9 أبريل، 2024 10:42 ص
Search
Close this search box.

إدغار آلان بو.. عبقريته الفذة لعنة على حياة انكسرت على 40 عاما

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“إدغار آلان بو” كاتب وشاعر أمريكي ينتمي للحركة الرومانسية الأمريكية، من أقدم الكتاب الأمريكيين في القصة القصيرة، ويعتبر مخترع نوع خيال التحري. وله الفضل في المساهمة في هذا النوع من الخيال العلمي الناشئ. كان أول كاتب أمريكي معروف يحاول كسب لقمة العيش من خلال الكتابة وحدها، مما أدى به إلى حياة صعبة ماليا ومهنيا.

حياته..

ولد في 19 يناير 1809 في بوسطن، ماساشوستس. تيتم في سن مبكر، وأرسل للعيش مع أسرة حاضنة، أسمهم الأنس، في ريتشموند، فرجينيا. الأنس لم يتبنوا إدغار ألان بو رسمياً. كان هناك مشاكل بين ادغار ألان بو والأسرة الحاضنة التي تبنت رعايته، وفي النهاية، انفصل إدغار عن أسرة الأنس. فاز بو في مسابقة، حين كتب قصة قصيرة في سن 24 وأصبح بالتالي ناقد أدبي لمجلة «رسول الأدب الجنوبي».

سافر إلى بريطانيا ودرس هناك لخمس سنوات، بعد ذلك التحق بجامعة فيرجينيا في ولاية فيرجينيا حيث أظهر تفوقا كبيرا في دراسة اللغات والآداب ولكنه اضطر إلى ترك الجامعة بعد ذلك بثمانية أشهر بسبب مشاكل مالية.

التحق بالجيش الأمريكي وقبل هذا تم كتابة ونشر شعره. ساعده أصدقائه وأعطوه الأموال التي احتاج إليها. استمر في كتابة الشعر والقصص. حوالي عام 1832 م انتقل بو إلى مدينة بالتيمور ثم نشر خمس قصص.

بعد ذلك بفترة قصيرة، تزوج بنت عمه، فيرجينيا، الذي كانت تبلغ من العمر في ذلك الوقت ثلاثة عشر عاما، وكان ذلك عام 1836 حيث كان إدغار في سن السابعة والعشرين. أصبح إدغار مشهورا في جميع أنحاء الولايات المتحدة حين نشر «الغراب» في عام 1845. تحطمت حياة إدغار بسبب إدمانه الشديد للمشروبات الروحية. ولقد أدى هذا إلى إعطاءه سمعة سيئة في مجتمع القرن التاسع عشر المحافظ. ومع ذلك واصل كتابة القصص القصيرة الرائعة مثل «The Murder in the Rue Morgue – جرائم القتل في شارع المشرحة» و«علة الذهب- The Gold Bug»، التي منحته شهرة في أوروبا بعد وفاة زوجته في عام 1847. انهار بو عاطفيا وتوفي بعد ذلك بعامين، في سن الأربعين.

الشراب المفرط..

إبتهم “إدغار ألان بو” نتيجة شربه المفرط بالعديد من الأوصاف. وصفه بعض نقاد بأنه يجب أن لا يترك الجمهور مع رجل مثله، غير مستقر نفسيا وعقليا، يجلس في غرفة معتمة، مع غراب على بابه، وزجاجة على طاولته، وأنبوب مليء بالأفيون. وقال عنه كاتب بأنه مجنون يخربش خطوط شعر. كان بو واحد من أفضل الكتاب الذين عرفهم التاريخ وخاصة في الأدب الأمريكي. كانت من طبيعته أن يؤثر الوحدة في حياته ويعبر عنها ببلاغة في قصائده وشعره. كتاباته تجعل القارئ يتفاعل معه عاطفيا. شعره وقصائده وقصصه تشعرك أنه يمكن أن تكون معه هناك في وسط المكان الذي يكتب عنه، بعقلك وروحك. وكأنك رأيت وعشت ما كتبه على الورق. هذا هو ما يميز الكاتب ويجعله كاتبا كبيرا.

بؤس الطفولة..

لم تكن النهاية فقط على هذا القدر من المأساوية بل كل فصول حياة إدغار الذي عرف اليتم منذ أن كان في سنته الثانية. وبعد أن تمّ توزيع الأخوة الثلاثة، كان من نصيب بو أن تبنته أسرة بورجوازية من ولاية فرجينيا. فأخذ إدغار بو عن والده بالتبني وكان يدعى جون ألن اسمه الثاني ليصير اسمه بالكامل إدغار ألن بو. اهتم هذا الوالد بتعليمه حتى وصل إلى العام الأول من دراسته الجامعية، لكن علاقته به التي كانت شديدة الاضطراب جعلته ينصرف عنه، خصوصاً بعد أن بدأ إدغار بتعاطي الخمر. فهاجر إلى بوسطن عام 1827 وكان معدماً لكنه بدأ كتابة الشعر من دون أن يحظى بفرص كبيرة للنشر. وانضمّ إلى الكلية الحربية في الجيش الأميركي كجندي مشترك تحت اسم مستعار «إدغار بيري» لكن الأمر لم يستمر طويلاً. وفي هذه المرحلة بالذات، استسلم بو لقدره ولم يجد مخرجاً لحياته سوى في الكتابة التي كان يحاربها في داخله ويؤجلها لإرضاء كل من كان من حوله، وهو الذي بدأ بقراءة الشعر وكتابته في الخامسة من عمره حين لاحظ أحد أساتذته تفوّقه الخارق وهتف لأهله ذات مرة: «هذا الولد خُلق شاعراً!».

المحبة..

وكتب بو من وحي حياته التي لفّها السواد منذ طفولته أي منذ رحيل والديه الشابين وبعدها رحيل شقيقه وحياته الصعبة بعد تبنّيه مع أنه أحب كثيراً السيدة ألن التي تبنّته والتي عطفت عليه كثيراً إلى أن رحلت بعد أعوام قصيرة على اهتمامها به.

ومن المعروف أن حياة “بو” العاطفية لم تحمل له السعادة سوى لفترات قصيرة وهو بعد أن تزوج عام 1836 من فرجينيا ابنة عمته المراهقة التي أحبها حتى الموت، أصيبت هذه الأخيرة بالمرض وماتت بعد خمسة أعوام على زواجه منها. فقدانه لفرجينيا التي كتب لها أجمل الأشعار جعله يغرق مجددا في الإدمان على الخمر. يقال إنه كتب لها أشهر قصائده «أنابيل لي» حين ماتت وفي مضمون هذه القصائد ميتة امرأة رائعة الجمال فوصف بأروع ما يمكن موتها مقروناً بجمالها الخارق ومقروناً كذلك بمشاعره الجيّاشة.

وعرف أيضاً بعلاقته الغرامية بعد أعوام مع الشاعرة “سارة هيلان ويتمان”، وبعدها أراد الزواج ثانية من امرأة ثالثة أحبها وكان ذلك عام 1849، أي قبل شهور قليلة من رحيله، الأمر الذي لم يحصل وهذه المرأة كانت تدعى السيدة “شيلتون”، ورغم تعدد علاقات “بو” النسائية، إلا أن كل من عرفهن من النساء، قلن ذات الكلام، أنه لم يحب إلا امرأةً واحدة في حياته هي زوجته وابنة عمته “فرجينيا”.

مفهوم الشعر..

وفي كل ما كتب بو من قصص وقصائد تبرز نقاط توتره وكآبته وقلقه ومواهبه الخارقة التي شكّلت شخصيته الإبداعية المغايرة التي لم يفلح الدارسون حتى اليوم في تفكيك كل ألغازها وفي دخول كل سراديبها. فكتابات إدغار آلان بو غاية في الصعوبة وغاية في الجمالية ولم يشرحها ربما أكثر وأوضح سوى ما قاله هو شخصيا في آخر محاضرة له ألقاها في مدينة ريتشموند عام 1849 وتحديداً قبل شهور قليلة من رحيله وقد أصبحت هذه المحاضرة منذ ذلك الحين ما سمي «بالمبادئ الشعرية» أو «مفهوم الشعر».

وفيها تحدث بو عن غاية القصيدة أو غاية الشعر بشكل عام الذي هو السمو بالروح، وقد دعا في محاضرته الشهيرة تلك إلى التحرر حين كتابة الشعر من كل «أشكال الرضا والفائدة العقلية» التي يمكن أن تسود على الذهن، ويصف هذا التحرر على أنه «أثيريا» ولا يحدّ بغايات، كما يصف السمو على أنه تلك القدرة الشفافة وغير المرئية القادرة على رفع روح الإنسان بكل أثقالها المادية الإضافية إلى درجة من الترفع وغير مسبوقة بأفعال إرادية أو مبنية على مجموعة افتراضات.

ليبنى عليها مدخلا للوهم أو للتذكر، بل الشعر هو ذاك السلوك المنفلت.. ذاك السلوك وإن عرف إدغار آلان بو كيف يعبر عنه في كتاباته، إلا أن فهمه كان صعباً من قبل الآخرين، فهو كان في نظر أبناء جيله رمز «الشاعر الملعون» ورمز الشاعر المتسكع المعاكس للتيار، المشاغب في الكتابة الشعرية، المخرب في النثر، المتمرد على كل المدارس الأدبية والشعرية السابقة له، المدمن والمغامر والمتفلت من كل القوانين، الثائر على التقليد، الحزين حتى الموت، الكئيب حتى الثمالة والمتألم والمحب والعاشق حتى الجنون، ولكن سرعان ما تحولت صورة هذا الشاعر الذي لم يستفد من كتبه سوى بمبلغ اكدته إحدى الدراسات على أنه وصل إلى حدود 300 دولار اميركي، لتعبر هذه الصورة شاهدة على تغييرات جذرية فيها ولتصير صورة المليونير الذي مات مديوناً، والنجم الشهير الذي مات متسكعاً، منبوذاً ومجهولاً على الرصيف والشاعر الملهم لكبار المبدعين من بعده الذي ظن قصائده ستنضوي معه.

 المجدد للقصة الشعبية..

أصبح “بو” ومنذ مطلع القرن العشرين «الاخ الروحي» للشاعر بودلير الذي ترجم أجمل كتاباته، وإذا به «عبقري الآداب» بالنسبة إلى بول فاليري و«الحالة الشعرية القصوى» بنظر الشاعر مالارميه.. ليصير بو صاحب الرائعة الشعرية «الغراب» الذي مات وحيداً على الرصيف حامل أكبر الألقاب والمهام الأدبية على الإطلاق، بعد أن أشار كبار النقاد إلى أنه كان «المعلم الأول للكتابات الفانتازية» و«مخترع القصة البوليسية»، و«الممهد الأول للرواية العلمية» و«المجدد للقصة الشعبية» و«الرائد في علم التحليل النفسي».

وعدد كبير من الدراسات الأخيرة، جاءت فيها إشارات إلى أن حياة “بو” لم تكن على هذا القدر من الإهمال في إدمانه وتسكعه وأن سمعته قد لطختها بعض الأقلام الحاقدة والغيورة من عبقريته المفرطة، وأنه أيضاً لم يكن في وسع النقاد منذ مئتي عام شرح غرائبية كتاباته سوى بربطها بإدمانه وبابتعاده عن الأخلاقيات السائدة في ذلك العصر. وفي كل هذا يبقى سؤال حول اللعنة التي رافقت حياة “إدغار آلان بو”، فهل هي حقا كانت لعنة الواقع الحزين من حوله، أم كانت لعنة عبقريته الفذة الثقيلة على حياة انكسرت على 40 عاما، أم لعنة المشاعر الجياشة الكثيرة والفائضة على قلب إنسان؟ وقد تجد روح الشاعر “إدغار بو” الجواب في الذكرى المئوية الثالثة أو الرابعة أو التاسعة لولادته.. مع ولادة إدغار صغير من جديد في التاسع عشر من شهر كانون الثاني في ولاية بوسطن من أبوين (..) غير أن سهام اللعنة أخطأته.. فيسأله بو الشاعر: وكيف لا تموت أيضاً.. من قلة الشعر؟ .

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب