خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في محاولة لإيجاد حلول للمشكلات العالقة بينهما، استأنفت كل من “بغداد” و”أربيل” التي تعاني أزمة اقتصادية، منذ الخميس الماضي، مفاوضاتهما بشأن “النفط” و”الموازنة المخصصة للإقليم”؛ الذي يتمتع بحكم ذاتي، وهما نزاعان قديمان يبقى التوصل إلى اتفاق حولهما أمرًا غير مؤكد، حسبما يقول العديد من المراقبين.
عن المباحثات الدائرة بين الطرفين؛ قال عضو لجنة التخطيط الاستراتيجي النيابية؛ النائب، “رائد فهمي”، أن الحكومة لديها فرصة لاستقطاع إيرادات “النفط”؛ التي بذمة “كُردستان” من الموازنة قبل نهاية السنة المالية، لافتًا إلى أن الإقليم بذمته أكثر من خمسة تريليونات دينار؛ في حين أن الحكومة لن تسلمه هكذا مبالغ من الموازنة، وبالتالي فإنها تمتلك فرصة استقطاع تلك المبالغ.
وقال “فهمي”: إن “الحكومة أعلنتها صراحة عن قطع المبالغ التي تكافيء الكميات النفطية المصدرة عبر إقليم كُردستان بعد إمتناع الإقليم عن تسليم المبالغ المتفق عليها”.
وأضاف: إن “المبالغ التي بذمة الإقليم، للحكومة، بلغت أكثر من خمسة تريليونات دينار، وإلى يومنا هذا فإن المبالغ المصروفة من حصة كُردستان لا تعادل المبلغ المذكور، وبالتالي فإن هناك إمكانية للحكومة أن تستقطع مبلغ الخمسة تريليونات دينار قبل نهاية السنة المالية”.
وأوضح “فهمي”: أن “هناك مباحثات جارية بين بغداد وأربيل، وفي حال لم تصل إلى حلول مرضية للطرفين فإن الحكومة ملزمة بتنفيذ بنود الموازنة بما نصت عليه”.
اشتراط بإبرام اتفاق كامل بين بغداد وأربيل..
واشترطت اللجنة القانونية النيابية، أمس، إبرام اتفاق كامل بين “بغداد” و”أربيل” لتمرير قانون الموازنة العامة للعام المقبل، 2020، فيما أكدت أن حكومتي المركز والإقليم توصلتا إلى نتائج من خلال المباحثات الجارية.
وقال عضو اللجنة، “سليم شوشكي”، في تصريح صحافي، إن: “المفاوضات بين المركز والإقليم تجري بشكل مكثف من خلال اللجان التي شكلت لمتابعة ملف المستحقات النفطية بين المركز والإقليم”، مبينًا أن: “اللجان التي شكلت بعد زيارة رئيس حكومة الإقليم إلى بغداد هي رسائل مهمة وإشارات تدل على أن المركز والإقليم عازمون وبإرادة على حل المشاكل العالقة بينهما بشأن المستحقات النفطية”.
وأضاف “شوشكي”، أن: “حل هذه المشاكل يحتاج إلى وقت، وتستحق أن نعطي فرصة للتوصل إلى نتيجة بشأنها”، مشيرًا إلى أن: “حكومة الإقليم قامت بإبرام بعض العقود مع الشركات العالمية لفترة طويلة، والانسحاب من هذه الشركات تترتب عليه معطيات وانعكاسات، وعلى الحكومتين أن تتحملا مسؤولية هذه الانعكاسات وهي بحاجة إلى وقفة جادة للتوصل إلى حلول فعالة لهذه المشاكل”.
وتابع، أن: “حكومتي المركز والإقليم توصلتا إلى نتائج من خلال المباحثات؛ بأن على حكومة الإقليم تسليم الكمية المتفق عليها من النفط إلى حكومة بغداد، ولكن الآلية والكيفية والجانب الفني والتكتيكي بحاجة إلى وقت كاف”، مؤكدًا على أن: “كلا الطرفين اتفقا على مبدأ واحد هو التفاهم في إطار الدستور العراقي وعلى عدم التصريح للإعلام حتى تصل المباحثات إلى نتائج حقيقية، فلربما ستعطي هذه الأخبار أو التصريحات دورًا سلبيًا بشأن الاتفاق بين الطرفين بخصوص المستحقات النفطية”.
ولفت “شوشكي” إلى أن: “موازنة عام 2020؛ لن يجري التصويت عليها ولن تجري مناقشتها إلا بعد الاتفاق بشكل كامل بين بغداد وأربيل بشأن الملف النفطي”، لافتًا إلى “توفر النوايا الطيبة من كلا الطرفين، إضافة إلى عزم الإرادة الكُردية لحل المشاكل العالقة بين بغداد وأربيل”.
