15 نوفمبر، 2024 9:31 م
Search
Close this search box.

هل تتفسخ إمبراطورية أمريكا بعد أن أجهضت الثورات العربية؟

هل تتفسخ إمبراطورية أمريكا بعد أن أجهضت الثورات العربية؟

خاص: قراءة- سماح عادل

شكلت أمريكا إمبراطورية كبيرة بعد الحرب العالمية الثانية وساعدها على الاستمرار سقوط الاتحاد السوفيتي، وعندما قامت ثورات الربيع العربي سعت أمريكا لإجهاض تلك الثورات وحولتها لصراعات دموية في منطقة الشرق الأوسط، كتاب “الثورة العربية والثورة المضادة أمريكية الصنع” للكاتب الأمريكي “جيمس بتراس”، ترجمة د.فاطمة نصر، إصدار دار سطور الجديدة، الطبعة الأولى 2012، يتناول موقف النظام الأمريكي من تلك الثورات.

سياسة أمريكا..

أهدى الكاتب “جيمس بتراس” كتابه إلى “الثوار العرب الذين يناضلون ضد الإمبريالية الغربية والديكتاتوريات المتواطئة” وفي المقدمة يبدأ الكاتب في عرض الحقائق، حيث يبين أن قصف أمريكا لليبيا، دعما للمتمردين في ربيع 2011 ، جاء جزءا أساسيا من سياسة أمريكا للتدخل العسكري في إفريقيا، والتي  بدأت منذ تسعينات القرن الماضي على الأقل، ويستشهد بدراسة أجراها فرع الأبحاث بالكونجرس الأمريكي، ونشرت في نوفمبر عام 2010 تبين أن واشنطون قامت على أساس شبه سنوي بإرسال أعداد تتراوح بين مئات من أفراد القوات المقاتلة وبين الآلاف منهم، وعشرات الطائرات والسفن الحربية من أجل دعم الديكتاتوريات العميلة لها، وتقول السجلات أن القوات المسلحة الأمريكية تدخلت 46 مرة في إفريقيا قبل الحرب الأخيرة على ليبيا 2011.

ويضيف الكتاب أن عدد التدخلات العسكرية  تزايد ما بين 1980 :1991 أي في عهد الرئيسين الأمريكيين “ريجان” و”بوش الأب” حيث وصلت إلى 8 حالات تدخل، بدون حساب الحروب واسعة المدى السرية، التي قامت بواسطة القوات الخاصة، أو الحروب بالإنابة في الجنوب الإفريقي، ولقد انطلقت الإمبريالية الأمريكية المعسكرة في إفريقيا ما بين 1992 و2000 حيث وقعت 17 حالة تدخل مسلح بما في ذلك غزو الصومال الشامل.

ثورة مصر..

يؤكد الكاتب على أنه من الهام وضع سياسة نظام “اوباما” تجاه مصر وديكتاتورية مبارك، والانتفاضة الثورية الشعبية في سياقها التاريخي، ف”واشنطون” بعد عقود عديدة من التدخل العميق داخل بنى الدولة في الديكتاتوريات العربية بدءا من تونس ومرورا بالمغرب ومصر ولبنان والسعودية والسلطة الفلسطينية تحاول الآن تعديل سياستها، من أجل دمج السياسيين الليبراليين المنتخبين ضمن منظومة القوة القائمة في الماضي، حيث لا تبقى أمريكا على علاقات إستراتيجية دائمة بل فقط تراعي مصالح امبريالية أي الحفاظ على أجهزة الدولة العميلة، وبما أن الديكتاتوريات تفترض أن علاقاتها بواشنطن إستراتيجية فإن قادتها يصابون بالصدمة حينما تتم التضحية بهم كأشخاص من أجل إنقاذ جهاز الدولة، حينما تخشى واشنطن اندلاع الثورات تقوم بتدبير اغتيال الحكام المستبدين غير الراغبين في الإصلاح أو التنحي، فيما توفر لبعضهم ملاذات آمنة أو تمارس الضغوط على البعض الآخر من أجل تقاسم السلطة.

يقر الكتاب أن أوباما كان بالغ التردد في مساندة الإطاحة بمبارك لعدة أسباب، حتى عندما تزايدت أعداد المطالبين بسقوطه للبيت الأبيض، من عملاء عديدون حول العالم وكانوا هؤلاء ومازالوا يعتقدون بوجود علاقة إستراتيجية بينهم وبين واشنطون، من ثم كان لابد لهم أن يفقدوا الثقة في مستقبلهم إذا ذهب مبارك، كما حشدت المنظمات الرئيسية النافذة الموالية لإسرائيل في أمريكا “إيباك” وكبرى المنظمات اليهودية الأمريكية الأخرى قادة الكونجرس من أجل الضغط على البيت الأبيض لمواصلة مساندة مبارك، لذا تحرك نظام أوباما ببطء وبحث النظام عن صيغة سياسية بديلة بحيث يتم إزاحة مبارك مع الحفاظ على السلطة السياسية لجهاز الدولة، وتقويتها مع دمج بديل مدني منتخب، كوسيلة لتفريغ حماس الحركة الشعبية والحيلولة دون أن يبلور توجهات راديكالية لها.

ولقد كانت العقبات الرئيسية في الإطاحة بمبارك هو أن قطاعا كبيرا من أجهزة الدولة يتبعون جميعا وزارة داخلية مبارك مباشرة، وقد فعل أوباما كل ما هو ضروري للحفاظ على تماسك الدولة وتحاشى أية انشقاقات قد تؤدي إلى تحالف مؤلف من الحركة الجماهيرية والجنود، وفتحت واشنطون مباحثات مع معظم القطاعات الليبرالية والدينية في الحركة المعارضة لمبارك، حاولت في البداية إقناعهم بالتفاوض مع مبارك، ورفضته جميع قطاعات المعارضة، وظل أوباما مترددا على أمل انتهاء الانتفاضة الثورية وبقاء النظام المصري.

ويواصل الكتاب شرحه للموقف الأمريكي من الثورة المصرية مؤكدا على تخوفه من أن ثمة احتمالات كثيرة في حالة إعادة ترتيب الأوضاع السياسية، حيث أن نسبة كبيرة من المواطنون يعارضون واشنطون وإذا اكتسبوا خبرات النضال من الأرجح أن يطالبوا بتغيير سياسات الدولة، والتوقف عن لعب دور الشرطي نيابة عن واشنطن، ودوره في فرض الحصار على غزة، ودعم الحكم والجماعات من عملاء واشنطون في شمال إفريقيا ولبنان واليمن والسعودية، كما خاف النظام الأمريكي من أن الانتخابات الحرة محتمل أن تضاعف الضغوط من أجل مزيد من الإنفاقات الاجتماعية، واسترداد أموال مبارك التي قدرت بسبعين مليار، ومصادرة ممتلكات محاسيبه من الرأسماليين الذين نهبوا الاقتصاد المصري، كذلك تطالب الجماهير بإعادة تعيين حصص الإنفاقات العامة واستخدامها في مشاريع إنتاجية تولد الوظائف بدلا من الإنفاقات الضخمة على الأجهزة القمعية، وتخوفه من أن هذه اللحظة من مناهضة الديكتاتورية ما هي إلا مرحلة أولى من نضال طويل باتجاه التحرير الحاسم، ليس لمصر فقط بل أيضا لجميع البلدان العربية.

ويحلل الكاتب ثورة مصر موضحا أنها تبرهن على أن عدم وجود تنظيم سياسي وطني أعطى الفرصة للأحزاب والشخصيات النيوليبرالية والمحافظة أن تحل محل النظام، ثم المضي في وضع انتخابي يعمل على استمرار خدمة المصالح الامبريالية والرجعية والصهيونية، والاعتماد على جهاز الدولة القائم والدفاع عنه، وبمجرد سقوط الديكتاتور احتفت المعارضة التقليدية بنجاح الثورة، ثم مضوا سريعا في العمل على تسريح جماهير الحركة الثورية التلقائية وتقويضها، من أجل التمهيد لإجراء مفاوضات بين السياسيين الليبراليين والرجعيين وواشنطون.

الثورات العربية..

يرى “جيمس بتراس” أن  انتشار الثورات العربية من أنحاء شمال إفريقيا والشرق الأوسط إلى دول الخليج كانت نتاج أوضاع تاريخية واجتماعية متشابهة، حيث أنها دول ريعية تحكمها أسر عشائر أو زمر استبدادية، تعتمد على عائدات السياحة أو النفط وصادرات الطاقة، فيما تنحصر أنشطة الغالبية العظمى من الشباب داخل نطاق المجالات الهامشية واقتصاد الشارع غير الرسمي، فالحكام الريعيون يحكمون من خلال روابطهم مع المؤسسات العسكرية والمالية لأمريكا والاتحاد الأوربي، ويقومون بتحديث دوائرهم الضيقة، ويعملون على تهميش الشباب لأنه ليست هناك تنمية اقتصادية حقيقية.

التدخل العسكري في ليبيا..

عن التدخل العسكري الأمريكي في ليبيا 2011 ينفى الكاتب مزاعم القوى الليبرالية الرئيسية أنهم يقصفون ليبيا من أجل أسباب إنسانية، مؤكدا على  أن ماضيهم القريب يوضح غير ذلك، فقد أسفر التدخل في العراق على ما يزيد عن مليون قتيل من المدنيين، و4 ملايين لاجيء وتدمير المجتمع العراقي وبنيته الأساسية، بما في ذلك أجهزة إمدادات المياه والصرف الصحي والري وشبكة الكهرباء والمصانع والمدارس والوثائق التاريخية والمتاحف، وقد أدى قصف ليبيا إلى تدمير البنية الأساسية المدنية من مطارات وطرق وموانئ ومركز اتصالات علاوة على الأهداف العسكرية وانهيار الاقتصاد.

وفي ليبيا بحسب الكاتب كان الوضع مختلف عن الانتفاضات الجماهيرية الشعبية، فقد بدأ الصراع في ليبيا كتمرد مسلح يهدف إلى الاستيلاء على السلطة بالقوة، وبدأ الصراع في ليبيا كحرب أهلية بين مجموعتين من النخب الأولى زمرة حاكمة مستبدة أبوية، تحولت مؤخرا إلى النيوليبرالية ولها قاعدة جماهيرية، مقابل الثانية وهي نخبة مولها الغرب ودربها، تدعمها مجموعة من مشايخ القبائل ورجال الدين والملكيين والمهنيين، ويقرر الكاتب أنه تم شن الهجوم على ليبيا القذافي لأنه رفض المساهمة النشطة في العمليات العسكرية الغربية بإفريقيا والشرق الأوسط.

الربيع العربي والسياق العالمي..

يوضح الكتاب السياق العالمي حيث تقيم الدول الاستعمارية الكبرى شبكات تربط الأنشطة الاقتصادية والعسكرية والسياسية في نظام متسق يدعم بعضه، تؤدي هذه المهمة إلى حد كبير مؤسسات متنوعة للدولة الأمبريالية من ثم فإن إجراءات تلك الدول ليست دائما إجراءات اقتصادية مباشرة حيث تكون العمليات العسكرية في بلد ما ضرورة لفتح مناطق اقتصادية أو حمايتها، ويرى الكاتب أن التاريخ أثبت أن الوسائل الأقل كفاءة للحفاظ على هيمنة طويلة الأمد وواسعة المدى هو ضمان عملاء ومتعاونين محليين سواء، على شكل قادة سياسيين واقتصاديين أو عسكريين يعملون من داخل الأنظمة التابعة.

ويضيف أنه في المراحل المبكرة من تشييد الإمبراطورية الأمريكية والتي استغرقت تقريبا من خمسينات القرن الماضي وحتى سبعيناته هيمنت الشركات متعددة الجنسيات الأمريكية واقتصاد أمريكا في مجمله على اقتصاد العالم، وتم تقسيم البلدان إلى تخصصات تخدم المصالح المحددة للإمبراطورية الأمريكية، فكانت أوربا الغربية قاعدة عسكرية متقدمة وشريكا صناعيا وأيدلوجيا، وكانت السعودية وإيران ومشيخات الخليج والتي كانت تحكمها أنظمة سلطوية تابعة توفر النفط والقواعد العسكرية، وعملت مصر والأردن وإسرائيل على ترسيخ المصالح الإمبريالية في المنطقة، وكانت بيروت المركز المالي المصرفي أمريكا وأوربا والشرق الأوسط، وكانت إفريقيا وأمريكا اللاتينية مصدرا للمواد الخام وأسواق للسلع المصنعة والعمالة الرخيصة.

تفسخ أمريكا..

يجزم الكاتب أن  إمبراطورية أمريكا مازالت تحتفظ بعملاء كبار وبحوالي ألف قاعدة عسكرية في أرجاء العالم، رغم ذلك فإن شبكة أمريكا الاقتصادية الامبريالية، التي تشكلت في أعقاب الحرب العالمية الثانية وتعاظمت نتيجة لانهيار الاتحاد السوفيتي، آخذة في التفسخ، حتى على الرغم من أن القواعد العسكرية والمعاهدات مازالت تمثل منطلقات مرعبة للتدخلات العسكرية الجديدة، إن عملية تفسخ إمبراطورية أمريكا هي سبب تحدي القوى الاقتصادية الجديدة التي تقيم مراكز بديلة للنمو والتنمية، ورغم ذلك لا تبدي الطبقات الحاكمة بأمريكا سواء المالية أو العسكرية أية إرادة لمواجهة أسباب التفسخ، أو اهتمام بذلك بدلا من ذلك تقوم بدعم كل منها الأخرى تبادليا.

ويعتقد “جيمس بتراس” في نهاية كتابه أنه لا يمكن الحفاظ على مكتسبات أمريكا العسكرية والسياسية والأيديولوجية والشبكة التي أقامتها حول العالم بل على العكس فقد أدى الإفراط في تقوية الجهاز الأيدلوجي الأمني العسكري إلى  نضوب الموارد الاقتصادية نتيجة لعدم القدرة على استغلال الفرص الاقتصادية أو تعزيز الشبكات الاقتصادية ودمجها.

الكاتب..

“جيمس بيتراس” ولد في 1937، هو أستاذ متقاعد لعلم الاجتماع في جامعة بينغهامتون، نيويورك، وأستاذ مساعد في جامعة سانت ماري، هاليفاكس، نوفا سكوشيا، كندا التي نشرت في القضايا السياسية مع التركيز بشكل خاص على أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط، الإمبريالية، العولمة، والحركات الاجتماعية اليسارية.

“بيتراس” هو أصدر أكثر من 60 كتابا نشرت في 29 لغة، وأكثر من 600 مقالة في المجلات المهنية، بما في ذلك المجلة البريطانية لعلم الاجتماع، والبحوث الاجتماعية ومجلة الدراسات الفلاحين. وقد نشر أكثر من 2000 مقالة في منشورات مثل نيويورك تايمز، الغارديان، الأمة، كريستيان ساينس مونيتور، فورين بوليسي، نيو ليفت ريفيو، بارتيسان ريفيو، كاناديان ديمنزيون، و لوموند ديبلوماتيك. وحاليا يكتب عمود شهري للصحيفة المكسيكية، لا جورنادا، وفي وقت سابق، للصحيفة الاسبانية، إل موندو .

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة