24 ديسمبر، 2024 8:00 م

29 نيسان ذكرى ميلاد ووفاة “كفافيس” .. شاعر التاريخ والحب والفلسفة

29 نيسان ذكرى ميلاد ووفاة “كفافيس” .. شاعر التاريخ والحب والفلسفة

كتب – هاني رياض :

مثلما البرزخ يلتقي فيه مياه النهر بالبحر جمع الشاعر السكندري اليوناني “كفافيس” – أحد أهم شعراء اليونان فى القرن العشرين، ومؤسس الحداثة الشعرية اليونانية – العالمين اليوناني القديم، والشرق الأوسط فى عالم واحد، أو برزخ “هلنستي سكندري” يعبر عن الأصالة والحداثة فى بوتقة واحدة.

كفافيس كما يقول عنه الشاعر الإنكليزي الكبير “أو. هـ. أودن” أنه “شخصاَ ذا منظور فريد للعالم، ويستخلص منه نتيجة هامة هي أن “الفرادة” هي القيمة الوحيدة التي تمتلكها الكائنات الإنسانية كلها”، وتكمن مهمة شعر كفافيس وقصائده انها “شاهداً على الحقيقة”، ويقول عنه الشاعر ومترجم أشعاره “رفعت سلام” أن “أهمية كفافيس لم يتم إدراكها قبل وفاته لنفس الأسباب تماماً التي جعلت منه الآن الشاعر اليوناني الأكثر أصالة وتأثيراً في هذا القرن: نفوره الصارم في سنوات نضجه من البلاغة التي كانت سائدة آنذاك وسط الشعراء المعاصرين في اليونان”.

يتحدث كفافيس عن أشعاره فيقول: “الكثير من الشعراء شعراء على وجه الحصر، أما أنا فإنني شاعر مؤرخ، أنا لا أستطيع كتابة رواية أو مسرحية، لكني أِشعرفي دواخلي بمئة وخمسة وعشرين صوتاً تخبرني أنني قادر على كتابة التاريخ، لكن لم يعد هناك مزيد من الوقت الآن”.

نشأته وطفولته السكندرية:

ولد “قسطنطين كفافيس” أو كفافي، فى 29 نيسان/ابريل 1863 فى الإسكندرية، لأسرة أرستقراطية، أبوه رجل أعمال وأمه من أسرة غنية، وجده تاجر ألماس، وكان الابن التاسع فى ترتيب أخوته، وقد انتقلت الأسرة إلى الأسرة الإسكندرية في أواخر عام 1854، لإدارة مؤسسة “الأخوين كفافيس”، ولكن عندما مات أبوه عندما كان كفافي في السابعة من عمره، انتقلت الأسرة إلى إنكلترا التي عاش فيها كفافيس حتى بلغ السادسة عشر، ثم رجع إلى الإسكندرية عام 1879، والتحق بمدرسة تجارة.

وعندما دخل الأنكليز الإسكندرية في عام 1882، رحل مع أمه واخواته مرة أخرى إلى القسطنطينية  حيث موطن جده، وبقيت الأسرة هناك ثلاث سنوات حتي 1885، وهناك واصل دراساته في التاريخ والحضارة البيزنطية، ثم عاد إلى الإسكندرية مع أمه عام 1885، التي توفيت فى عام 1899، بعدها عمل صحافياً لبعض الوقت، كما عمل مع أخيه في بورصة الإسكندرية للأوراق المالية، وعندما مات أخوه عام 1891 عمل موظفاً كتابياً في مصلحة الريٌ التابعة لوزارة الأشغال العامة حتى عام 1922، بعد أن ترك العمل بعشرة سنوات، وتحديداً في حزيران/يونيو 1932 أصيب بمرض سرطان الحنجرة، وسافر إلى أثينا لإجراء جراحة، ولكنه تعب مرة أخرى، وانتقل إلى المستشفى اليوناني بالإسكندرية، وتوفي هناك فى 29 نيسلن/ابريل 1933.

لحياة كفافيس محطات هامة أثرت فى صياغة عالمه الشعري، ومشواره الأدبي، أهمها تلك السنين التى قضاها فى لندن عندما كان عمره ما بين التاسعة والسادسة عشر، فقد درس الأدب الإنكليزي، وتعمق فى أعمال “شكسبير”، و”أوسكار وايلد”، وأتقن اللغة الإنكليزية مما جعلته يكتب أولى قصائده بالإنكليزية، المحطة الثانية كانت فى القسطنطينية عندما هربت الأسرة بعد دخول الإنكليز الإسكندرية عام 1882، فقد درس التاريخ البيزنطي والإغريقي، وأتقن اللغة اليونانية القديمة، وقرأ الشعر الديموطيقي، وهى التى أصبحت مسار حياته الأدبية بعد ذلك، فكانت قصائده التاريخية محملة بالقصص الأسطورية والتاريخية والشخصيات التاريخية فى الفترة الهلنستية، كما أثرت فترة الاضطرابات السياسية فى الإسكندرية “مدينة الأساقفة”، أو “المدينة الخائفة من الربّ” كما نعتها كفافيس في إحدى قصائده، ومعاناة اليونانيين هناك، وخصوصاً بعد عودته للإسكندرية عام 1885، فجاءت قصائده الأولى تحمل طابع الخوف والقلق والتشاؤم.

أعماله الشعرية:

يقول الشاعر “رفعت سلام” فى تقديم الأعمال الكاملة لكفافيس: “كان يكتب سبعين قصيدة كل عام، ومع ذلك لم يكن ­ يحفظ منها سوى أربعة أو خمسة قصائد، فقد عرف عنه نزعة جمالية زهدية، فكان منهجه فى توزيع أعماله هى إرسال قصائده إلى أصدقائه لاختبار قيمة أعماله، ثم يرسلها إلى المجلات، أو يقوم أصدقائه بطبعها بصورة شخصية”، وقد كتب الشعر وهو في عمر التاسعة عشر، أما أول مجموعة شعرية له كانت في عام 1904، وكان في عمر 41 عاماً، وتضم 14 قصيدة، وقد قام النقاد بالاهتمام بهذه المجموعة والكتابة عنها”، وفي عام 1910 نشر مجموعته الشعرية وتضم 12 قصيدة، وأكثر من 154 قصيدة منشورة، و66 قصيدة لم يتم نشرها في حياته، وهناك حوالي 34 قصيدة لم تكتمل، بالإضافة إلى قصائد نثرية، ومجموعة من التأملات.

يقول الشاعر الإنكليزي “ويستن هيو أودن”: أن “اهتمامات كفافيس ثلاثة: هي الحب والفن والسياسة”، أما “سلام” يقول عن اهتمامات شعر كفافيس: “معالجته الصريحة والطليعية للجنسية المثلية، وإعادة تقديمه للأنماط الدرامية والإبيجرامية التي ظلت في طور السبات منذ العصور الهيلينستية، وحساسيته التاريخة الحيوية والرفيعة، وإلتزامه الهيلينية، مقترنة بنزعة رواقية ماكرة فيما يتعلق بالسياسة، و نزوعه إلى الكمال الجمالي، وإبداعه عالماً أسطورياً غنياً خلال سنوات نضجه”، أما “كفافيس” قسّم شعره إلى ثلاث أقسام..

القسم الأول: هي القصائد التاريخية التي تستلهم التاريخ الهيلينستي بقصصه، وشخصياته البطولية، بالإضافة إلى عصر الممالك اليونانية التابعة التي أسستها روما عقب تشرذم الإمبراطورية السكندرية، وعهد “قسطنطين” وخلفائه، عندما انتصرت المسيحية على الوثنية، وأصبحت الدين الرسمي، حيث يقول فى قصيدة “أحصنة أخيل”:

عندما رأت باتروكلوس ميتاً

شجاعاً وقوياً، ويافعاً

راحت أحصنة أخيل بالبكاء

اضطربت طبيعتها الأبدية كثيراً

بما رأته من صنيع الموت

رفعت رؤوسها، أطلقت أعرافها،

ضربت الأرض بحوافرها، وناحت

على باتروكلوس تراه لا حياة فيه محطّم،

جسد الآن فقط بلا روح،

عاجز بلا نفس،

فارق الحياة ليرحل إلى العدم العظيم

رآى زيوس دموع تلك الخيول الأبدية وتأسف

في عرس بيليوس قال زيوس

ما كان عليّ أن أتصرف بطيش

كان من الأجدى لو نعطك كهدية

أحصنتي التعيسة، أي شأن كان لك هناك،

وسط أولئك البشر التعساء، دُمى القدر

أنت متحرر من الموت لن تشيخ،

ومع هذا تعذّبك المصائب العابرة

أوقع بك البشر في شرك شقائهم

ولكن لأجل مصيبة الموت الخالدة

تلك الخيول النبيلة كانت تذرف دموعها.

منزله من الداخل

القسم الثاني: هو شعر الحب والشهوة، فالعديد من قصائد كفافيس الشبقية، والشهوانية، تكشف الميول المثلية له، وصراعاته الداخلية حيث رفض المجتمع السكندري لهذه النوعية من العلاقات، ومن قصائده التي تكشف بوضوح ميوله الجنسي إلى المثلية قصيدة “طقوس التحوّل”، و”رأيت جّمّالاً كثيرا”، و”تّذكٌر أّيٌها الجّسّد”، و”ذات ليلة”:­­

ذات ليلة

كانت الغرفة فقيرة رخيصة

منزوية في الخفاء فوق الحانة المشبوهة

بإمكانك من النافذة أن ترى الحارة الضيقة القذرة

وتسمع أصوات العمال وهم يشربون بسعادة

ويلعبون الورق في الطابق الأرضي

هناك على السرير العادي الرخيص

امتلكت جسد الحبيب

وتلك الشفاه الشهوانية الحمراء

والآن، وأنا أكتب بعد كل هذه السنين

وحيداً في بيتي هذا، أشعر أنني ثمل

بنبيذِ الرغبة مرة أخرى

القسم الثالث: يتناول كفافيس فى العديد من قصائده التأملات الفلسفية عن طريق حوار بين شخصين, أو حوار داخلي ينتج عنه في نهاية القصيدة قرار معين أو تصحيح لفكرة أو تأكيد للذات حول قضية، يقول فى قصيدة “صلاة”:

التهم بحر صياداً في أعماقه

غير مدركة، تذهب أمه وتضئ

شمعة طويلة أمام أيقونة مريم العذراء،

تصلي لأجله كي يعجّل الرجوع، للسماء أن تكون صافية

قلبها يهفو حيث تهب الريح

بينما تصلّي وتدعو،

الأيقونة تصغي، حزينة،

عارفة أن الرجل الذي تنتظر لن يعود أبداً

متحف كفافيس

متحف وجائزة كفافيس:

بعد وفاة الشاعر العظيم كفافيس فى 29 نيسان/ابريل 1933 تحول بيته بمحطة الرمل بالإسكندرية إلى فندق صغير، حتى قام أحد أعضاء “جمعية محبي كفافيس”، التي تأسست عام 1991 على يد المستشار الثقافي اليوناني، بشراء الفندق وقام بتحويله لمتحف بعد ترميمه عام 1993، يضم المتحف القليل من مقتنيات كفافيس حيث أن معظم مقتنياته تم بيعه بعد وفاته سواء لمتحف “فيناكي” ولآخرين، ولم يتبقى غير غرفة نومه التي تضم سرير نحاسي، وسجادة فارسية، وطاولة صغيرة، ودولاب صغير، ومجموعة من صور الشاعر، وأمه، وأقاربه، كما يحتوي المتحف على غرفة تضم صندوق زجاجي به قناع الدفن لكفافيس، ومجموعة من أشرطة الفيديو تتناول سيرة حياته، والمقالات التى كتب عن أعماله الشعرية، ومجموعة صوره الشخصية لمراحل عمره المختلفة، كما يوجد بالمتحف غرفة لمكتبه تضم مكتبتة الخاصة وبها كل أعمال الشاعر منها أول طبعة لديوانه الشعري، وكل الكتب التي كتبت عنه بعشرات اللغات العالمية.

وأخيراً تقديراً لمكانة كفافيس الشعرية العالمية كأهم الشعراء فى القرن العشرين، تم تأسيس “جائزة كفافيس الدولية للمبدعين” سواء فى مصر، واليونان عام 1990، ومازالت تمنح للشعراء المبدعين.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة