهت لها تهمة التواصل مع جهات خارجية مشبوهة.
وإلى جانب “الهذلون”؛ أُعتقلت أيضًا، “إيمان النفجان”، و”عزيزة اليوسف”، و”سمر بدوي” و”نسيمة السادة”، وعدد من الرجال أيدوا مطالبهن، منهم؛ “محمد الربيع” و”إبراهيم المديميغ”، لكن المحكمة المختصة لم تعلن أسماءهم ولم توضح التهم الموجهة إليهم، ومع ذلك، نشرت الصحف السعودية التابعة للسلطة صورهم في نفس يوم اعتقالهم في الصفحات الأولى وكتبتت بالخط الأحمر العريض، “خائنات”، وأشارت أنهن تخابرن لصالح دول أجنبية، وكانت الرسالة واضحة لقد أُثبتت التهمة قبل بداية التحقيقات.
وحصلت القضية على اهتمام دولي كبير، خاصة مع قيام عدد من المنظمات الحقوقية بالتأكيد على تعرض الفتيات للتعذيب داخل السجن، الأمر الذي رفضته السلطات.
الحوادث تشوه صورة المملكة..
قال أحد الموظفين، الذي انضم للعمل في الحكومة قبيل مقتل “خاشقجي”، للصحيفة الإسبانية: “أرى أنه التوافق بين التغييرات الاجتماعية والقمع الذي يحدث صعبًا للغاية”، وأضاف: “لا أفهم أي شيء، محمد بن سلمان، لا يحتاج إلى القمع، الإصلاحات مهمة وتحظى بالتأييد”.
وأوضح: “لقد كانت لدي كثير من الشكوك، ولا تزال موجودة، لكنني قبلت العمل في الحكومة كي أساعد على التغيير من الداخل، وفي حدود إمكاناتي أحاول توصيل رسالة للسلطات بأن هذه الحوادث تشوه صورة المملكة في الخارج وتضيع قيمة التغييرات الحقيقة التي تبذلها البلد”.
وقالت سيدة تعمل في الصحافة وتعرف بعض المتهمات: “لا أفهم لماذا قامت السلطات باعتقالهن، ولا أعتقد أن الأمر له علاقة بحملة المطالبة بالسماح للمرأة بالقيادة”، “فهل سجنوا لرفضهم لنظام الوصاية ؟.. لا أعتقد أنه منطقي”.
وأضافت: “في ثقافتنا، عندما تسجن أي سيدة فإنه ليس محظورًا فقط تعذيبها، وإنما يعد لمسها محرمًا، إن المرأة خط أحمر لا يمكن تجاوزه”، معربة عن شعورها بالإرتباك حيال الرسائل التي تصدرها السلطات.
التغاضي خيار رجال الأعمال..
بات التغاضي عن الممارسات السيئة خيارًا آمنًا بالنسبة للكثيرين من الشعب السعودي، وخاصة رجال الأعمال إذ أدركوا ما يجب عليهم فعله، وصرح أحدهم لـ”بايس” بأنه قرر غض الطرف عن “هذه الأمور السيئة” كي يتمكن من الاستمرار والحفاظ على أعماله وعلى أسرته، وأضاف: “كل من لديه رأس مال يعرف ما عليه فعله”.