وتوترت العلاقات بين “بغداد” و”أربيل”، منذ سنوات عدة، إلا أنها ساءت أكثر في عام 2014، حينما استغل “إقليم كُردستان” الفوضى السائدة، في أعقاب اجتياح تنظيم (داعش) للبلاد، للبدء بتصدير النفط من أراضيه إلى “تركيا” مباشرة.
وحينها توصلت “أربيل” ووزير النفط، “عادل عبدالمهدي”، في هذا الوقت، الذي أصبح رئيسًا للوزراء؛ إلى اتفاق، إلا أنه لم يطبق بالكامل، إذ إن سلطات “كُردستان” تطالب بحصة أكبر من الموازنة الفيدرالية، ويتراشق الطرفان الاتهامات بعدم الوفاء بالإلتزامات.
حصة الإقليم من تصدير النفط..
ويصدر “إقليم كُردستان” بين 400 و500 ألف برميل يوميًا. لكن، رسميًا، عليه أن يصدر منهم 250 ألف برميل يوميًا عن طريق شركة “سومو” النفطية الحكومية، وأن يدفع الإيرادات الناتجة عما تبقى إلى الموازنة الفيدرالية.
وفي المقابل، على “بغداد” أن تدفع نحو 12 في المئة من موازنتها الاتحادية إلى “أربيل”، (8.2 مليار دولار).
وللمرة الأولى؛ شهدت موازنة عام 2019، سابقة من نوعها، وهي أن تدفع “بغداد” رواتب موظفي الإقليم الشمالي، من دون اشتراط أن تعيد “أربيل” ما عليها من إيرادات نفطية. لكن في الواقع إذا كانت “بغداد” تدفع الرواتب شهريًا للموظفين، فإنها لا تدفع الموازنة المخصصة للأكراد، قائلة إن كل الذهب الأسود في “كُردستان” يُصدر إلى “تركيا” من دون المرور عبر منشآتها.
إشارة جيدة لعودة التفاوض..
وتوجه “مسرور برزاني” إلى “بغداد”؛ بمجرد تسميته رئيسًا جديدًا لحكومة “إقليم كُردستان”، داعيًا إلى: “ترك نزاعات الماضي وراءنا”، وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية، يشير مصدر حكومي إلى أن حقيقة “استعجاله” للظهور في “بغداد” يُعد “إشارة جيدة”. وعليه، تم تشكيل لجان فنية مشتركة للاتفاق على موازنة 2020. ويبدو أن الإقليم مصمم على التفاوض؛ لأنه مخنوق ماليًا بسبب الديون البالغ حجمها، “14 مليار دولار”، بحسب “برزاني”. لكن الرقم في الحقيقة هو ضعف ذلك، بحسب عدد من الخبراء.
أما فيما يتعلق برواتب الموظفين؛ فقد وصلت إلى رقم قياسي؛ هو 8.9 مليار دولار في عام 2019، بحسب “أربيل”. غير أن “بغداد” لا تخصص سوى 4.6 مليار دولار، مشيرة إلى وجود وظائف وهمية بين الموظفين البالغ عددهم 1.2 مليون.
ويقول الخبير الاقتصادي، “أحمد طبقجلي”، إنه بوجود 3.5 مليار دولار فقط، من عائدات “النفط”، بعد خصم التكاليف، وفق الخبراء، فإن الإقليم لم يدفع لموظفيه منذ أشهر عدة. والخلاف بين “بغداد” و”أربيل”: “يقتل اقتصاد كُردستان، فالناس لا يعرفون ما إذا كانوا سيتقاضون أجورهم في نهاية الشهر، وهذا يؤثر على الاقتصاد والاستثمارات، وأكثر من ذلك”، كما يقول النائب الكُردي، “سركوت شمس الدين”.
ترى أن “عبدالمهدي” الشريك الأفضل..
وترى “أربيل”، في “عادل عبدالمهدي”، الشريك الأفضل، فهو “متعاطف، وأبرم بالفعل اتفاقيات مع الأكراد”، وفق “شمس الدين”.
ومن جانبه؛ يبحث رئيس الحكومة، وهو مستقل وصل إلى السلطة بإجماع ضد النواب المنقسمين، عن قاعدة أكثر صلابة. وفي هذا الإطار، يعتقد “طبقجلي” أن “عبدالمهدي” المثقل بأعباء البرلمانيين المتخاصمين فيما بينهم قد يجد في الأكراد “حلفاء طبيعيين”.
ويرى مسؤول من محافظة “كركوك” النفطية، المتنازع عليها، إن تعهدات النوايا الحسنة بين الطرفين توفر “قاعدة للحوار”، لكن “لا قرار يحل القضية” حتى الآن.
ويضيف أن هناك “تدخلات إقليمية ودولية”، في حين أن (أوبك) وشركات النفط الأجنبية والحليف الأميركي تعلق بانتظام على النزاع بين “أربيل” و”بغداد”.
طريق المفاوضات مسدود..
ومن جانبها؛ تقول الخبيرة بشؤون النفط العراقي، “ربى الحصري”، إن “أربيل” والحكومة الفيدرالية “في طريق مسدود”، لأن الأولى ترفض أي سيطرة اتحادية على حدودها ونفطها وعائداتها، في حين أن الثانية “لا تتحدث مع الأكراد بصوت واحد”. وتضيف “الحصري” أن: “أي اتفاق جديد سيظل مؤقتًا، وستشوبه العيوب نفسها سابقًا”.
وللحصول على مصادقة البرلمان، سيتعين على “عبدالمهدي” إقناع كثير من النواب؛ الذين يتهمونه بتقديم تنازلات كثيرة لـ”إقليم كُردستان”.
الحل هو اللجوء للجان الفنية والإدارية..
وعن هذه المباحثات المستأنفة بين الجانبين؛ رأى “شوان محمد طه”، القيادي في “الحزب الديمقراطي الكُردستاني”، أن: “هناك توجهًا عامًا لدى الطرفين لحل المشاكل العالقة بينهما؛ نظرًا لوجود نوايا حسنة مشتركة”، مبينًا أن: “هناك جملة من المواضيع؛ منها ملفات النفط والموازنة والمناطق المتنازع عليها وملف المنافذ الحدودية”.
وأضاف أنه: “من الواضح أن هناك إرادة لحل المشاكل العالقة بشكل جدي”، موضحًا أنه: “بات من الواضح أن ليس بمقدور أي طرف أن ينهي كل شيء دون اللجوء إلى اللجان الفنية والإدارية على أن يكون الفيصل في كل شيء عند حصول نزاع هو الدستور”.
تعليق عضويته لعدم استجواب وزراء..
وفي “بغداد”؛ أعلن عضو البرلمان العراقي، “يوسف الكلابي”، تعليق عضويته داخل البرلمان احتجاجًا على ما اعتبره تسويفًا بشأن طلب استجواب وزراء في الحكومة الاتحادية بسبب “نفط كُردستان”.
مخالفة قانونية صريحة..
في السياق نفسه؛ عد النائب عن (دولة القانون)، “منصور البعيجي”، أن: “إصرار وزير المالية، حسين فؤاد، بإرسال الأموال إلى إقليم كُردستان، مخالفة قانونية صريحة بسبب عدم إرسال الإقليم النفط والواردات الأخرى إلى الحكومة الاتحادية”.
وقال “البعيجي”، في بيان أمس الأول، بأن: “مجلس النواب صوت على موازنة العام الحالي؛ التي نصت على أن يتم إرسال 250 ألف برميل يوميًا من النفط إلى الحكومة الاتحادية حتى يتم إرسال حصة الإقليم من الموازنة. ولكن حكومة كُردستان لم ترسل برميل نفط واحدًا ووزير المالية يرسل الأموال للإقليم”. وأضاف أن: “وزير المالية يتصرف بطريقة قومية وهو يعمل لإقليم كُردستان، وليس للعراق، باعتباره وزيرًا بالحكومة الاتحادية، وهذا الأمر واضح للجميع من خلال إصراره على إرسال الأموال رغم عدم إلتزام حكومة كُردستان بإرسال النفط والواردات الأخرى؛ كما نصت عليه الموازنة الاتحادية لهذا العام”.
وأكد “البعيجي”: “إننا في مجلس النواب لسنا ضد شعبنا في إقليم كُردستان؛ ولا نرغب في قطع رواتبهم، ولكن حكومة الإقليم هي من تعمل على ذلك من خلال تصدير نفط الإقليم بعيدًا عن الحكومة الاتحادية وتذهب الأموال إلى المنتفعين بحكومة الإقليم”.
وشدد على أنه: “لا يمكن أن نسمح بنهب ثروات محافظتنا بالجنوب من خلال إرسالها إلى الإقليم، والأخير لم يسلم وارداته، لذلك على رئيس الوزراء أن يتدخل بصورة مباشرة ويحافظ على ثروات البلاد”.