12 فبراير، 2025 3:04 م

يوكيو ميشيما.. اشتهر بانتحاره الدرامي والغريب رغم براعته وغزارة إنتاجه

يوكيو ميشيما.. اشتهر بانتحاره الدرامي والغريب رغم براعته وغزارة إنتاجه

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“يوكيو ميشيما” هو الاسم الأدبي للكاتب الياباني “كيميتاكي هيراوكا”، وهو روائي وشاعر وكاتب مسرحي وممثل ومخرج أفلام ياباني. رشح للحصول على جائزة نوبل في الأدب لثلاث مرات، وكان اسمه معروفاً عالميا، ويعتبر من أشهر الكتاب اليابانيين في القرن العشرين.

حياته..

ولد لعائلة ثرية وتربى في بيت جدته صاحبة الجذور الأرستقراطية. درس القانون في جامعة طوكيو والتحق بعد تخرجه بوزارة المالية عام 1974، ثم استقال وتفرغ للكتابة بعد عام واحد. في 1988، تم تأسيس جائزة “يوكيو ميشيما” الأدبية تكريماً له.

أعماله..

عُرف عن “ميشيما” غزارته في الإنتاج الأدبي، حيث أصدر نحو 40 رواية و18 عملاً مسرحياً وحوالي 20 مجموعة قصصية، إلى جانب 20 كتاباً جمع فيها مقالاته. ومن أعماله:

(خيانة الفضيلة- الموسيقى- المعبد الذهبي -حب محرم- اعترافات قناع- البحار الذي لفظه البحر- ثلج الربيع- الجياد الهاربة- معبد الفجر- سقوط الملك).

الانتحار الشهير..

في كتاب “ميشيما أو رؤيا الفراغ” للكاتبة الفرنسية- البلجيكية “مرغريت يورسينار” تتناول قصة انتحار “يوكيو ميشيما”

تقول “مرغريت يورسينار”: “تلك العملية المركبة، التي ربما ستكون أغرب حدث عرفه عالم الأدب في ذلك الزمن، بل ربما على مدى تاريخ الأدب كله. فلئن كان حدثاً عادياً أن ينتحر كاتب ياباني فاز بجائزة نوبل للآداب بعد سنوات قليلة من فوزه، وبخاصة الكاتبان الكبيران كاواباتا، وتانيزاكي، فإنه كان في منتهى العنف والغرابة انتحار يوكيو ميشيما، الذي لم ينلها مع أنه رُشح لها ثلاث مرات وكاد ينالها عام 1968، لولا أن اللجنة فضلت عليه مواطنه كاواباتا في اللحظات الأخيرة، فراح كثر يعتقدون أنه نالها بالفعل. وهو كان حين رحل قبل نصف قرن على تلك الطريقة المريعة، أصغرهم سناً وأكثرهم حماسة وشهرة”.

وتواصل: “حدث ذلك عند ظهر يوم 25 نوفمبر 1970، حين دخل ميشيما وأربعة من رفاقه إلى معسكر قاعدة إبشيغايا، المقر العام لقوات ما يسمى بالدفاع الذاتي في طوكيو، بذريعة إجراء مقابلة مع قائد المعسكر. وهم ما إن وصلوا إلى مكتبه حتى قيدوه رافعين على الشرفة يافطة تحدد مطالبهم. وكان ميشيما قد أعد بياناً خطابياً يعرض فيه مطالبه السياسية الوطنية، كي يتوجه به إلى جنود المعسكر، حاضاً إياهم على القيام بانقلاب عسكري هدفه قلب النظام “الموالي للأميركيين”، الذي “أمعن في إذلال الأمة اليابانية” وفي “نسف مستقبلها” و”تسليع كل شيء فيها”.

ولكن حين وقف ميشيما على الشرفة وبدأ يلقي الخطاب فوجئ بزعيق الجنود ساخرين منه ومن خطابه، فما كان منه إلا أن توقف عن الكلام ليدخل إلى المكتب حيث القائد مكبلاً. لكنه لم يقترب منه، بل شرع في تنفيذ الجزء الثاني من خطته، أي الانتحار بضربة سيف على طريقة “السيبوكو”. وكانت الخطة تقضي بأن يتولى واحد من رفاق “ميشيما” الأربعة ضربه بالسيف كما تقضي التقاليد.

لكن “مازاكاتسو موريتا” رفيقه في منظمة الدرع، الذي كان يُفترض به أن يكون هو ضارب السيف، “الهايشاكونين”، تهيب الموقف وتمنّع في الثواني الأخيرة. فما كان من “ميشيما” نفسه إلا أن التقط السيف مناولاً إياه لرفيق آخر هو “هيرويازو كوغا”، الذي سدد لقائده ضربة قوية قطعت رأسه، منهية حياة “يوكيو ميشيما” أحد عظماء الأدب الياباني في القرن العشرين، مطلقة أسطورته الفريدة”.

سيكتشف فيما بعد أن “ميشيما” قضى العام الأخير من حياته وهو يجهز لتلك العملية، التي كان يعتقد أنها ستعيد إلى اليابان مجدها، وأسس لأجل  ذلك منظمة يمينية قومية، أطلق عليها اسم “الدرع” واختار لمرافقته الرفاق الأربعة، الذين اعتقد أنهم الأكثر إخلاصاً له وإطاعة لأوامره.

والآلاف من قراء “ميشيما” في اليابان وخارجه، راحوا يراجعون رواياته ومسرحياته وسيرة حياته باحثين عن جذور ذلك التصرف. وكثير منهم وجدوا ضالتهم في العديد من المشاهد المستقاة من تلك النصوص، ولكن فقط بشكل عرضي في الجزء الثالث من الرباعية، مما جعل الباحثين يسعون لربط الرباعية كلها بالحدث الأكبر والنهائي الذي عرفته سيرة الكاتب. لكن “يورسينار” لم تر في كتابها أي علاقة بين الانقلاب الانتحاري، والأجزاء الأربعة التي كتبها، التي تتكون من “بحر الخصوبة”، ما يعني أنها لم تكن “الوصية الأدبية الفكرية”، التي حاول بعض الباحثين ربطها بها.

و”بحر الخصوبة” رباعية ظهرت أجزاؤها بين 1965 و1970 تحت عناوين، “ثلج الربيع”، و”جياد فالتة”، و”معبد الفجر” و”الملاك في تفتّته”. والزمن الذي تدور فيه الأحداث، من نهاية عصر “الميجي” التي تترافق مع الجزء الأول إلى الربع الثالث من القرن العشرين، حيث اليابان “الحديثة” يابان بعد هزيمة الحرب العالمية الثانية والغزوة الغربية لها ولقيمها، التي يراد الآن استعادتها إنما دون جدوى.

نزعة تدميرية..

في مقال بعنوان (بطل يوكيو ميشيما الخائب يغامر بحياته) للكاتب “أنطوان أبو زيد” يكتب: “لا نجانب الحقيقة إذ نقول إنّ الروائي الياباني يوكيو ميشيما، صاحب الشهرة العالمية الواسعة، حظي لدى القرّاء العرب بمكانة عالية، وقد ترجمت بعض أعماله إلى العربية، ولا سيما رباعيته ( بحر الخصوبة، وثلج الربيع، والجياد الهاربة، وملاك التحلّل)، والتي تجلّت في روايات: اعترافات قناع، ومدرسة البدن، واضطراب الموج، والبحّار الذي لفظه البحر، والموسيقى، وثلج الربيع، وعطش الحبّ، ومعبد الفجر، وحبّ محرّم، وغيرها الكثير من الروايات التي عنيت دور النشر، العربية ببعض منها دون غيرها.

ولم تعنَ بالمجموعات القصصية لديه، وإن كانت أقل من الروايات 15 في مقابل 40 رواية، فهي تعين على فهم عالم ميشيما وتصوراته ورؤاه المتطرّفة، في علاقة الرجل بالمرأة، وفي الصور الأسطورية التي كان له أن ينسجها عن الجسد الفتيّ، وهاجس الكمال، والرغبة في الخلود، من مثل: اقتباسات من يوميات فلسفية حول مقتلة غير مجازاة في القرون الوسطى، وصبحية حبّ نقي، وهاروكو، والسيرك، وفراشة، واللبؤة، ورحلة مضجرة، وشهيدة، والسيجارة، والبحر والمغيب، والأجنحة، والجسور السبعة، وغيرها.

يضاف إلى هذه الأعمال السردية، اثنتا عشرة مسرحية ومنها: السيدة ساد، وصديقي هتلر، وساتوبا كوماشي، والسيدة آوي، وخمس حكايات حديثة في فنّ النّو، وغيرها. والمسرحيات تعكس بدورها رؤية الفراغ في الفكر الياباني القديم، مثلما تجسّد نظرة ميشيما إلى الزواج المشوب بالخيانة، والمرأة ذات النزعة السادية، والشعور الوطني المتطرّف المتمثّل بتأليه الإمبراطور وإحياء التعاطف مع النازية، وغيرها من الظواهر الصادمة أو التي تدلّ على اضطراب في كيان شخص عاش حقبة ما قبل الحرب العالمية الثانية، وما بعدها، من دون أن يعنيه من آثار الحرب سوى النزعة التدميرية الذاتية التي كانت عواملها ماثلة في نفسه من صغره، ونشوءه وحيداً بلا رفاق، وحرمان جدّته له من كلّ صنوف الألعاب، وخيانة أمه أمام ناظريه وزوجها كليهما، وحنينه الفريد إلى الدم والموت، باعتباره سليلًا لمقاتلي الساموراي، على ما كان أهله يفاخرون به”.

حياة للبيع..

وعن رواية مجهولة يضيف: “الرواية التي أتحدث عنها، وهي بعنوان “حياة للبيع”، والتي لم يسبق أن نشرت مترجمة إلى الفرنسية إلا هذه السنة (2020) عن دار غاليمار، بترجمة “دومنيك بالميه” عن اليابانية، تتميّز في أنها سبقت انتحاره بسنوات قليلة، أي في السنوات العشر الأخيرة، حين لم يعد مؤمناً بقدرة الكتابة الخلاصية، وإنما كان جلّ اهتمامه منصبّاً على قيامه بعمل ما، أو جعل أبطاله ينوبون عنه- إلى حين- في العمل المرتجى، أي الانتحار أو القتل على يد أحدهم، كما كان مرسوماً للبطل السلبي “هانيو” في هذه الرواية.

ولو أجرى القارئ العارف بكتابات “ميشيما” حساباً لمجمل أعماله الروائية والقصصية والمسرحية، والشعرية، لتبيّن له أنّ الروائي يقود قرّاءه إلى منابع الجريمة والميل الانتحاري، إذ يعيّن فيها مقدار الآلام والمآسي التي تتملّك القلب البشري، وكيف تتحوّل الارتدادات الرغبية (الحب/الكره، السلب/ الإيجاب، التسامي/التسفّل…) إلى أعمال جرمية موصوفة، على ما تقول الباحثة كريستين كوندامين، في تحليلها النفساني لمسلك الشخصيات في أعمال ميشيما وللكاتب الإنسان الذي غدا شخصية نموذجية أولى وبطل رواياته الأخير، والحاصل على الخلود انتحاراً، على ما استوهم ورسم.

هل يمكن القول إنّ الرواية الأخيرة لتوالي صدورها (1968) إلى جانب رواية “الملاك في تحلله” من ضمن سلسلة روايات “بحر الخصوبة”، وذلك قبل قرار المؤلف بالانتحار بسنتين أي العام (1970)، تعكس حالة اللامعنى التي بلغها المؤلّف ميشيما في حياته، وحدت به إلى اللعب على حبكة العبث التي تمثّلت في شخصية البائع نفسه، هانيو، وفي إقباله على الموت والفرار من مخاطره بفعل الصدفة الغريبة، والعبثية؟

ثمّ، هل يمكن القول إنّ صوَر المرأة، بل الشخصيات الأنثوية النموذجية التي توالى ظهورها في الرواية طالباتٍ الذّكَر المثالي الشابّ ولكن المضطرب النفس، إنما هي صورة المرأة/المسخ، والمرأة/مصاصة الدماء، والمرأة/ الخائنة، التي جسّدتها جميعاً أمّه وجدّته على التوالي، في أثناء طفولته وفتوّته؟ أما القوام المتناسق والجميل، بل الفاتن الذي بدت عليه النساء الذاهبات إلى اللذة الأخيرة السابقة الموت والانتحار، فهل تراه أحد استيهامات المؤلّف التي عاش لها، وضحّى بنفسه لأجلها، عنيتُ استيهام الجمال الدائم، والخصوبة الدائمة، ومواجهة الموت المفضي إلى انحلال الجسد، بالانتحار الحرّ، بزعم الخلود؟

وأيا تكن الانتقادات الحادة التي قوبلت بها رواية “حياة للبيع”، حين صدورها، في أنّ المؤلّف وضعها في قالب بوليسي أقل ما يقال فيه إنه متهالك وشعبي، وإنّ اللغة التي صيغت بها الرواية خلت تقريباً من الشعرية العالية التي لطالما أثرت عنه في أعماله السابقة، فإنّ رواية “حياة للبيع” ما برحت تشكّل إحدى العلامات الفارقة في نتاج ميشيما الروائي الذي كاد يحوز بفضله نوبل الآداب”.

شريط قبل انتحاره..

أعلنت إدارة إذاعة “تي بي إس” عن العثور على مقابلة نادرة، لم تُبث من قبل، مع الكاتب الياباني “يوكيو ميشيما”، كانت قد سُجلت في 1970، قبل انتحاره بتسعة أشهر فقط، حيث يتحدث فيها عن عمله الأدبي، وعن دستور السلام في بلده.

هذه المقابلة، التي تبلغ مدتها 80 دقيقة، قام بتسجيلها مترجم أعمال “ميشيما” إلى الإنجليزية لحساب شبكة إذاعة “تي بي إس”، ولم يتم بثها إطلاقاً. وقد عُثر على التسجيل ضمن متعلقات تابعة للإذاعة المذكورة، لكن لا توجد معلوماتٍ عن الدافع لتسجيلها، وأيضاً عن السبب في عدم بثها أبداً، وفقاً لطاقم موقع تي بي إس اليابانية.

ويتحدث ضمن هذه المقابلة، عن ما يعتقد أنها نقاط الضعف في كتاباته. يقول “ميشيما”: «أعتقد أن مشكلة كتاباتي الأدبية تكمن في أن بنيتها دراماتيكية للغاية. وهذه حالة ليس بإمكاني التغلب عليها. أنا غير قادر على كتابة رواية تتحدث عن نهرٍ تتدفق فيه المياه”.

يعدُّ هذا التسجيل مهماً جداً، حيث يكتسب أهميته بسبب من أن المستمع سوف يخرج بتصورٍ جديدٍ عن الكاتب، في نهاية المقابلة، لأنه نادراً ما تحدث ميشيما، بأسلوب نقدي، عن أعماله، حسب ما وضحه البروفيسور “تاكيشي ياماناكا”، من جامعة نيهون، بعد مراجعة ما جاء ضمن التسجيل.

في هذه المقابلة، هناك أيضاً حيّز يتحدث فيه ميشيما عن الموت، أحد العناصر الأساسية في كتاباته. إذ يؤكد قائلاً «أشعر أن الموت قد اخترق جسدي من الخارج». بعد مرور تسعة أشهر يرحل ميشيما عن عالمنا، في 11 نوفمبر من عام 1970، عن عمر 45 عاماً.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة