14 مارس، 2024 3:08 ص
Search
Close this search box.

رواية المرتجى والمؤجل.. الوطن حلم بعيد المنال في عين المغترب

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “المرتجى والمؤجل” للكاتب العراقي “غائب طعمه فرمان” والتي صدرت في 1986، تحكي عن غربة المنفيين خارج الوطن، وإحساسهم بأنهم مشاريع مؤجلة إلى أمد طويل.

الشخصيات..

يحيى سليم: البطل، مترجم، يعيش في شقة صغيرة ويعمل من المنزل، يخرج ليحتسي الخمر مع مجموعة من العراقيين المغتربين، تزوج من فتاة من البلد التي يعيش فيها، وطلقت منه بعد أن أنجب منها ولدا، وحين رآها بعد فراق دام أربع سنوات عرف أنها لم تقل للطفل أنه والده، ورغم ذلك لم يقاوم ذلك الوضع وترك ابنه يناديه ب “عمو”.

ثابت حسين: البطل الثاني، صحفي وله تاريخ طويل في النضال والصحافة، لكنه يعيش في العراق ويرتضي أن يعمل في مطبعة، في عمل لا يتناسب مع مهاراته وخبرته، يصاب ابنه بحادث سيارة مروع تتحطم فيه جمجمته ويسافر إلى الاتحاد السوفيتي، والذي لا يذكر الكاتب أنه البلد التي تدور فيه الأحداث لكنه يفهم من السياق، ليعالج ابنه على يد متخصص، ويظل هناك أربعة أشهر حتى يتعافى ابنه، ويقرر الطبيب بعد عدة عمليات حرجة أنه من الممكن عودته إلى العراق، ويتقابل “ثابت” مع صديق الطفولة “يحي” ويظل يشعره بالتناقض بينهما.

حسان: ابن “ثابت”، طفل صغير يعاني من كونه مريض ومن تذبذب الذاكرة، ويحاول والده سرد القصص عليه لينشط ذاكرته، ويستجيب الطفل، كما أنه يقيم صداقات مع مرضى آخرين، ويتعلم كلمات كثيرة من الممرضات.

نادية: زوجة “يحيى سليم” والتي تطلقت منه دون أن يوضح أسباب ذلك ويظل يتذكر حياته معها، وهي تعاملت معه بجفاء شديد حتى أنها حرمته من أبوته لابنه.

فريد: ابن “يحي سليم” والذي يناديه ب”عمو”.

صالح جميل: مغترب عراقي، يشرب خمرا بشكل يومي، منذ أن يستيقظ وحتى ينام، يدعي أنه يعيش في الاتحاد السوفيتي للدراسة رغم أنه تجاوز الأربعين من عمره، لا يأبه لشيء سوى للشراب، ويراقب أصابعه وهي تضعف من قلة الاستخدام.

علوان شاكر: طالب في الدراسات العليا، دراسته تدور حول القرامطة، وهو يعاقر الخمر أيضا، ويصاحب الفتيات، وحين فاجأته زوجته بزيارة غير متوقعة كشفت خيانته لها، لكنه أصر على الإنكار، ثم قرر أن يطلقها لأنه أصبح يكرهها ويكره جهلها على حد قوله.

رسمية: زوجة “علوان شاكر”، تزوجها وهي بعد في السابعة عشر من عمرها، ثم سافر سنوات عديدة للدراسة، وحين سافرت إليه اكتشفت خيانته، وقررت أن تلازمه حتى العودة، حتى أنها فكرت في إغاظته واستفزازه بالتعرف على أحد الشبان وجلبه إلى بيتها.

الراوي..

يختلف الحكي داخل الرواية، فمرة يروي “ثابت حسين” عن “يحي سليم” حين يقرر أن يحكي قصص لابنه لينشط ذاكرته، ثم يستلم الحكي الراوي العليم، ثم يكمل الحكي “يحيى سليم” من خلال رسالة طويلة بعثها ل”ثابت حسين”، ويتمتع الحكي بحيوية.

السرد..

تعتمد الرواية على التنويع في الحكي مما يعطيها حيوية، لكن السرد لا يعتمد على التشويق وإنما على السرد التصاعدي للأحداث، كما يستخدم الكاتب تقنية مشوقة حيث يحكي عن الشخصيات جميعا دون تقطيع أو تقسيم، فيحكي عن “يحي سليم” وفي نفس الفقرة يحكي عن “صالح جميل” ثم عن “علوان شاكر” و “ثابت حسين” وكأنه يمر بعين كاميرا على الشخصيات المتعددة، ويجمعهم معا في فقرة حكي واحدة، رغم أن كل واحد منهم في مكان مختلف ويقوم بعمل أشياء خاصة به، الرواية قصيرة تقع في حوالي 142 صفحة من القطع المتوسط.

البعيد عن الوطن مشروع مؤجل..

أهم ما تتناوله الرواية الاغتراب والوحدة الذي يعانيه المغترب عن وطنه، وقد قدم الكاتب عدة نماذج لمن يعانون هذا الاغتراب، أولهم المترجم “يحي سليم” الذي يعيش اغترابه ووحدته، ويعاني حنينا وشوقا إلى الوطن لكنه يعرف أنه لن يعود إليه، ويعرف أنه سيظل حبيس شقته الصغيرة وعمله الذي يرهق مفاصله وباقي جسده من طول جلوسه في وضع واحد لساعات طويلة، يجالس الكلمات والكتب والقواميس، لكنه لا يفعل شيء ولم يعد يفكر في أن يقاوم، حتى عندما ناداه ابنه ب”عمو” لم يسع إلى تغيير ذلك، وإنما تقبله بنفسية مهزوم، حتى يعرف أنه مهزوم وأنه تعرض لتجارب فشل كثيرة.

حتى حين حاول أن يخرج من وحدته بأن يتعرف على سيدة أخرى لديها طفل، كان يتعامل معها بتوجس، ويقلق من أي فشل قد يطرأ على العلاقة التي لم تبدأ حتى.

و”صالح جميل” الذي يشرب الخمر كثيرا لم يعد يهتم لأمر الوطن، ولا يعبأ بأي شيء عنه، و”علوان شاكر” نفسه الذي يجتهد في دراسته لا يعرف حين ينهي دراسته ماذا سيكون مصيره، وهل سيستقبله وطنه أم لا، وآخرون يحاولون الرجوع إلى الوطن، لكنهم ينتظرون الموافقة التي ربما لن تأتي.

أما “ثابت حسين” فهو يتعالى على هؤلاء المغتربين، وبالأخص “يحي سليم” صديقه من الطفولة ومن سنوات الدراسة الأولى، يذكره دوما بإخفاقاته وبأنه لا يهتم لأمر وطنه، وبأنه يجالس جماعة من السكارى، في حين أن هناك عراقيين آخرين وفي نفس البلد يعيشون حياة جادة، ويهتمون بالدراسة أو العمل، لكن “يحي سليم” لا يهتم بمخالطتهم، لكن “ثابت حسين” لا يرى عجزه هو الآخر عن العيش بكرامة في وطنه، فهو لا يعمل عملا مناسبا، كما قال له ذلك “يحي سليم” في إحدى مجادلاتهما، لكن “ثابت حسين” يعايره بأن له مكانا مضمونا في وطنه، وكأن “يحي” له القدرة على اختيار غربته واغترابه..

الكاتب..

هو “غائب ابن طعمة ابن فرمان ابن رزوقي “، ولد في 1927، في محلة المربعه في بغداد، لأسرة فقيرة حيث كان يعمل والده سائقا، وأنهى دراسته الابتدائية والثانوية ثم أصيب بمرض”الدرن” وسافر إلى مصر للعلاج و أكمل دراسته هناك في كلية الآداب، وسهل له تواجده في مصر الانخراط في الوسط الثقافي.

انخراط غائب في السياسة وانتماءه إلى الفكر اليساري الاشتراكي سبب له متاعب كثيرة مع السلطة في بلاده،  حيث عاقبته الحكومات العراقية المتعاقبة بإسقاط الجنسية العراقية عنه مرتين، وكان قد ساهم في إعداد كتاب بعنوان “من أعماق السجون في العراق” وهو كتاب يتناول ما يجري في السجون العراقية في ذلك الوقت، ولقد سافر إلى روسيا “الاتحاد السوفيتي” وتزوج وعاش بها حوالي ثلاثين عاماً.

مراحل حياته..

– المرحلة العراقية الأولى (1926 – 1947): وتمتد من ولادته، حتى مغادرته العراق إلى مصر للالتحاق بجامعة القاهرة- كلية الآداب.

– المرحلة المصرية (1947 – 1951): وتشمل سنوات الدراسة التي أمضاها في القاهرة.

– المرحلة العراقية الثانية (1951 – 1954): وتمتد من عودته من القاهرة، حين أنهى في جامعتها السنة الثالثة من دراسته الجامعية، لحين اضطراره لمغادرة العراق، بحثاً عن عمل، واتجاهه إلى سوريا ثم لبنان.

– مرحلة التشرُّد (1954 – 1960): وتمتد من مغادرته إلى لبنان، وتنقله، من دولة إلى أخرى حتى استقر به المقام في الصين، التي غادرها بعد قيام ثورة (14تموز/1958) عائداً إلى بغداد، حيث أمضى فترة من حياته فيها اتصفت بعدم الاستقرار، مما اضطره إلى معاودة السفر إلى موسكو عام 1960.

– المرحلة الروسية (1960 – 1990): وهي آخر مراحل حياته وأكثرها أهمية من حيث تبلور ثقافته وبروز إبداعه الأدبي.

توفي “غائب طعمة فرمان” في عام 1990 ودفن في روسيا بسبب ظروف الحصار في بلاده، ولازالت أعماله الإبداعية ترجماته تثرى الثقافة العربية.

 

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب