16 نوفمبر، 2024 7:27 م
Search
Close this search box.

“نغوغي وا ثيونغو”.. كشف سرقة الغرب لكنوز إفريقيا وكان فخورا بهويته

“نغوغي وا ثيونغو”.. كشف سرقة الغرب لكنوز إفريقيا وكان فخورا بهويته

خاص: إعداد- سماح عادل

“نغوغي وا ثيونغو” أو “جيمس نغوغي” كاتب كيني كان يكتب بالإنجليزية، واتجه إلى الكتابة بلغته القومية (الكيكويو). كتب الرواية والمسرحية والقصة القصيرة، كما كتب مقالات أدبية واجتماعية، وكتب في أدب الطفل.

حياته..

ولد “نغوجي واثينغو” في 1938 شمال نيروبي وعمّد باسم “جيمس نغوغي” وفقا لتقاليد الكنيسة التي تعطي أسماء قديسين للمواليد، تيمناً بهم. درس في مدرسة الالينس الثانوية في نيروبي، وانتقل إلى أوغندا لدراسة الأدب الانجليزي في جامعة “ماكيرير” في كمبالا، مما هيأ له معرفة الكتابات الفرانكفونية ومعرفة الكتاب الإنجليز، وخلال فترة تعليمه الجامعية عرضت له مسرحية من تأليفه بعنوان “الناسك الأسود” عام 1962.

أكمل “واثينغو” دراسته العليا الجامعية في جامعة ليدز البريطانية، وفي 1964، نشر روايته الأولى التي فجرت شهرته “لا تبكِ يا ولدي” وكانت الرواية الأولى التي تنشر بالإنكليزية لكاتب من شرق إفريقيا.

ثم نشر روايته “النهر الفاصل” في 1965 وتناول فيها ن تمرد قبائل الماوماو، وقد وصفت الرواية بأنها حكاية رومانسية حزينة للعنف الذي ساد بين المسيحيين وغير المسيحيين في تلك الأصقاع الإفريقية النائية، وقد اعتمدت هذه الرواية ضمن مناهج الدراسة الثانوية في كينيا.

في 1967 نشر روايته “حبة قمح” واقتبس عنوانها من الإنجيل بحسب القديس يوحنا، لتعكس تعلق “واثيونغو” بالماركسية الفانونية “نسبة إلى فرانز فانون”. وتضمنت الرواية قصص حصلت أثناء حالة الطوارئ في صراع كينيا من أجل الاستقلال (1952-1959).

وكانت روايته الرابعة “تويجات الدم”، على اسم زهرة تنبت في السهول الكينية بعد هطول المطر في موسم الربيع، وهي تعطي صورة حقيقية لما هي عليه الحياة الكينية من قسوة. تتناول ثلاثة أزمنة متداخلة، وثلاث تجارب من الإضرابات، واعتمدت على فكرة تنمية الوعي الشعبي في إطار الفخر الذاتي المكون للهوية القومية.

بعد نشر هذه الرواية تخلى “واثيونغو” عن الإنكليزية والديانة المسيحية وعن اسم “جيمس” الذي تسمى به عند العمادة، واعتبر كل تلك الأشياء رموزا “كولونيالية”، و اعتمد اسم “نغوجي واثيونغو” وأصبح يكتب بلغة الكيكويو واللغة السواحلية.

اللغة المحلية..

يحكي “واثيونغو” حين كان تلميذا في عمر الثانية عشر رأى معلمين يضربان زميل له يتحدث اللغة المحلية، ولم يكن يسمح بالتحدث بها في فناء المدرسة التي تقع في مرتفعات كينيا. حيث كان المسموح فقط التحدث بالإنجليزية. الضرب المبرح لزميله أرعب “واثيونغو” وملأه بالحزن. وظلت عبارة “يا قرد” ترن في أذنه طويلا، حيث كان معلما المدرسة، التي أسستها الاستعمارية البريطانية، يصفان بها التلميذ بها أثناء ضربه. ويضيف “واثيونغو أن”: “التحدث بلهجة مدينتي لم يكن من الموبقات التي تستدعى الجلد فحسب، وإنما هو الأمر الذي يجلب الألم والإذلال أيضا.  مر زمن طويل إلى أن أدركت كيف أن صرخات الصبي وصيحات “يا قرد” أمام حشد التلاميذ، كانتا لبنات أولية لـ”سجن لغوي” في داخلي”، مؤكدا على معاناة أجيال من المواطنين الأفارقة لمختلف أنواع المهانة الاستعمارية.

الشيطان..

وكان عمله المسرحي “سأتزوج متى أردت” الذي عرض في 1977 رسالة سياسية دفعت نائب الرئيس الكيني آنذاك “دانييل أراب موي”، إلى الأمر بإدخال “واثيونغو” إلى سجن يخضع لحراسة مشددة وقيود صارمة من دون أية محاكمة، وقد كتب “واثيونغو” من داخل السجن على ورق التواليت الخاص بالمرحاض. وكان سجنه صادما للغاية لدرجة أن الصحف في جميع أنحاء العالم تناولت تلك القضية. وحدثت احتجاجات عالمية دفاعا عنه. وكانت وفاة الرئيس الكيني اَنذاك “جومو كينياتا كينياتا” في 1978 سبباً للإفراج عنه.

وبعد خروجه من السجن تم فصل “واثيونغو” من عمله كأستاذ في جامعة نيروبي. وفي 1980 نشر واثيونغو روايته التي كان كتبها في السجن على ورق المرحاض بعنوان “الشيطان”. يقول واثيونغو” عنها: “في غياهب ذلك السجن أعملت تفكيري طويلا في اللغة الإنكليزيّة التي كانت اللغة الاستعمارية السائدة ثم صارت اليوم اللغة السائدة لدى السلطة الحاكمة في الدولة ما بعد الكولونيالية، وفكرت أيضا في علاقة اللغة الإنكليزية باللغات الإفريقية وعندها اتخذت قراري الحاسم الذي لا رجعة لي عنه بألا أكتب أية رواية أو عمل درامي لي باللغة الإنكليزية ثانية، وجاءت رواية “الشيطان” التي كتبتها على ورق مرحاض السجن لتكون النتاج الأول لقراري ذاك”.

ماتيقاري..

يعتبر”واثيونغو” أن الديكتاتورية “مأساة تتجلى في شكل كوميديا”. ويعطي مثلا على ذلك روايته الأسطورية “ماتيقاري”، التي نشرت قبل 20 عاما بلغة “كيكيو” في كينيا وترجمت الي اللغة الانكليزية لتنشر في سلسلة الكتاب الأفارقة في 1989. يروي “واثيونغو” حادثة حصلت معه نتيجة هذه الرواية، يقول: “”ماتيقاري” كان بطل الرواية الناقد لمن هم في السلطة. بعد صدور الرواية قرأها المتملقون. ثم بعدها أصدرت حكومة موي أمرا بالقبض على ماتيقاري، لكنه لم يكن شخصية من لحم ودم!!. لقد كان واثيونغو محظوظا. قال إنه كان بالفعل في المنفى عند محاولة القبض على ماتيقاري. وما دام أن المحاولة الحكومية للقبض على بطل الرواية ماتيقاري مستمرة، فإنه قد تحتم على البروفيسور واثيونغو أن يظل بعيدا عن وطنه لمدة عقدين ونيف من الزمن.

تعرضت عائلته من نظام الرئيس “دانييل أراب موي” لمضايقات بسبب انتقاده للحكومة الديكتاتورية، وقد تسببت تلك المضايقات في خروجه مع عائلته إلى المنفى، في 1982 وعمل بالتدريس في جامعة امهرست، جامعة ييل، وجامعة نيويورك، حيث قضى في نيويورك عشر سنوات. وأصبح أستاذا متميزا في الأدب الإنكليزي، وفي الأدب المقارن في جامعة كاليفورنيا في ارفين، حيث يدير المركز الدولي للكتابة والترجمة.

مشروع معرفي ثوري..

كان “واثيونغو” صاحب مشروع معرفي ثوري اتضح في كتاباته السياسية ذات التوجه الفلسفي من خلال كتبه الثلاثة: الأول هو “تصفية استعمار العقل” الذي كشف فيه سرقة الغرب للمواهب والعبقريات في إفريقيا كما يسرق الاقتصاد. وكشف سرقة الأوروبيين في القرنين السابع عشر والثامن عشر للكنوز الفنية من إفريقيا ليزينوا بها بيوتهم ومتاحفهم، وفي القرن العشرين سرقت أوروبا كنوز العقل لتثري لغاتها وثقافاتها. والثاني كتاب “الكتاب في السياسة” الذي يعد جزءا آخر لكتابه “تصفية استعمار العقل”. والثالث كتاب “جدل العولمة: نظرية المعرفة وسياساتها” يتناول قضايا فكرية وأدبية وثقافية مختلفة، تتمحور حول تأثير العولمة التي يمارسها الغرب على العالم.

عودة للوطن..

بعد 22 عاما عاد “واثيونغو” إلى كينيا، بعد إزاحة “أراب موي” عن السلطة. في 2004، وبعد عامين من تنحى الرئيس “موي” وإنتخاب “مواي كيباكي” رئيسا، قام “واثيونغو” وزوجته بزيارة الوطن. واستقبل كالأبطال، وقال عن ذلك: “أعود بعقل مفتوح وقلب مفتوح وبأذرع مفتوحة. لقد جئت للانتشاء بنسيم الأرض التي انطلقت منها، نعم جئت للتعلّم”.

لكن الاحتفال بعودته تحول إلى ليلة مأساوية. فقد هاجمه ثلاثة من الأشخاص المسلحين ببنادق، وساطور، وزوجته في العاصمة الكينية نيروبي. وقد أهانوه وأحرقوا وجهه بأعقاب السجائر. رغم ذلك أكد “واثيونغو” أن هناك فضاء ديمقراطيا جديدا في ظل حكومة “كيباكي” الذي خلف “موي”، واضعا جانبا الهجوم الذي تعرض له، ومؤكدا “أن هناك أسباباً ملموسة تدعو إلى الأمل والتفاؤل”. وأن: “لا أحد يسجن الآن لاختلافه مع الحكومة، ولا أحد يتعرض للقتل، أو النفي، أو مواكبة مضايقات لأسرته”.

ساحر الغراب..

اَخر روايات “واثيونغو” “ساحر الغراب” نشرت في امريكا باللغة الإنكليزية، وانتقدت بشدة السياسة الديكتاتورية. ويقول عن روايته الأخيرة: “إنها قصة رمزية من إفريقيا القرن العشرين، كان استخدام القص فيها أشبه بانفجار لقنبلة ثقافية ضد الدكتاتورية”. يقول “واثينغو”: “إن الرواية تظهر دكتاتورا يدعى “الحاكم” الذي هو مزيج مركب. “هو أشبه بشخصيات بارزة مثل موبوتو سيسي سيكو رئيس زائير سابقا، أو فرديناند ماركوس في الفلبين، أو أوغستو بينوشيه في شيلي، وموي في كينيا. إن هذا الحاكم، كما بدا في الرواية، محاط بالمتملقين المثيرين للشفقة.  وأحدهم يملك أذنين كما لو أنها معدلة جراحيا لتكون في حجم آذان أرنب لتلتقط أي مؤامرات مقرفة. وآخر يملك وسع عينين على حجم المصابيح الكهربائية ليرى بها كل ما يجري حول مختلف أنحاء الحاكم. الأكثر من ذلك أن الحاكم وطاقمه يريدان إقامة ناطحة السحاب الشاهقة المسماة بـ “الزحف نحو السماء” لوضع الحاكم على قدم المساواة مع الله”.

المثقف الافريقي..

في 1973 وفي حوار معه، تحدث عن الأدوات التي يجب أن يستخدمها المثقف/ة الأفريقي/ة: “إن الشعوب الأفريقية تمر بمراحل متفاوتة في التطور. بعض الشعوب ما زال يرزح تحت الحكم الاستعماري البغيض. وبعضها الآخر يناضل من أجل استكمال التحرر الوطني. وبعضها الثالث حصل على الاستقلال، وبدأ يناضل من أجل إعادة البناء السياسي والاقتصادي والاجتماعي. أنا أفضل عدم استخدام كلمة “مثقف”. أشعر أنها تحمل نوعا من الاستعلاء والتمييز، أفضل استخدام “كاتب”، وهكذا فإن الكاتب يختلف من بلد إلى بلد، وفق المرحلة التي يجتازها بلده. ولكن الكاتب في كل الأحوال، مطالب بأن يكرس إبداعه، كيفما كانت وسيلته التعبيرية ليكون انعكاسا لضرورات المرحلة. وهو مطالب في نفس الوقت بأن يعطي قومه صورة واضحة المعالم عن المستقبل كما يتصوره”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة